لبنان والتوافق المستحيل
التاريخ: الثلاثاء 20 تشرين الثاني 2007
الموضوع: اخبار



  الدكتور عبد الحكيم بشار

رغم أن لا مستحيل في السياسة والواقع ، وكل شيء ممكن في العمل السياسي والذي يتضمن حالة حراك مستمرة ومتغايرة إلى حد التناقض في المواقف والتحالف وتبادل المواقع والاستراتيجيات ، وقد حصلت تغيرات في المنطقة ، وتبدلت مواقع كانت حتى بالأمس القريب شبه مستحيلة ، بل قريبة من الخيال (استلام السيد جلال الطالباني رئاسة جمهورية العراق) ولكن الشيء الذي يبدو مستحيلاً في لبنان هو التوافق على رئيس الجمهورية اللبنانية المقبل حالياً وذلك بسبب التناقض الحاد والجذري في المواقف حول قضايا باتت جوهرية ومصيرية لأطراف الخلاف بل النزاع في لبنان.


فقوى الرابع عشر من آذار (قوى الحكومة والأغلبية البرلمانية الحالية) ترى أن الرئيس اللبناني المقبل يجب أن يلتزم بالدرجة الأولى بقرارات الشرعية الدولية وخاصة القرارين (1559-1701) وبشكل أكثر خصوصية بالقرار (1559) والقاضي بالدرجة الأولى بقبول المحكمة الدولية باغتيال الحريري ونزع سلاح المقاومة ( أي حزب الله ).
أما الطرف الآخر خاصة حزب الله فإنه قد يقبل بأي شيء في لبنان عدا قبول القرار (1559) فقبوله لهذا القرار يعني انتهاءه عسكرياً وبالتالي فقدانه لدوره المهم والاستراتيجي في لبنان ، بل إن البعض يذهب إلى أبعد من ذلك حيث يوجه أصابع الاتهام لحزب الله بأنه متورط بهذا الشكل أو ذاك في عمليات الاغتيالات السياسية في لبنان للعديد من قادة الأغلبية ( خاصة على صعيد تأمين المأوى أو الملجأ أو العمليات الاستخباراتية واللوجستية) ولا يوجد حل وسط بين قبول ورفض القرار ( 1559) ولا توجد إمكانية تجزئته والتوافق حوله ، فإما الرفض أو القبول ، وهذا يجعل إمكانية التوافق والبحث عن حلول وسط مستحيلة في لبنان على الصعيد الداخلي ، وإذا ما أضيفت إليها العوامل الخارجية والإقليمية والدولية والتي أيضاً تقتسم إلى معسكرين متناقضين حول القرار (1559) بين القبول والعمل على تطبيقه ، وبين الرفض المطلق له ، لذا لا يمكن في لبنان العثور على شخص يمكن أن يمثل التوافق لأن القضية الجوهرية المختلف عليها يستحيل التوافق حولها وبالتالي فإن لبنان متجه بعد (23) من الشهر الجاري إلى مرحلة جديدة ؛ مرحلة التقسيم غير المعلن رسمياً وغير المقرر دستورياً (التقسيم على أرض الواقع) حيث ستعمل الأغلبية البرلمانية إلى انتخاب رئيس وفق الصيغة الثانية من الدستورحيث تنص الأولى إلى انتخاب رئيس بأغلبية ثلثي أعضاء البرلمان وفي حال فشل تحقيق ذلك ففي الجلسة الثانية بالقاعدة (نصف +1  51% من الحضور) مع اختلاف تفسير كل طرف لهذه القواعد والآليات الدستورية حسب مصلحته ، ولكن المؤكد أن الأغلبية ستنتخب رئيساً يمثل وجهة نظرها وخاصة العمل على تطبيق القرارين (1559-1701) وسترفض جبهة المعارضة وخاصة حزب الله العمل تحت إمرة وسيادة هذا الرئيس وستعتبره غير شرعي وغير دستوري وبالتالي كل القرارات والمراسيم الصادرة فاقدة للشرعية حسب مفهوم حزب الله ، ونفس الشيء بالنسبة للحكومة الجديدة التي ستشكل بعد انتخاب رئيس الجمهورية ، وقد يكتفي حزب الله بهذا الحد (رفض قبول الرئيس المنتخب من قبل الأغلبية ورفض حكومته) وبالتالي رفض الانصياع لأي من قراراته والتصرف بشكل مستقل ومنعزل ، بل وقد يذهب إلى أبعد من ذلك بالاتفاق مع بعض المسيحيين والسنة لتشكيل حكومة خاصة به (يسميها حكومة إنقاذ وطني أو حكومة انتقالية) وهذا السلوك الأخير يتوقف على موقف الرئيس المنتخب والحكومة المنبثقة بعد الاستحقاق الرئاسي من المحكمة الدولية وسلاح حزب الله ومدى رغبته وتصميمه على تحقيقها ، وسيبقى الوضع في لبنان يعيش مرحلة حرب باردة شديدة ، وحرب إعلامية ساخنة واغتيالات ، وتبقى الساحة اللبنانية مفتوحة على كل الاحتمالات حتى تحصل تغيرات إقليمية مهمة تؤثر في الساحة اللبنانية بهذا الاتجاه أو ذاك ، وإلى حين تحقيق ذلك يبقى التوافق كلمة ومعنى مستحيل المنال في لبنان وفق المعطيات الحالية داخلياً وإقليمياً ودولياً.
20/11/2007






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3025