مشروع المرجعية الكوردية في سوريا
التاريخ: الأحد 22 حزيران 2008
الموضوع: اخبار



 بقلم : م . رشــيد

    سئم الشعب الكوردي حالات التمزق والانقسام المتكررة في حركته السياسية  منذ أن انقسم أول تنظيم على نفسه بين يمين ويسار وإلى تاريخه ، فقد كان مطلبه الدائم والأساسي  هو توحيد الصف والخطاب الكورديين ، مدركا ً تماما ً أن قوة الحركة وفاعليتها  في وحدة فصائلها ، ولكن كلما زاد من ضغوطاته تقوم القيادات  ( للأسف ) بالعمل ضد رغباته ، وذلك بالالتفاف على دعواته وافراغها من محتواها من خلال تشكيل أطر تجميعية بمسميات متعددة ( ميثاق ، جبهة ، تحالف ، تنسيق ، .... ) على أساس التمحور والاصطفاف ، من منطلق تصفية الحسابات الشخصية ، و الانتقام  لمصالح حزبوية ضيقة ،  بناء ً على ردود أفعال آنية حاصلة ، وظروف موضوعية طارئة ، بعيدا ً عن العلمية والواقعية والشعور بالمسؤولية  ... ، تبتغي من تشكيلها  :


     أولا ً : إما لاعطاء الشرعية لانشقاق حاصل ، أو لمواجهة تيار صاعد في دوره ومتعاظم في تأثيره  وطنيا ً أو قوميا ً ( والذي من شأنه جلب المتاعب لها وجرها إلى مواقع هي بغنى عنها  ) .
     ثانيا ً : أو لتبرير ضعفها و اخفاقاتها ، وبالتالي حماية ذاتها  من خلال تلك التجمعات  .
     ثالثا ً : أو للتغطية على أزماتها الخانقة  من تنظيمية وسياسية وثقافية ....  ، و تبرير اخفاقاتها ، وبالتالي حماية وجودها كحزب معترف به ضمن التكتلات القائمة  .
     رابعا ً : أو لارضاء قوى خارجية مؤثرة في تكوينها و متحكمة بمصيرها وإرادتها  .
     خامسا ً : او لتوافق تغيرات جارية في واقع ومواقع قوى كوردستانية  ، تراها أحزابنا  أبا ً شرعيا ً يمنحهم الحياة والحركة ويرشدهم إلى ما يفكرون ويعملون   .

     كل انقسام جديد في جسد حزب كوردي ، أو انهيار جديد لكيان متكتل قائم ، هو بمثابة كارثة تعمق الأزمات وتزيد المصاعب والمتاعب ، فتخلق الأحقاد والضغائن ، وتهدر الطاقات والامكانات ، وتضيع الفرص ، وتحدث الفوضى والاضطراب ، وتحصل الاختراقات في مفاصل التنظيمات ومراكزها  من قبل أشرار أو أناس غير مناسبين وغير أكفاء ، وهكذا يستمر النخر والتخريب في أوصال الأحزاب ، وتصبح عاجزة على الشفاء والاصلاح والنهوض ، فتبقى رهينتة بيد قوى الظلام من انتهازيين ومتربصين بحيث تكون مهيأة لانقسامات أخرى وأخرى كلما دعت الحاجة والطلب ، بمعنى آخر إن الولادة الغير طبيعية لمعظم الأحزاب  جعلتها تنمو مشوهة في امكاناتها و ناقصة في مقوماتها وبذلك تبقى عاجزة عاى التجدد والتطور تبعا ً للأوضاع والظروف المتغيرة ... فتتحول بالنهاية إلى تجمعات بشرية مناسباتية  غير منسجمة في التركيب والتشكيل ( غير مؤسساتية ) ، مختزلة في ذروة نضوجها في شخص الأمين العام العتيد ( أو الرئيس ) الذي تسمى وتعرف باسمه في جميع المواقع والمحافل ، وتصبح تلك التجمعات غاية ووسيلة لاستملراريته وبقائه على رأس الهرم الذي أنشأه على مقاسه ومذاجه ، ويصبح هو وسلوكه وتفكيره أسباب رئيسية وأساسية في دوام أزمة الحركة وتفاقمها  ، وتبقى  القضية بهمومها وشجونها جسرا ً لتوطيد وترميم ذاك الهرم  .

     إن الانهماك في المشاكل الداخلية ، والانشغال بالشؤون الذاتية ( من تشرذم وتصارع ) يجردان الأحزاب من الأهلية والشرعية والصلاحية لقيادة الجماهير الكوردية ، لأنها تفتقد إلى مشروع واضح وموحد لحل القضية الكوردية في سوريا   ، ولا تمتلك الأداوات المناسبة والكفيلة من مؤسسات ومنظمات وهيئات  لترسم البرامج والخطط وتسعى لتنفيذها  ، فالارتجال والانفعال ورد الفعل المرافق للأحداث تتدخل بشكل أوبآخر على آليات اتخاذ القرارات والمواقف وطبيعتها ومضامينها  ، إلى جانب المنطلقات الحزبية و التأثيرات الشخصية  ...
     مهما كانت الذرائع والحجج ...  فلا تبرر مطلقا ً الانقسامات والانشقاقات العشوائية المتكررة ، ومهما كانت الأسباب والعوامل فلا تسمح بهذا العدد الهائل للأحزاب ، فلا قوانين المنطق تبيحه ، ولا قواعد الاجتماع والفلسفة والسياسة تجيزه ، ولا البيت الكوردي  يستوعبه ....
    
     لم يكن نبأ انهيار التحالف مفاجئا ً بقدر مأساويته ، لأن الشارع الكوردي اعتاد على هكذا مصائب ، لا بل يعيبه ويستنكره ، ليس تشفعا ً لأحد أو دفاعا ً عن أحد مهما كان موقفه وموقعه ، ولا نستثني أحدا ً من تحمل المسؤولية ،  إنما حزنا ً ورثاء ً  على حالة الحركة الكوردية المريضة والمأزومة فعلا ً وحقيقة ً ، فالانقسام الحاصل  ( كسابقاته)  لم يكن وليدة موقف مبدئي وحسم سياسي  لفرز قومي أو صراع طبقي أو خلاف فكري   ....  ، بل هي نتيجة لتراكمات واحتقانات قديمة سبق ذكرها  ،  ففي الوقت الذي كان الشارع الكوردي  ينتظر بفارغ الصبر اعلان خبر تشكيل مرجعية كوردية  لتأخذ الحركة الكوردية موقعها المناسب والمطلوب على الساحة في ظل التحولات والتغيرات الجارية محليا ً واقليميا ً ودوليا ً ، تتلقى الضربة موجعة وقاسية أكثر من أي مرة ، لأن الأوضاع حرجة والتحديات كبيرة والمنطقة تمر بظروف صعبة في ظل النظام العالمي الجديد بمفاهيمه وتقنياته  ،  وكذلك لأن الأحزاب قد اقحمت ( ورّطت ) مستقلين   ( بغض النظر عن هوية ونوعية المقحمين في هذا الحدث  ، فمسألة المستقلين تحتاج إلى دراسة ومناقشة ، فلنا تحفظات عديدة عليها  )  في تحمل مسؤولية الانقسام ، وهذه سابقة خطيرة في التعامل مع ممثلي باقي شرائح المجتمع الكوردي  و في محاولات اشراكهم في القضايا القومية والوطبية ،  فإن شرخا ً قد حصل ، و أشار بوضوح و مباشرة  إلى زعزعة الثقة و الريبة  والحذر والتخوف .... لدى المستقلين   قبل الاقدام على أية مغامرات مع الأحزاب ... ، هذا على المستوى القومي الكوردي ، أما على المستوى الوطني  فقد كانت الضربة إنذاراً مؤلما ً وبليغا ً للعمل المشترك بين الأحزاب الكوردية من جهة والقوى الوطنية والديموقراطية  المعارضة من باقي القوميات والتيارات والفعاليات  من الشعب السوري  ( إعلان دمشق ) ، فآثارها ستكون وخيمة وثقيلة  على السوريين عامة والكورد خاصة  .
    
     أما في الجبهة المقابلة فمازالت المشاريع التمييزية ترسم باتقان شديد ووتيرة عالية ، والقوانين الاستثنائية تطبق بشكل منظم على قدم وساق وبوسائل وأدوات محكمة التخطيط والتنسيق :  
     أولها : زرع روح الفتنة والشقاق والفرقة في جسد الحركة الكوردية وتنشيطها متى ما استدعت الضرورة ، وثانيها : تطبيق سياسة التجويع والتغريب والتهجير بشكل أو بآخر ، و ثالثها :  السعي الجاد  لتخوين الكورد وعزلهم وطنيا ً واتهامهم بمشاريع وأجندات خارجية ، و رابعها : معاقبة الكورد وممارسة كافة أشكال العنف والارهاب ضدهم  ، .... إلى آخرالقائمة من الاجراءات والممارسات .
     فأين هي الأحزاب الكوردية بمواقفها ومواقعها من تلك القائمة  ومن نفسها  ؟
     كما أن عجز الأحزاب من تحقيق أي انجاز من قائمة المطالب والحقوق القومية والوطنية المشروعة والعادلة  خلال مسيرة الأربعين سنة الماضية ، ألا يثير الاستفهام والاستغراب ؟

     وكذلك بقاء الشعب الكوردي مضطهدا ً ومظلوما ً ومحروما ً يئن تحت وطأة المشاريع الاستثنائية العنصرية الجائرة المطبقة بحقه وفي مناطقه  منذ نشأة الدولة السورية وحتى تاريخه ، أليست هناك من أطراف تتحمل المسؤولية  ( قانوبية كانت  أوأخلاقية أو انسانية  .....  ) تجاهه  ؟  أجل ، فإذا كانت إرادة الدول العظمى في العالم  ومصالحها  هي المسببة والراغبة  باستمرار هذا الواقع  ، وكذلك الأنظمة الحاكمة المتعاقبة هي المستفيدة من عدم معالجته  ، ألا يتحمل الجانب الكوردي المسؤولية أيضا ً ؟ بلى ، لأن العامل الذاتي ضروري وحاسم في حل القضايا القومية والتحررية ، وتجارب الشعوب كثيرة ومتعددة في هذا المجال ،  ومن الجانب الكوردي تنحصر المسؤولية في الأحزاب السياسية وحدها  ، وذلك للأسباب التالية :
1-  البقاء في قوالب جامدة وكلاسيكية  تنظيميا ً وفكريا ً ، وعدم القابلية للتطوير والتحديث تلازما ً مع الظروف والمعطيات المستجدة على الساحات جميعها .
2-  احتكار الأحزاب الكوردية  للعمل والنضال ، واعتبار نفسها ممثلة حصرية  للحركة الكوردية ، وعدم الانفتاح على باقي الفعاليات والشرائح الاجتماعية  من مثقفين ومهنيين ورجال دين ..... إلخ ، وعدم اشراكها في صنع القرارات  ووضع البرامج ....  
3-  عدم التقيد بالمنهج الديموقراطي المؤسساتي والعلمي  في بناء أحزابها وتكتلاتها ، والاخفاق في ايجاد ممثلية شرعية للشعب الكوردي في المحافل الوطنية والكوردستانية والعالمية .
4-   عدم تبني رؤية كوردية موحدة لحل قضية الشعب الكوردي في سوريا  .
5-  الفشل في تمكين الوجود الكوردي وتفعيل دوره على الساحة الوطنية السورية ، استنادا ً على مبدأ الشراكة الحقيقية مع باقي أطياف الشعب السوري في الوطن من حيث الحقوق والواجبات ، باعتباره جزء لا يتجزأ من الشعب السوري وتاريخه .
6-  عدم توصيف وتنظيم العلاقات مع القوى الكوردستانية  وتحديد طبيعتها وأبعادها  على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية  ، من منطلق احترام خصوصية حركة كل جزء واستقلاليته  .

 إضافة لماسبق ذكره  ،  إن ادعاء كل طرف  بأنه الشرعي والأصل والوريث والوصي والصواب ..... بعد كل شرخ أو تمزق حاصل  يوسع الهوة ويقلل من مساحة الحوار والتفاهم ، وبالتالي استحالة ايجاد صيغ واقعية ممكنة  من التعامل ضمن اطار جامع لكل القوى المتواجدة على الساحة  ، لذلك أقترح مشروعا ً للمناقشة والدراسة لأجل خلق فرصة لعقد مؤتمر وطني عام وشامل لكل الفصائل السياسية بدون استثناء أو تهميش أو إقصاء  ، مهما بلغت أوزانها وأحجامها  ، إضافة إلى مستقلين حقيقيين ومهتمين بشكل فعلي بشؤون الحركة والقضية  ،  بحيث يمثلون مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية الأخرى ، لتشكيل مرجعية كوردية قادرة على قيادة نضال شعبنا  وفق رؤى ومبادئ عمل  واضحة وموحدة  في مختلف الظروف والأحداث  ، وليصبح المشروع المقترح واقعيا ً وعمليا ً  أقترح مايلي :
1-  تسمية لجنة تحضيرية للمؤتمر من مستقلين من قبل الأحزاب و بالتوافق  .
2-  اعتماد الرؤية المشتركة المتفقة عليها سابقا ً من قبل التكتلات الثلاث ( جبهة – تحالف – تنسيق ) كأساس للنقاش والحوار .
3-  يحدد عدد المؤتمرين بثلاثة أشخاص من كل حزب ( من الصف الأول ) ، وثلثهم عددا ً من المستقلين ، بحيث يكون الجميع متساوين في حقوق المناقشة والمداخلات والتصويت .
4-  يشارك موفد كل حزب بصورة مستقلة  كممثل لحزبه فقط  ، ويمنع  التمثيل الجماعي أو المشترك  لأي تكتل أواطار  .  
5-  تعتمد القرارات والتوصيات بأكثرية الثلثين ، وتكون ملزمة للجميع .
6-  يتم انتخاب رئيس و أعضاء هيئة المتابعة والتنسيق  وتحدد عددهم وتبين مهامهم  في المؤتمر  .
7-  يحافظ كل حزب على خصوصياته الحزبية في نشاطاته الاعتيادية ، بشرط ان لا تعارض مقررات وتوجهات المرجعية ، ويلتزم بشكل تام بمواقفها في القضايا المصيرية التي تتطلب التشاور والتنسيق والتعاون .
8-  تعتمد القواعد الديموقراطية التوافقية في تشكيل اللجان الاستشارية والعاملة ( أعلامية ، سياسية ، مالية ، ..... )  ، مع الأخذ بعين الاعتبار المهنية و الكفاءة والتخصص  .
9-  يجب توخي الحذر والتأني والدقة والهدوء   في مرحلة الاعداد والتحضير لعقد المؤتمر ، تسبقه مساع ٍ حميدة لتهدئة النفوس وتلطيف الأجواء وتصفية القلوب وتهيئة العقول لتبني هكذا مشروع لكونه هام وضروري على الأقل في المرحلة الراهنة .
10-  يحتاج المشروع إلى جهود الجميع  بجدية وفعالية و نية صافية  وعزيمة صادقة  وشعور بالمسؤولية التاريخية  تجاه الوطن والقضية .
         
     وختاما ً : نؤكد على ضرورة وجود الأحزاب الكوردية بمختلف توجهاتها وأحجامها ومواقعها ، واحترام خياراتها في أساليب النضال وأشكاله ، وقد تناولنا الموضوع كمساهمة مكملة لمساعي الآخرين ( وليس تجاوزا ً لهم ولا انتقاصا ً لمكانتهم وقدراتهم ولا بديلا ً عنهم ) ، من الخيرين من أبناء هذا الشعب المظلوم والمضطهد ، والغيورين على مصلحته وقضيته ، وكلنا أمل وثقة بأن الحركة تستطيع تجاوز الأزمة إذا ..... ، وهي جديرة باحتلال موقعها اللائق بها والمطلوب منها ، لتوصل شعبنا إلى بر الأمان والنجاة .   







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=4035