ما الذي أثر في المنظمة الآثورية الديمقراطية لتغيير نظرتها والاعتراف بإقليم كردستان العراق ؟
التاريخ: الأربعاء 06 ايار 2020
الموضوع: اخبار



 شفيق جانكير
  
قبل أكثر من ستة عشر عاما من الآن، وتحديداً في 30/12/2004 أجريت حواراً مطولاً باسم مستعار مع الأستاذ بشير سعدي، وكان يشغل في حينه مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية ، وقد تم انجاز الحوار عن طريق الأستاذ كبرو شالو عضو المكتب السياسي للمنظمة حينذاك.. الحوار كان طويلاً وشاملاً، تضمن 22 سؤالاً، تطرقنا فيه الى مواضيع عديدة ومتشعبة، ابتداءاً من تاريخ تأسيس المنظمة والمراحل التي مرت فيها الى وضع الشعب «السرياني الكلداني الآشوري» والوضع السياسي العام في سوريا الى العلاقات التي تجمع المنظمة مع الحركة الكردية في سوريا،...الخ، وسوف انشر الحوار كاملا هنا لأني لم أتمكن من اخذ رابط للحوار من موقع عامودا حيث نشر فيه.. وما ذكرني بهذا الحوار هي الزيارة التي قام بها مؤخرا وفد من المنظمة الآثورية الديمقراطية الى اقليم كردستان العراق – يضم السيد بشير سعدي - والتقائه بالزعيم الكردي مسعود بارزاني وبقية المسؤولين في الاقليم، بالإضافة الى التقائه بقيادات المنظمة الآثورية الديمقراطية في العراق...


 لقد تابعت باهتمام التصاريح الخبرية التي كانت تصدر من الوفد الزائر عقب كل لقاء، واشد ما لفت انتباهي، هو اعتراف المنظمة بإقليم كردستان، بعد ان استمرت لمدة طويلة تسميه شمال العراق عند الاشارة اليه في خطابها الرسمي، فضلا عن توجيه الاتهامات الى قيادة الاقليم وتضخيم بعض النواقص المتعلقة بأوضاع الأخوة المسيحيين في الإقليم .. 
ففي رده على سؤال لي بهذا الخصوص في ذلك الحوار أجاب السيد بشير سعدي قائلاً: "نحن في المنظمة نرى الواقع وننظر إلى التاريخ وإلى الحقائق ونقرأ ونسمي الأمور تبعا لذلك، المنطقة التي يطلق عليها الأخوة الأكراد في العراق على أنها كردستان أو الجزء الجنوبي من كردستان، لا نراها نحن كذلك، ليس بقصد التنكر لحق للأخوة الأكراد كما قد يظن البعض منهم، بل قراءة منا للتاريخ والجغرافيا والحقيقة وليس لسبب آخر، هذه المنطقة ما عدا الجزء الشمالي منها- شمال جبال شهرزور- هي جزء أساسي من خارطة بيت نهرين التاريخية، مسرح الدولة والحضارة الآشورية ، كما أن المدن الأساسية فيها مثال كركوك وأربيل وزاخو وغيرها هي مدن آشورية تاريخيا، ولا تزال الآثار الآشورية شاهدة عليها في قلاعها التاريخية ومواقعها الأثرية المنتشرة في كل أرجاء المنطقة وحتى في اسمائها..." 
وهذا الاقتباس جزء صغير من جوابه على السؤال الذي وجهته له - يمكن العودة الى الحوار وقراءة الجواب الكامل للسؤال -  

السؤال الذي وجهته للسيد بشير سعدي وجزء من جوابه... والبقية في الحوار ادناه

السادة (داود داود سكرتير المنظمة الديمقراطية الاثورية، كبرئيل موشي،بشير سعدي أعضاء القيادة) مع الرئيس مسعود البارزاني خلال زيارة وفد المنظمة للاقليم

خبر استقبال الرئيس مسعود البارزاني لوفد المنظمةنقلا عن الموقع الرسمي للمنظمة :


قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية تلتقي مع الرئيس مسعود البارزاني

ADO NEWS
التقى صباح اليوم السبت الاول من شباط وفد من قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية مع الرئيس مسعود البارزاني في مصيف صلاح الدين في إقليم كوردستان العراق. وشارك في اللقاء ايضا الدكتور حميد دربندي مسؤول مكتب العلاقات في ديوان رئاسة الاقليم .
وترأس وفد المنظمة الأستاذ داود داوود مسؤول المنظمة، وضم في عضويته الرفيق بشير سعدي مسؤول مكتب الثقافة والدراسات والرفيق كبرييل موشي مسؤول مكتب العلاقات الخارجية. وبعد أن رحب السيد مسعود البارزاني بالوفد، عرض الرفيق داود داود لمحة موجزة عن تاريخ المنظمة ونضالاتها ومواقفها القومية والوطنية وعلاقاتها مع أطر المعارضة السورية، وتطرق إلى العلاقات الوثيقة التي تربطها مع الحركة الكردية في سوريا وبشكل خاص مع أحزاب المجلس الوطني الكردي السوري، كما أكد استعداد المنظمة للانفتاح والتفاعل مع كافة التعبيرات السياسية للعرب والكورد وغيرهم من أجل الوصول إلى سوريا ديمقراطية علمانية تصون حقوق جميع المكونات وتعترف بوجودهم وحقوقهم وتقوم على أسس الشراكة بين كافة السوريين. وجاءت مداخلات الرفيقين بشير وكبرييل مكملة لما طرحه الرفيق داود وتناولت مختلف القضايا التي تهم الشعبين الكردي والسرياني الآشوري وبقية المكونات، وكذلك التأكيد على تعزيز العلاقات الثنائية بين المنظمة وحكومة الإقليم والحزب الديمقراطي الكردستاني لما لذلك من انعكاسات إيجابية على الشعبين في سوريا والعراق وتحصين الحالة الوطنية في البلدين.
من جانبه، أكد السيد مسعود البارزاني على أهمية العلاقات التاريخية التي تجمع الشعبين الكردي والسرياني الاشوري، ودعا إلى المزيد من التعاون بين كافة مكونات المنطقة وقواها السياسية من أجل تثبيت حقوقها دستوريا وتعزيز دورها في العملية السياسية، وأبدى حرصا على ضمان حقوق الجميع من خلال التعاون البناء بين كافة المكونات، والتعامل الحكيم والعقلاني مع كافة التطورات التي تحصل في سوريا، والعمل على تغليب المصلحة الوطنية على كل ما عداها، وتمنى أن تصل سوريا إلى السلام والاستقرار من خلال الانخراط البناء في العملية السياسية وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة والبدء بمرحلة التعافي وإعادة الاعمار وعودة الحياة إلى طبيعتها. كما عبر عن حرصه الشديد على صون حقوق الكلدان السريان الأشوريين وكافة المكونات في الإقليم دون تمييز، وأبدى تفاعلا بمنتهى الإيجابية مع كافة الأفكار والطروحات التي عرضها وفد المنظمة.
هذا ويقوم حاليا وفد قيادي من المنظمة الآثورية الديمقراطية بجولة في إقليم كوردستان العراق. ومن المقرر أن يجري لقاءات مع المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني ومع مكتب العلاقات في الحزب ومع مكتب العلاقات في ديوان الرئاسة. إضافة إلى اللقاءات المقررة مع أحزاب ومؤسسات شعبنا الكلداني السرياني الآشوري من أجل تعزيز العلاقات الثنائية معها ومناقشة القضايا المشتركة.

انتهى خبر  ADO NEWS


ولكن هنا يتبادر الى الذهن السؤال التالي: 
ما الذي أثر في المنظمة الآثورية الديمقراطية لتغيير نظرتها والاعتراف بإقليم كردستان العراق ؟
لا شك ان زيارة الوفد والوقوف عن كثب على حقيقة أوضاع المسيحيين على ارض الواقع والاستماع الى القيادات المسيحية التي تشغل مناصب برلمانية ووزارية وادارية في الاقليم ومعايشته للأوضاع كما هي، قد عملت فعلها بتغيير الكثير من الأفكار والمفاهيم التي كانت راسخة في اذهان قيادات المنظمة متأثرا بالأحداث التاريخية والدور السلبي لبعض الأحزاب والشخصيات المسيحية خاصة من هم في الخارج والقائمة على تشويه سمعة الاقليم في أوساط الجاليات المسيحية في الخارج و في عدد من المحافل الدولية .. وكذلك السياسة الحكيمة للرئيس مسعود بارزاني في تعاطيه مع هذه القضية، وتوجيه حكومة اقليم كردستان وبالدرجة الاساس الحزب الديمقراطي الكوردستاني بإيلاء اهتمام خاص بوضع المسيحيين و لاسيما في مجال الاعمار و الاسكان و منح الحريات الدينية ووضع الحلول للكثير من المشاكل العالقة ومنح كوتا خاصة بهم في المناصب الوزارية والبرلمانية والادارية بشكل عام.. واعتبار النهوض بالواقع المسيحي في اقليم كوردستان هي مسألة حضارية و انسانية قبل أن تكون مسألة سياسية أو دينية أو اجتماعية، وأن الاقليم سيكون أكثر استقرارا و أكثر ازدهارا عندما يتعزز انتماء المسيحين اليه و يساهمون بروح الشراكة في بناءه.. 
هذه السياسة الحكيمة كانت لها نتائج ايجابية ان كان في الوسط المسيحي في داخل الاقليم او في الأوساط الأوربية والغربية والفاتيكان بشكل خاص، وما الاستقبال الحار الذي اجري للرئيسين مسعود البارزاني ونيجرفان البارزاني من قبل بابا الفاتيكان واشادته بسياسة الاقليم حيال المسيحيين في اقليم كردستان الا ثمرة من ثمرات هذه السياسة الصائبة..
 اعتقد كل ذلك كان عاملا مؤثرا في تغيير النظرة السلبية للمنظمة الديمقراطية الآثورية من اقليم كردستان، الى خطاب ايجابي يعترف من خلاله بالواقع المعاش كما هو .. 

المراجع:
- المسيحيون في اقليم كوردستان بين الواقع و الطموح... جعفر إيمنكي

------------------

نص الحوار:

بشير اسحق سعدي مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية: لا يمكن بقاء ثقافات لأقليات قومية أصيلة في الوطن خارج الشرعية والاعتراف

أجرى الحوار: شفيق جانكير 

قبل كل شئ هل لك أن تعرّفنا على تاريخ منظمتكم وظروف تشكيلها وأهم المحطات التي مرت فيها خلال نضالها؟

تأسست المنظمة الآثورية الديمقراطية في الخامس عشر من شهر تموز من عام 1957، في مدينة القامشلي، وهي أول تنظيم سياسي قومي في تاريخ شعبنا الحديث، وكان تأسيسها إملاءً لفراغ سياسي واستجابة لحاجة سياسية كانت قائمة في الساحة القومية الآشورية في الوطن والمهجر، ولدى كل طوائف شعبنا، وكانت أيضا تحديا لمشاعر الإحباط واليأس، من جدوى العمل السياسي القومي الذي رافق شعبنا بعد المآسي التي تعرض لها إبان الحرب العالمية الأولى، حيث راح ضحية المجازر التي ارتكبتها الحكومة التركية وحلفاءها 500 ألف شخص وأدت إلى تشريد وتهجير البقية الباقية، فمن أصل المليون إنسان وهو العدد التقريبي لشعبنا قبل الحرب القاطن في مابين نهرين العليا( جنوب شرق تركيا الحالية ) لم يبق في الوقت الحاضر سوى ألفي شخص، كما تبع هذه الجريمة الكبرى جريمة أخرى في العراق، إذ ارتكب الجيش العراقي الملكي بقيادة العقيد بكر صدقي جريمة أخرى في مدينة سيميل في السابع من آب عام 1933، راح ضحيتها خمسة آلاف شخص من المدنيين الأبرياء، انتقاما من حركة الآشوريين في العراق آنذاك من أجل المطالبة بحقوقهم السياسية والثقافية،
كانت المرحلة التي سبقت التأسيس في سوريا- مرحلة الخمسينات- تتسم بقدر جيد من الديمقراطية وتوفر الحريات السياسية، حيث سمحت هذه الظروف الفرصة لشعبنا في سوريا بشكل عام وفي الجزيرة بشكل خاص لإعادة تشكيل مؤسساته الدينية والثقافية، بعد مآسي المجاز والتشريد التي أعقبتها، فبنى الكنائس والمدارس الخاصة والمؤسسات التابعة للكنائس والأفواج الكشفية والأندية الرياضية والجمعيات الثقافية، كما تم إصدار بعض المجلات الأدبية، كما كانت تصل من المهجر المطبوعات والمجلات التي كانت تتسم بروح وطنية وقومية تحث على النهوض القومي كانت تصدر عن الأندية والجمعيات الثقافية في أمريكا الشمالية والجنوبية واهم تلك المجلات التي كانت تصل باستمرار مجلة الجامعة السريانية من الأرجنتين التي كان يحررها فريد نزها، وقبلها مجلتي الاتحاد وبيت نهرين التي كان يحررهما الملفان نعوم فائق، كما كان لنضالات الرواد الأوائل في بث الشعور والنهوض القومي أمثال: نعوم فائق، آشور يوسف، بشار حلمي بوراجي، سنحريب بالي، يويل وردا، فريدون آثورايا، الشهيد البطريرك مار بنيامين شمعون، دور هام في إذكاء الوعي القومي، وكان لقصة نضال شعبنا في بدايات القرن العشرين في سبيل التحرر من رقبة الظلم والمعاناة التي تعرض لها تحت أيدي العثمانيين، منها الحركات والجهود القومية التي قام بها رواد ومناضلي شعبنا: حركة آشوريي حيكاري بانضمامهم للحلفاء من أجل تحقيق كيان قومي آشوري، وفيما بعد النضال السياسي في أروقة مؤتمر السلام في باريس عام 1920 وجهود المطران أفرام برصوم في باريس ولندن أثناء مؤتمر السلام – ومشاركة ستة وفود آشورية جاءت من سوريا والعراق وأيران وروسيا وأمريكا- من أجل مطالبة الحلفاء بضمان حقوق شعبنا القومية في وطنه وضمان تلك الحقوق دوليا عبر مؤتمر السلام في باريس، وأيضا مساعي الآشوريين في العراق بين اعوام1920-1933 من أجل حقوق قومية في العراق، لقد كان لكل هذه التراكمات النضالية دورا في صياغة وعي قومي سياسي لدى المثقفين والشباب ما هيأ الأرضية الفكرية والثقافية والسياسية لدى المثقفين والشبيبة، هذه الأرضية الفكرية هي التي دفعت لتأسيس أول تنظيم سياسي قومي في العصر الحديث، يقوم على أفكار استمدوها من واقع شعبهم ومن قيمه وثقافته، فأعلنت المنظمة منذ انطلاقتها الأولى الديمقراطية نهجا وفكرا وممارسة لها في حياتها الداخلية ونهجها السياسي، في وقت كانت تعم الساحة السياسية تيارات سياسية تتسم بالطابع الأيديولوجي الشمولي ذات مشاريع كبيرة ثبت فشلها، طالبت المنظمة بحقوق الشعب السرياني الآشوري الكلداني كشعب أصيل والاعتراف بلغته وثقافته كحالة وطنية في الدول التي يعيش بها في المنطقة – منطقة الرافدين وسوريا- وان تضمن حقوقه السياسية والثقافية ضمن إطار وحدة وسيادة الدولة الوطنية كما أكدت على أهمية التواصل مع المهاجرين من شعبنا وخلق تواصل بين الوطن والمهجر.

مرت المنظمة بعد تأسيسها في مسيرة شاقة من العمل بسبب قيام الوحدة السورية المصرية وما رافقها من سياسة الاستبداد وخنق الحريات وقرار حل كافة الأحزاب، وسياسة تشكيكية وتخوينية لكل ما هو نشاط ومؤسسة دينية غير عربية، واستطاعت رغم تلك الظروف القاسية في بناء قاعدة تنظيمية بين الشباب والطلبة ومن خلالهم انتشرت المنظمة إلى المدن الرئيسية في سوريا، وبعدها إلى لبنان وتركيا و أوروبا وأمريكا.

تعرضت المنظمة إلى اعتقالات في عام 1986 و1987 وكانت هذه تجربة نضالية هامة، وقف شعبنا إلى جانب المنظمة في الوطن والمهجر، بأفراده ومؤسساته السياسية والثقافية وحتى كنائسه، كما كان لمساعي البطريرك زكا بطريرك الكنيسة السريانية الأرثودكسية دور هام في الإفراج على رفاقنا المعتقلين، وكانت هذه التجربة مفيدة للمنظمة إذ تحطم حاجز السرية وحاجز التردد والخوف لدى شعبنا من ممارسة العمل السياسي القومي، وانتقلت المنظمة بعدها إلى حالة العمل السياسي شبه العلني وبدأت بنسج علاقاتها السياسية بين كل القوى السياسية الوطنية على أرضية المبادئ والمشتركات الوطنية والديمقراطية، وبدأت بالمشاركة في كل الفعاليات السياسية والاستحقاقات الوطنية كجزء من النسيج السياسي الوطني، وكانت مشاركتها الأولى في الانتخابات التشريعية للدور الخامس عام 1990 اختبارا وتحديا لها واجهته بكل ثقة بالنفس، و تكلل هذا التحدي بنجاح مرشحها في هذه الانتخابات، وكانت هذه محطة هامة في حياتها السياسية، واستمرت بعدها بخوض غمار كل الاستحقاقات الانتخابية مثبتة في كل مرة حضورا شعبيا متزايدا. وكانت في كل مرة تثبت حضورا سياسيا واضحا وتأييدا وتعاطفا جماهيريا كبيرا، وكانت لمبادرتها ومشاركتها الفاعلة في عام 2003 مع الحركة الآشورية الديمقراطية ( زوعا ) وبقية المؤسسات القومية الآشورية السريانية الكلدانية دورا هاما في عقد وإنجاح المؤتمر القومي السرياني الكلداني الآشوري الذي عقد في بغداد في 22 و23 و24 من شهر تشرين الأول لعام 2003 الذي كان أول مؤتمر قومي علني يعقد في أحد عواصم ارض الوطن، والذي خلص إلى وحدة الرؤية السياسية لمستقبل العراق ووحدة التسمية والمطالب القومية فيه، وكانت المحطة التنظيمية الهامة الأخيرة متمثلة بعقد المؤتمر العام العاشر للمنظمة في عام 2003 الذي أكد على سياسية الانفتاح والعلنية واستمرار وتعميق النهج الوطني والتأكيد على تلازم النضال الوطني مع النضال القومي والتأكيد على الانفتاح على القوى الديمقراطية الوطنية السورية بمختلف طيفها السياسي والقومي التي في الجبهة والتي خارجها.

لماذا أطلقتم اسم المنظمة على تنظيمكم وليس حزب؟ وهل يختلف تركيبة تنظيمكم عن تركيبة الأحزاب أم هي مجرد اسم لا غير؟

تم تسمية المنظمة وليس الحزب لأن هذه التسمية بالأساس جاءت كترجمة حرفية من السريانية، ففي السريانية نقول "مطاكستو" وهي تعني تماما مصطلح الحزب كما هو معروف لدينا تماما، ولا فرق بين منظمة وبين حزب ، ومنظمتنا لا تختلف عن تسمية الحزب ولا عن مقاصد أي حزب.

ما هي طبيعة نضالكم وما هي أهم الأهداف التي تناضلون من أجلها؟

إن طبيعة نضالنا سياسي يقوم على سلاح الكلمة والحوار ونبذ كافة أشكال العنف والتطرف وسياسة حرق المراحل، ونؤمن بالتدرج والتراكم في طريق النضال من أجل الوصول للأهداف، وان الأهداف التي نسعى للوصول إليها هي : العمل من أجل الوصول لنظام ديمقراطي علماني تعددي تداولي قائم على أسس العدل والمساواة وشرعة حقوق الإنسان بما تعنيه من ضمان حقوق كافة الأقليات القومية ، والاعتراف بشعبنا كشعب أصيل، ما يترتب على ذلك من اعتبار لغته وثقافته حالة وطنية وضمان حقوقه السياسية والثقافية ضمن إطار وحدة وسيادة الدولة، كما نعمل من أجل ارتباط الوطن بالمهجر واعتبار هذا المهجر حالة وطنية وضرورة تواصله مع الوطن وتسخير كافة طاقاته في دعم الحالة القومية والوطنية، كما أن المنظمة ترى أن جريمة الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعبنا في تركيا إبان الحرب العالمية الأولى التي تسببت في قتل نصف شعبنا وتشريد النصف الآخر في كافة الدول المجاورة وفي المهاجر، وتسببت في خسارة أراضيه وأملاكه وأوابده التاريخية والدينية، إننا نناضل من اجل أن تعترف تركيا في هذه الجريمة التي ارتكبت بحق شعبنا، وتعويض شعبنا على هذه الخسائر مع ضمان حق العودة والاعتذار من الحكومة التركية لشعبنا عما ارتكب بحق شعبنا من مآسي. كما نطالب دول الاتحاد الأوروبي بربط دخول تركيا منظومة الاتحاد الأوروبي بشرط هذا الاعتراف بالتوازي تماما مع الاعتراف بجريمة إبادة الأرمن التي تمت في نفس المرحلة وفي نفس الساحة.

ما هي درجة تمثيل منظمتكم لمكونات شعبكم من كلدان وآشوريين وسريان؟ وهل انه يقتصر على تمثيل الآشوريين فقط أم أنها تضم الآخرين أيضا في صفوفها؟ وهل أن تنظيمكم هو الحزب الوحيد العامل بين صفوف الأخوة الآشوريين أم أن هناك أحزاب وتنظيمات أخرى تناضل إلى جانبكم؟

منذ التأسيس كانت تضم منظمتنا رفاقا من مختلف طوائف شعبنا بمختلف تسمياتها السريانية والكلدانية والآشورية بل أن المؤسسين الأوائل كانوا من مختلف طوائف شعبنا، ونحن نعتقد أن هذا التمثيل هو أمر نفتخر به ونعتقد أنه مقياس لمصداقية أي حزب قومي آشوري.
كما قلنا كانت المنظمة أول حزب سياسي آشوري وشكلت أفكارها وتجربتها الأولى أرضية لانطلاق أحزاب أخرى عديدة تأسست فيما بعد وهي في عددها الحالي أكثر مما تحتاجه الساحة القومية، ونظرا لإشكالية التسمية الموجودة في واقع شعبنا تشكلت أحزاب بمسميات سريانية وأخرى بكلدانية وأخرى بآرامية مؤخرا، ونحن سعينا منذ منتصف السبعينات من اجل التعاون والتواصل مع الأحزاب الآشورية الموجودة آنذاك ودعينا لقيام جبهة عمل قومي مشترك لم نوفق في تشكيلها نظرا لابتعاد الرؤى والمواقف بيننا آنذاك، ولكن في بداية التسعينات وفقنا في عقد وثيقة عمل مشترك مع أهم الأحزاب الآشورية الموجودة في الساحة العراقية وهي الحركة الآشورية الديمقراطية، وفي أواخر التسعينات شاركنا مع الحركة الآشورية الديمقراطية في تأسيس التحالف الآشوري مع ثلاثة أحزاب آشورية أخرى هي: الاتحاد الآشوري العالمي، حزب بيت نهرين الديمقراطي، المنظمة القومية الآشورية، ولكن للأسف لم يكتب لها الاستمرار طويلا، وهناك العديد من الأحزاب القومية بمسميات آشورية وكلدانية وسريانية موجودة حاضرا في الوطن والمهجر التي تعمل في صفوف شعبنا.

من المعلوم أن معظم الأحزاب في سوريا بما فيها أحزاب الجبهة الحاكمة باستثناء حزب البعث، قد تعرضت إلى انشقاقات متتالية، و من جانبكم هل عانيتم أيضا من هذا الشيء؟ برأيكم ما هي الأسباب المباشرة والغير مباشرة لحدوث هذه الانشقاقات؟ وكيف تعالجون هذه الحالات الضارة؟

إن ظاهرة الانشقاقات برأيي هي ظاهرة طبيعية إذ لا يمكن تصور أن لا تحدث مثل هذه في أي حزب أو مذهب أو أي تشكيل إنساني، فهذه الانشقاقات تأتي نتيجة لاختلاف الرؤى والأفكار مع الزمن ومع ما تفرضه المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من تباين في النظرة لها وفي الموقف حيالها وأيضا في تغير وتناقض المصالح للأشخاص المنتمين لهذا الحزب أو ذاك فالحزب أولا وآخراً هو تعبير عن مصالح أعضائه، طبعا مجمل المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما يمكن الكلام عنه هو درجة التعامل مع هذه الاختلافات بين القوى في الحزب الواحد ومدى إمكانية استيعابها واحتوائها وإيجاد السبل لحلها حلا توافقيا كلما ظهرت هذه الاختلافات ضمن آليات النظام الداخلي وبنية الحزب الداخلية، فكلما توفرت حكمة بقدر اكبر وأسلوب ديمقراطي ضمن الحزب تقل مخاطر هذه الاختلافات، والعكس صحيح، كما أن حالات الاختلاف تكثر عندما يكون الحزب في السلطة وفي حالات الهدوء والاستقرار، وتقل في حالات النضال السري والمخاطر، ونحن في المنظمة ظهرت في مراحل مختلفة خلافات سببها قيام بعض الرفاق في القيادات المختلفة بطرح أفكار وبرامج متأثرة بالفكر الثوري والتهور، لم يستطيعوا تسويق أفكارهم ضمن المنظمة ولم تتمكن المنظمة من احتواء تسرعهم وتطرفهم، فتركوا المنظمة وأسسوا لنفسهم تكوينا سياسيا لم يستطيع الاستمرار، كما ظهرت في أواخر السبعينات تيارا متطرفا قوميا من قبل عدد من الرفاق تركوا وأسسوا لنفسهم تكوينا خاصا بهم، وفي منتصف الثمانيات ظهرت حالة انشقاق أخرى لدى بعض الرفاق استمرت سنتين استطاعت المنظمة التوصل معهم بالحوار إلى حل تنظيمي ضمن إطار المنظمة، ولم تعاني المنظمة أية حالة انشقاقية، وطبعا يحدث بين الوقت والآخر مشاكل وخلافات، لم تأخذ طابع انشقاق، وهذه الحالة نعاني منها في فروع المهجر ففي كل مرة تظهر خلافات من قبل بعض الرفاق نحلها ضمن الأطر التنظيمية وإن تأخذ بعض الوقت وكثير من المعاناة والجهد.

من المعروف أن اغلب الانشقاقات التي تحصل في الأحزاب يكون سببه المباشر الصراع على المناصب القيادية، والسؤال كيف تتم عملية تغيير الشخص الأول في قيادة الحزب لديكم بين الحين والآخر، ويحصل هذا التداول السلس للقيادة لديكم دون أن تكون له نتائج تنعكس على تنظيم الحزب أو تؤدي إلى نوع من الانشقاق؟

الصراع على المناصب ظاهرة موجود في كل مكان وزمان وهي من طبيعة البشر، وهي موجودة في أرقى الديمقراطيات، وهو حالة مشروعة لأن الذي يسعى للوصول للسلطة يحمل معه برنامجه ورؤيته لتحقيق حالة أفضل بقناعته هو، ولكن ما هو مطلوب أن الساعي للسلطة يجب أن يقبل وجود غيره في السلطة أيضا طالما أنه وصل إليها بالطرق والسبل القانونية، وأن المجال والفرصة تبقى متوفر له في انتخابات دورية تالية إذا تمكن من توفير سبل الإقناع والتأثير للترويج لصحة رؤيته، نحن في المنظمة اعتدنا على تداول المواقع القيادية وهذا التداول يجري في إطار النظام الداخلي وفي آليات الانتخابات ضمن المؤتمرات الفرعية والعامة العادية منها والاستثنائية، وبالمناسبة طال التغيير في تشكيلة المكتب السياسي واللجنة المركزية بعد المؤتمر العام التاسع بنسبة خمسون بالمائة، كما طال التغيير تشكيلة المكتب السياسي بعد المؤتمر العام العاشر بنسبة 100% واللجنة المركزية بنسبة90% ولحق التغيير المسؤول الأول بعد المؤتمرين الأخيرين المذكورين، وقد قررنا في المؤتمر العام العاشر أن لا يستمر المسؤول الأول لأكثر من دورتين، واعتقد عندما يتم التغيير للمسؤول الأول بشكل قانوني وديمقراطي، يشعر عندها هذا المسؤول إن بإمكانه العودة لموقعه مرة أخرى بالطريقة نفسها التي وصل منافسه إليها، سيقبل الأمر بروح رياضية، وفي الوقت الذي لا يرافق خسارته لموقعه أن يرمى خارجا بل تصان كرامته ويستمر احترامه من قبل رفاقه وان يسند له دور محترم في لجان أخرى من الهيكل التنظيمي، وهذا ما يجري عندنا، وبالمناسبة بعد أن خسر الرفاق القياديين موقعهم إثر الانتخابات في المؤتمر العام العاشر تمنى الرفاق الخاسرون النجاح للقيادة الجديدة ووضعوا أنفسهم كجنود تحت تصرف القيادة الجديدة، وفي كثير من المناسبات العامة يشارك في وفد المنظمة القياديون السابقون إلى جانب الحاليين دون أية حساسية وقد نال ذلك إعجاب الوسط السياسي والاجتماعي عامة، وطبعا ليس الوضع مثالي بالمطلق إذ لا بد من وجود بعض الاستثناءات عندنا أيضا.

كيف هي العلاقة بين حزبكم وبقية الأحزاب العاملة في الساحة السورية، إن كانت أحزاب الجبهة الحاكمة أو الأحزاب خارجها؟

لنا علاقات ودية مع معظم الأحزاب السورية ذات التوجه الوطني الديمقراطي وبمختلف تنوعها القومي، ونسعى دوما لتطوير هذه العلاقات، ونعتقد أن السبيل الوحيد لخلق حياة سياسية حقيقية هو في تطوير هذه العلاقات لأبعد مدى، وفق أرضية تقوم على الاحترام المتبادل وقبول وتفهم الآخر المختلف في الرؤى والأفكار ضمن إطار المشتركات الوطنية، ووفق رؤى سياسية تقوم على المنهج والفكر الديمقراطي.
حاليا لنا علاقات جيدة مع التجمع الوطني الديمقراطي، ومع الأحزاب الكردية، سواء أحزاب التحالف الكردي أم أحزاب الجبهة الكردية، ومع الحزب السوري القومي، ومع لجان الدفاع عن المجتمع المدني والجمعية السورية لحقوق الإنسان، ومعظم الشخصيات السياسية والثقافية المستقلة، كما لنا علاقات جيدة مع الحزب الشيوعي السوري بفصيليه، ونسعى لبناء علاقات مع حزب البعث العربي الاشتراكي، لكن للأسف لم يفتح حزب البعث بواباته للحوار معنا لحد الآن، سواء في العاصمة أو في المحافظة، فلا يزال حزب البعث يمارس سياسة التجاهل والمكابرة تجاهنا، والموقف الايجابي اليتيم الذي لمسناه من فرع الحزب بالحسكة هو مشاركته بندوة أقامتها المنظمة بالقامشلي في مطلع هذا العام بعنوان إشكالية الهوية الوطنية في سوريا بحضور ممثلين عن شعبتي المدينة والريف. ولكن يجري حوارات غير رسمية مع شخصيات بعثية من وقت لآخر تنقل لنا ما يفيد أن هناك إشارات ايجابية للاستعداد مستقبلا لانفتاح سياسي للحزب على بقية الأحزاب الوطنية سيتم إقراره في مؤتمر الحزب القادم، كما أن قانونا خاصا بالأحزاب سيتم طرحه في هذا المؤتمر، نأمل أن يتحقق ذلك .

ما هو دور الكنيسة في الحياة السياسية وتأثيرها على عمل الأحزاب لديكم؟ هل هي نوع من الوصاية و التوجيه أم هي نوع من التشاور والتكامل؟

للكنيسة دور كبير في التأثير على الرأي العام لشعبنا بمختلف طوائفه، وهذا الدور يعود لكون الكنيسة كانت عبر المراحل التاريخية السابقة تمثل القيادة الروحية والزمنية عمليا لشعبنا، ففي المرحلة العثمانية على الأقل كانت هي الممثلة القانونية للطائفة عبر قانون الملل العثماني، وكان للكنيسة الشرقية ( النسطورية) بشكل خاص دور أساسي في القرار الروحي والسياسي والعسكري خصوصا عندما كان مركز البطريركية في قوجانس الواقعة في جبال حيكاري، ولكن هذا الدور تناقص نسبيا في العصر الحديث لصالح الدولة ولصالح الأحزاب والمؤسسات السياسية، وليس للكنيسة من تدخل حاضرا في عمل الأحزاب فهي فضلت الابتعاد عن السياسة بشكل مباشر، والعلاقة بين الأحزاب والكنائس هي ايجابية بشكل عام، والمنظمة علاقتها جيدة مع كل الكنائس ونحن نعتبر الكنيسة مؤسسة ثقافية واجتماعية فضلا عن كونها دينية ففيها خلاصة ما تبقى من تراثنا الثقافي والموسيقي واللغوي، وهي رمز قومي وثقافي هام لشعبنا حافظت على تراثنا القومي وعلى شعبنا في أحلك ظروف تاريخه، وننظر لها باحترام وإجلال.

لقد كانت إلى وقت قريب العلاقة بين تنظيمكم ومعظم الأحزاب الكردية محدودة جدا بل كانت تشوب تلك العلاقة نوع من الحساسية والتوجس من الأخر، ولكن في السنوات القليلة الماضية تغيرت الحالة إلى حد ما، ووصلت إلى درجة التحالف بينكم وبين بعض الأطراف الكردية في قائمة واحدة خلال الدورات الانتخابية لمجلس الشعب في الدورات الأخيرة، برأيكم كيف حصل هذا الانفتاح, هل التغيرات التي حصلت بالعالم هي التي فرضت على الطرفين هذه الحالة الجديدة أم أن تفهم كل طرف لوضع الطرف الآخر كان السبب في ذلك؟ وما السبيل برأيكم في أن تكون العلاقة في أحسن حالاتها، خدمة لقضايا الشعبين والتعايش المشترك مع بقية شعوب الوطن؟

التوجس والحساسية هما نتاج طبيعي لحالة تراكم تاريخي، يغذي هذه الحالة التقوقع وانقطاع التواصل، وكل هذا نتيجة طبيعية لجمود السياسة والحراك السياسي وضيق حرية الرأي والتعبير، الناتجة دوما عن سياسة القمع وغياب الديمقراطية في المجتمع، وكانت هذه الحالة بشكل ما موجودة لدى كل الأطراف تجاه بعضها البعض دون استثناء، ففي غياب التواصل تنمو حالة الانكفاء على النفس، وقد كانت الفرصة التي أتاحها الرئيس الراحل حافظ الأسد في عام 1990 للمرشحين المستقلين لانتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الخامس دون أي تدخل من السلطة في نتائج الانتخابات، وتأمين جو ديمقراطي مريح، والذي أدى ذلك لوصول ممثل المنظمة الآثورية الديمقراطية لمجلس الشعب وأيضا وصول ثلاثة ممثلين عن الأحزاب الكردية في محافظة الحسكة، كانت هذه الأجواء فرصة للتعارف والتقارب بين المنظمة والأحزاب الكردية وأيضا مع بقية القوى والأحزاب الوطنية الأخرى، وشعور الجميع أنهم مكونات وشركاء لوطن يتسع للجميع وللجميع حق متساو فيه دون استثناء.
كانت هذه المحطة بداية للتواصل الايجابي من قبلنا مع الجميع ومنها الأحزاب الكردية، وكان للأجواء الايجابية التي أعقبت هذه المرحلة عاملا مساعدا لإظهار وتعميق هذا التواصل، ليس حزبيا فقط بل شعبيا من خلال المشاركة المتبادلة في كل المناسبات السياسية لدى الجانبين، وقد تعاونت المنظمة والأحزاب الكردية في انتخابات المجالس المحلية بمحافظة الحسكة لعام 1991، وفي الانتخابات التشريعية لأعوام 1994 و1998 حيث دخلت المنظمة الانتخابات التشريعية مع الأحزاب الكردية في قائمة مشتركة إلى جانب ممثلين عن قوى عربية ووطنية أخرى، واستمرت هذه العلاقة بايجابية، ونعمل دوما من اجل تمتين هذه العلاقة على أسس ومشتركات وطنية، وقد سعت المنظمة في حوادث القامشلي في 12 آذار وما تبعها من تداعيات، إلى التهدئة والوصول لحل لها يقوم على أساس الحوار والحل السياسي بعيدا عن أية حلول أمنية. وقد كان لموقف المنظمة ومبادراتها، سواء بالدعوة لتشكيل وفد مشترك مؤلف من كل الطوائف المسيحية معها في العمل للتهدئة والدعوة لجلسة حوار مشترك ضم وفد المنظمات الأهلية المؤلف من جمعية حقوق الإنسان ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية والتجمع الوطني الديمقراطي وعددا من الشخصيات الثقافية والوطنية الذين قدموا للمحافظة بهدف الاطلاع على الموقف عن كثب، مع ممثلين عن جميع الأحزاب الكردية وبحضور مراسلين عن بعض وكالات الأنباء، في مجمع صحارى يوم 16 آذار وطرح في هذا اللقاء موضوع الحدث وتداعياته وسبل حله والنتائج المستخلصة منه، وتم التعبير عن مجمل اللقاء ببيان مشترك إلى الرأي العام وقعت عليه مجمل القوى المشاركة في هذا اللقاء، وما يهمنا القول بأننا في المنظمة نرى الشعب الكردي جزء من مكونات المجتمع السوري المتنوع، ومن حقه إلى جانب بقية الأجزاء الأخرى، عربا وآشوريين وأرمن وغيرهم هم أبناء لبيت مشترك واحد، هو الوطن السوري، والعلاقة بين هذه الأجزاء على أرضية قواسم وطنية مشتركة، هي تعبير عن حالة وطنية تهم الوطن جميعا، ويجب أن تتعزز وتستمر، واعتقد أن التغيرات التي حصلت بالعالم كما سألتم باتجاه ثورة المعلومات والاتصالات والانفتاح الديمقراطي العام في الكون، له بالتأكيد دور ايجابي على مجمل الحياة السياسية في كل جزء من العالم، ولا بد أن نتأثر به نحن أيضا، ولكن لا بد من الإشارة أيضا إلى أن حالة من الانفتاح السياسي بدأت في السنوات الأخيرة في سوريا، هيأت الأرضية المناسبة للنشاط السياسي وخصوصا بعد تسلم الرئيس بشار السلطة، وإعلانه سياسة انفتاحية وإصلاحية عكست حالة إيجابية على تطور ونمو الحراك السياسي الذي مس الجميع ومنها نحن، وبالنسبة للسؤال الأخير حول ما هي السبل لتكون العلاقة في أحسن أحوالها بين الشعبين الكردي والآشوري، اعتقد أن السبيل الوحيد هو توفر الإرادة السياسية لدى الطرفين لقبول كل طرف للآخر، ليس فقط بإطلاق الشعارات النظرية والكلام المعسول، بل بعكس حقيقة هذه الشعارات على الواقع وتحويلها لواقع معاش على الأرض، وتبني خطاب معتدل بعيد عن التطرف، خطاب يعتبر أننا جميعا شركاء متساوون في هذا الوطن المشترك، وهو ملك متساو لكل أبنائه، وأن ننظر جميعا إلى الحاضر والمستقبل، ونأخذ من التاريخ والماضي عبرا ودروسا تفيدنا لحاضرنا ولمستقبلنا، ولا نبقى أسرى للماضي.

لنأتي لأحداث الثاني عشر من آذار الماضي في القامشلي والمناطق الأخرى. برأيكم من كان المسبب الرئيسي لها؟ وهل من خطط لها من خلف الكواليس؟ وكيف تقيمون دور الحركة الكردية وبقية الأطراف من جهة ودور السلطة من جهة أخرى في معالجة تلك الأحداث؟

برأيي المسبب الرئيسي لها كان القصور في فهم أبعاد التوتر الذي حدث في المباراة التي تمت في دير الزور قبل أسبوعين من هذه المباراة بين جماهير نادي الفتوة وجماهير نادي الجهاد، كان من الواجب على السلطات في كلتا المحافظتين أن ترصد خلفيات هذا التوتر والاحتكاك الذي حدث ومخاطره، وكلنا يعلم انعكاس الحالة العراقية على مشاعر جماهير الناديين، وكانت الهتافات والتهويسات من قبل جماهير نادي الفتوة في شوارع القامشلي التي سبقت المباراة بساعات قليلة موحية بأن شر ما محتمل وقوعه، فكان من الواجب اتخاذ الاحتياطات الكافية وترتيب الأمور بشكل أفضل، كما اعتقد بان استعمال الرصاص الحي من قبل الشرطة لم يكن مبررا وكان خطأ جسيما، وهذا طبعا تتحمل مسؤوليته السلطات المحلية المختصة، ولا اعتقد بأية نظرية تقول بوجود خطة مسبقة لهذا الحدث من جانب أي طرف، واعتقد أن أخطاء ارتكبت من قبل بعض الجمهور الكردي في مسيرة الدفن في اليوم التالي برفعها أعلاما كردية وإطلاق بعض جماهيرها شعارات قومية كردية متطرفة والقيام بأعمال تخريب للمنشآت الحكومية. مما ولد ردود فعل معاكسة من السلطات الأمنية، وبشكل عام كان دور الحركة الكردية في التعامل مع الحدث متسما بالاعتدال والسعي للتهدئة كما لمسناه نحن عن قرب لتلمسها مخاطر أي تصعيد على مجمل الشعب الكردي من احتمال تداعيات اخطر لا تخدم أحدا. كما وجدنا أيضا نفس الروحية لدى السلطات الأمنية باحتواء الأزمة دون السعي لأي تصعيد، وكان للمنظمة بالمناسبة دور ومشاركة في مساعي التهدئة سواء في المبادرة لطرح فكرة الوفد المشترك لكل الطوائف المسيحية الذي اتصل بكل الأطراف سواء السلطة أم الحركة الكردية أم العشائر العربية. كما بادر لجلسة حوار بين وفد المنظمات الأهلية القادم من دمشق والأحزاب الكردية ورموز عربية بهدف التهدئة والدعوة لحل الأزمة حلا سياسيا عبر الحوار بين السلطة من جهة والقوى الكردية وبمشاركة القوى الوطنية الأخرى للوصول إلى حل ليس للازمة الحالية فقط بل للبحث في مسبباتها وتلافي أية تداعيات وانعكاسات سلبية لها في المستقبل على أرضية وطنية صلبة، على كل حال إن مجمل موقف المنظمة مما حدث عبرنا عنه عبر بياننا الرسمي الصادر عن المكتب السياسي بتاريخ 15 آذار عام 2004.

ما هي قراءتكم للوضع العام في سوريا وآفاق التغيير نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والاعتراف بكافة مكونات الشعب السوري وتأسيس مؤسسات المجتمع المدني ؟

برأيي أية عملية تحول من نظام للآخر تحتاج لمرحلة تأخذ زمنا ليس بالقصير إذا أريد لهذا التحول أن يكون سلميا وآمنا دون أن يعقبه أزمات وصراعات حادة وخسائر على الوطن والمواطن، ونحن نرى ونؤمن بالتحول التدريجي نحو الديمقراطية وفق برنامج مدروس للإصلاح يشارك فيه كل القوى الحية بالمجتمع المؤمنة بالديمقراطية، وهذا وفق قناعتنا يجب أن يتم عبر إطلاق بوابات مشرعة للحوار على أرضية مشتركات وطنية يشارك في صياغتها الجميع، بما فيها السلطة، بل ولتكن بمبادرة وإدارة منها عندما تقتنع بضرورة الإصلاح نحو الديمقراطية التي أصبحت حلما لكل شعوب الأرض، وهذا برأيي هو أفضل السبل لقيادة عملية الإصلاح والتغيير الهادئ والآمن نحو الديمقراطية. إن مبادرة السيد الرئيس بشار الأسد الواردة في خطاب القسم في الإصلاح والتطوير وإشارته لاحترام ووجود الرأي الآخر والآخر، كانت مشجعة وخلقت تفاؤلا وآمالا في بداياتها وانطلقت بنتيجتها ورشة واسعة من الحراك السياسي وانطلاق منابر للحوار في كل أرجاء البلاد، كان يمكن أن تتحول إلى انطلاقة لتأسيس قاعدة وأرضية لتحول نحو بداية سياسية شاملة للتغيير الديمقراطي. ولكن للأسف تم إيقاف هذه الانطلاقة التي سميت ربيع دمشق، وكان ذلك خطأ جسيما، واحدث إحباطا في الساحة السياسية.
ولكنني مقتنع رغم هذا التوقف والتباطؤ في مسار الإصلاح، أنه سيستأنف مرة أخرى، فلا خيار آخر أمام السلطة غير ذلك، فلا يمكن أن تبقى الأمور كما هي عليه الآن، لا يمكن أن يستمر حزب أو جبهة من أحزاب معينة دون غيرها بحكم بلد وحدها للأبد، كما لا يمكن تجاهل قوى سياسية أساسية موجودة على الأرض للأبد، ولا يمكن بقاء ثقافات لأقليات قومية أصيلة في الوطن خارج الشرعية والاعتراف، ولا يمكن هكذا أن تستمر السياسة دون وجود لقانون ينظم الحياة السياسية في إطار الشرعية والقانون، ولا يمكن أن يستمر إلى ما لانهاية التعامل مع قانون الطوارئ والأحكام العرفية، ولا يمكن أن يستمر بعض أحزاب في الجبهة الوطنية الحاكمة وهي لا تمتلك ربما من أعضاء يزيد عن المناصب المخصصة لها، ولذلك أنا مقتنع أن مسار الإصلاح سيستأنف وينطلق من جديد، وكافة المؤشرات توحي باتجاه ذلك، وشهدنا ونشهد خطوات إصلاحية في كافة مجالات الحياة يجب أن نعترف بها ونحييها وان كانت ليست في حجم الطموح، فالتغيير والإصلاح هو قانون الحياة، وكما نسمع أن مؤتمرا لحزب البعث سيعقد في منتصف العام القادم وان عدة مقترحات للإصلاح ستطرح خلاله، وأنا متفائل بالمستقبل، وللننتظر.

قيل الكثير حول ما يستشف عن وجود صراع في السلطة بين تيارين، رجالات الحرس القديم والجيل الجديد الذي يمثله الرئيس الدكتور بشار الأسد، حول تنفيذ البرامج والمناهج التي يقال أن الرئيس يحملها ويعمل جاهدا لتنفيذها والتي يقال أنها تصطدم بمعارضة تلك الرجالات الذين سيتضرر مصالحهم الشخصية أو أنهم سيفقدون مواقعهم نتيجة لذلك. ما هي وجهة نظركم حول هذا الموضوع؟

ما يقال حول هذا الموضوع هو مجرد قراءات من بعيد واستنتاجات ، وأنا لا اعتقد بمثل هذا التوصيف، وارى أن النظام السياسي يمثله رأس النظام، والسياسة الرسمية المعلنة للدولة، وهنالك حقيقة مراكز أو أشخاص لا تتفق مصالحهم مع التوجه العام للاصلاح، ويمكن أن نطلق عليهم أي اسم وربما لا يكونون من القياديين القدماء بل من الصفوف الشابة، وربما الإثنين معا تختلف مصالحهم مع سياسة الدولة ويحاولون أن يعيقوا أية خطوة إصلاحية تتعارض مع مصالحهم الخاصة، واعتقد أن مصلحة النظام ككل هي مع دفع عجلة الإصلاح للأمام دون توقف ودون تردد.

ما هو موقف حزبكم من الضغوطات والتهديدات التي تتعرض لها سوريا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرها من الدول التي تضغط على سوريا لتغيير سياستها حيال لبنان والعراق والقضية الفلسطينية وكذلك مسائل حقوق الإنسان وقضايا الإرهاب وغيرها من المسائل التي يتهمون سوريا بالتورط فيها؟

نحن موقفنا كتنظيم سياسي وطني، نعارض أية ضغوط تأتي على بلدنا من أية جهة كانت، ونعتبر هذه الضغوط تدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذا مناقض لمبدأ أساسي من القانون الدولي المنصوص عنه صراحة في ميثاق الأمم المتحدة، ونعتقد بغض النظر عن موقف أي حزب سياسي سوري من السلطة، ومهما كان سقف معارضته لسياستها الداخلية، الواجب الوطني يفرض أن يكون في صف الوطن تجاه هذه الضغوطات الخارجية، ولكن بنفس الوقت يتوجب على السلطة أيضا في مثل هذه الظروف الصعبة التي يتعرض فيها الوطن لمثل هذه التهديدات الجدية، أن تبادر لتعزيز الصف الوطني الداخلي من خلال مشاركة كل القوى السياسية التي هي في صف المعارضة ولنقل التي هي خارج إطار الجبهة الوطنية الحاكمة وبمختلف طيفها السياسي والقومي في الهم الوطني، من خلال فتح بوابات لحوار وطني يشارك فيه الجميع بهدف الوصول لرؤية مشتركة للحاضر والمستقبل ووضع أسس عقد سياسي جديد يتلاءم مع التغيرات الحاصلة في العالم ويستجيب لمجمل القضايا الداخلية التي تحتاج لحلول، تأخر حلها، وفي مقدمتها مسألة الإصلاح الديمقراطي بكل ما يعنيه من إطلاق للحريات السياسية ، بما يعزز ويقوي الصف الداخلي والوحدة الوطنية الحقيقية القائمة على إرادة وطنية حرة، و يقوي الوطن ويحمي سياجه ويكون صلبا أزاء التحديات من أي صوب جاءت. ويجب على السلطة أن لا تتجاهل القوى الوطنية وتبعدها عن المشاركة السياسية في هذه الظروف الصعبة، كمن لا يرى ولا يؤمن ولا يثق إلا بنفسه، لان مثل هذا التجاهل سيولد حالة سلبية وانكفاء داخليا لن يستفيد منه إلا أعداء الوطن سواء الذين في الخارج، والقوى الأصولية المتطرفة الموجودة في الداخل، والتي كما أظن تنمو بأشكال مختلفة تحت الرماد، وهي تبحث عن فرصة للانقضاض على كل ما تحقق من مكاسب، وهي بنظري الخطر الحقيقي المحدق على النظام وعلى المعارضة الوطنية الديمقراطية بنفس الوقت.

كيف تقيمون الوضع في لبنان وخاصة إشكالية التمديد للرئيس لحود لفترة رئاسية إضافية من خلال تعديل الدستور، وكذلك موضوع خروج القوات السورية منها وقرار الأمم المتحدة 1559 بهذا الخصوص؟ وما هو الحل برأيكم لتجاوز هذا المأزق الذي يمر فيها سوريا ولبنان في هذه الأيام؟

الوضع في لبنان الحالي مرتبط بالحالة المأساوية من الحرب الأهلية التي مر بها في منتصف السبعينات والتي أصبح فيه لبنان ساحة لصراع القوى الإقليمية والدولية، ووجود الجيش السوري فيه جاء استجابة لطلب رسمي من الحكومة اللبنانية، ولقد تحدد مستقبل لبنان السياسي ومسألة انسحاب أو إعادة انتشار الجيش السوري أيضا من خلال اتفاق الطائف، وكان للوجود السوري في لبنان دور أساسي في استتباب الأمن فيه وإعادة بناء مؤسساته وجيشه، وفي مثل هذه الحالة سيكون لسوريا بالطبع كلمة وتأثير في مجمل القرار السياسي اللبناني وهذا ما حدث، ولكن رافق ذلك أخطاء إدارية وسياسية ولدّت لدى قسم من اللبنانيين شعور بالاستياء، ولدى قسم آخر شعور بالارتياح حسب تضرر أو استفادة هذا القسم أو ذاك من حالة الوجود السوري في لبنان. واعتقد حتى عام مضى كان هناك قبول إقليمي ودولي بالوجود السوري في لبنان، وما تغير مؤخرا من ضغوطات جدية من قبل فرنسا وأمريكا يتعلق بمسألة الحالة العراقية وطبيعة الموقف السوري المناقض للسياسة الأمريكية في المنطقة، أما بالنسبة لفرنسا فلها دوافع مختلفة تتعلق بالبحث عن دور لها في المنطقة بعد انحسار دورها أوروبيا وخسارة موقعها في العراق، واضطرارها للوقوف إلى جانب أمريكا من اجل إعطاءها دور ما في المنطقة. وهذا ما يفسر عدم اعتراض الدولتين عن عملية التمديد السابقة للرئيس الياس هراوي، المطابقة لنفس حالة التمديد للرئيس لحود. وبرأيي إن التهديدات الأمريكية والفرنسية هي جدية وخصوصا بعد تغطية هذه الضغوط بقرار من مجلس الأمن، واعتقد إن الحل الأفضل هو بعقد مؤتمر بين الجانبين السوري واللبناني يشارك فيه كافة القوى اللبنانية، يتم فيه الاتفاق على أسس سياسية مشتركة والتوصل لاتفاقيات ثنائية تضمن مصالح البلدين وأمنهما المتبادل، والاتفاق فيه على جدولة للانسحاب العسكري، بما يفوت الفرصة على أمريكا وغيرها في التدخل في شؤوننا الداخلية، وهم كما نرى جادون في البحث عن حجج وذرائع للتدخل والهيمنة.

ما هي طبيعة العلاقة بين تنظيمكم والحركة الديمقراطية الآشورية في العراق ( زوعا )؟

الحركة الديمقراطية الآشورية هي التنظيم الآشوري الرئيسي في العراق، وللمنظمة وثيقة عمل مشترك مع الحركة منذ عام 1990، تقوم هذه الوثيقة على التنسيق والتعاون في كافة المجالات السياسية والقومية، مع احتفاظ كل طرف بسياساته الداخلية، ولا تزال هذه الوثيقة قائمة، بل إنها تتعزز عمليا من خلال المشاركة في مجمل الشأن القومي، وهذا لا يعني حدوث بعض الأخطاء في سير هذه العلاقة ، ولكن بالإجمال تعتبر وثيقة العمل المشترك بيننا وبين زوعا مثلا ونموذجا للتعاون والتنسيق بين الأحزاب القومية الآشورية نظرا لإستمراريتها هذه المدة الطويلة بل استمرار الحاجة لها.

كيف تنظرون إلى النضال الوطني والقومي وعملية الربط بينهما، وما هو موقفكم من القوى والآراء التي تعارض أو تنتقد العلاقة بين أي حزبين لشعب واحد في بلدين مختلفين واتهامهم لهذه العلاقة بالتدخل في الشؤون الداخلية أو تسميتها بالتبعية والى ما هنالك من اتهامات يوجهونها لأي علاقة من هذا النوع؟

أعتقد أن هناك ربطا جدليا بين النضال الوطني والنضال القومي، وفي منظمتنا هذه العلاقة بين النضالين هي قرار لأحد مؤتمراتنا العامة منذ مطلعة التسعينات، فنحن نعتقد بان النضال الوطني الحقيقي يجب أن يشمل كافة هموم الوطن وأبنائه جميعا بمختلف تنوعهم الثقافي والديني والقومي وإعطاء كل ذي حق حقه، وهذا يعني أن النضال من اجل منح الأقليات القومية حقوقها في إطار سيادة ووحدة أرض الوطن، هو جزء من النضال من اجل كل الوطن وكل أبنائه، كما أن كل شعب لا بد أن يكون له تواجد في الدول المجاورة بل في دول المهجر أيضا، فكما نعلم أن الدول في المنطقة لم تحدد حدودها تبعا للتقسيمات الأثنية، بل السياسية، وهي بالعموم جاءت نتيجة وخلاصة صراعات دولية ارتسمت في النهاية وفقا لميزان القوى الأكبر، فمن حق هذه الشعوب أن تتواصل فيما بينها وان تتعاطف فيما بينها، وقد كفل القانون الدولي هذا الحق، ففي المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966، والمادة 19 من مؤتمر الجزائر الدولي لعام 1976، تنصان صراحة على حقوق الاقليات القومية السياسية والثقافية في الدول التي يقطنونها، كذلك نص الإعلان الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في عام 1992 الخاص بحقوق أفراد الأقليات صراحة على حق أفراد الأقليات في التواصل فيما بينهم دون ممانعة من حكومات دولهم، وهذا الحق هو لصالح الأقليات كما هو أيضا لصالح الأكثريات ، فلكل أكثرية من أي شعب كان تواجد في بلد آخر بشكل أقلية، فعلى سبيل المثال الشعب العربي هو الأكثرية في سوريا إلا انه أقلية في تركيا، ومن الطبيعي أن يهتم كل عربي في سوريا بشؤون الأقلية العربية الموجودة في تركيا، وهذا ينسحب على الجميع، أما ما يتعلق بشكل علاقة أي حزب لأقلية مع حزب آخر لنفس الأقلية موجود في بلد آخر فهذه مسألة معقدة تتعلق بطبيعة القوانين السائدة في كلا البلدين ودرجة تقارب أو تنافر سياستهما، كما هو الحال في منطقتنا، كما تتعلق بمدى سياسة أحزاب الأقليات ومدى قربها أو بعدها بسياسة هاتين الدولتين، ولكن في العموم من حق أي حزبين التواصل ضمن إطار لا يتناقض مع سياسة الوطن الذي تعمل في ربوعه، بل يجب أن تكون هذه العلاقة تصب في مصلحة قضية الوطن العامة.

بخصوص وضع الأخوة الكلدان والأشوريين والسريان في العراق بشكل عام وإقليم كردستان بشكل خاص، كيف ترونها؟

شعبنا الكلداني الآشوري السرياني في العراق، هو شعب واحد رغم تعدد التسميات، وهو شعب أصيل فيه، واستمرار للحضارة السومرية والأكدية والبابلية الآشورية والكلدانية والآرامية، وعرف قبل الميلاد بقرابة خمسة قرون بالشعب السرياني، هذه التسمية المتأتية من الحضارة الآشورية، ومن هذه التسمية أيضا سميت منطقة الهلال الخصيب أيضا بسوريا، وشعبنا كان له دور هام في بناء العراق عبر كل مراحله التاريخية حتى مرحلة بناء العراق الحديث، وكنتيجة لظروف القهر والظلم المعروفة تقلص عدده حتى أصبح يشكل أقلية قليلة لا تتجاوز الخمسة بالمائة حاليا، عاش شعبنا مثل بقية شعوب العراق تحت هيمنة دكتاتورية صدام مقتسما معها حصته من الظلم والقهر بل عاش شعبنا ظلما مزدوجا، فقد طاله الظلم السياسي القومي والديني أيضا، أما في منطقة السلطة الكردية في شمال العراق التي تكونت بعد حرب الكويت، إثر سحب صدام للمؤسسات القانونية العراقية منها، وتشكل السلطة الكردية العراقية بعد إجراء انتخابات فيها عام 1992، فقد نعم شعبنا نسبيا بمناخ جيد من الحريات السياسية والدينية والثقافية فيها، وشارك شعبنا في الحياة السياسية من خلال خمسة من نوابه في البرلمان المحلي، وبوزير في الوزارة، كما أن الحركة الآشورية الديمقراطية كانت منضمة لأحزاب الجبهة الكردستانية، لكن رافق هذه المرحلة الجديدة استمرار لبعض التعديات والتجاوزات على بعض أبناء شعبنا وعلى الأملاك والقرى والأراضي الزراعية، منها تعديات جديدة ومنها قديمة رافقت مرحلة الحرب الكردية العراقية منذ الستينات، من هذه القرى لا يزال 185 قرية آشورية هي بأيدي الأخوة الأكراد، ولا تزال المطالبات بها مستمرة، وهناك وعود لإعادة هذه الممتلكات من قبل المسؤولين الأكراد، كان آخر هذه الوعود منقول على لسان السيد نيجيرفان برزاني، والسيد برهم صالح، نأمل أن تتم قريبا.
أما بعد سقوط صدام، شعر شعبنا بالأمل بحاضر ومستقبل أفضل فشارك مع كل القوى العراقية في مجلس الحكم والحكومة المؤقتة على أمل بناء عراق جديد حر وديمقراطي، كما عقدت القوى السياسية لشعبنا الموجودة في العراق وخارجه المؤتمر العام السرياني الكلداني الآشوري في بغداد في 22و23و24 من شهر تشرين الأول من عام 2003، مؤكدة فيه على وحدة التسمية، ووحدة الموقف السياسي، ووحدة الرؤية لمستقبل العراق، وتحدد في بيانه الختامي أيضا مطالب شعبنا في العراق الجديد، إلا أن الحالة الأمنية المنفلتة والتي يروح ضحيتها المدنيين الأبرياء من كل أبناء العراق، حصدت و تحصد بشكل خاص من شعبنا المئات مهددة مجمل وجوده، ونحن نرى أن المرحلة الحالية التي يمر بها العراق هي أخطر مرحلة مر بها في تاريخه، فالعمليات الإرهابية تستمر وتبدو السلطات المسؤولة عاجزة عن فرض الأمن في العراق، كما أن شعبنا أصبح هدفا للإرهابيين من خلال التعصب الديني الأصولي، هذا التعصب الذي يشكل خطرا حقيقيا على شعبنا أكثر من استبداد صدام نفسه، فالعقلية الارهابية الأصولية التي يؤسس لفلسفتها المنظمات الإرهابية الدينية وأيضا بعض المرجعيات الدينية شبه الرسمية كهيئة علماء المسلمين الذين يعتبرون ويتهمون مسيحيي العراق بعمالتهم للامريكان، كما صرح بذلك الناطق الرسمي باسم الهيئة السيد محمد بشار الفيضي، ليست إلا تحريضا على قتل وتهجير المسيحيين من بلدهم الأصيل العراق، ولكن شعبنا سيصمد رغم كل هذه التحديات، وهو مؤمن أن شمس عراق ديمقراطي حر قادم لا محالة رغم كل التضحيات.

لماذا ينظر العديد من التنظيمات والأشخاص المحسوبين على الأطراف المسيحية وخاصة الأحزاب التي هي خارج العراق وفي المهجر بنوع من عدم الرضى، بل العداء لكل ما هو كردي في العراق, ولكل مكسب يحصل عليه الشعب الكردستاني، علما أن الشعب الكلداني الآشوري في اقليم كردستان قد تحقق له العديد من المكاسب, و الحقوق, في ظل البرلمان الكردستاني، مثل التدريس باللغة السريانية، والاحتفال بالأعياد القومية والدينية، وإطلاق حرية العمل السياسي لهم, حيث تم تأسيس العديد من الأحزاب والجمعيات الاجتماعية والثقافية، وكذلك تمثيلهم في الحكومة والبرلمان والإدارات العامة، والسماح لهم بإنشاء المنابر الإعلامية الحرة كالتلفزيون والراديو والصحف والمجلات، وغيرها من الحقوق التي كانت من الأحلام الجميلة في عهود الأنظمة السابقة
.
لا اعتقد بدقة هذا التوصيف بحالة العداء، لكن حالة من عدم الرضى هي موجودة لدى جزء من شعبنا، ولها أسبابها المتعلقة بالماضي، واعني المجازر والمظالم التي تعرض بها شعبنا في الحرب العالمية الأولى على يد الأتراك، وكان حينها الأكراد في تحالف عضوي مع الدولة العثمانية عبر نظامهم العشائري شبه الرسمي، وهذه المرحلة تجعل مسيحيي المنطقة ربما في مثل هذا الشعور الباطني من الأكراد، إضافة لوجود واستمرار حالة التعديات على الأملاك والقرى التي لا زالت مستمرة كما ذكرنا أعلاه في شمال العراق، إضافة لوجود نزعات تطرف عند بعض من الأطراف الكردية تحاول فرض الهوية الكردستانية على كل المنطقة وكل سكانها بما فيهم غير الأكراد، ولكن بالمقابل هناك توجه هو الغالب لدى أحزاب شعبنا وفي مقدمتهم الحركة الديمقراطية الآشورية التي شاركت في العملية السياسية منذ عام 1992 وحتى الآن، والى جانبها مؤخرا شاركت أحزابا آشورية كلدانية أخرى، توجه نحو الايجابية في العلاقة ونحو ترسيخ أسس لعلاقات جديدة تقوم على أرضية صلبة من الثقة المتبادلة والاحترام المتبادل هي في طريقها نحو التكون والنمو نحو الأفضل، ونحن في المنظمة نسعى دوما لتعزيز العلاقة بين شعبنا والشعب الكردي، عبر الحوار الصريح والمكاشفة في طرح ومناقشة كل المسائل والقضايا المشتركة التي تهم شعبينا، آخذين من الماضي دروسا وعبر من أجل حاضر ومستقبل أفضل لشعبينا ووطننا المشترك، فكلانا محكومان بالعيش المشترك في الوطن المشترك مع بقية الأخوة أبناء الوطن الواحد.

على ذكر إقليم كردستان العراق، وكما نقرأها في أدبياتكم وأدبيات العديد من التنظيمات الأخرى، تطلقون عليها حتى هذه اللحظة تسمية شمال العراق، علما أن تسمية إقليم كردستان العراق قد أدرجت ضمن قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية، الذي أكد على فدرالية إقليم كردستان وأصبح أمرا واقعا، هل ستمتنعون عن الاعتراف بهذا الواقع. أم أن الأمور ستتغير لديكم حين يندرج هذا الواقع ضمن دستور العراق الدائم؟

نحن في المنظمة نرى الواقع وننظر إلى التاريخ وإلى الحقائق ونقرأ ونسمي الأمور تبعا لذلك، المنطقة التي يطلق عليها الأخوة الأكراد في العراق على أنها كردستان أو الجزء الجنوبي من كردستان، لا نراها نحن كذلك، ليس بقصد التنكر لحق للأخوة الأكراد كما قد يظن البعض منهم، بل قراءة منا للتاريخ والجغرافيا والحقيقة وليس لسبب آخر، هذه المنطقة ما عدا الجزء الشمالي منها- شمال جبال شهرزور- هي جزء أساسي من خارطة بيت نهرين التاريخية، مسرح الدولة والحضارة الآشورية ، كما أن المدن الأساسية فيها مثال كركوك وأربيل وزاخو وغيرها هي مدن آشورية تاريخيا، ولا تزال الآثار الآشورية شاهدة عليها في قلاعها التاريخية ومواقعها الأثرية المنتشرة في كل أرجاء المنطقة وحتى في اسمائها، كما أن هذه المنطقة كانت حتى بداية القرن العشرين يشكل شعبنا فيها نسبة سكانية هامة تقارب الثلاثون بالمائة، وكان لوجود شعبنا فيها ونضاله من اجل أن تكون تبعيتها للعراق وليس لتركيا في عام 1925 خلال التجاذب التركي البريطاني حول مصير تبعيتها لتركيا أم للعراق، دور كبير في تثبيت عائديتها للعراق، فيما عرف بمشكلة الموصل، وبالمناسبة حتى ذلك الوقت لم تكن تسمى إلا باسم " لواء الموصل" وليس بكردستان، كما أن الأدبيات الجغرافية السريانية كانت تسميها ب" بلاد آثور" وأحيانا ب" سهل نينوى"، والمعروف أنها سميت أثناء الإحتلال الفارسي ب" مرزبانة آثور" حتى مجيئ الاسكندر، إضافة لان كل الجغرافيين المحايدين الذين رسموا خرائطا للمنطقة لم يسمونها بكردستان، والجغرافي المعروف ياقوت الحموي لم يسميها إلا "الجزيرة" أو "آقور" ، وبناء على ما قلناها نحن لا نسميها كردستان لأنها بقناعتنا ليست كذلك، وليس لموقف سلبي من الأخوة الأكراد كما قد يعتقد البعض، نحن نرى اللوحة السكانية حاضرا بالمنطقة أن الأكراد يشكلون النسبة الكبيرة فيها، وهذا ناتج كما هو معروف عن هجرة شعبنا لأسباب معروفة منذ تشكل العراق الحديث، ولتزايد سكاني طبيعي من قبل الأخوة الأكراد فيها، وللأكراد حق في هذه المنطقة تبعا لنسبتهم العددية فيها، كونها جزء من ارض العراق في كل ما يتعلق من حقوق سياسية وثقافية وإدارية، وحسب ما تكفله المعاهدات والمواثيق الدولية لهم كشعب يمثل أقلية في العراق ككل، وأكثرية في جزء من أرض شماله.
والموقف من قبلنا نراه نفسه فيما يتعلق بحقوق الأكراد في سوريا وفي الجزيرة تحديدا، فبعض الأحزاب والمثقفين الأكراد يسمون الجزيرة بأنها كردستان أو جزء من كردستان، ونحن نقول بخلاف ذلك، نقول إنها تاريخيا جزء من ارض الرافدين مسرح الدولة الآشورية، وهي الآن ارض سورية يعيش فيها الأكراد والعرب والآشوريين والأرمن، وهي ملك الجميع، وللجميع حق متساو فيها كوطن للجميع، ومن حق الأكراد فيها إلى جانب الأقليات الأخرى حقوق سياسية وثقافية وإدارية متساوية.
وحول إمكانية تغيير رأينا في حال صدور الدستور الدائم للعراق وتسميتها رسميا بمنطقة كردستان، الجواب لن يتغير رأينا في النظر لحقيقة تسميتها، واعتقد هذا الموقف ينسحب على الأخوة الأكراد أنفسهم الذبن لا يزالون يسمون بعض القرى والمدن التي غيرت أسماءها السلطات الرسمية بأسمائها القديمة، وهذا من حقهم وهذا هو الموقف الصحيح.

لنأتي إلى الجدل الحاصل بين مختلف مكونات الشعب المسيحي من كلدو اشور وسريان ... الخ حول التسمية التي ترضي الجميع وتوحدهم وتجمع طاقاتهم في هذا الظرف الدقيق الذي يمر فيه العراق من استحقاقات وتقاسم السلطات وتوزيع المناصب بين مكونات الشعب العراقي، كل حسب حجمه وتعداده البشري الطبيعي، هل تعتقدون أن مجرد توحيد الاسم سيتحقق الوحدة المنشودة، أم أن الفوارق في الآمال والطموحات، لدى كل فئة من هذه الفئات اكبر من أن يجمعها مجرد توحيد التسمية؟

إن إطلاق عبارة الشعب المسيحي على شعبنا في العراق غير صحيحة، فهناك في العالم أكثر من مليار مسيحي يتوزعون على مئات القوميات، شعبنا هو شعب أصيل في العراق وهو سليل المراحل الحضارية، سواء السومرية أم الاكدية أم البابلية الآشورية والكلدانية والآرامية، و قد عرف في كل منطقة وفي كل مرحلة تاريخية تبعا لتسمية تلك المنطقة أو المرحلة، ومنذ مجيئ الإسكندر في القرن الرابع قبل الميلاد عرف بتسمية جديدة هي السريانية، وهي متأتية من اسم المرحلة الآشورية ا لتي كانت أطول وأقوى مرحلة حضارية في تاريخ شعبنا، والتي فرضت اسمها على المنطقة ككل، وهكذا سميت المنطقة ب" آسسيريا" ومنها سميت بسوريا، و سميت لغة شعبنا أيضا بالسريانية، ومنذ ذلك التاريخ لم تعد التسميات القديمة كالآرامية والآشورية والكلدانية تستعمل، بل أصبح الاسم السرياني هو السائد فسمى شعبنا نفسه بلغته ب " سورويو" أو " سورايا" وبالعربية سرياني وبالغات الأوروبية بقي " اسسيريان" وأسم لغته ب" سيرياك"، وفي عام 1445 حينما انضم السريان النساطرة المقيمين في جزيرة قبرص للكنيسة الرومانية الكاثوليكية أطلق عليهم البابا أوجين الرابع أسما جديدا هو " الكلدان" تيمنا بمرحلة تاريخية هامة من تاريخ الرافدين، وقد تكرس هذا الاسم الجديد على هذا القسم من شعبنا بعد عام 1552 حينما أنضم جزء كبير من أبناء الكنيسة الشرقية القديمة "السريانية النسطورية" في العراق إلى الكنيسة الكاثوليكية التي أصبح اسمها "كنيسة بابل للكلدان" حسب المرسوم البابوي تيمنا بمرحلة هامة من تاريخ بلاد ما بين النهرين، وبعد منتصف القرن التاسع عشر بدأ أبناء الكنيسة الشرقية القديمة يسمون أنفسهم بالآشوريين أو الآثوريين، استعادة للاسم القديم الذي اشتق بالأساس الاسم السرياني منه، وبقيت الكنيسة السريانية الارثودكسية، والكنيسة السريانية الكاثوليكية، محافظة على الاسم السرياني دون تغيير، ولكن جميع أبناء هذه الكنائس متفقون أن أصلهم القومي واحد، وأسم اللغة المشتركة هو السريانية، والجميع يدرك حقيقة أن كل هذه التسميات سواء السريانية أو الآشورية أو الكلدانية أو الآرامية هي أسماء تاريخية يشترك بها الجميع، وهي ملك الجميع، هذا مع وجود استثناءات من قبل البعض من الذين لهم مصلحة في عدم توحد هذا الشعب، أو من بعض من لا يعرفون شيئا عن تاريخ شعبهم، وقد وجدنا العام الماضي في العراق عندما شعر أبناء شعبنا في العراق بأهمية الاستحقاق السياسي القائم توصلوا إلى تسمية موحدة في مؤتمر بغداد الذي عقد في 22-24 تشرين الأول، حيث اشتركت فيه كافة كنائس شعبنا ومعظم مؤسساته السياسية والثقافية في العراق والمهجر، وتوصلوا لتسمية مركبة توفيقية هي "الكلدواشورية" والسريانية للغة والتراث، واعتمدت هذه التسمية رسميا في قانون إدارة الدولة العراقية القائم حاليا، وهكذا نرى إن مشكلة التسمية هذه حلت بسهولة في أول استحقاق سياسي واجهه شعبنا في العراق، وهذا لا يعني غياب أصوات شاذة هنا وهناك تعكر صفو الاتفاق والتوحد القائم على وحدة التسمية، من قبل أشخاص متعصبين أو من قبل بعض أحزاب صغيرة تسمي نفسها بالقومية هنا وهناك، وهم بالحقيقة أعداء لشعبهم ولقوميتهم سواء بقصد أم دون قصد، كما أن الاستحقاق السياسي الكبير القادم وهو الانتخابات النيابية في نهاية كانون الثاني القادم، يتهيأ له شعبنا في قائمة قومية موحدة تجمع معظم قواه الفاعلة السياسية والثقافية والدينية، تدل على وحدة الصف ووحدة الموقف ووحدة الرؤية، مؤكدة وحدة قومية ووطنية عراقية حقيقية.

لا شك أن الهجرة الجماعية لشعبكم من مناطق تواجده في الشرق الأوسط، بسبب تعرضه إلى سياسات الاضطهاد الديني والقومي على يد الأنظمة قد أدت إلى تناقص كبير في حجمه كشعب في البلدان التي يتواجدون فيها، خاصة في العراق وسوريا ولبنان، وبالتالي أصبح تأثيره ضعيفا على مجمل الحياة السياسية، أي أن تأثيره الانتخابي بات ضعيفا إلى حد ما. ألا يشكل هذا الشئ عائقا أمام طموحاته في نيل حقوقه كاملة أو درجة تمثيله في سلطات تلك الدول؟

بالطبع في أي نظام يعطي التمثيل في المحصلة للقوة الناخبة، أو القوة التي تفرض نفسها على الأرض، ولا يمكن لأي كان أن يحصل على موقع في السلطة إذا لم تتوفر له أرضية شعبية عددية كافية، إلا فيما ندر، وهذا استثناء، وبالتالي نقص العدد يشكل مشكلة لشعبنا تمنعه من أخذ موقع ريادي وقيادي في مجتمعات وطنه الأم ، فنرى كمثال العراق لا يتعدى العدد الحالي 5% ، وهو في تناقص مستمر بسبب الهجرة وبسبب نسبة التزايد في معادلة ليست لصالحه، وهذا ينسحب أيضا على سوريا ولبنان وإيران، أما الوضع في تركيا فالوضع مأساوي تماما، ففي يوم سابق للحرب العالمية الأولى كان عدد شعبنا قرابة المليون، قتل نصف مليون في مجازر الإبادة الجماعية المعروفة، وتم تهجير وهجرة قسرية لاحقة لمن تبقى، العدد المتبقي الآن لا يتجاوز الفي شخص في جنوب شرق تركيا – ما بين نهرين العليا-.
ولكن شعبنا المهاجر لا يزال يشعر بالانتماء لوطنه، ويحس بمشاعره انه لا يزال جزء من وطنه ويتوق ليوم يستطيع فيه العودة، أو التواصل بكل مجال يفسح المجال فيه، ولم يتخلى عن هذا الحلم، ونعتقد أن هذا من حقه، وهذا الحق غير قابل للتصرف، فهو لم يترك وطنه برغبة منه، بل لظروف قاهرة دفعته للهجرة،
ونحن نقول إن شعبنا رغم قلة عدده هو شعب أصيل وأصلي في هذه البلاد، وسيستمر في الحياة والتجذر فها، ولن يقلل من ارتباطه بها قلة عدده، بل هو مصمم على البقاء في وطنه وعلى تعزيز ارتباط المهاجرين بالوطن والعمل من اجل أن تسود بلدان وطنه أنظمة إنسانية علمانية ديمقراطية حقيقية، يكون فيها الوطن ملكا لكل أبنائه، يكون الوطن بيتا حقيقيا تسوده المساواة والعدل ومبادئ حقوق الإنسان، وطن تشع فيه أشعة الحضارة كما كانت في غابر ايامه.

كيف تعاملتم مع حادثة مقتل اثنين من الأخوة الآشوريين على يد بعض أولاد فوزي الراضي في مدينة الحسكة, و ما تبع ذلك من قلاقل ومصادمات وحرق لبعض المحلات والاحتجاج أمام مبنى المحافظة, ومن ثم حملة الاعتقالات التي قامت بها أجهزة السلطة بين أوساط الأخوة الآشوريين,،وهل تم معالجة الحدث وتم الإفراج عن المعتقلين؟ وهل هناك أوجه للمقارنة والتشابه بين هذه الحادثة و أحداث القامشلي من حيث المسببات و رد الفعل ومن ثم تعامل السلطة مع الحدث؟

الجريمة البشعة التي ارتكبها بعض أبناء فوزي الراضي في مدينة الحسكة، ليلة 16-10-2004، التي أودت بحياة أثنان من أبناء شعبنا، الأول ابراهيم نسيم عبد الأحد الذي قتله المجرمون رعد وأخوه الرائد في الجيش الشعبي مضر، على خلفية مشاجرة عادية، والثاني يلدا يوخنا، الذي كان دوره انه حاول أن ينقذ القتيل الأول وهو لا علاقة له في الموضوع سوى انه سمع صوت إطلاق النار وهو يسهر مع أهله في بيته المجاور للحادث، هذه الجريمة البشعة هزت مشاعر شعبنا في الحسكة، وكل سكان المدينة بإسلامها ومسيحييها، واستنكرها الجميع وكان هذا موقفا طيبا، ودالا على قيم اجتماعية مشتركة في المدينة ترفض الخطأ، وتندد بالجريمة أيا كان مصدرها، وكان الموقف الشعبي العام أن القتلة يجب أن ينالوا العقاب وفقا للقانون دون أية محاولة لتمييع الموضوع عبر الوساطات أو الضغوطات تحت أية مظلة وحجة كانت، لأن هذه الجريمة مست مشاعر الجميع دون استثناء، وتم عقد اجتماع عشائري ضم ممثلين عن عشائر شمر وجبور والبقارة بتاريخ 25-10-2004، في ديوان مطرانية السريان الارثودكس إلى جانب أعضاء اللجنة المشكلة من جميع الطوائف المسيحية بالمدينة وهي برئاسة المطران متى روهم، التي تشكلت لهدف إيجاد حل مناسب لهذه المشكلة. وتم الاتفاق على قرار بالإجماع يقضي بترحيل بيت القتلة عن الحارة التي وقعت فيه الجريمة، والتي يسكن بجوارهم بيتا القتيلين الضحايا، إلى حارة أخرى في المدينة، وكان هذا القرار أقل بكثير مما طالب به الناس، ورغم ذلك لم يطبقه أهل القتلة، بل استمروا في تصرفاتهم الاستفزازية لأهل الحارة من خلال التواجد المتكرر على رصيف بيتهم، يحتسون الشاي والاراكيل، ضاربين عرض الحائط بمشاعر الناس، وعلى رصيف بيتهم وبوجود دورية الشرطة التي وضعها المحافظ لتحمي بيتهم ليلا ونهارا، لحماية بيتهم من أية غضبة أو ردة فعل من أهالي الضحايا، وكان هذا التصرف مخالفا تماما للقيم والعادات في منطقتنا التي تقضي برحيل أهل القتلى عن المنطقة من تلقاء أنفسهم، أو يرحلوا عن المنطقة بقرار اجتماعي عشائري، حماية لهم وحماية للمجتمع عموما من أية ردات فعل محتملة، ولكن المحافظ للأسف لم يأخذ ذلك كله بعين الاعتبار، بل تصرف بعكسه، وذلك بالحفاظ على دورية الشرطة تحمي بيت القتلة حتى بعد الاتفاق الاجتماعي العشائري القاضي بترحيلهم عن الحارة يوم 25-10-2004، وهذا التصرف خلق شعورا لدى أهل الضحايا ولدى أبناء شعبنا في المدينة بالإحباط، وبعدم جدية السلطات المحلية بالقصاص من القتلة، وزاد هذا الشعور رسوخا، تصريح محافظ الحسكة لصحيفة الحياة التي قدم فيها توصيفا للجريمة مخالف تماما لحقييقتها وواقعها، بما يوحي بأنها محض حالة قتل دون دوافع وتصميم مسبق، وان الضحية الثانية يلدا جاءته رصاصة طائشة دون قصد من القاتل، إضافة لتغييره مكان الجريمة وظروف وقوعها على هواه، فادعى أن القاتل والقتيل الاول كانا يلعبان الميسر في المقهى واختلفا وكنتيجة لهذا الخلاف سدد القاتل طلقة أصابت الأول وطلقة ثانية طائشة جرحت الثاني، علما أن الجريمة جرت أمام بيت القتلة المقابل تماما لبيت عم القتيل، وأن الضحية الثاني يلدا جاء منقذا ومخلصا للضحية الأولى، وقد هدده القاتل المجرم مضر بقتله فيما اذا تقدم لانقاذ الضحية الاولى ولكن يلدا لم يتوقع أن يكون القاتل جادا في تهديده وعندما تقدم للانقاذ صوب عليه القاتل رصاصة في ظهره أصابت عموده الفقري، وهذا الحدث جرى أمام العشرات من أهل الحي، هذا التصريح المخالف للحقيقة والذي يوحي بمحاولة تبرير الجريمة ووضعها في سياق يمكن الدفاع عنها، ولد شعورا لدى الناس بالخيبة والمرارة والغضب الذي تفجر في اليوم الذي لاقي فيه الجريح يلدا مصير الموت في المشفى متأثرا بجراحه، ما دفع المئات من أصدقاء الضحية يلدا، الذي لاقي التعاطف من جميع أهل المدينة، كونه كان منقذا ومخلصا حتى أن مطران السريان الارثودكس متى روهم، أطلق عليه لقب الشهيد، هؤلاء الأصدقاء الذين توافدوا إلى بيت أهله، المجاور تماما لبيت القتلة المجرمين، وكنتيجة لفورة الغضب الطبيعي هجموا على بيت القتلة، وأشعلوا النار فيه، وكما أشعلوا النار في حوانيتهم في الحارة نفسها، وتقاطرت المئات من الشباب الغاضب بمسيرة لمبنى المحافظة يطالبون فيها بترحيل بيت القتلة ومحاسبتهم وفق أحكام القانون،
بالنسبة لنا في المنظمة أصدرنا بيانا أجملنا فيه خلاصة موقفنا من مجمل الحدث، وأكدنا فيه على ضرورة التهدئة والتمسك بالوحدة الوطنية، وحملنا السلطات مسؤولية تداعيات الأحداث، بتأخرها وتماهلها في ترحيل بيت الجناة حماية لمشاعر الناس والمجتمع عموما، وطالبنا فيه بالإفراج بأسرع وقت عن الشباب الموقوفين بالسجن بتهمة المشاركة في الحرق والتظاهر، بعد تقديمهم لمحكمة مدنية، والأخذ بالأسباب المخففة لمن تثبت عنه التهمة، كون هذا العمل نتج عن ردة فعل طبيعية وفورة غضب فورية كثيرا ما تحدث في مثل هذه الحالات، ومع ذلك أبدينا تنديدنا بمثل هذا التصرف رغم دوافعه الطبيعية، ولكن للأسف تم تحويل هؤلاء الشبيبة لمحكمة الجنايات العسكرية، وتم في مراكز الشرطة أخذ إفادات منهم تحت الضغط والضرب كما صرحوا بذلك أمام القاضي الفرد العسكري في القامشلي حين تحويلهم إليه، ولا يزالون موقوفين وعددهم ثمانية عشر، ومعهم أربعة أحداث، ولا نرى دواعي لاستمرار هذا التوقيف الذي جرى منذ شهرين، منذ تاريخ 31-10-2004، دون أن يحولوا لمحكمة لحد الآن.
وبالمناسبة تم الافراج عن الأحداث الاربعة وتحويلهم لمحكمة مدنية بتاريخ 21-12-2004، وتم تحويل الشباب الثمانية عشر الى محكمة الجنايات العسكرية بتاريخ 26-12-2004، ومن هناك حولهم القاضي الى المحكمة العسكرية بمدينة دير الزور بتاريخ 27-12-2004، وكما سمعنا ونأمل أن يكون ذلك صحيحا، انهم سيتم اطلاق سراحهم وتحويلهم لمحكمة مدنية مختصة.

أما عن سؤالك عن أوجه الشبه بين هذه الحادثة وحادثة القامشلي، أعتقد ان هنالك بعض الشبه فالأخطاء في المعالجة الإدارية والأمنية كانت ربما ستقود إلى تداعيات لا تحمد عقباها، فمحافظ الحسكة صرح بأنه أصدر أمرا بإطلاق الرصاص الحي على التظاهرة إذا تجرأت وتقدمت خطوات إضافية إلى مبنى المحافظة، فلو صار وتقدم بعض المتظاهرين من الشباب الغاضب فعلا خطوات أضافية، لحدثت كارثة نحمد الله أنها لم تحدث. ونحن بالمناسبة نرى إن من واجب الجميع، مؤسسات السلطة والقوى الاجتماعية والدينية والسياسية، العمل على تطويق ذيول هذا الحادث، الذي خلق ولا زال جرحا بليغا في النفوس، بالمعالجة السريعة والحكيمة لأيعاده، من خلال الحوار الصريح القائم على المكاشفة والصراحة في تحليل دوافعه وأسبابه الحقيقية، والأخطاء التي رافقت مسيرته، للتمكن من تطويقه، ومعالجته والاستفادة من هذا الحدث المرير، تجربة ودروس وعبر لحاضرنا ومستقبلنا، دون أن يترك لينسى كما تجري العادة في مجتمعنا.
 
* * * * * * * 

لمحة مختصرة عن حياة بشير اسحق سعدي:
ولد في مدينة الدرباسية عام 1949، حصل فيها على شهادة البكالوريا عام 1969، انتقل بعدها مع عائلته لحلب لإكمال التحصيل الجامعي، حصل على شهادة الهندسة المدنية من جامعة حلب عام 1974، انتمى للمنظمة الآثورية الديمقراطية عام 1970، اعتقل مع رفاقه في عام 1986، فاز في انتخابات مجلس الشعب للدور التشريعى الخامس عام 1990 كممثل عن المنظمة الآثورية الديمقراطية، بصفة مستقل، اعتقل مع اثنان من رفاقه في عام 1997 للمرة الثانية، كان في عداد المكتب السياسي منذ عام 1974، انتخب اثر المؤتمر العام العاشر، مسؤولا للمكتب السياسي.
--------------- 
ملاحظة:  نشر الحوار بتاريخ 30/12/2004 في موقع عامودا







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=26301