أوهام العلمانية الزرقاوية !!
التاريخ: الجمعة 06 حزيران 2008
الموضوع: اخبار



د. علاء الدين جنكو

إن المتتبع لما ينشر من مقالات في مواقعنا الإلكترونية – وأقصد الكردية – سيلاحظ أن موجة غير طبيعية من الكتابات تنهال على الساحة الثقافية وهي تنظِّر للفكر العلماني بطريقة أقل ما يقال فيها : إنها علمانية زرقاوية !!
لا شك أن هذه المقالات موجه بالدرجة الأولى إلى الكرد كشعب بغض النظر عن المستوى الثقافي للقارئ ، ولكني كقارئ بسيط – قد أخطئ في التحليل – وصلت إلى تصور أن من يكتب من دعاة العلمانية يظن أن هذا الشعب مجرد من الفكر والعاطفة وكأنه ظهر للتو لهذه المعمورة ، فيريد من خلال مقالته أن يبني لهذا الشعب فكرا يملئ به جسدا فارغا أجوفا خاليا من كل شيء !!


لقد بالغ دعاة العلمانية في طرحها حتى طغى عليها الطابع الاستئصالي متفوقين في ذلك على كل علمانيات المجتمعات التي تبنتها كفكر ومنهج تهتدي بها ..
وتتراوح تلك الطرحات بين من يطلب فصل الدين عن السياسة ومن يدعوا لوضع الدين تحت تصرف الحكومات وبين الدعوة إلى الحد من بناء دور العبادة إلى وقف مراكز تعليم القرآن الكريم ، إلى منع إقامة الشعائر الدينية بشكل جماعي إلى عدم إظهار الشعائر خارج غرف النوم !!
كما أن منظِّروا العلمانية بالغوا في التصدي لمخالفيهم لدرجة خلقهم عدوا وهميا لأنفسهم في كثير من الحالات ، لأنه على الرغم أن المجتمع الكردي المسلم بغالبيته العظمى يرفض الإرهاب والتشدد ، يرفض هؤلاء المنظرين أن يكون هناك اعتدال في الدين ووسطية في التفكير .
وبناء على هذا الرأي ماذا ينتظر هؤلاء المنظرون من شعب متدين يحمل فكرا دينيا ولو بأبسط صوره ؟!
التشدد مرفوض من قبل الجميع وهذا ما اتفق عليه مع كل علماني ، أما إذا كان الاعتدال أيضا مرفوضا إذا ما المسموح به ؟!!
إن هذه الدعوة الإقصائية هي – برأيي الشخصي – المرتع الوخيم لخلق الفكر الإرهابي بل إن هذه الدعوة هي الإرهاب بعينه !!
ومن ناحية أخرى باتت العلمانية المطية التي يستغلها كثير من أبناء الطوائف الأخرى التي لا تحترم عقائد المسلمين للنيل من الإسلام بطريقة غير مهذبة ولا موضوعية كونها لا ترتقي إلى مناقشتها بمبادئها الدينية ، كما أن العلمانيين المسلمين بدورهم باتوا محامين يدافعون عن كل الأديان والمذاهب التي تواجه الفكر الإسلامي ، وفي كثير من الأحيان يصل إلى حد الإساءة لدرجة أن الرئيس مسعود البرزاني قرر تشكيل لجنة للتحقيق مع بعض الكتاب الذين أساؤوا للإسلام.
إن هذه النظرة الازدواجية تخلق لدى الكردي العادي إذا ما فكر قليلا حالة المرض والوهم الذي يعيشه شقيقه العلماني.
وبعودة بسيطة إلى مجتمعنا الكردي وبمقارنة بسيطة بين أولئك البسطاء الذين لا يعرفون من تسيس الدين شيئا ، وليس لهم في تدينهم سوى صلاتهم التي يؤدونها في مساجدهم ، وبين أولئك الساسة الذين مضى على نضالهم العلماني أكثر من نصف قرن لنرى أي الفريقين أثَّر سلبا في تشرذم الحالة السياسية في مجتمعنا الكردي ؟
منذ تأسيس أول حزب علماني في جزيرتنا وإلى يومنا هذا نلاحظ أنها أشبه ما تكون بقنبلة انشطارية على الرغم أن الساحة بأكملها كانت فارغة من أي منافس سياسي ديني ، حتى العائلات الدينية الصوفية كانت في أكثر حالاتها تفتخر لعدم تدخلها في السياسة !! وللعلم كان العلمانيون ينتقدونهم لموقفهم آنذاك ، وسبحان مغير الأحوال !!
إن هذه النظرة الزرقاوية في الفكر العلماني هي طامة ومصيبة لا تقل عن إرهاب الإسلاميين خطورة على المجتمع الكردي .
قد أتفق مع العلمانيين الذين يرفضون تحزب الدين وبناء الهياكل الحزبية على أسس دينية ، لكني لا أقتنع قطعا فصل الدين عن السياسة كون المتدين له نظرته وحكمه على أي حركة إنسانية وفق مبادئه ونظامه الأخلاقي .
وأي وصف للإسلام أنه لا يستطيع أن يضع قواعد للفكر أو الاقتصاد أو تسيير حركة الحياة ، أعتقد أن من يحكم بذلك يجهل الإسلام ويفتقد للموضوعية .
كما أن الحكم على الإسلام بأنه فكر إرهابي نتيجة تصرفات منتسبيه أعتقد أن الفكر العلماني ومنتسبوه شرقا وغربا ، ومن دمروا العالم – ومن بينهم الكرد - واحرقوا فيها الحرث النسل منذ سقوط الدولة العثمانية إلى يومنا هذا يجب أن يأخذ نفس الحكم أيضا .
العلمانية الجزئية :
يلجأ كثير من منظري العلمانية من غير الكرد إلى التوفيق بين فكرهم العلماني وبين سيطرة الفكر الديني على مجتمعاتهم إلى طرح ما يسمى بالعلمانية الجزئية ، وهي فصل الحياة الحزبية على الأسس الدينية في الوقت الذي يستفيدون من مبادئ الدين كسياج حام لمجتمعاتهم من النواحي الاجتماعية والأخلاقية .
وعلى الرغم أن أقوى الديمقراطيات في العالم وأرسخها لا تمانع أي توجه من تأسيس الأحزاب على أسسها ، حتى التوجهات الدينية منها ، يمكن أن تلتقي شريحة واسعة من المتدينين مع ما يُطرح من فكرة العلمانية الجزئية .
أما الدعوة إلى سلخ المجتمع الكردي من صبغته الإسلامية وإظهاره بأنه مجتمع لا ديني ، أو أن أقلية دينية تصبغ المجتمع الكردي بطابعها بدلا من الإسلامي فأعتقد أنه ضرب من الوهم والخيال ، فكل شيء مع النضال العلماني المحارب للدين منذ أكثر من نصف قرن تراجع ولم ينتج على أرض الواقع أية تقدم إلا المساجد ومرتاديها وخاصة من الكثير ممن قضوا حياتهم في النضال العلماني !! كما أن ظاهرة العودة للالتزام بالمبادئ الإسلامية سواء للرجل أو المرأة يعطي إشارة إلى الوهم الذي يناضل من اجله العلماني الإستئصالي !!
والحكم على المؤسسات الإسلامية العريقة التي قامت بنشر الوعي والفكر المتنور وتخريج العظماء كمحمد عبده بأنها قامت : بنشر ثقافة الخوف ، والرعب ، والهلع في نفوس الخلق ، وبث الفكر التواكلي المشبع بألوان الخرافات أعتقد حكم مبالغ فيه.
ومقارنة المساجد بالأديرة أنها منشآت معوقة، مراكز كسل أعتقد انه طرح يفتقد للموضوعية ، كما أن الحكم على علماء المسلمين – كالغزالي مثلا – كونه يصف القوة بأنها أعظم اللذات قاطبة ولا تقترب منها اللذة الجنسية بحال ولا تقارن، بأنه من العلماء المتزمتين هو حكم مغاير لمقام عبارة الغزالي لأنها جاءت في بيان الفطرة التي جبل عليها الإنسان في حب صفة القوة ، وأعتقد أنه ليس هناك مخلوق من البشر يتمنى أن يكون ضعيفا وفاقد للقوة .
ويكفي أن أقول: أن الغاصب إذا ما وصل إلى حد الاعتداء والنيل من العرض والشرف والكرامة أمام عين المرء ، فالقوة حينها ستكون ألذ ما في هذه الحياة حتى عند أكثر العلمانيين خوفا في هذه الدنيا ..







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3936