المعاناة الإنسانية للأكراد المجردين من الجنسية السورية
التاريخ: الأربعاء 07 ايار 2008
الموضوع: اخبار



محي الدين عيسو*

بموجب إحصاء استثنائي في محافظة الحسكة فقط دون غيرها من المحافظات السورية والذي أجري بتاريخ 5/ 10 / 1962 بموجب المرسوم التشريعي رقم / 93 / تاريخ 13 / 8 / 1962 تم تجريد حوالي / 120 / مئة  وعشرون ألف مواطن كردي من جنسيتهم السورية ووصل تعدادهم اليوم إلى أكثر من ربع مليون مواطن، أو / 142 / ألف حسب المصادر الحكومية التي قدمت لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان قسم الشرق الأوسط بتاريخ 11 أيلول 1996 و/ 75 / ألف مكتوم (رقن قيدهم من السجلات)، وتعتبر هذه من أكثر الحالات انتهاكا لحقوق الإنسان وللدستور السوري والمواثيق والعهود والاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها سوريا ، وبعد مرور/ 46 / سنة على ذلك الإحصاء تكرست مشاكل اقتصادية واجتماعية وقانونية وسياسية جمة، ويمكن تصنيف المجردين من الجنسية في مجموعتين رئيسيتين:


أ – الأجانب: وهم الذين جردوا من الجنسية السورية وسجلوا في القيود الرسمية على أنهم أجانب محافظة الحسكة وقد ازدادوا نتيجة التزاوج بين أب مجرد من الجنسية وأم مواطنة سورية أو أب مجرد من الجنسية وأم أيضا مجردة من جنسيتها فتكون الحصيلة في الحالتين أولاد مجردين من الجنسية.
ب – المكتومين: ويبلغ تعدادهم حوالي ( 75) ألف مواطن وهم أكراد جردوا من الجنسية ولم يتم قيدهم في السجلات الرسمية نهائياً وهم لا يملكون أية وثائق رسمية باستثناء شهادة تعريف من المختار وأطلق عليم أسم "مكتومي القيد"  وتتغذى هذه المجموعة من حالات التزاوج التي تحدث بشكل طبيعي بين المجموعتين (أجنبي – مكتوم) تكون الحصيلة أولاد مكتومين ، والأفراد الذين ينتمون إلى كلا المجموعتين يعانون الأمرين في ممارسة حياتهم اليومية، ويبقى حال الكردي الأجنبي أفضل من المكتوم نسبياً حيث لا يسمح للمكتوم بدخول الجامعات والمعاهد بل لا يستطيع الحصول على الشهادة الثانوية أصلا، وقد حرموا مؤخراً من قسيمة المازوت التي أعطيت للعائلات السورية التي تملك دفتر العائلة.
بعد مرور ( 46 ) عاما على المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها جزء كبير من الأكراد تزداد هذه المعاناة بمرور الزمن، وتزداد معها المشاكل الاجتماعية وتحدث شرخاً في النسيج الوطني السوري، فالكثير من الأكراد الذين جردوا من جنسيتهم السورية كانوا مواطنين سوريين يملكون الأوراق الثبوتية وخدم بعضهم الجيش ومازالوا يحملون دفتر خدمة العلم.
الكردي المجرد من الجنسية (وكاتب هذه الكلمات واحد من ضحاياه) ممنوع عليه التوظيف في الدوائر الحكومية حتى لو حصل على أعلى الشهادات من الجامعات السورية وغيرها من الجامعات، وممنوع عليه تسجيل أملاكه الخاصة باسمه، فيقوم بتسجيل تلك الأملاك على أسماء غيره من أقاربه الذين يتمتعون بالجنسية أو بأسماء معارفه الموثوقين وغالبا ما ينتج عن ذلك من مشاكل اجتماعية، وممنوع عليه استكمال الدراسات الجامعية بعد التخرج من الجامعة، وممنوع عليه خدمة العلم، وممنوع عليه السفر خارج القطر، وممنوع عليه النوم في الفنادق السورية، وجملة من الممنوعات التي تسيء إلى سمعة سوريا في المحافل الدولية، وتزيد من الضغوط الدولية عليها.
لا يعرف الكثير من السوريين هذه المعاناة الممتدة على خارطة الوطن بطوله وعرضه، وهذه المأساة الإنسانية التي يتعرض لها جزء هام من النسيج السوري الجميل بقومياته واثنياته المختلفة، ولا يشعر بما يعانيه "مواطن" مثلي يحمل بين طياته آلاف المشاكل، ومحروم من كافة حقوقه التي شرعتها الاتفاقيات الدولية وشرعة حقوق الإنسان، وحقه أن يكون مواطنا سورياً يحمل الجنسية السورية ويفتخر بها أمام العالم أجمع، وان يكون مواطناً من الدرجة الأولى كسائر السوريين، لا يحمل في جيبه الخلفي بطاقة حمراء أو صفراء مكتوب عليه " خاص بأجانب الحسكة " أو " ممنوع من السفر وخارج القطر " فأياً كانت المبررات والدوافع لاستبقاء هذه الحالة لمدة ( 46 ) عاما على حالها دون التطرق لمعالجتها، سيكون آثارها وخيمة على المواطن والوطن معاً، فقضية المجردين من الجنسية من أهم القضايا التي يجب حلها بأسرع وقت ممكن حتى لا تستفحل الأمور أكثر وتزداد معاناة هذه الشريحة أكثر مما هي عليه.
ففي معمعة الصراعات الدولية والقضايا الكبرى تصبح قضية المجردين من الجنسية قضية بسيطة أو ربما تافهة عند الذين لا يشعرون بمرارة هؤلاء الناس الذين فقدوا بين ليلة وضحاها ما يربطهم بتراب هذا الوطن المسقي بدماء يوسف العظمة وإبراهيم هنانو وغيرهم المئات من أبطال الاستقلال والتحرير، فمن يقف ضد إعادة الجنسية إلى الأكراد المجردين منها إنما يقف ضد الوطن بأكمله، يقف ضد الوحدة الوطنية والاندماج الوطني، فسوريا يجب أن تبقى حديقة جميلة بورودها وأزهارها المتعددة حتى نعطي للوطن رائحة الحب والجمال والتعايش السلمي، وهذه الحديقة تضم عرباً، وأكراداً، وآشوريين، وأرمن، وتركمان، وغيرها من القوميات المتعايشة ضمن إطار سقف الوطن الذي يجب أن يبقى محميا من كل الضغوطات والكوارث الدولية عبر الانفتاح على الآخر وقبوله شريكا له كامل الحقوق وعليه كامل الواجبات.
 الغريب أن لا تمنح السلطات السورية جواز سفر لأناس على فراش الموت ويعانون من أمراض مزمنة لا يمكن معالجتها داخل الوطن، والحالات كثيرة هنا، منها "حسن محمد فتاح الملقب بـ حسن لال" من مدينة عامودا الذي أدخل إلى مشفى أبن النفيس عام 2006 وأجريت له عملية جراحية – استئصال الورم – و تابع العلاج الكيماوي في مشفى البيروتي بدمشق والذي تقدم بأوراقه الثبوتية عن مرضه المزمن إلى مديرية الهجرة في دمشق بتاريخ 9/ 12/2006 دون أن يتلقى أي رد، فتقدم بأوراقه مرة أخرى بتاريخ 2/5/2007 بموجب الاضبارة رقم / 15156/ ولكن حتى حق الحياة ممنوع ..... ممنوع ..... ممنوع ........... فتوفي الرجل يوم الثلاثاء 6/ 5 / 2008 بيوم عيد الشهداء ...... لماذا؟!
 
* كاتب وناشط حقوقي سوري







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3786