الشوفينية أم التطرُّف...عن النظام السوري والمعارضة أتحدّث
التاريخ: الخميس 14 ايار 2020
الموضوع: اخبار



نوري بريمو

إنّ سياسة التمييز العنصري والإضطهاد الشوفيني والتعالي الأكثري (قومي أو ديني أو طائفي أو جنسي...إلخ) هي بحدّ ذاتها هوجاء ورعناء وأم للتطرف بعينه، وهي تكبُّر فجّ ومكابرة ضارة ولم تنفع أحداً حتى الآن ولن تجدي نفعاً لأية جهة سواءً أكانت أكثرية مضطهِدة أو أقلية مضطهَدة، وبناء عليه يترتب على مواطني الأكثرية السكانية في بلدان كثيرة من منطقتنا كالعراق وسوريا وتركيا وإيران ومثيلاتها من الدول المتعددة الأعراق والأطياف، أنْ لا يتعالوا على جيرانهم من الشعوب الأخرى كالكرد الذين ظلمتهم المصالح الإقليمية والدولية وأجحفت بحقهم وقامت بتقسيم وطنهم كردستان إلى أربعة أجزاء وشاءت أقدارهم بالعيش في ديارهم التي ورثوها آبائهم وأجدادهم كأقليات قومية في هذه الدول التي تشكلت جيوسياسياً على حساب جغرافية بلاد الكرد التي تحوّلت مع الزمن إلى سجون جماعية تهضم حقوق أهلها وتحاول صهرهم في بطون الأكثريات الطاغية بشكل شوفيني على هذه البلاد والعباد.


وبهذا الصدد فإنّ عقلية الاستبداد التي تحولت إلى كوابيس ظلماء وقاتمة فوق رقاب شعوب منطقتنا التي يبدو أنها قد تجرثمت أفكارها بجرثومة تكبُّر الإنسان على أخيه الإنسان والتلذّذ بقهره وصهره في غياهب الحماقات الشوفينية التي باتت حاكمة للبلاد في ظل غياب خصال حميدة كثيرة كصلة القربى وحسن الجوار والتسامح والحوار والتوافق مع الشركاء، قد أعادتْ النمطية البدوية في التعامل مع الآخر إلى معظم بلداننا التي تحوّلت في هذه الأيام إلى ساحات مستباحة لمختلف الحكام المستحكمين بمصائر الآخرين لا بل المتكبرين على جيرانهم والذين فيما يبدو أنّ بالهم العنصري لن يهدأ ما لم يدحرجوننا إلى هاوية التصارع الشعوبي البيني إلى ما لا نهاية من السنوات القادمة.
وأما عن معاناة الشعب الكردي في كردستان سوريا التي تم إلحاقها بالدولة السوريا التي تشكلت قبل مئة عام فقط بموجب اتفاقية سايكس بيكو، فحدِّث بلا حرج لأنّ كل الحكومات التي تعاقبت على حكم سوريا لم تعترف بالوجود الكردي كثاني أكبر قومية في سوريا وتعاملت بشكل شوفيني أرعن حيال المواطنين الكرد حيث طبّقتْ مختلف مظاهر التمييز القومي وتلاحَقَت مسلسلات تعريب المناطق الكردية وتواصَلَ الإضطهاد العرقي وتم تطبيق قوانين عنصرية كالإحصاء الإستثنائي والحزامي العربي وغيره من المشاريع والتدابير التمييزية التي قصمتْ ظهر شعبنا الذي جرى تجويعه وتشرّد من دياره وذاق ولا يزال يذوق الأمرّين.
والأنكى من ذلك كله هو أنّ معاناة شعبنا الكردي في سوريا لا تقتصر على إكتوائه بنيران السياسات والإجراءات الشوفينية التي يتبعها النظام بحقه فحسب، وإنما تتعدّى ذلك لتشمل وتتجسّد بإصطدامه بمغبّة التفكير الأكثري والسلوك القوموي لبعض أطياف المعارضة السورية أيضاً، ولعلّ خير دليل على مانقوله هو الممارسات الشوفينية التي يرتكبها معظم مقاتلو فصائل المعارضة المسلحة في المناطق الكوردية التي يسيطرون عليها حالياً كـ (عفرين ورأس العين وتل أبيض) حيث يفرضون أنفسهم كسلطة أمر واقع ويمارسون أساليب قمعية وهوجاء وأشبه ما تكون بالغزو والإغارة وهدر الدماء ويتعبرون الأهالي الكرد المتمسكون بأرضهم رغم الصعاب والمخاطر كغرباء وفي أحسن الأحوال كمواطنين من الدرجة العاشرة ويستولوا على أملاكهم وينهبوا أموالهم ويُسْكِنوا العرب في ديارهم ويُواصلوا إجراء التغيير الديموغرافي الممنهج لصالح الأكثرية العربية في هذه المناطق بالقوة عبر تهديد وترهيب المدنيين الكرد بدون أي رادع يردعهم بإعتبارهم مازالوا مصنّفون في عداد المعارضة المحكومة وليس النظام الحاكم.
وفي الختام وبعد مرور أكثر من تسع سنوات على الأزمة السورية العالقة بمنتهى العنف والحدية حتى الحين والتي تكاد تودي بالبلد إلى خيار التقسيم، فإنّ مقولة "الشوفينية أم التطرُّف" هي واحدة من الأقوال المأثورة التي ينبغي على النظام السوري وبعض اوساط المعارضة السورية الاستئناس بها واستخلاص العبر من مغزاها وترجمة معانيها بشكل عملي وبلا أي تمييز وفي شتى الميادين ومختلف المناحي، خاصة وأنّ شعبنا الكردي الذي يعتبر نفسه شريكا في البلد قد ملّ وسئمَ من كثرة المآسي والحماقات التي إرتُكِبَتْ بحقه والتي باتت نقمة ما بعدها نقمة على أجيالنا الحاضرة والقادمة التي ينبغي أن تهنأ بحياة ملؤها الأمن والاستقرار والتعايش السلمي في كنف دولة تعددية فدرالية ذات فضاءات ديمقراطية يسودها العدل والحق والقوانين التي تحترم حقوق الأفراد والأمم والتي من شأنها إنصاف مختلف آدميي سوريا بغض النظر عن إنتمائاتهم القومية والدينية والطائفية.
14 ـ 5 ـ 2020 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=26337