عفرين.. وحكاية الثور الأبيض
التاريخ: الثلاثاء 19 اذار 2019
الموضوع: اخبار



د. ولات ح محمد

عام على سقوط عفرين بيد العصابات التي لم تتوقف يوماً واحداً عن ممارسة السلب والنهب والإهانة فيها منذ احتلالها في 18 آذار الماضي. احتلال عفرين وقع بعد مضي خمسة شهور على سقوط كركوك في أيدي ميليشيات مارست كل الموبقات بحق السكان بغية دفع أهلها إلى ترك المدينة. كركوك سقطت عملياً بيد ميليشيات عراقية مرتبطة عضوياً بإيران، أما عفرين فقد سقطت بأيدي عصابات مرتبطة بنيوياً بالحكومة التركية. في الحالتين مارس المحتلون كل أنواع الترهيب ضد الأهالي من الكورد بغية إحداث تغيير سكاني يغير من الهوية الكوردستانية للمدينة. ولكن السؤال الذي يسعى المقال للإجابة عنه هو: ما علاقة سقوط عفرين بسقوط كركوك؟. 


    زمنياً كان الفارق بين سقوط المدينتين خمسة أشهر، إذ لم تكد كركوك تلعق جراحها النازفة حتى كانت مأساة عفرين. أما سببياً فالعلاقة بين السقوطين أكثر مما يمكن تخيله من الوهلة الأولى. العامل الأول المشترك هو ذريعة الطموح الكوردي، فمن المعروف أن حكومة بغداد آنذاك بقرار من الخارج ردت على إجراء الاستفتاء بإرسال الجيش العراقي مدعوماً بميليشيات الحشد الشعبي لانتزاع كركوك من يد البيشمركة الذين لولاهم لكان مصيرها كمصير الموصل داعشياً. وفي عفرين تذرع الأتراك بخطورة الإدارة الذاتية على أمنهم القومي فقام جيشهم بالتعاون مع ميليشيات ما يسمى الجيش الحر باحتلال عفرين الآمنة والمستقرة وانتزاعها من يد الكورد الذين أيضاً حفظوا المدينة من جرائم داعش التي ارتكبوها في بقية المدن السورية.
    الخلافات الكوردية الكوردية والحسابات الحزبية الضيقة وارتباطات بعض أطراف الحركة بأطراف خارجية وتصرفها على أساس كيدي انتقامي وتخريبي وليس على أساس وطني بنّاء هي العوامل التي أضعفت الصف الكوردي وجعلت اختراقه من طرف الغزاة سهلاً، وهي التي شجعت المتربصين على احتلال كركوك بدايةً وعفرين تالياً. هذا الخلاف والتشتت في الموقف السياسي الكوردي جعل الأمر وكأن مسؤولية الدفاع عن كركوك وحمايتها هي مسؤولية حزبية خاصة بحزب واحد وأن مسؤولية الدفاع عن عفرين كذلك هي مسؤولية حزب واحد أيضاً، إذ اتخذت الأطراف الكوردية الأخرى في الحالتين موقف المتفرج (وربما الشامت) على سقوط المدينتين. وكما كان هناك من الكورد من فرح لسقوط كركوك كان هناك من الكورد من فرح لسقوط عفرين. وهذا يشير بوضوح إلى مدى هشاشة الجسد الكوردي سياسياً ومدى قابليته واستعداده للاختراق من طرف أعدائه وخصومه القريبين والبعيدين على حد سواء.
    (هل كان السماح لتركيا باحتلال عفرين عبر ميليشيات سورية نوعاً من خلق توازن إقليمي مع إيران التي احتلت كركوك عبر ميليشيات عراقية؟). الموقف الأمريكي (غير المفهوم) المتهاون من احتلال كركوك من قبل ميليشيات مرتبطة بإيران بعث من جهته برسالة سيئة إلى الأطراف المعنية بأن أمريكا لن تحرك ساكناً إذا تم الاعتداء على الكورد في أماكن أخرى، وهذا ما شجع الأتراك والروس على عقد صفقة مصلحية توقف تركيا بموجبها دعمها لفصائل من المعارضة السورية مقابل سماح روسيا لها باحتلال عفرين. من هذه الزاوية مهد سقوط كركوك لسقوط عفرين، وكاد سقوط عفرين بدوره أن يمهد الطريق لاحتلال مدن كوردية أخرى؛ فعندما أعلن ترامب قبل ثلاثة أشهر قراره الانسحاب من شرق الفرات استشعرت الحكومة التركية مرة أخرى رخاوة الموقف الأمريكي فأرادت إعادة سيناريو عفرين في بقية المناطق الكوردية غير أن الإدارة الأمريكية سرعان ما صححت موقفها وأبدت للحليف التركي معارضتها الشديدة للهجوم على شرق الفرات. 
    لو كان الموقف الكوردي داخل الإقليم وخارجه واحداً، ولو لم يكن ثمة ثغرات في الجدار الكوردي تسمح بالنفاذ والمرور إلى الداخل، ولو دافع الجميع بصوت واحد وقلب واحد عن كركوك بالموقف الواحد المتماسك قبل الرصاص لما تجرأت أية قوة على اتخاذ قرار الهجوم عليها ولما ضحت واشنطن بأصدقائها الكورد بتلك السهولة ولما سقطت كركوك بالنتيجة في ذلك اليوم الأسود. في المقابل، وكنتيجة، لو لم تسقط كركوك بسبب تلك العوامل الذاتية الكوردية ولو كان الصف الكوردي متراصاً في غرب كوردستان وخارجه، ولو تحدث الجميع بصوت واحد لما تجرأت موسكو وأنقرة على عقد صفقة أدت إلى احتلال عفرين. 
    سقوط كركوك أضعف عفرين فسقطت، وسقوط عفرين كاد بدوره أن يؤدي قبل شهور إلى سقوط كوباني وسري كانيه وعامودا وقامشلي وديريك. من لا يفهم من الكورد هذه المعادلة سيظل يدفع الثمن ويتسبب في مآسي قومه وخساراتهم. المؤسف والباعث على الألم والاستغراب أنه على الرغم من سقوط المدينتين بسبب الخلافات البينية الكوردية مازال المشهد السياسي الكوردي على حاله بعد مرور عام أو أكثر على المأساة ولم يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام على الرغم من أنه كاد أن يودي بمدن أخرى. 
    من المؤكد أن ثمة جملة من الأسباب تضافرت وأدت إلى سقوط المدينتين، ولكن المؤكد أيضاً أن سقوط كركوك كان أحد أهم الأسباب التي أدت إلى سقوط عفرين. من هنا أتعجب من أولئك الكورد الذين فرحوا لسقوط كركوك ثم بعد خمسة شهور بكوا على عفرين!!. كما أتعجب من أولئك الكورد الذين انشرحت صدورهم لسقوط عفرين ثم تباكوا فيما بعد على مدن كادت أن تسقط.. وقد تسقط!!. كيف لا يدرك هؤلاء أن سقوط أية مدينة كوردية يفتح الطريق إلى شقيقاتها في كل مكان وأن قوتها هي قوة لهن جميعاً؟؟!!. هل يعرف هؤلاء حكاية الثور الأحمر؟.
    تقول الحكاية إن أسداً في مرج واسع صادق ثلاثة ثيران أبيض وأحمر وأسود. وعندما قلّ الصيد وداهمه الجوع فكر في افتراسها، غير أنه لم يجرؤ على ذلك لعلمه بأنه لن يقدر عليها مجتمعة، ففكر في حيلة فوجدها، فانفرد بالثورين الأحمر والأسود وقال لهما: إن الثور الأبيض بلونه الناصع تحبه الحيوانات الأخرى دونكم، كما أن لونه يدل الصيادين والأسود عليكم، ثم أنْ توزيع خيرات المرج بين اثنين خير من توزيعها بين ثلاثة. فسألاه عن الحل فقال: هل تسمحان لي بقتله؟ فوافقا، وصارا يتفرجان دون مبالاة على الأسد وهو يفترس الثور الأبيض. 
    بعد أيام انتهت وليمة الأسد وصار يشعر بجوع شديد فعاد إلى حيلته الأولى والتقى الثور الأحمر وقال له: إن الثور الأسود له لون بشع ينفر منا الحيوانات  الأخرى وسنبقى بذلك بلا أصدقاء، أما لونك فهو جميل مثل لوني، ثم أنْ تكون كل أرزاق المرج لك وحدك خير من يكون لك فيها شريك. فما رأيك أن أخلصك منه، وأن نبقى أنا وأنت صديقين وسأحميك من الأسود والصيادين؟ فقال الثور: لك ذلك. وصار يتفرج على افتراس الأسد للثور الأسود.
    بعد أيام فرغ الأسد من طعامه وعاد لجوعه من جديد فذهب إلى الثور الأحمر وهجم عليه مباشرة وقد بقي وحيداً، وقال: لقد حان دورك الآن. فقال له الثور: بل أنا مأكول منذ زمن؛ " لقد أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض". فقال له الأسد: ولماذا لا تقول الثور الأسود، وقد أكلته قبلك مباشرة فبقيت وحيداً ضعيفاً دون مساندة؟. فقال له الثور: لأنني عندما سمحت لك بأكل الثور الأبيض سمحت لك بأن تأكلني أنا أيضاً وأعطيتك السلاح الذي به قتلتنا جميعاً. نعم، أُكِلتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيض. ونعم أيضاً، سقطت عفرين يوم سقطت كركوك.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24744