بين السياسي والثقافي يقع جدار بيزنطة ..
التاريخ: الخميس 10 نيسان 2008
الموضوع: اخبار



روني علي

   شئنا أم أبينا، نشكل، نحن الذين نحاول أن ندفع بالمسائل إلى سكة التفاعل والمحاكاة، ونردم الهوة بين الأشياء ومسمياتها، جزءً من الحركة الكردية، بمعناها الموضوعي ومدلولاتها السياسية، سواءً أكان البعض منا منخرطاً في الأطر الحزبية، أو يمارس ذاته، وفق ما تقتضيها مصلحة القضية الكردية وكذلك الهم الوطني، استناداً إلى ملاكاته المعرفية وأدواته التعبيرية.


بمعنى آخر؛ لكل منا دوره في توظيف خيارات الفعل النضالي، وعبر تجسيدات تأخذ مساراتها، سواءً من خلال رؤية سياسية، أو اعتماداً إلى مسؤولية الكلمة، في جانبيها السياسي والمعرفي، وإن كان ينبغي أن يشكل هذا الكل، روافد متكاملة للعمل الذي نصبوا إليه جمعياً في بناء مقومات المستقبل، بعكس مما هو سائد من حالات التناحر والتنابذ بين إفرازات العقلية التي تتحكم بمفردات العمل الحزبي، ضمن منظومات أقل ما يقال عنها؛ أنها قبيلة من حيث المنشأ والأداء، والكلمة التي تستمد حضورها من البعد المعرفي في تشخيص الحالة، ومحاولة الإمساك بآليات الخروج من أنفاق الانكسار، كونها تحاول أن تمد الصيرورة بما هي حقائق ينبغي البناء عليها.
    وبعيداً عن التعميم، وأخذ كل كلمة أو رؤية، موضع الإسقاط، كوننا نحاور ما هو هادف وممتلك لمقومات الفعل، أي ما يمهد للبناء ويؤسس للارتقاء، نود أن نقترب قليلاً من زوايا الإشكال في الواقع الكردي، سواء من جهة الحركة الحزبية، أو من جهة النخب التي تحاول أن تبحث لنفسها عن موقعها على خارطة العمل، وتسخر إمكاناتها من أجل تقويم الاعوجاج وتصحيح مسارات الفعل، ضمن الحاضنة السياسية والمعرفية، التي ينبغي عليها احتضان الكل، وفق جدلية العلاقة بين ما هو سياسي وما هو ثقافي، وضرورة استناد الأول على الثاني، بحكم التداخل بين مهمة الطرفين، وعلى أن الطرف الأول ينحت في المستقبل ويبدع في استكشاف الأفاق، بغية التمهيد لتوضيح معالم الحقيقة، وأن الثاني يعتمد هذه الوظائف حين التحليل، بهدف استنباط أكثر الحلول نجاعة وخدمة للهدف الذي يصبوا إليه، وعليه فلا بد من عملية تكامل وتجانس بين أداء الجهتين المشار إليهما، إذا ما كانتا تمتلكان إرادة العمل وذهنية القبول بالآخر، على أن كل منهما يشكل جزء من معادلة، لا تستقيم وضعها إلا عبر تصالح الأجزاء فيما بينها ..
  إن من يمارس العمل النضالي، ويتعاطى مع مفردات الحالة السياسية، سواء الوطنية منها أو القومية، يلاحظ جيداً حجم التراكمات التي طغت على المشهد السياسي العام في البلد، والتي ألقت بظلالها وانعكاساتها وسلبياتها، على واقع الحراك الفكري والثقافي، بل وحتى الاجتماعي، كون هذه التراكمات؛ وما تمخضت عنها، هي في جانب منها من مترتبات الثقافة المجتمعية، التي تكونت اعتماداً على الدين والمذهب والطائفة والعنصر، وفي جانب آخر، من إفرازات السياسات التي، كانت وما تزال، تنتهجها السلطة وتعتمد عليها، وذلك بهدف الإبقاء على الوضع كما هو عليه، عبر القيود والممانعات التي تشد الخناق على الحريات العامة، وتلاحق الرأي الآخر، بغية الحد من انتشار مظاهر التعبير عن مكونات التعدد السياسي والقومي في البلد، إلى جانب الحفاظ على التوازنات التي تعتمدها، وكذلك مواجهتها لخيارات التغيير واستحقاقات الحالة الوطنية عموماً، وما تتطلبها المسائل والقضايا العالقة من حلول ومعالجات، قد تمهد الطريق لإخراج البلد من دوامات الترهل ومسارات الاحتقان، وما لهما من تأثيراتهما على نفسية المواطن، وهو يسعى لأن يساهم في دفع الأمور إلى ما فيه خدمة الأمن والأمل والاستقرار ..
   إن الحالة الطاغية في البلد من فساد وإفساد، ترافقاً مع هشاشة دور القوى المجتمعية، كنتيجة لدور السلطة وطبيعتها، قد أفسحت المجال أمام الثقافة المجتمعية، المرتكزة على العوامل الآنفة الذكر، والمدعومة من مراكز القوة والقرار، كي تنخر في الجسد الوطني، وتفتك بالقيم النضالية والأخلاقية، بل أضحت هي القاعدة التي تعتمدها حتى الأطر التي تقف على مسافة معينة من سياسات النظام، وهي تدعي وقوفها في خندق المعارضة، وهذه الحالة، إلى جانب دخول البعض في فلك تلك السياسات، هي التي تشل من قدرة أي حراك يهدف التغيير، الركون إلى حقائق التاريخ والسياسية والجغرافيا، وتقوض من إرادة التصدي لاستحقاقات ما يطرأ في المنطقة من أحداث جسام، تشكل بمثابة مقدمات لخيارات مفتوحة، ينبغي الانطلاق منها إلى حيث التعبير عن مفردات الحالة الوطنية، وكذلك الإلمام بأسس ومرتكزات الخروج من هذا التشوه، الذي أصبح سمة من سمات الفعل السياسي الممارس، والتي تزيد في المحصلة من حالة الفرقة والانقسام، وعملية التغرد بعيداً عن السرب تحت حجج ومبررات، تبقي على هذه الكيانات أن تكون أسيرة ذاتها وخاضعةً لمشيئة الانزواء والتقوقع، إلى جانب افتقادها للآليات والبرامج التي تؤهلها الخروج من مأزقها، وإن كان هناك ما يشكل نقاط الاختلاف فيما بينها من حيث الشعارات والشكليات .
  إن المشهد الآنف الذكر من جهة الثقافة الطاغية، هو عينه في الحالة السياسية الكردية، ولا شك أن كل منا يقف على تخومه وهو يحتك بالموقف والفعل والقرار، فالكل يشهد حالة الفرقة والتشظي بين الكيانات السياسية الكردية، والكل يشهد بؤر الصراع والتصارع والتناطح، حول برامج ومشاريع تحاول الإيحاء على أنها تشكل مقدمات الدخول إلى لملمة البيت الكردي، وهي – هذه المشاريع – لم تزل في طور التعبير عن ذاتها عبر نصوص، لم تقترب بعد من خطوط الممارسة، والتي تزيد في التناثر والتباعد، بدل من أن تؤثر في القرار الذي يؤمل منه تقريب وجهات النظر، والتحاور على صيغ فيها تحقيق للطموح الكردي في أن يعبر عن ذاته، ضمن توازنات السياسة الإقليمية والدولية، والتي تؤكد وبقوة، ومن خلال التجارب أيضاً، بأن الوضع الكردي لا يمكن له أن يواكب المستجدات، وهو مرهون بثقافة الموالاة لمشاريع تستهدف كيانه، ومنخرط في أتون التصارع على ما هو هامشي أو ما هو من صنيع السلطة، إضافة إلى واقع الفرقة التي تفتك به وتنخر في طاقاته ..
   فالأطر الحزبية الكردية، والتي ينبغي لها أن تكون الممثلة لخيارات الشعب الكردي، ما زالت بعيدة عن أن تلعب دورها وسط حالات الركود والجمود في الأداء والممارسة، لا بل هي أسيرة ثقافة الأنا والمراهنة على مشاريع هي بعيدة عن امتلاك أدنى مقوماتها ومستلزماتها، حتى يخال للمراقب بأن عوامل الفرقة تمكن في المشاريع والخطوات التقاربية نفسها، إذا لم تستند تلك على توافقات تخدم مصالح المتمسكين بزمام القرار في الجسم الحزبي، وعليه؛ فإن مجمل ما نطمح إليه من خيارات سياسية، تبقى رهنية إرادة الأرقام الحزبية، تلك التي تشكل إشكالاً في العد والتعداد، ولا تملك الغالبية منها طاقة جماهيرية وبنية سياسية، تعبر عن رؤية أو نمط سياسي يحتاجه الواقع، كونها لا تمتلك رصيد الفعل ضمن الأداء السياسي الذي ندعي الارتقاء به، إلى جانب أنها تساهم ومن خلال تركيبتها في طعن أي طرح من شأنه أن يخرج بنا إلى حيث بناء البيت الكردي وفق ترتيبات تشد من أزر الحراك، وتوائم بين أدوات الفعلين السياسي والثقافي، مما يحلينا بالرغم عنا إلى مجرد أدوات لا تحمل من الفعل سوى ما يهدم ويشكك ويقزم، لأن الإبقاء على الدرنات التي تفسد العملية النضالية، ستكون بمثابة حاجز صد أمام عملية تفاعل الأنا مع المجموع والمجموع في القضية التي نناضل من أجلها، وهذه الحالة سوف تفسد أية محاولة قد تمتلك مقومات الخروج من دائرة الأزمات ..
   وبموازاة ما عليها الحركة الحزبية، نجد خلطاً لدى النخب الثقافية وهي ترصد الواقع، أو تقف على مكامن الأزمة التي تلف الأداء السياسي الحزبي، فكثيراً ما نجد المثقف يهدر طاقاته في خنادق التشكيك والتخوين، حين يحاور مواقف الجهات الحزبية، مع أن الواقع الثقافي وما عليه المثقف نفسه ليس ببعيد عن واقع الأطر الحزبية، كون الكل يرزح تحت وطأة واقع مفروض بحكم العوامل التاريخية وتبعات السياسة السلطوية، إلى جانب الثقافة المجتمعية الآنفة الذكر، ناهيكم عن أن على المثقف يقع مسؤولية تفهم المعادلة التي عليها الواقع السياسي عموماً، وأن هذا الواقع لا يحتمل المواجهة بين النخب والأطر وذلك لسببين، الأول يكمن في أن هذه الأطر غير قابلة لأن تغير من نمطيتها بحكم بنيتها ومبررات وجودها والعوامل المؤثرة فيها، والتي تعود بالدرجة الأساس إلى سلوكية الشخص الذي يدير دفة القرار، والأجندات المتحكمة فيه، كون الأطر خاضعة لمشيئة عقلية الأبوة، وأن أية محاولة باتجاه التصحيح، ستتمخض عنها توزيعات في الإرث، وبالتالي تفقيسات في الإطار، هذا إذا كان الإطار ذاته قابلاً للقسمة، كون هناك العديد من الأطر هي بمثابة مشيخات وماركات مسجلة باسم أصحابها، علاوةً على أن الإطار ذاته قد لا يعبر في كثير من الأحيان عن توجهاته وإرادة المنخرطين فيه، وبالتالي علينا أن ندرك أن ما هو قائم ليس خاضعاً لمشيئتنا، وإلا لما كنا أمام هكذا حالة من المتناثرات الحزبية حتى لو أخذنا أي من المعايير التي تبيح التعدد في البناء الحزبي، سواء السياسية منها أو الفكرية، بل وحتى الطبقية .
والسبب الثاني، يعود إلى عدم امتلاك النخب الثقافية بدائلها وهي تجابه المشيخات الحزبية، ومن هنا اعتقد أن على النخب تقع مسؤولية مد جسور التواصل والتصالح مع ما هو قائم والعمل من داخلها، كون الرفض وسط الأجواء المفروضة لا تأتي بنتائجها المرجوة، وإن كنت اعتقد بأن مثل هذا الطرح سيلقى رداً من قبل البعض على أنه نابع من إرادة انهزامية وعقلية الانصياع لما هو واقع بحكم الأمر الواقع، أو يشكل تناقضاً بين الادعاء والممارسة، ولكن والحقيقة أقول، أن التجربة علمتنا بأن الخروج من مثل هكذا دوامة لا تأتي عبر التصادم والمواجهة، بقدر ما علينا أن نعود إلى البينة التي نستمد منها سوية ذخيرتنا الفكرية والسياسية، وكذلك بناءنا المعرفي، خاصةً لو أدركنا أن ما نحاول الوقوف عليه، ونحن نهدر من الوقت والجهد، من أجل رصد مكامن الخلل، لا يتحمل تبعاتها كل الحزب وكل المنخرطين فيه، لذلك لا بد من عملية تصالح بين الإنسان وذاته أولاً، وبينه وبين الطاقات المتناثرة هنا وهناك ثانياً، بحيث نتمكن من امتلاك القدرة لأن نعمل في البنية والبناء علنا نستطيع أن نغير في الذهنية والملاكات، بعيداً عن التجريح والتخوين والتشكيك، كونها لم تجد نفعاً منذ أن وعينا، ومعنا الحركة الحزبية، على ذواتنا، وهذا لا يعني مطلقاً أن نضع سلاح النقد جانباً، وإنما ينبغي أن ندفع باتجاه إطلاق الطاقات من الأسر وإنقاذ الخامات من تحت الركام، وإلا فسوف يبقى جدار بيزنطة قائماً بين ما هو سياسي وما هو ثقافي استناداً إلى عوامل هي خارجة عن إرادة الكل.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3654