منطق الكراهية والحقد والموازين الحقيقية منطقا وفكرا ؟!
التاريخ: الثلاثاء 16 ايلول 2008
الموضوع: اخبار



عبد الرحمن آلوجي

في الوقت الذي تتقارب فيه المفاهيم والأفكار وتتواصل اللقاءات والحوارات, وفي الوقت الذي تستهجن النزعات والنزغات والرؤى المغشاة بأوهام العصبية المنتنة والعنصريات البائدة التي أصلت المجتمع الإنساني كل أشكال العنت والقهر والبغي والفتن العمياء؛ وأذاقت البشرية ألوان الرعب والفتك وبشاعة القتل والتدمير في حروب مدمرة أفنت الملايين وشردت ونهبت ودمرت؛ كانت من أكبرها وأوسعها فتكا الحربان العالميتان, وما تركتهما الفاشية والنازية من مفاهيم وآثار مدمرة, وأحقاد عارمة وتمييز مشين


في وقت بدأت المجتمعات الإنسانية تستفيق من هول الصدمة وعرامة الكارثة, وراحت تضمد جراحها وتتهيأ لبناء مجتمعاتها على أسس جديدة ورؤى نابضة بالحياة, ساعية إلى التواصل والتكامل والبناء والتحاور ونبذ العنف, والدعوة إلى رفع قواعد ومناهج جديدة ,وبناء حضاري أكثر عمقا وتألقا وارتقاء ,بما يعزز كرامة الشعوب ويؤسس لعلاقة مجتمعية جديدة تترقى وتعظم وتسودها أنماط متقدمة في السلوك والتوجه وخوض الحياة الإنسانية بمنطق بعيد عن كل ألوان الكراهية والعصبية والحقد ومدارسها ورؤاها وتوجساتها السقيمة ومفاهيمها الضالة والمريضة والبائسة ’في هذا الوقت بالذات نجد الأصوات المنكرة والأبواق الناعقة تتردد صداها هنا وهناك, لتروج لمفاهيم ومثل متآكلة وعصبيات بائسة, تتطوع لها وتنفخ في رمادها وسائل إعلام عربية, وفضائيات تنفق عليها أموال طائلة وجهود مضنية كالمستقلة و فضائية الرأي و بعض القنوات الأخرى التي تستضيف مثل هذه الشخصيات و الكوادر, لتتفرغ لها هذه الكوادر التي تستدر عطف الجماهير الغفل, وتلهب حماسها وتقودها إلى متاهات مجهولة, تثير النخوة وتقرع طبولا مخروقة, بدعوى استنهاض الحس القومي المزعوم, والتنبيه إلى مخاطر واهمة, ومزالق خطيرة تهدد مصالح الأمة, وتقودها إلى ما لا يحمد عقباه, واضعة أسسا وقواعد رؤية تعتمد منطق الكراهية والحقد, زارعة وبرعاية متواصلة أضاليل لا تكاد تخدم مصالح الأمة العربية و قضاياها العادلة ، كما لا تخدم المسيرة الديمقراطية القائمة على العدل و المساواة بين الشعوب و حكامها من جهة و ما تحققه من مكاسب في مجالات التواصل و التحاور و الالتقاء على الأهداف و القيم و المعايير الهادفة إلى بناء أوثق العلاقات و أكثرها رسوخا بين الشعوب أنفسها, و بخاصة بين الشعوب المتجاورة في الشرق الأوسط التي تجمعها أواصر تاريخية و تراث روحي و كفاحي وأخلاقي مشترك كالعرب والكرد والأمازيغ والفرس و الترك , مما ينبغي التركيز فيه على تمتين العرى المشتركة و القواعد الجامعة, والمفاهيم المؤسسة لعلاقات متوازنة و متكافئة , بعيدة عن منطق الإحن , و تأريث الثارات و بعث التناقضات و النفخ في أبواق لم تعد تحرك إلا الهامد و المنتن و البائس من المفاهيم التي طواها الزمن و حشرها في زوايا منسية.
إن البؤس الفكري , و الرؤية الهابطة و المفاهيم القائمة على التشنج و إثارة النعرات , و نسيان حقوق الآخرين, و إدارة الظهور للمحن و الكوارث المدمرة , و الآفاق المكفهرة التي تنتظر الإعداد و التهيؤ لإثارة القلاقل و بعث الفتن الراكدة, إن كل ذلك مما يوصم هذا البؤس الفكري بكل ألوان التحريض و المغالاة و التطرف, مما كان له أثر كبير في المنطقة عامة و العراق خاصة, في وقت ينهض فيه العراق من هول أكبر مجزرة في التاريخ دفع إلى أتونها خيرة أبنائه من مختلف المكونات الأثنية و المذهبية , و الاتجاهات و الأفكار و العقائد و المفاهيم , في حصاد بشري مروع قل نظيره و على يد أعتى الدكتاتوريات و أكثرها بؤسا و شناعة و إثما.
إن أمثال : (هارون محمد , و الشيخ الخزاعي , و ماجد سعيد , و القلمجي , و سوى هؤلاء و أولك ...) لا يكدون يخدمون العرب و قضاياهم , بقدر ما يشوهون و يزرعون بذور فتنة عمياء في أرض تحمل بوارا و تبارا و شرا مستطيرا , حيث لا يكاد ينفع هذا النفخ المتعمد في رماد الفتنة المقبورة التي تكاد تخفي تحتها وميض جمر , حيث نجد عقلاء العراق و كبار ساستهم و مفكريهم أكبر بكثير من الانجرار إلى ما يدعون إليه.
إن قادة الكرد برهنوا على الدوام و عبر تاريخ طويل على مصداقيتهم و احترامهم الكامل للعهود و المواثيق المبرمة و على تعاقب الأنظمة و الحكومات , ولم يحدث في أوج صراعهم معها و دفاعهم عن حقوقهم المشروعة أن هدموا بيتا أو روعوا قرية أو قتلوا أسيرا أو آذوا مدنيا غير محارب , في الوقت الذي دمر النظام البائد أربعة آلاف و خمس مئة قرية كردية , و أبادوا تحت عنوان مقدس عريض (الأنفال) مئة و ثمانين ألف مدني في تطهير عرقي لا تكاد تجد له نظيرا , لتجد واحدا من هؤلاء الناعقين يقول:( لقد ردت الحكومة على الكرد بالمثل لأن البيشمركة لم يكونوا يحملون غصن زيتون ..) ولكن البيشمركة كانوا يتوجهون إلى المقاتلين دفاعا مشروعا عن حقهم في الوقت الذي كانت الدكتاتورية تزرع الرعب فوق رؤوس الآمنين الكرد تحت قاعدة :( كل شيء يتحرك في أرضهم معرض للقصف) لتكون أرض كوردستان مسرحا فظيعا لأكبر حملة إبادة جماعية, و قد وضح موقف الكرد بجلاء كامل ووضوح لا لبس فيه الرئيس المناضل مسعود البارزاني في مقابلته الأخيرة مع قناة الجزيرة, حيث بيّن الدور الوطني المتألّق و البارز للكرد في العراق الجديد و مخاطر تهميش الكرد, و الالتفاف على مواد الدستور, و الأفكار و الأحقاد التي يمكن أن تضر العراق جراء النزعة العنصرية و التي يمكن أن تمزق الصف العراقي و تهدد وحدة العراق, و قيمه الوطنية العليا, و ما راهن عليه الأعداء طويلا , مؤكدا أن البرلمان و التشاور و تبادل الرأي و توجيه الجيش العراقي إلى الدفاع عن الوطن و مقدراته وابتعاده عن السياسة و خدمة مصالح فئة دون أخرى ضمانة أكيدة بصيانة وحدة العراقي و تطوره وازدهاره.
فهل يمكن لهؤلاء أن يعيدوا عجلة التاريخ إلى الوراء ؟! و هل يمكن للتارخ أن يدور دورته إلا وفق معايير و قيم العدل وحقوق الإنسان ومفاهيم التطور الإنساني الجديد ؟! و هل يمكن لمنطق الكراهية و الحقد أن يجد صداه في نفوس أحرار العرب و الكرد بعد أن أبصروا النور إثر ليل دامس طويل من القهر والإذلال والعبودية ؟!.  






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=4447