معاناة المجلس الوطني الكردي
التاريخ: الجمعة 18 كانون الثاني 2019
الموضوع: اخبار



ماجد ع  محمد

في هذه المقالة لن نتحدث عن العلل الداخلية في المجلس الوطني الكردي ENKS، إنما سنكتفي بما يعاني منه المجلس في علاقاته الخارجية مع طرفين لهم تأثير مباشر على دوره وفعاليته ومواقفه، وحيث يرى الناظر في حال ENKS منذ سنوات، تقلبه بين صفائح باردة وأخرى حارة إلى درجة الغليان، ويتجرع منذ انطلاق الثورة السورية وانضمامه للائتلاف الوطني السوري معاناة مزدوجة، فمن جهة الهاجس العلماني لدى معظم أحزابه بالرغم من أنه يعمل مع المعارضة السورية التي ما يزال الجناح المتدين له النفوذ الأكبر في كتلها السياسية، والديمقراطيون أو العلمانيون وإن وجدوا فهم على عدد أصابع اليد، حيث أن أصواتهم خافتة إلى حد الهمس، ومن جهة أخرى خطاب ENKS السلمي القائم على الحوار والمناقشة والممارسة السياسية دون أي غطاء تسليحي أو خلفية عسكرية، مقابل حزب الاتحاد الديمقراطي الذي لا يحكم إلاَّ بالقبضة العسكرية وممارسة الاستبداد الفكري في المناطق الكردية. 


كما تضاعفت معاناة المجلس منذ سيطرة تركيا والفصائل العسكرية السورية على منطقة عفرين، وحيث أن انتهاكات الفصائل وفق تقارير المنظمات الحقوقية وشهادات المئات من أبناء المنطقة كانت أكثر عشرات المرات من انتهاكات أنصار PYD ومع ذلك لم يقدر المجلس الوطني أن يفيد العفرينيين بشيء ملموس طوال محنتهم التي بدأت في شهر آذار من العام المنصرم، ولا استطاع المجلس أن يخفف من هول الكارثة على أهالي عفرين، لا من خلال تواصله مع تركيا عبر مكتبه باسطنبول، ولا عبر المعارضة السورية بكونه جزء من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
 هذا إضافة إلى المعاناة السياسية الميدانية المستمرة مع الاتحاد الديمقراطي الذي نهل فكرة الاستحواذ على البيت الكردي وبنى أهراماته الشمولية من العقيدة السياسية التي تخمرت في كهوف قنديل، وفوق ذلك فإن كل من تعمّد في أجران العقيدة القنديلية ففي دخيلة نفسه يعتبر المجلس بمثابة عدوِ سياسي ربما أكثر من نظام الأسد، وأكثر من إيران، وأكثر حتى من الجيش التركي الذي يقصف مواقعهم منذ سنوات، مع أن المجلس لم يُقدم على ذبح ولو نعجة من نعجاتهم، ولا تسبّب بقتل كردي واحد، مقابل PYD الذي لا يعيش إلاّ على دوام خراب الكرد، وإزهاق أرواح الشباب والشابات الكرد مجاناً ، وحيال ذلك فيبدو أن كرد سوريا ابتلوا بأعظم مثالب العداوة المنزلية القائمة على استفراد الأخ المتكلس بكل القرارات المتعلقة بالبيت وأصحابه، واستحواذ الأخ العنجهي على كل مقدرات البيت بالغصب والإكراه. 
ومع أن المجلس الوطني الكردي له أهداف ومطالب واضحة وغير هلامية كما هو حال المطالب لدى الاتحاد الديمقراطي PYD ، بل وبخلاف ENKS فلا يطالب الأوجلانيون شيئاً قومياً واضحاً للكرد في معظم أدبياتهم، ولكنهم بنفس الوقت بارعون في إطلاق الخطابات القومية، بل ومن خلال الديماغوجية السياسية يستحوذون على هواجس الشارع الكردي عبر اللعب بمشاعر العامة وإطلاق بضعة شعارات، باعتبار أن الاتحاد الديمقراطي يعرف جيداً متى وكيف يهيمن على عواطف البروليتاريا ويكسب ودهم، بل ويستفيد من أتفه حادثة يختلقها إلى استثماره أكبر كارثةٍ يتسبب هو نفسه بها، وبخصوص الخطابة يصدق فيهم تماماً ما جادت به قريحة الشاعر الفلسطيني محمود درويش في أثر الفراشة بقوله: "الخطابة هي الكفاءة العالية في رفع الكذب إلى مرتبة الطرب، وفي الخطابة يكون الصدق ذلة لسان" وحقيقةً فمن خلال الاسلوب الغوبلزي نجحت العقيدة الأوجلانية في تخدير طائفة كبيرة جداً من أبناء المجتمع الكردي من خلال الخطابات الرنانة التي ينهمر بها الأوجلانيون على أفئدة العامة وعقولها مع افتقار معظمها إلى شيءٍ من خميرة الصدق.  
وما يسبب الحرج المتكرر للمجلس الوطني الكردي هو وقوعه بين نارين لا ترحمانه، وللأمانة فقبيل سيطرة تركيا على عفرين قلنا بأن الحزب الكردي الذي يفكر مثل تركيا بإزاحة PYD من عفرين بالقوة، هو عملياً مع تدمير عفرين وتهجير شعبها، لأن عقلية PYD  وتجاربه السابقة تؤكد بأنه لا يستسجيب لأي منطق، ولا يعمل إلا وفق رغبات الجهات التي تستثمره أو تأمره، أما غير ذلك فيكون الكل مشاركاً في ما سيحصل من الخراب في عفرين، وقلنا بأن الحل هو إيجاد مخرج سياسي ينقذ المنطقة من التهجير ويحقن دماء أبناء المنطقة، وذلك لم يحصل وليس من المتوقع أن يحصل أي شيء لمصلحة الكرد في أي بقعة يهيمن عليها أدوات حزب العمال الكردستاني PKK الفالح أكثر من الأعداء في تحقيق أهداف أولئك الأعداء، وأشرنا مراراً بخصوص ممارسات PKK، إلى أن أكبر خدمة تقدمها لعدوك، هي تكون بتقديمك له الحجج التي يبحث عنها، ليحارب شعبك بها على طبقٍ من الألماس، وتحضرني جملة جديرة بالاهتمام وقد كتبها الناشط السياسي مرفان كلش عن تنظيم PKK بفروعه وروافده قائلاً: "إن الشموليات دائماً حتى إذا حققت مكسباً عادت فخربته بذاتها! لم تبني الشموليات عبر تاريخها سوى الخراب!".
عموماً فكما ننتقد PYD على مغامراته التي لم تنتهي منذ سنوات، وطيشه المستمر على حساب عشرات الضحايا من الشباب والشابات، وكما شكك الكرد المعارضون لسياسة كل مَن يتبعون PKK أيديولوجيا، بأن يكون الاتحاد الديمقراطي قد أخذ يوماً أية ضمانات ووثائق مكتوبة من الروس والأمريكان، تضمن حقوق الكرد بموجبها أو تلزم الدول بتنفيذ وعودها المكتوبة، فهناك من يسأل المجلس الوطني الكردي، هل يا ترى ثمة وثيقة مكتوبة بين ENKS وبين الدول التي يعوِّل عليها المجلس؟ خصوصاً أننا رأينا بأن من انتزع عفرين من PYD  لم يسمح للمجلس الوطني الكردي بفتح حتى كشك من أكشاك بيع الجرائد أو السجائر في عموم منطقة عفرين! وهل من ضمانة حصل عليها المجلس تؤكد بألا يصبح حال الأهالي بمنطقة كوباني أو الجزيرة أرداً عشرات المرات من  حال أهالي عفرين بعد السيطرة عليها بذريعة محاربة ميليشيات PYD العسكرية؟ أم سيجري هناك أيضاً ما جرى في عفرين من سلب ونهب وسطو منظّم ليس ليوم أو يومين أو شهرٍ أو بضعة أشهر. 
وأمام هذه اللوحة القاتمة فيبدو لمن يُمعن النظر في المشهد السوري برمته، أن الشروخ تعمّقت بين فئات المجتمع، بالرغم من الشعارات والهتافات المتكررة عن وحدة الشعب السوري المنقسم منذ سنوات، إذ يلاحظ بأنه ربما كان أفضل حل لهذه القوى المتناحرة، وتلك الاحتقانات الشعبية المتفجرة في أكثر من بقعة، هو وجود قوات دولية تفصل بينهم، أي على غرار قوات اليونيفيل في الجنوب اللبناني بالضبط، حتى تقوم تلك القوات بفصل الاخوة الأعداء عن بعضهم، وذلك بسبب تدخل مصالح الدول الاقليمية في سوريا واستخدامهم للسوريين كمجرد بيادق حرب، إضافة إلى القيح المجتمعي الذي ساهم في تفجيره الإعلام ربما أكثر من العسكر، والذي يشير صراحةً إلى ذلك الشرخ العظيم الذي يستدعي جلب قوى خارجية إلى حين تهدئة النفوس وتلاشي الأحقاد والضغائن.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24550