بمناسبة مساعي توحيد الصوت الكوردي.. 3 ـ امتحان الحوار وصعوبة الأسئلة
التاريخ: الخميس 14 ايار 2020
الموضوع: اخبار



د. ولات ح محمد

    الجمهور الكوردي عموماً (بغض النظر عن نسبة التفاؤل) سعيد بجلوس ممثليه من الأطراف المختلفة إلى طاولة الحوار بغية تكوين خطاب كوردي موحد وبناء جسم سياسي جديد لمواجهة التحديات وخوض الاستحقاقات القادمة. ولكن الحوار يسير وسط حقل من الألغام تهدد بإفشاله في أية لحظة، لأنه يجري في ظروف معقدة وتحالفات متشابكة لا يمكن تفكيكها والتخلص منها بسهولة. لذلك فإن السؤال الأبرز الذي يواجه هذا الحوار يتعلق بمدى قدرة كل طرف على ترك موقعه السياسي ضمن التحالفات القائمة الذي اختاره لنفسه منذ سنوات؛ فأحد الطرفين المتحاورين عضو في الائتلاف السوري الموحد المدعوم بقوة من تركيا التي تحارب الطرف الكوردي الآخر في الحوار وتريد إنهاءه. بتعبير آخر، يحاور المجلس الوطني خصم شركائه في الائتلاف الوطني المدعوم تركياً. وهذا يعني أننا أمام أحد الاحتمالات الآتية:


الاحتمال الأول ـ أن تركيا والائتلاف راضيان عن هذا الحوار أو غير معترضين على الأقل. وهذا يعني أن تركيا على الخط مع أمريكا التي تقود هذه الحوارات ومطلعة على حيثياتها مقابل عدم اعتراضها على ذلك. ولكن هذا سيطرح إشكالية أخرى، إذ لا يمكن للمجلس أن يكون في الوقت نفسه متحالفاً مع طرفين وهما في حالة عداء. وهذا يعني أحد احتمالين: فإما أن يفك المجلس ارتباطه مع الائتلاف من أجل إنجاح الحوار وبناء تحالف جديد، وإما أن يتخلى الائتلاف وتركيا ـ وبوساطة أمريكية ـ عن حالة العداء مع حزب الاتحاد الديمقراطي ويقبلا به شريكاً جديداً في سياق متطلبات المرحلة الجديدة. وفي هذه الحالة سيكون مطلوباً من الاتحاد الديمقراطي أن يغير من جلده إلى حد بعيد. 
الاحتمال الثاني ـ أن يكون الائتلاف (ومعه تركيا) معترضاً على حوار حليفه المجلس مع خصمه الاتحاد الديمقراطي. وفي هذه الحالة سيكون خروج المجلس (أو إخراجه) من الائتلاف حتمياً؛ فحتى لو رضي هو بازدواجية تحالفه فإن شركاءه في الائتلاف لن يقبلوا بذلك. وربما كان إعلان قبول انضمام رابطة الكورد المستقلين إلى الائتلاف خطوة استباقية (تهديدية) باتجاه الرد على خطوة المجلس الدخول في الحوار مع الاتحاد الديمقراطي. علماً أن المجلس ينفي حتى الآن نيته مغادرة الائتلاف أو نية الأخير إخراجه منه.
الاحتمال الثالث ـ  أن يترك المجلس حلفاءه في الائتلاف (أو ينتظر قرار فصله)، ولهذا تم الحديث عن احتمال نقل مقره إلى القاهرة أو الرياض، رغم نفي المجلس هذا الخبر. ولكن مسألة نقل المقر أبسط ما في الأمر، لأن دخول المجلس في الحوار القائم يعني بالضرورة أنه سيشكل مع الاتحاد الديمقراطي والأطراف الكوردية الأخرى جسماً سياسياً قد يدخل في مفاوضات مع النظام في المرحلة المقبلة ما دام الراعيان الأمريكي والروسي متفاهمين وقابلين بهكذا حوار أو تفاوض. وقد يكون ما سمعنا من جيمس جيفري في الأيام الماضية من حديث حول "مرونة روسية " مؤشراً في هذا الاتجاه.
    السؤال المطروح في هذه الحالة هو: هل سيكون الحوار شاملاً الجميع بتفاهم أمريكي روسي تركي وسيدخلها الكورد بجسم سياسي مستقل عن الحكومة وعن المعارضة؟. ما يقوي مثل هذا الاحتمال الأخير أن الأطراف الداعمة الرئيسة ليس لديها مانع لمثل هذا السيناريو؛ فالروسي والأمريكي لا يمانعان ذلك، بل يسعيان لمثل هذا الحل، أما التركي الداعم للمعارضة فقد يتم شراء موافقته على هكذا سيناريو بقبول وجوده على طاولة الحوار من خلال حليفه الائتلاف الوطني. وربما يكون هذا هو سبب سكوت الائتلاف وداعمه التركي عن خوض المجلس الحوارات والتفاهمات الحالية مع حزب الاتحاد الديمقراطي، على الرغم من أن الموقف التركي المبدئي هو الوقوف ضد كل تقارب كوردي كوردي على الدوام.
    حزب الاتحاد الديمقراطي من جهته تحالف من أجل بناء الإدارة الذاتية مع عدد من مكونات المنطقة وأحزابها. وإذا ذهب في حواره مع المجلس إلى بناء جسم سياسي كوردي (بكل ما يتطلب ذلك من تغيير في الاستراتيجية والأهداف) فإنه سيجد نفسه أمام تناقض بين تحالفه الجديد وتحالفاته السابقة، إذ لا يمكن له الجمع بين الاثنين. وهذا يتطلب (كما في حالة المجلس) أن يتخلى عن استراتيجيته وتحالفاته السابقة من أجل إنجاح الحوار القائم حالياً. ولكن يبدو أن خيارات الاتحاد الديمقراطي أقل صعوبة من خيارات المجلس في هذا الجانب. وهذا هو أحد الأسئلة المزعجة المطروحة على الطرفين المتحاورين.
   وبغض النظر عن المسائل الداخلية التي يمكن التوافق عليها بشكل أو بآخر، فإن هناك أسئلة صعبة أخرى تتعلق بالمسائل الكبرى ستواجه هذه الحوارات ومنها مثلاً: 
كيف سيكون الموقف من النظام؟؛ فأحدهما يرفع حتى الآن شعار إسقاط النظام، أما الآخر فيتحدث عما يسميه الخط الثالث. 
كيف سيكون الموقف من تركيا؟؛ فأحدهما شريك حتى الآن مع طرف معارض مدعوم من تركيا والآخر خرج للتو من حرب معها. 
كيف سيكون الموقف الجديد من المناطق الكوردية المحتلة؟؛ فأحدهما يدعو إلى المقاومة من أجل إخراج المحتل، بينما يتحفظ الطرف الآخر حتى على تسمية الوضع بالاحتلال. 
كيف سيكون الطرح الجديد بخصوص وضع الكورد وحقوقهم المشروعة في سوريا؟؛ فأحد الطرفين يطالب حتى هذه اللحظة بالفيدرالية، أما الآخر فطروحاته تتمحور حول أخوة الشعوب. أحدهما يسمي المنطقة جنوب غرب كوردستان، بينما يسميها الآخر شمال شرق سوريا.
    الأسئلة كثيرة والصعوبات عديدة ومتنوعة، لكن المسؤولية كبيرة وتاريخية أيضاً. الأمر يبدو سهلاً في ظاهره ولكنه للأسف مشوب بكثير من التعقيدات والتشابكات التي أنتجتها سياسات الأطراف المتحاورة نفسها. وهناك جهات داخلية وخارجية تسعى لإفشال الحوار، خصوصاً إذا أبدت الأطراف المتحاورة هشاشة في مواقفها وعدم جديتها، وإذا استمرت في التراشق الإعلامي عند كل محطة حتى وإن كانت صغيرة الشأن، الأمر الذي ستستثمر فيه تلك الجهات المتربصة بالحوار شراً خير استثمار وسيضع الحوار والمتحاورين والجمهور المنتظر على محك حاد وقاسٍ ومؤلم. 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=26331