التقرير السياسي الشهري لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)
التاريخ: السبت 14 شباط 2009
الموضوع: اخبار



     يشهد العالم ركوداً اقتصادياً واضحاً خاصة في أمريكا وأوربا واليابان، في حين لا تزال فيه بعض الدول النامية تسجل نموا بطيئا مثل الصين والبرازيل ودول الخليج، رغم خفض مستويات إنتاج النفط وتراجع أسعاره بسبب تراجع الطلب العالمي عليه في حدود 500 ألف برميل يومياً، وفي ظل هذه الأزمة التي لم تصب الاقتصاد العالمي مثيلا لها منذ ثلاثينيات القرن الماضي، فإن إدارة أوباما الديمقراطية تتسلم مهامها في واشنطن لتجد نفسها أمام أزمة مالية عالمية تتطلب ضخ مئات مليارات الدولارات في المؤسسات المالية الأمريكية


ورغم المشكلات الداخلية التي تعاني منها الولايات المتحدة فإن هذه الإدارة أبدت استعدادها للتعامل بفعالية مع القضايا الخارجية التي تمس الأمن القومي الأمريكي، مع إدخال بعض التعديلات، وإعادة النظر في الملفات الهامة في الشرق الأوسط، وخاصة ما تتعلق منها بالقضية الفلسطينية والعراق وإيران .ورغم أن الدعم الأمريكي لإسرائيل ليس مرتبطاً بالإدارات المتعاقبة، وذلك لأسباب عدة منها أن إسرائيل تمثل عمقاً استراتيجياً أمريكياً في المنطقة، فإن مشروع الدولتين، الذي أقرًته الإدارة السابقة،  تم التأكيد عليه مجدّداً في إطار سحب هذه القضية من إطار التداول والاستغلال الإرهابي، ودعم القوى والدول العربية المعتدلة.. وفي هذا الموضوع فإن الرئيس الأمريكي أوباما ينتظر نتائج الانتخابات الإسرائيلية لكي يباشر في وضع الخطوط العريضة لمشروع الدولتين اللتين تحدث عنهما في خطاب التنصيب، كما ينتظر الجهود المصرية والتركية الساعية لإعادة وحدة الصف الفلسطيني من خلال تفعيل الحوار بين حماس وفتح، والذي تعترضه بعض الصعوبات التي تستمدَ خلفياتها من الخلافات والمحاور الإقليمية، ومنها محاولة تشكيل منظمة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، في إطار الصراع على التمثيل الفلسطيني واستبدال حاضنته الإقليمية، مما يزيد من تشابك القضية الفلسطينية مع غيرها من القضايا الشرق أوسطية، وهو ما دعا أوباما إلى تبنَي سياسة إحياء كل المسارات المجمدة بحيث تتم معالجة كل القضايا المتشابكة بشكل متوازي، بدلاً من مبدأ فصل المسارات الذي اعتمدته إدارة بوش، ومن هنا جاء التوجه الأمريكي الجديد نحو المفاوضات المباشرة مع طهران بشأن ملفها النووي الذي يجسًد الطموح الإيراني لدور إقليمي أوسع، وتراجع احتمالات التهديد بالضربة العسكرية الذي استثمره التيار المتشدًد بقيادة الرئيس أحمدي نجاد لإثارة الشارع الإيراني الذي يشهد تناميا لتيارات معارضة برزت في تقدم المحافظين البرغماتيين بقيادة علي لاريجاني الذي فاز برئاسة البرلمان في خطوة تعزًز فرصه بالترشح لرئاسة الجمهورية ضد الرئيس نجاد، وكذلك في ترشح الرئيس السابق محمد خاتمي في إشارة لمحاولة استعادة دور الإصلاحيين، كما أن سوء الأوضاع الاقتصادية بسبب انخفاض سعر النفط عالمياً وتقلَص عائدات الدولة منه، يحد من تنفيذ برنامج التنمية ويزيد من تذمر الشرائح الفقيرة في المجتمع الإيراني.. وبانتظار طاولة الحوار الأمريكي الإيراني فإن طهران تسعى لتعزيز موقعها التفاوضي على حساب وحدة الصف الفلسطيني، وبالتالي العربي، وهو ما بدا واضحاً من خلال حضور الرئيس احمدي نجاد اجتماع الدوحة الذي أشّر إلى اصطفاف إقليمي يضم قطر وحركة حماس إلى جوار سوريا وحزب الله، مستغلاً في ذلك عجز النظام السياسي العربي، مما أفسح المجال لتزايد الدور التركي الطامح والمرشح للقيام بدور محدَد للامتداد الإيراني، إضافة لاعتبارات وطموحات خاصة تجعل من تركيا لاعباً مهماً في صياغة مستقبل المنطقة واستعادة نفوذها، مستفيدة في ذلك من موقعها وشبكة علاقاتها المتنوعة، فهي الدولة الأطلسية الوحيدة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع حماس رغم اتهامها غربياً بالإرهاب، كما ترتبط بعلاقات تاريخية مع إسرائيل أتاحت لها القيام بدور الوسيط في المفاوضات السورية الإسرائيلية غير المباشرة، وهي تستعد الآن للقيام بدور أكثر تقدماً بقيادة حزب العدالة وحكومة آردغان الذي أكسبته مواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية شعبية واسعة داخل تركيا وخارجها، مما يعني أن حزبه قد يكون الأوفر حظاً في الانتخابات البلدية التي ستجري شهر آذار القادم
  ويرى بعض المراقبين أن الزيارة المتوقعة التي يزمع آردوغان القيام بها لأربيل قريبا تدخل أيضاً في إطار تجيير المشاعر القومية والدينية في كردستان تركيا لدعم مرشحي حزبه في الانتخابات البلدية في المناطق الكردية، وخاصة بلدية ديار بكر، ورغم أن هذه الزيارة تعبَر عن اعتراف ضمني بإقليم كردستان وعن انفراج في العلاقات مع حكومته، فإنها تستهدف كذلك مناقشة موضوع مقرات pkk في الشريط الحدودي، إضافة لمسألة كركوك التي قد يسمح تحسَن العلاقات بين تركيا وإقليم كردستان للجانب الكردي بدراسة إمكانية المشاركة في اجتماع تشاوري يعقد في أنقرة لبحث الأوضاع في هذه المدينة، ومحاولة تقريب وجهات النظر لإيجاد حل توافقي يحظى بموافقة جميع الأطراف، ويلقى هذا الاقتراح دعماً أمريكياً تجلَى في الزيارة الأخيرة لنائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن إلى كركوك ولقائه مع ممثلي مكوَناتها القومية، وتأكيده على الاهتمام الأمريكي بالمسألة، وتلميحه بتبلور موقف أمريكي محدد تجاه كركوك بالتعاون مع تركيا ، بالتناغم مع مقترحات السيد مياستورا ممثل الأمم المتحدة للشؤون العراقية.
  ومن جانب آخر فإن تحسَن العلاقات الكردية التركية يمنح حكومة الإقليم دوراً مستقبلياً للمساهمة إيجابياً في البحث عن حل سلمي للقضية الكردية في كردستان تركيا، والتي أثبتت التجربة أن الحل العسكري فشل في معالجتها، وان الوقت قد حان للحوار، ومما يزيد من فعالية هذا الدور هو زيادة التفاهم بين الحزبين الرئيسيين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني والتوصل معاً إلى اتفاق لتوحيد الوزارات المختلف عليها، وهي المالية والبيشمركة والداخلية، وكذلك اتفاقهما على خوض انتخابات المحافظات والمجالس المحلية في 19 أيار القادم بقائمة مشتركة، والوقوف معا في وجه تشكيل مجالس الصحوة في كردستان .
  وبالعودة إلى الوضع الإقليمي، فإن الفراغ الذي أحدثته المرحلة الانتقالية الأمريكية، وانعكاسات التوجّه الجديد لإدارة أوباما، جذب للمنطقة لاعبين جدد، فبالإضافة لدور كل من تركيا التي تندفع نحو المنطقة بدافع اليأس من فتح البوابة الأوربية أمامها حتى الآن، وكذلك لإيران التي استفادت من سياسة الحرب على الإرهاب لخلق حالة من اللا استقرار في العراق ولبنان وفلسطين، وحتى في اليمن، بحثا عن انتزاع نفوذ إقليمي أقوى، فإن أوربا أيضاً بدأت مشوار العودة إلى المنطقة، وكان ظهورها واضحاً في قمة أوربية في شرم الشيخ، وعلى شكل زيارات عديدة قام بها أكثر من مسؤول أوربي لعواصم الشرق الأوسط التي يتوقع أن يتراجع فيها الدور العسكري الأمريكي في عهد أوباما الذي توحي سياسته بأن الولايات المتحدة ليس بإمكانها حل مشاكل العالم كله بشكل منفرد، وأنها تفصل بين من يحاربون أمريكا، وبين من يختلفون معها، وأن أوربا وحلفائها في المنطقة قد يتاح لهم القيام بدور أكثر فاعلية في المرحلة القادمة .
  وفي الداخل السوري فإن الأزمة الاقتصادية تتفاقم، بسبب تلازم آثار الأزمة المالية العالمية مع عوامل الفساد وسوء الإدارة، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط الخام، الذي يأتي في مقدمة العائدات السورية، وكذلك انخفاض حجم الصادرات غير النفطية، خاصة من النسيج، إلى النصف في الأشهر الأخيرة، مما تسبب في إغلاق عشرات المنشآت الصناعية. وبحسب البنك الدولي، فإن معدل النمو في سوريا عام 2009 سيكون 2,5% ، أي نصف ما كان عليه عام 2008 ، في حين ستكون نسبة التضخم 14%.
  ويثير تردي الوضع الاقتصادي المهدّد، ليس فقط بتداعيه، بل كذلك بتدهور حياة المواطنين ونضوب مصادر عيشهم، المزيد من القلق والمخاوف من اتساع ظاهرة الجريمة بسبب اتساع دائرة الفقر وانتشار البطالة 20% وتسارع زيادة السكان، بالترافق مع عجز الحكومة عن القيام بالإصلاح المطلوب وفشل سياساتها الاقتصادية في تأمين 280 ألف فرصة عمل تحتاجها البلاد سنوياً.
  وترتبط أوضاع الحريات وحالة حقوق الإنسان بهذا الوضع المحتقن، حيث تواصل السلطة حملتها القمعية ويزداد التدخّل الأمني في الحياة العامة، ويتسع نطاق الاعتقالات والاستدعاءات الأمنية، لتطال مختلف أصحاب الرأي والنشطاء ، ففي الوسط الكردي، تم تحويل ثلاثة أعضاء من قيادة حزب أزادي الكردي إلى قاضي التحقيق الأول في دمشق، وهم الأخوة مصطفى جمعة ومحمد سعيد حسين عمر وسعدون محمود شيخو، و يحاكم الأستاذ مشعل التمو أمام محكمة الجنايات الأولى، ولا تزال قضية 24 من المواطنين الكرد أمام المحاكم العسكرية. وشملت الاعتقالات والمحاكم  حتى المهتمّين باللغة الكردية وتعليمها، في حين يلاحق فيه الكرد المجرَدون من الجنسية النازحون إلى ضواحي دمشق بموجب تعاميم أمنية، لمنعهم من العمل، وتهديد أصحاب المعامل والمطاعم بالغرامة والسجن، لمن يخالف ذلك، وبذلك فإن تراكم تطبيقات السياسة الشوفينية مع آثار الأزمة الاقتصادية والمعاشية الخانقة، سوف يكون من شأنه زيادة معاناة شعبنا الكردي، وتعميق شعوره بالاغتراب واليأس، من جهة، ودعم قناعاته بضرورة التغيير الديمقراطي السلمي، الذي يعني إنهاء الظلم بكل أشكاله وبناء دولة الحق والقانون، القائمة على الخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية، من جهة أخرى .
  في 12- 2- 2009 
  اللجنة السياسية
لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا(يكيتي)







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=5118