أهمية «شمال شرق سوريا» في أجندات أطراف الصراع..
التاريخ: الأربعاء 06 شباط 2019
الموضوع: اخبار



م. محفوظ رشيد 

    تسعى روسيا منذ بداية الأزمة السورية لاستخدام تركيا في إضعاف الحلف الأمريكي المنافس والخصم كونها عضو في الناتو، والتحكم بالمعارضة السورية (السياسية والعسكرية) باعتبارها الحاضنة والراعية لها، وذلك من خلال اتفاقات ومقايضات أستانا وسوتشي، والتي لم تنته فصولها بعد لعدم وفاء تركيا بالتزاماتها تجاه المنظمات الإرهابية التي نقلت بالباصات الخضراء إلى إدلب وجمعت فيها مقابل السماح لها بغزوعفرين.


     في اللقاء الأخير بين أردوغان وبوتين أبدى الرئيس الروسي رفضه لفكرة المنطقة الآمنة وطرح عليه العودة إلى اتفاقية أضنة الملغية عملياً مع علمه المسبق بموقف النظام السوري المتحفظ والمشروط من الاتفاقية، غايته توريط تركيا في مستنقعٍ يواجه الرفض العربي والإيراني والغربي، وبالتالي إجبارها على فتح قنوات التواصل مع النظام أوالحوار مع إدارة شمال شرق سوريا كأمرٍ واقع في ظل تأكيد أمريكا والحلفاء على حماية مناطق نفوذها (وهنا تكمن المعضلة باعلان فشل سياسة تركيا في الملف السوري، والإشارة الواضحة لانهاء دورها تدريجيا بعد إيران وفق اتفاق ضمني مسبق بين روسيا وأمريكا)، وتأهيلها لتكون جزءاً أساسياً من الحل النهائي للأزمة، والذي تسارع روسيا الخطى في انجازه عبرتخفيف التوترات وتذليل المعوقات، واستباق الأمور والتمسك بذمامها لجعلها أمراً واقعاً مثل تشجيع المفاوضات بين الإدارة الذاتية ودمشق ورعايتها. 
    ضمان مصالح أمريكا الاستراتيجية وأمن حلفائها في سوريا (ولا سيما اسرائيل) بعد القضاء على "داعش" يتوقف على استمرار نفوذها في المناطق التي حررتها بمشاركة حلفائها على الأرض من مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) الذي شكل الإدارات الذاتية فيها وتحميها قواتها (قسد)، لذلك تسعى أمريكا لشرعنة الإدارة القائمة (مع بقاء النظام الحاكم) وتثبيتها كبديلٍ أساسي لوجودها بعد سحب قواتها كما هو معلن ومقرر، ودعوة وفد المجلس إلى أمريكا تندرج في إطار تنشيط حراكه الدبلوماسي والسياسي وانجاحه، بعد النجاحات العسكرية التي حققها على الأرض.
    تحاول أمريكا دائماً إيجاد التوازن في علاقاتها مع تركيا الحليفة الاستراتيجية في الناتو (مسد) الحليف الأساسي في مكافحة الإرهاب (داعش)، والوساطة الأمريكية المقترحة حالياً لبدء الحوار بين حليفيها قابل للتحقيق أكثر من أي وقتٍ مضى في ظل انحسار الدور التركي وتقلص عدد أوراقها الفاعلة في الأزمة السورية، وتعهد أمريكا وحلفائها بحماية الكورد ودعمهم، والتلويح بمعاقبة أي طرف يهدد أو يجتاح مناطق الإدارة الذاتية، التي تسعى تركيا بشتى الوسائل والامكانات لنسفها من موقف عدائي مبدئي لتطلعات الشعب الكوردي.
    وضع الإدارة الذاتية يحدد شكل وملامح سوريا المستقبل، لذلك تكتسب أهميةً واهتماماً من قبل جميع أطراف الصراع التي تتوخى الحذر وتتجنب المغامرة في ظل تعارض الأجندات وتناقض المصالح، والكل في ترقب التطورات المتسارعة والمفاجئة التي تحدثها قرارات الدول العظمى بشأن سوريا والمنطقة (تغريدات الرئيس ترامب مثالاً)، وتركيا من أولى المعنيين بالتحذيرات والمتأثرين بالتغيرات.
    سينتهي "داعش" كقوة منظمة مقاتلة ضمن مناطق سيطرتها، ولكن سيبقى مصدراً للتهديد على أمن واستقرار المنطقة عبر تحوله على شكل خلايا نائمة  تمارس الإرهاب بأشكالٍ وأساليب وتوقيتات مختلفة، ولابد أن تتشكل في المناطق المحررة من نفوذ (داعش) مجالس محلية تتولى إدارة شؤونها بالتعاون والتنسيق مع إدارات مجلس سوريا الديمقراطية القائمة في كافة مناطق شمال شرق سوريا، وبذلك سيرتبط مصيرها مع مصير الإدارات القائمة الذي سيقرره المتنفذون والمنتصرون في نسخة الدستور الجديد المراد صياغته في الحل النهائي للأزمة السورية.
    باعتقادي أن مناطق شمال شرق سوريا في المدى المنظور ستبقى محافظةً على أوضاعها الحالية دون أي تغيير يذكر سواء على الصعيد الأمني أو السياسي أو الاداري  بانتظار التوافق الدولي على تطبيق الحل النهائي وفق القرار الأممي 2254، والمساعي الدولية قائمة في هذا المنحى، والتي يقوده وينسقه المبعوث الأممي غير بيدرسون، بالرغم من محاولات جميع أطراف الصراع لفرض أجنداتها تحت عناوين مختلفة (حظرجوي، منطقة آمنة، سيادة الدولة،...إلخ) لتؤمن لها موطئ قدم في الخارطة السورية مستقبلا، وكل الدلائل تشير إلى أن الادارة الذاتية الحالية ستلعب دوراً فاعلاً وموقعاً رئيسياً في رسمها وتكوينها. 
05-02-2019







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24605