(مَنْ يجب أنْ يُعاتِبَ مَنْ ؟)
التاريخ: الأحد 07 ايلول 2008
الموضوع: اخبار



بقلم: علي الجزيري

   دأبتْ جريدة (قاسيون), التي يصدرها فصيل شيوعي من دمشق, ومنذ سنوات ، للنيل بأي ثمن من عدالة القضية الكردية عامة وفي إقليم كردستان العراق خاصة، عبر الإساءة  لرموز شعبنا الكردي التاريخية والوطنية والثقافية ، وسلكتْ, في هذا السياق, مسلكاً يثير الشبهات والغثيان معاً، لو جاريناها فيه لأصبناها مقتلاً، وبرغم ذلك، تجد القائمين عليها ـ أحبار الأمة ومعظمهم من الكرد من حيث المنشأ ـ  يتوهمون بأنهم قد بلغوا شأواً لا تطاله الأعناق.


   فالجريدة ماضية ـ كما أسلفنا ـ في سرد صور نمطية عن الكرد نفذت صلاحيتها منذ ربع قرن وتسويق قصص ملفقة تنقصها الحجة البينة، وفق منطق متهافت ومتناقض في آن ، كما تدس أنفها هنا وهناك بغية تصيّد الهفوات مهما كانت صغيرة، غير مكترثة سوى بتجريح مشاعر الكرد من جهة وإرضاء مَنْ يلتحف القائمون عليها بردائه لستر عوراته من جهة أخرى. صحيفة كهذه ، عسير عليها أن تقنع شعبنا الكردي بنمط تفكيرها ، ناهيكم بأن يسلك الكردي سلوكها ليقايض حريته بنفاقها السياسي، لأنها غدت ـ مع الأسف ـ مروجة لخزعبلات كانت تروجها أبواق النظام المقبور في العراق.

   والشخص الذي تحتفي به قاسيون أو الأصح الذي ندبته للكتابة هذه المرة ، بقصد الإساءة للحركة التحررية الكردية ، غير آبهة بما ستسببه من إمتعاض، من لدن القارىء الكردي ، هو (محمد العبدالله)، الذي يضفي على التاريخ من ثقافة الحزب الواحد الكثير من الخزعبلات ويسهب في ذلك ، ومن ثم يجتر ترهات ما جاء الله بها من بهتان ، وهو يتلقف ويعيد إنتاج ما كانت تلوكه ماكنة إعلام النظام في بغداد أيام زمان ، تلك التي كان يديرها (الصّحاف)، الذي ما تزال صورته السيئة الصيت ـ والتي أضحت مثالاً للتندر والتفكه ـ تتمتع براهنيتها في ذهن مشاهدي القنوات الفضائية على أقل تقدير، ناهيك عن إستخدامه لألفاظ  إعتراكية ، أقل ما يقال فيها، أنها تتنافى مع منطق العصر والحوار الهادىء المتمدن، مما غدتْ مقالته المنشورة في العدد 365 السبت 19 تموز 2008 م من جريدة (قاسيون) والتي يترأسها  د . قدري جميل ، مفتقرة الى الحد الأدنى من الرصانة و روح الموضوعية ولا ترتقي ـ ببسيط العبارة ـ فوق مستوى التقارير البوليسية ، وهذا ما يدركه كل قارىء يتسنى له قراءة المقالة.
   لهذا كله، لم أكن أنوي كتابة هذا الرد، سيما وأن كاتب المقالة المذكورة، المدفوعة الثمن وأمثاله، يتظاهرون دوماً بمحاربة أمريكا وإسرائيل بسيوف من خشب على شاكلة دونكيشوت تقيّة أو مراوغة أو مجاراة لأولياء النعمة، في الوقت الذي يشهرون فيه سيف التكفير في وجه الكردي / الضحية، غير آبهين بالعلم الاسرائيلي الذي يرفرف في أكثر من عاصمة عربية !...  فالتاريخ، لا ينسى كيف كانت (فروات رؤوس) الهنود الحمر تعلق في مداخل بيوت غزاة أمريكا قبل 500 سنة ، في حين كان نساؤهم يُغمى عليهن عند رؤيتهن الفأر ! ...  . أجل ، هي ذي الإزدواجية المخادعة ذاتها، التي يتحفنا بها صاحبنا وتضخها يومياً وسائل الاعلام (المسموعة ،المقروءة والمرئية) في الأنظمة الشمولية، حتى باتت النفس تشمئز من رائحتها النتنة التي تزكم الأنوف.
   لكن ما دفعني حقيقة لكتابة مقالتي هذه هي الصحيفة نفسها، التي أضحت مطية بحق لغلاة الفكر الشوفيني ومنبراً لأمثال صاحب المقال المذكور المتربي على ثقافة الإكراه، من هنا يحق لي أن أتساءل : مَنْ يجب أنْ يُعاتبَ مَنْ يا معشر الشيوعيين ؟.
   تعالوا ـ إن شئتم ـ لنحتكم أمام كارل ماركس بوصفه مرجعكم وتستلهمون منه ـ كما تدعون ـ مواقفكم، ونجهر بحقيقتكم . هل تعلمون كيف كان يختبر المذكور جوهر رفاق دربه ويفحص أسنانهم اللبنية أم انكم تتجاهلون ذلك خشية أو تزلفاً ؟ ... كان طيب الذكر، يختبر الانكليزي من خلال موقفه من القضية الايرلندية، لأن مصداقية أممية ـ دعوني أقول إنسانية ـ الانكليزي في نظره ، تتجلى ها هنا على نحو ساطع ، ومن دون رتوش !... وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن مصداقية أمميتكم أيضاً تكمن في موقفكم من القضية الكردية ليس إلا ... ولكن على ما يبدو أن لاجدوى من وراء هذا الجدل، لأن ماركس ـ الذي تتاجرون به ـ بريء من أمثالكم، براءة الذئب من دم يوسف ، وهذا بيت القصيد .
   أخيراً ، لايسعني إلا أن أتساءل من (محمد العبدالله) : كيف طاوعتك نفسك في الإساءة للشعب الكردي وزعيمه البارزاني الخالد، بعد أن قال فيهما شاعر العرب الأكبر (محمد مهدي الجواهري) ، في مطولته المشهورة (كردستان يا موطن الأبطال) ، ما لم يقله المتنبي في سيف الدولة :
سلّم على الجبل الأشم وأهـــــــله      ولأنت تعرف عن بنيه من هـمُ
بإسم (الأمين) المصطفى من أمة      بحياته عند التخاصم تقســــــمُ
يا أيها الجبل الأشم تجلــــــــــــة      ومقالة هي والتجلــــــــــة توأمُ
شعب دعائمــــــه الجماجم والدم      تتحطم الدنيــــــــــا ولا يتحطمُ
    ثم كيف يحلو لك الإعتقاد أن مِنْ حق أمثالك ، ممن لاذوا بالصمت المزري إبان الإبادة الجماعية لشعبنا ، بالأسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً أو عبر عمليات الأنفال السيئة الصيت، أن يصدقكم الكردي فيما تتلونه عليه من مزامير ؟ و كيف يطيب لك أن تسوّق لـ (نظرية المؤامرة) التي تعشعش في بنية عقلك خلسة ، وتكره الضحايا لتقبل هذا النمط من الأنساق الايديولوجية والتصورات المضللة ، البائسة والمتعمدة ـ التي أكل عليها الدهر وشرب ـ لوصم القيادات الكردية بالتخوين ، بعد أن عجز طاغية مثل صدام لنيل مبتغاه على هذا الصعيد ، بالرغم من عزفه على هذا الوتر طويلاً ؟ ... فكفاك إساءة للعلاقات التاريخية بين العرب والكرد، وإعلم أن الأمة التي أنجبت أمثال الجواهري، لا نتوقع إلا أن تنصفنا نحن الكرد يوماً ما وتسعى الى مؤازرتنا ومناصرة قضيتنا العادلة ، لأن ما يجمع الخيرين من العرب والكرد ، كفيل لرئب الصدع  الذي تسببت فيه الأنظمة التاتوليتارية وأقوى من كل الدسائس التي تحاك من لدن أمثالك ممن أصابوا بائها ، بين الشعبين والأمتين بكل تأكيد.








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=4416