سبعة وأربعين عاماً على الفجيعة..!! عامودا لازالت تذرف الدموع على أطفالها الشهداء
التاريخ: الثلاثاء 06 تشرين الثاني 2007
الموضوع: اخبار



  حسين أحمد
Hisen65@gmail.com

(إهداء: إلى من ذكراها من الحرقة والوجع والألم لايمكن للزمن أن يمحوها من ذاكرتي إلى عامودا الشهيدة..)

بعد سبعة وأربعين عاماً من الحسرة النازفة دماً, وآهات ,وأوجاعاً على فلذة كبدها – ابنها الوحيد الذي استشهد في المحرقة (الشهرزادية) وأصبح ركاماً وهي تتأمل الواقعة الجليلة وتسعى إلى آدميٍ يبوح لها سراً أن ما جرى كان مجرد حلم أو ربما كابوساً مريباً جرى في تلك الليلة التشرينية الباردة , لكن هيهات أن تصدق أن ما حدث كان حقيقة ساطعة تجاوزت الخيال والعقل والمنطق.


امرأة في قلبها شرارة من اللهب عاشت وليمة من جثث الأطفال في شوائها الإنساني والروحي والجسدي ,شاهدت أتون دقائقها المرة بمآقيها الآسية وهي تتجرع المشهد الجحيمي في اشتعالاته النارية سماً وعلقماً وموتاً أبدياً..!! كان في أدق تفاصيلها التراجيدية الحزينة ,كأنها في غيبوبة سرمدية أو في برهة من غبارها الكربلائي في استشهاد وحيدها (الحسين).
الليلة اللعينة.. المشاهد المتوحشة : الأصابع تقضم بعضها البعض , المآقي اغرورقت احمراراً من أشعة اللهب, القلوب تنبض خوفاً وفزعاً من هول الفجيعة, الكنائس تدق نواقيسها الجنائزي على غير عادتها معلنة للكون عن فناء بشري, المساجد  بمناراتها المرتفعة تؤذن وتعلن حدادها العام في البلدة...
(الله أكبر, هلموا إلى الشهداء).
الرجال مرتبكون من هول المصيبة. العامودي العنيد أبى إلا أن يكون من الشهداء كبقية الأطفال, الأسنان المرتجفة تقضم الشفايف الجافة حتى النزف, الركض على غير هدى وفي اتجاهاته السكرانة, الوليمة تنكب في ناحية (الشرمولى), المقبرة تصدع تحت وطأة الشهداء , المشهد هو ذا المشهد في سكراته النهائية , في موته الجماعي , في جرحه الآلم , في مشوهيه المعذبين , في أشلائه المبعثرة, في حداده التشريني كلياً , الأنامل مبتورة من الأيادي , جماجم مفقوعة العينين , نعوشاً تسير على أكتاف عشرات الهامات إلى عتبات المنازل سريعاً, الكل في حالة الطوارئ ..!! الكل في ارتباك وخوف وضياع..!! البلدة عن بكرة أبيها في قيامتها الدنيوية, الصورة هي الصورة, الدم هو الدم , المشهد كما هو المشهد على حاله وفي مثواه الجنائزي الأخير, المشاهد بعنفوانها بتراجيدياتها لماّ تحتفظ برمادها المتكدس حتى الأفول في ذاكرتها وهي تخبئ كل هذا الوجع و هذا الأنين الروحي من صدى استغاثات هؤلاء الأطفال الملتهبين في سعيرها الجهنمي.
لم تنته الحسرة المديدة على ( حسينها) الشهيد.. على مدينتها المغتصبة... على المنظر المذبوح من الوريد إلى الوريد, على النسوة الثكالى وهن قريناتها في الوجع الجماعي بقلوبهن.. بأكبادهن وعلى الأطفال الغائبين الخالدين إلى الأبد...
المشهد في لعنته التاريخية : امرأة تحمل على ظهرها ولدها المحترق وفي يدها اليمنى كيسٌ أسودٌ فيه بعضٌ من ركام ولدها الثاني المشوي كلياً. الأم تصرخ و تلطم على صدرها لهول المنظر المريع...!! الولد يبكي وجعاً وألماً مما أصابه من الحرق..!!كلاهما في زمهرير من الوجع الشهرزادي..العائدة لتوها من المكان (المحرقة) سئلت ماذا حصل بالضبط..؟؟ تلعثم فاها في الرد وكأنها في سكرها الثمل لم تستطع التفوه غير أن تقول : يا أخي  نحن في يوم (القيامة) ..!! وقرينتها الأخرى في المصيبة..!! بعد أن أخذوا لها كومة من عظام مفحم قالوا لها : استلمي هذا ولدك ما أن رأت المنظر ويا لهول المنظر ( عظما ساقين وقطع من الجمجمة) قالت يا إلاهي...!! أهذا هو ولدي رمت بجسدها المثقل على تلك العظام مرغت جدائلها في التراب الموحل تزمجرت مثل لبؤة مجروحة في هجيعها الأخير من الليل الساكن - ابني حبيبي..؟؟
أسرة تستلم ولدها الشهيد (المشوي- كلياً) وهو عبارة عن بعض العظام المنكسر وحينما حدقت الأم المسكينة إلى تلك العظام ركلتها بقوة وعنفوان: أهذا هو ابني الذي أخذتموه مني..!! بعد دفنه في المقبرة الجماعية كسواه من الشهداء, بدأت الام المفجوعة كالمجنونة وهي تبكي تلطم رأسها تركض إلى جهة مجهولة.. هاتوا لي ولدي أخرجوه لي حتى أتأمل فيه قليلاً..
إنها الحقيقة المطلقة التي فاقت كل التصورات والتي لا يمكن للآدمي في هذه الكونية الشاسعة أن يتخيل مرارتها القاسية التي ذاقتها (عامودا - النازفة) وعايشتها الأمهات المفجوعات بأولادهن بكامل وجعها وعذاباتها لما خلفت من وراءها رماداً مقدساً إلاهياً نثرت من سماء البلدة وعلى كامل جغرافيتها المسكونة..؟؟
مساء الفجيعة..!! مساء الموت ..!! أو المأدبة الشوائية في تحضيراتها الفائقة كانت بالنسبة لهؤلاء التلاميذ عرساً وفرحاً وكرنفالاً وهنيهات جميلة ممزوجة بابتسامات وتصفيقات مهلهلين غير مدركين  بهلاكهم النهائي , ربما كانت الرمقات الخالدة قبل طبخهم وحرقهم بلهيب الأنانية المفرطة , ما إن انقلب هذا الفرح وهذه الضحكات إلى عرس جنائزي, الموت الآتي ..اللهب من كل اتجاهاته من الجدران,, من الأسقف المنهارة,, من الأعمدة,, من النوافذ.. من الأبواب حتى من الأرض التي تزاحم عليها الأطفال في لحظاتها (الحاشر والمحشر) وقبل أن تبتلعهم ألسنة النار كلياً...أين النجاة يا أطفال عامودا..!! مادامت النار تلتهم أجسادكم وأعينكم وأناملكم وأرجلكم وضحكاتكم البريئة الأخيرة..؟؟
هي الأنانية القاتلة والقلوب المعبئة بالضغائن ربما كانت في تاريخها الأسود وفي يومها الانقلابي المشؤوم, أعدت الوليمة في دهاليزها مموهة بأكفاناً سوداً لا كما قلوب الأطفال البريئة, اندثرت الأحلام الجميلة في ساعة الصفر, وضاعت الآمال في ليلة تشرينية باردة مؤرخة في الضمائر والعقول الحية معنونة بـ (جريمة في منتصف الليل) السيناريو المدمي التي طاحنت رحاها القذرة الأجساد والأنامل الطرية والوجوه المتفائلة في لمحة بصر إلى أكوام من الركام الأسود واندثرت مع طموحاتهم على سفح (شرمولى) الشهيدة ..!!وفي كل اتجاهاتها الحزينة, كانوا أطفال كأزاهير الدريمة تحولوا في دقائق معدودة إلى بيادر من الفحم الآدمي المحترق..







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2933