استبداد الأنظمة.. النموذج العربي..!
التاريخ: الثلاثاء 13 تشرين الثاني 2007
الموضوع: اخبار



دهام حسن

أول ما تتميز به الأنظمة الاستبدادية، هو احتكارها للسلطة، وامتلاكها لأجهزة الإعلام، فكل ما تقوله السلطة هو الحقيقة المطلقة، واعتمادها على أجهزة القمع، وإدارتها للاقتصاد، وإذابة سائر القطاعات الاعتبارية الأخرى، من نقابات، ومؤسسات، وتنظيمات، وأندية، حيث تفقد هويتها، وخصوصيتها، كل هذه المؤسسات تغدو من ملاحق النظام، تحت وصايته دون أية فعالية تذكر، فما عاد يلمّح لدور الطبقة العالمة منذ سنوات بعيدة،على الصعيد العربي، اللهم سوى خبر صغير عن عقد اجتماعات دورية في هذه العاصمة العربية أو تلك، لقاءات بروتوكولية، تختتم ببيان وتوصيات، وتشكر الدولة المضيفة، والتوصيات تبقى على الورق


لا ينظر إليها بعد ارفضاض الاجتماع، ولا تتابع ولا تفعل بعد ذلك، فلم تعد النقابة مدرسة تخرّج الكوادر لإدارة البلاد كما وصفها لينين، وأصبحت ـ للأسف ـ كل هذه المؤسسات، من أدوات السلطة، بتبعية وارتباط وخضوع،علما أن نشاط هذه المنظمات، هو الذي يحيي روح الدينامية والحيوية والحركة باتجاه التغيير، وأن نشاط هذه التنظيمات فضلا عن الحركات السياسية المؤازرة والمعارضة، هي التي تضبط الحكم، لأن النظام في هذي الحال، يحس أنه مراقب, وعرضة للمساء لة، والمحاسبة، والتنحية بالتالي، لهذا فالنظام يلجأ إلى الحالات التي يؤخذ عليها، إذا رغبت في الاستمرار؛ هذا في النظم التي تشهد مساحة من الديمقراطية، أما في الأنظمة العربية، فلا وجود لمثل هذه (اللبكة)، فهي تنفرد بالسلطة، تقمع، وتنهب، وتفسد؛ أين دور المرأة ؟ التي كانت تقف إلى جانب الرجل، وتشد من أزره، كناشطة في مجالات عدة، وبينهن كانت المثقفات المقتدرات، صاحبات الصالونات الأدبية، تستضيف أقلاما في الأدب والثقافة...
 كما تتميز هكذا نظم، بتقييدها للحريات العامة، ونبذها للتعددية السياسية؛ وتأطير السلطات الثلاث، وامتثالها لأوامر من في قمة الهرم ؛ ودائما هناك عدو خارجي، سواء أكان وجود هذا العدو  صحيحا، أو من ابتكار خيال السلطة؟ هذا العدو هو سبب كل المصائب والبلايا، هو سبب الفقر والتخلف، هو سبب حالات الطوارئ، وإذا ما وجد معارض داخل البلد، فسرعان ما يوسم بالعميل والخائن، وكل هذا! لأجل بقاء الشعب في حالة تعبئة دائمة ضد العدو الخارجي، وبالتالي إلهاء هذا الشعب، لصرف النظر عن القضايا الداخلية...
في الأنظمة الشمولية يلاحظ أيضا، الضعف في التنمية، وثراء رجال السلطة، مع تقييد المجتمع بمراقبته، في حين أن السلطة ترفض مراقبة المجتمع لها، المراقبة على أسلوب الإنتاج، والإدارة، لأنها بالأساس لا تفكر إلا بإدامة سيطرتها، فلا تعر التطور المستقبلي أي اهتمام، ولا أي اعتبار، وبالتالي هي بغنى عن بدعة المراقبة المجتمعية، لأن هذه المراقبة تقتضي ديمقراطية صحيحة، وهي تعلم أن الديمقراطية تعني عودة السلطة للشعب، وهذا هو التفسير الوحيد للديمقراطية، وهذا بالتالي نفي لتفردها بالسلطة، وتنحية لها في المحصلة؛ السلطة الاستبدادية كثيرا ما تعتمد على خمول الشعب، وحالة الرتوب عنده، والنقص في الوعي الاجتماعي، والضعف في القدرة على نقد الواقع، أواستكشاف الآفاق المستقبلية، أي المحاكمة العقلية في الوقوف على هذه المسألة أو تلك، كما أن السلطة الحاكمة مدينة لبقائها، على تلك المعارضة التي ما زالت تقوم على هيكلية متكلسة قديمة، وبنى شبه عسكرية، مع عجز المعارضة الواضح عن ابتكار وسائل جديدة للكفاح السياسي السلمي، فلا بد لتلك التنظيمات أن تخرج من بوتقتها التنظيمية المتشددة، بوتقة المركزية الديمقراطية..
كثير من هذه النظم الاستبدادية، تتكالب على افتراس مواطنيها، وتستحلي العنف والتعذيب إزاءهم، لكنها.! سرعان ما تنقلب إلى أرنب ضعيف مسالم تستدر حالته العطف والشفقة أما م العدو الخارجي، وهي مستعدة، أن تفرط بالسيادة الوطنية، إذا سمح لها هذا العدو الاستمرار في الحكم، تحت وصاية قوته الساطية..
كثيرا ما تلجأ النظم الاستبدادية إلى طمس التعددية في المجتمع، على  صعيد السياسة والاقتصاد، واعتبار الشعب بتلاوينه الزاهية، كيانا واحدا متماثلا، لا تمايز بين مكوناته، بهذا السلوك، يحكم على حيوية المجتمع بالجمود، والسكون، ويخلع عنه طابع الصراع، فحيوية المجتمعات رهن بصراع الطبقات، وطبعا هذا الشيء يستلزم توفر أجواء من الديمقراطية، والنظم الشمولية ترفض مبادئ الديمقراطية، لأن تلك المبادئ تخص مسألة السلطة، فالديمقراطية هي التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولأن الديمقراطية هي السبيل السلمي للتغيير، لكن.! ليس من مصلحة النظم العربية أي تغيير يمس بنى أنظمتها، إلا في حدود إصلاحات هامشية، تسمح لها بالاستمرار في الحكم، فالسلطة التي تفرض على المواطنين وحدة في الرأي إزاء المسائل التي تعترض سبيلها، فهي بهذا تضعف ذاتها، وتفقد المجتمع تلك الحيوية الدافعة، وهنا لا بد من التنويه، من أن الاستبداد واحد، سواء ارتدى ثوبا يمينيا أو يساريا..
إن السلطة الاستبدادية القائمة أيا كانت، وأنى كانت، تمنع على المجتمع من ممارسة السياسة، أو الصراع الفكري حتى بالقلم، فامتلاكها للأجهزة القمعية تحول دون هذا الحق، لأن أي شكل للصراع، تكون السلطة في الآخر هي المستهدفة؛ لهذا فهي تلجأ إلى مختلف الوسائل والطرق: من العنف الظاهر، إلى العنف الخفي، مثل سن القوانين كدعائم لتقوية سلطتها، كما تستعين بالمؤسسات الإعلامية والثقافية، لكي تخدمها، وهي بكل هذه الوسائل والإجراءات والتدابير، تسعى لإخضاع الوعي الاجتماعي لسيطرتها.. والسلطة الحاكمة حتى لو كان لديها حزب، فسرعان ما يتضخم هذا الحزب ورما، يتفشى فيه الفساد، وفيه الكثير من الوصوليين والمتسلقين والانتهازيين، يكوّن بالتالي هيكلية فارغة المحتوى تابعة للسلطة لا حول لها ولا قوة، فالسلطة أقوى من الحزب دائما..
كما أن السلطة تحد من شأن الثقافة، وتحبط رجاء رجال الفكر والثقافة، عندما تحد من طموحاتهم، وتحول دون انطلاقتهم في فضاء الإبداع, ونشر الحقيقة، وكثيرا ما تستحوذ السلطة، على جماعات من هؤلاء، تسخرّها في إطار محدود، فتدور في فلكها، لأنها لن تسمح بثقافة حرة، لأن الثقافة إذا ما أفسح لها المجال، فسوف تنتعش، وتكتسب قوة عندما تحضنها بيئة اجتماعية مؤاتية لتقبل الأفكار، للنهوض الواعي، والمساهمة في عملية التغيير، فعندما تطرح أفكار صحيحة، تأخذ ظروف وحياة هؤلاء بالحسبان، فسرعان ما تستحوذ على قناعات الناس، وتشكل نواة اجتماعية، لتنهض بدورها، في عملية التطوير والتغيير، وإطلاع الناس على الحقائق.. كان ابن خلدون يقول: (أعلم أن السيف والقلم كليهما آلة لصاحب الدولة، يستعين بهما على أمره، إلا أن الحاجة في أول الدولة إلى السيف.!) كما حذّر ابن خلدون من الظلم الذي يلحق بالعباد من قبل الحاكمين، حيث يقول: (إن الظلم مؤذن بخراب العمران)
السلطة الاستبدادية عندما تتفاقم أخطاؤها بمضي الزمن، وتصبح عاجزة عن القيام بالإصلاحات اللازمة، وأخذ متطلبات التغيير بالحسبان، يصبح رحيلها مسألة وقت، وهنا لا بأس من الاستشهاد بفوكويوما، من أن سقوط النظام التسلطي، يأتي بسبب عجزه عن تطوير شرعية لازمة لسلطته، فالسلطة التي لا تنجح في تجاوز تناقضاته، يواجه الانهيار. ومن أشكال هذه النظم الاستبدادية، منها ما تتلفع بالشعارات الثورية، وإطلاق ألفاظ مجردة ، ذات رطانة ثورية، دون أن تكون لها أية دعامة حقيقية، فقط هي لإيهام الناس، وتضليلهم، وبلبلة الفكر بشعار النضال الثوري..
 إن في التاريخ دروسا للمتعظين، فالانقلابات العسكرية، بدعائم الشعارات الفضفاضة الزاعقة، فقد كانت لدى الانقلابيين العسكر تجارب سيئة، ضحلة المحتوى، ومتدنية المستوى، لهذا وجدنا كل هذه التجارب قد أخفقت، فلم يتحقق في بلدانهم لا قدر من الحريات، ولا حصلت تنمية تذكر، ولا جاء ميلاد دستور، ينظم العلاقات، ويحدد الصلاحيات القانونية الملزمة للجميع، بل ظلت الممارسات الجائرة، المؤسسة على المصلحة، والمنطلقة عن الهوى، هي السائدة....
ولا بأس في الختام أن نقف عند بعض مزايا الديكتاتور، كما ينقله لنا الدكتور جابر الأنصاري في كتابه ــ الناصرية بمنظور نقدي ــ على لسان أحد الكتاب في شبه الجزيرة العربية من عام1963 حيث يقول في الديكتاتور، من أنه : (يتنقل بين المتناقضات، يكتب الدستور، ويطلق الرصاص على من ينادون به، يدعو إلى الحرية، ويعاقب من يصدقونه....... يقدس اسم الشعب، ويحتقر إرادته، يفعل جميع الأخطاء، ويضع مكبرات الصوت في الطرقات للثناء على أخطائه..!)







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2975