دراكولات جزيرتنا الفراتية
التاريخ: الأربعاء 08 نيسان 2009
الموضوع: اخبار



 آزاد صوفي

إن المتمعن في أحوال المجتمع الكردي في جزيرتنا الفراتية وما حولها سيجد معالم مأساوية كثيرة في شتى نواحي الحياة، لا سيما الاجتماعية والاقتصادية، فالجهل والتخلف من جهة، والفقر والبطالة من جهة أخرى، وأما العوامل التي صنعت هذه الظروف فكثيرة، يرجع بعضها إلى الظروف التاريخية القاسية التي مرّ بها الكرد، وبعضها الآخر يرجع إلى طبيعة الاستبداد الذي يُمارس بحق هذا الشعب المكافح والمصابر.
ولكن العامل الأهم الذي يسهم بشكل فاعل وقوي في صناعة الفقر والجهل والتخلف هو السلوك الشاذ الذي يتحرك ضد مصلحة هذا الشعب وضد رقيّه وتقدمه وسعادته بأيدٍ كردية داخل المجتمع الكردي.


فلا تخلو شريحة من المجتمع الكردي كما هي الحال في سائر المجتمعات البشرية إلا وفيها من المستغلين لأحوال الناس وظروفهم، ولن أتطرق إلى جميع تلك الفئات ولكني أضع بين يدي قرّائنا الكرام اليوم نموذجًا واحدًا ومهمًا بالنسبة للمجتمع ألا وهو( طبقة الأطباء) بمختلف تخصصاتهم، وهي من الطبقات المحسوبة على المثقفة التي لها مكانة واحترام بين الناس.
فمعلوم لدى الصغير والكبير والجاهل والعالم أن مهنة الطب لها طابع إنساني تختلف عن المهن الأخرى، لأنها تمس بشكل مباشر حياة الإنسان، وقبل أن يبدأ الطبيب ممارسة مهنته الإنسانية يُقسم على الإخلاص فيها والحرص على تخفيف الآلام والمعاناة عن المريض، وهي الخطوة الأولى المتعارف عليها دوليًا في المجال الطبي، حيث يسبق هذا الشعور الإنساني الاعتبارات المادية والمكاسب الدنيوية الأخرى كالشهرة وغيرها.
ولكننا نجد في مجتمعنا الكردي المتهالك وفي جزيرتنا المنسية، أن فئات من الأطباء ينقضون هذا القسم ويخالفون تلك الأعراف الإنسانية، فيشكلون فيما بينهم ما يشبه العصابات، حيث يحوي كل مجموعة طبيبًا واحدًا من كل تخصص (باطنية، جراح، أعصاب، عيون، مخبر، أشعة، صيدلة..إلخ)، وحين يقع أي مريض في شراك أحدهم يصبح كالكرة داخل الملعب بين أعضاء هذه المجموعة أو تلك، ويتم التنسيق بينهم من أجل المحافظة عليه ومتابعته ومراقبته حتى لا يخرج من الملعب إلى أن يتأكدوا من إفلاسه واستنزاف ما عنده من مال.
وبالطبع فإن كل عنصر من عناصر هذه المجموعات يحاول جاهدًا أن يستولي على أكبر قدر من المال من هذا المريض الضعيف، فهو طبيب الباطنية – مثلاً – ويتدخل في تخصصات غيره في القلب والأذن والأطفال والنساء، وهكذا، ليس هذا فحسب، بل تجد وقد جهّز عيادته بمجموعة من آلات التصوير المتنوعة التي لا يعرف المريض عنها شيئًا، ليخرج في النهاية من عنده وقد دفع فاتورة باهظة، والحال نفسها بالنسبة للتخصصات الأخرى.
فهذا يروي قصته مع الجراح الذي يترك العملية ليغير من قيمة المبلغ المتفق عليه، والآخر يحكي محنته مع أحد أطباء الباطنية الذي أفرغ ما في جيبه، لأنه احتاج – حسب زعم الطبيب - مجموعة من الإجراءات الأخرى غير الكشف، من التصاوير الالكترونية الحديثة، ولم يضع هذا المغبون في حسابه هذا الاحتيال، لأنه دخل عليه بنية الكشف فحسب، وأما عن أطباء وطبيبات النساء والولادة وتعاملهم المادي الجشع مع حال الحامل فحدّث ولا حرج.
وقصص كثيرة يضيق بها المقام، وجميعها تدل على المستوى الأخلاقي لهذه الطبقة المثقفة من أبناء جلدتنا!!!
ومن باب العلم، فإنه قلّما تجد في هذا المجتمع الطبي تآلفًا أو تعاونًا بين طبيبين من تخصص واحد، فالحسد والحقد والأنانية تحول دون ذلك.
هذه حالهم أثناء أوقات العمل، وأما خارجها فإن لهم جلسات ولقاءات، يتداولون الحديث فيها بصورة دائمة عن أهم موضوعين بالنسبة لهم، وهما:
- آخر ما اشترى كل منهم من العقار أو السيارات داخل المنطقة أو خارجها، وأسعارها الحالية والمستقبلية، ومناقشة أحدث الطرق للكسب السريع لأن غيرهم من الأطباء صار عندهم كذا وكذا!!!
- سلخ كل مجموعة لعناصر المجموعات الأخرى بكشف فضائحهم ومناقصهم، ومحاولة إعطاء الناس صورة مشوهة عنهم، رغم أن جميعهم يعكسون الصورة الفاسدة نفسها.
إن هذه المهزلة، بل هذه الخيانة لأمانة مهنة الطب الإنسانية تضفي على الواقع الكردي المأساوي بالأصل مزيدًا من المعاناة، حين تتحول أسمى مهنة عرفها التاريخ الإنساني إلى وسيلة للكسب المشبوه والثراء الفاحش على حساب فقر بني جلدتهم وحرمانهم وتخلفهم.
إن هذا التنافس الفاسد في جمع المال، هو دليل على انعدام القيم والأخلاق وفقدان الحس الإنساني قبل الحس الديني والوطني والقومي لدى هؤلاء، وهي علامة على مدى النخر وعمق الجراح الذي يعانيه جسد الكرد في تلك المنطقة المنسية.
ولا يخفى على أحد حال الناس في الجزيرة، فإما موظفين برواتب متواضعة لا تكفي إيجار البيت الذي يقطنونه، أو عمّالاً يكدّون بأيديهم لتأمين قوتهم يومًا بيوم، أو فلاحين بسطاء يعملون طول السنة بأثمان بخسة، وهكذا.
كما أن بعض هؤلاء الأطباء يتبعون النفاق الاجتماعي والسياسي والديني لجذب الزبائن والمرضى، فترى أحدهم ينضم إلى الحزب الفلاني، وآخر يبني علاقات وزيارات مع وجهاء البلدة ورؤساء القبائل والعشائر، وثالث يصبح مريدًا للمشايخ والملالي، وكل ذلك نفاق بنفاق والهدف لا يتجاوز الجشع والطمع الذي يضمرونه من أجل اجتذاب أتباع هذه الجهات وغيرها، إلى عياداتهم ومشافيهم.
ولكن ما يدمي القلب ويحرق الوجدان، أن هذا الاستغلال لا يحرّك في نفوس الناس معارضة أو استنكارًا، بل يزيد من شأن هذه الفئات وقارًا واحترامًا، فلهم الصدارة في المجالس ولهم الكلام الفصل في الخلافات والخصومات، بل إن كثيرًا من الناس لا يقطعون أمرًا ولا يقرّون قرارًا إلا بمشورتهم، وكأنهم تجاوزوا بذلك حدود تخصصهم الطبي إلى مجالات الحياة المختلفة، الاجتماعية والاقتصادية والنفسية وغيرها!!!
وحتى لا نبخس الناس أشياءهم، وحتى يكون تشخيصنا دقيقًا؛ فإن ما ذكرته هو الصورة العامة للمجتمع الطبي، ويستثنى منه بعض الأطباء – وهم قلّة للأسف - الذين يقدمون الكثير من الخدمات لمجتمعهم وشعبهم مكرسين بذلك الجانب الأصيل في مهنتهم الإنسانية وهؤلاء يستحقون منا كل الاحترام والمحبة والتقدير.
وأخيرًا فإنه من الواجب على جميع العقلاء والمثقفين من أبناء الكرد إثارة مثل هذه المسائل ووضعها تحت الضوء أمام الملأ في الصحف والمنتديات والمجالس، والتعامل معها بضمير وحيادية تامة، لعلها تحد من جشع هؤلاء الدراكولات في امتصاص دماء هذا الشعب المثقل بالأغلال والآلام.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=5427