بمناسبة مساعي توحيد الصوت الكوردي.. 1 ـ لماذا فشلت كل المبادرات السابقة؟ وما الجديد هذه المرة؟
التاريخ: الأربعاء 06 ايار 2020
الموضوع: اخبار



د. ولات ح محمد

    الفرنسيون، الأمريكيون والروس يجوبون بنشاط ملحوظ هذه الأيام الشوارع السياسية الكوردية. الهدف هو جمع الأطراف الكوردية المتباعدة على طاولة واحدة، أما الغاية فمختلفة من طرف لآخر. خلال السنة المنصرمة قامت فرنسا بمحاولة جادة غير مرة، ثم دخلت بريطانيا على الخط أيضاً. ولكن كل تلك المساعي (إضافة إلى المحاولات والمبادرات المحلية) باءت بالفشل. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا فشلت كل تلك المساعي؟ وما الجديد في المحاولات الجارية في الوقت الحاضر؟ وبماذا ستختلف عن سابقاتها في النتيجة؟.


    من الطبيعي ألا تنجح فرنسا وبريطانيا (على الرغم مما لهما من ثقل دولي) في التقريب بين الأطراف الكوردية لسبب بسيط هو أن مثل هذه الدول لا تمتلك أوراقاً تضغط بها على الأطراف الكوردية المعنية لجلبها إلى طاولة الحوار؛ فالوسيط الذي من المفترض أو المتوقع أن يضطلع بمثل هذه المهمة عليه أن يتوفر على خصلتين: الإرادة والمقدرة. العامل الأول يمكن أن يتوفر لدى كثيرين مثل فرنسا وبريطانيا. أما الثاني فيتعلق بمدى قدرة الساعي على التأثير على الأطراف المعنية بالحوار من خلال ما لديه من أوراق تأثير اقتصادية أو عسكرية أو ميدانية أو سياسية تمكنه من إجبار تلك الأطراف على الجلوس والحوار وتقديم تنازلات ما دامت المبادرة الذاتية معدومة.    
    من هذه الزاوية تبدو كل من باريس ولندن فعلاً غير قادرة على القيام بهذه المهمة. وهذا هو العامل الأول لفشل المساعي السابقة لأن النوايا الصادقة غير كافية لإنجاز هكذا موضوع معقد. أما العامل الثاني فيتمثل في الأطراف الكوردية ذاتها، لأنها بموقفها العنيد وعدم رغبتها في هكذا حوار ومحاولة كل منها فرض شروطه على الآخر وعدم مغادرة موقعه وترك تحالفاته تجعل من مهمة أي ساع أو وسيط أمراً مستحيلاً. 
    تأسيساً على ما سبق يكون الطرف الوحيد القادر على الاضطلاع بهكذا مهمة هو الطرف الأمريكي، وذلك لعلاقاته الوطيدة مع جميع الأطراف الكوردية من جهة ولما لديه من جهة ثانية من كروت تأثير تدفع الجميع للجلوس إلى طاولة الحوار.. والاتفاق أيضاً. ولكن هذا يطرح سؤالاً آخر: لماذا لم تفعل واشنطن ذلك في السابق، إذاً، وتركت الأمر لباريس ولندن العاجزتين في هذه المسألة؟. الجواب يتلخص في جملة أسباب: الأول أنها إن فعلت ستبدو وكأنها تبنت القضية الكوردية في سوريا وأنها تعمل على إيجاد حل لها. وهذا ما سيضع واشنطن مباشرة في صدام مع الحليف التركي ويدفعه أكثر إلى الحض الروسي. السبب الثاني أن واشنطن إن نجحت في هكذا مسعى فإنها ستتكفل بحماية المنطقة وسكانها من كل الأطراف المحيطة بها بما فيها تركيا. وهذا سيكون مكلفاً اقتصادياً وسياسياً. 
  عقب اجتماع وفد من المجلس الوطني الكوردي مع المبعوث الأمريكي جيمس جيفري في إسطنبول في بداية هذا العام صرح السيد محمد إسماعيل القيادي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني بأن أمريكا طلبت إليهم التقارب مع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل موقف كوردي موحد وأنها فقط تشجعهم على ذلك  ولا تقدم أية ضمانات أو رعاية في هذا الإطار. وهذا يوضح ما قصدته آنفاً من أن واشنطن لم تكن تستطيع (حرصاً على علاقتها بتركيا) أن تتدخل بوصفها طرفاً في هذا الموضوع. 
    إذا كان ذلك كذلك فما الجديد هذه المرة؟ ولماذا خرجت واشنطن من خلف الستار لتقوم بالمبادرة علناً وباسمها الشخصي؟. الجواب على ذلك يتحدد في عدة جوانب: الأول أن الأطراف الكوردية باتت جاهزة أكثر من السابق لمثل هذا التقارب؛ فبعد خسارة عفرين وتل أبيض وسري كانيه ومواصلة الأتراك والمجموعات السورية التابعة لهم مساعيهم لاحتلال مناطق أخرى بات الجميع يشعر بخطر حقيقي محدق قد يقضي على كل شيء (وعليهم) هذه المرة، ناهيك عن مسؤوليتهم التاريخية والأخلاقية عن مثل هذه الكارثة إن حدثت. وهذا يشكل دافعاً للجميع لتقديم تنازلات وإنجاز تقارب حقيقي وجاد قبل فوات الأوان.
    العامل الجديد الثاني هو أن الطريقة القذرة التي تعاملت بها المعارضة مع احتلال المناطق الكوردية وطرد أهلها منها وسكوت النظام عن ذلك وكأن الأرض ليست أرضهم والشعب ليس شعبهم كشفت للكوردي مكانته المتدنية وموقعه الهامشي لدى كل الأطراف السورية المتنازعة وأدرك أنه بالنسبة إليهم ليس سوى حصان طروادة يحققون من خلاله مآربهم فقط وأن نصيبه في الحوارات القادمة بخصوص تسوية الوضع السوري لن يكون أفضل مما حصل حتى الآن إن بقي هو على ما هو عليه من تفكك وخلاف. وهذا ما يشكل عامل ضغط على الجميع لتقديم التنازلات المتبادلة الضرورية من أجل التقارب وبناء موقف موحد.
    العامل الثالث هو تحرر الأطراف الكوردية جزئياً من ارتباطاتهم الإقليمية التي كانت تمنع مثل هذا التقارب؛ فلقاءات النظام والمعارضة وجهاً لوجه لمرات عدة في اجتماعات جنيف وغيرها وسكوتهما الموحد على احتلال المدن المذكورة آنفاً أشعرت الأطراف الكوردية بأن هؤلاء سيتفقون عليهم في أي حوار قادم وأعطتها المسوغ المعنوي للتحرر من ارتباطها بها والتقارب من أجل بناء مشروع يلبي طموح شعبهم المشروع.  
    العامل الجديد الرابع هو أن الساعي الأمريكي (بما لديه من أوراق ضغط) يقود المبادرة بنفسه هذه المرة. وهذا له دلالات، منها أنه يعلم أو يشعر أن توحيد الخطاب الكوردي بات ضرورة في هذا الوقت لتشكيل موقف موحد قبل الدخول في الحوار السوري السوري. وهذا يعطي المسألة طابعاً جدياً يحفز الأطراف المعنية على تقديم تنازلات ما دامت المكاسب أشمل وأكبر. هذه العلنية في المسعى الأمريكي قد يكون مؤشراً كذلك على أن أنقرة على علم بما يحصل، من باب أن الأمريكي لن يقدم على خطوة تغضب الحليف التركي. مع التذكير بأن إسطنبول (وليس غيرها) كان مكان اجتماع جيمس جيفري بوفد المجلس في بداية هذا العام لطرح مشروع المصالحة كما سبقت الإشارة.
    ضمن كل هذه المستجدات يبقى العامل الذاتي الكوردي هو الأهم؛ فإن لم يقف الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية والإنسانية لإحداث خرق في هذا الجدار (الوهمي) الذي أقاموه بينهم وكلف الناس والمنطقة الكثير حتى الآن، فإن أية قوة أخرى لن تستطيع أن تفعل شيئاً مستداماً وذا قيمة. وهذا بدوره يتطلب من الجميع توفر الرغبة الحقيقية الصادقة في الحوار وبناء موقف موحد أولاً، واستقلالية القرار ثانياً، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الآنية الضيقة ثالثاً إذا أرداوا حقاً إنجاز شيء يلبي جزءاً من أمنيات الناس ويمنع عنهم كوارث أخرى. 








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=26300