تحديات الأمن القومي الكوردستاني
التاريخ: الأحد 09 كانون الأول 2018
الموضوع: اخبار



قهرمان مرعان آغا

كما هي مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الضرورات الخمس لكل إنسان والمستخرجة من نصوص كتاب الله تعالى وهي حفظ الدين, النفس ,العقل ,العِرض ,المال . يأتي القانون الوضعي بالحقوق الأساسية الضامنة للحياة البشرية للغاية ذاتها وهي حق التدين وحق الحياة وحق التعلم  وحق النسل  وحق المال .
فالأمن غايته , حفظ الإنسان الفرد والمجتمع والوطن من أي تهديد يستهدف المساس بحالة الاستقرار الطبيعية التي تلازم كل جزئية من التكوين القومي الاجتماعي لأي شعب وقد يكون التهديد داخلياً أي من ذات العناصر الوطنية المشكلة للمفهوم القومي أو خارجية تستهدف الحالة القومية في وجودها وكينونتها واستقرارها الطبيعي المعتاد . إذاً نحن أمام مسألة متشابكة ومعقدة في غاية الأهمية لا يتحقق المرجو منه إلا في ظل القانون والعدل على اعتبار هذه الحقوق من الحقوق اللصيقة بالفرد الذي يكون أمنه من أمن الجماعة وبالتالي من امن الوطن .


فالإنسان الكوردي لم يتمتع بالمواطنة السوَّية الكاملة مثله مثل الفرد المنتمي إلى القومية السائدة للدولة الغاصبة , فهو إذاً مهدد في نفسه , فيما يتعلق بأمن شخصه و بعده الاجتماعي , في كل ما يتعلق بلغته وثقافته وتراثه وما حصل من تغيير ديموغرافي في بيئته الجغرافية في كل الدول التي تقتسم كوردستان و مُحارَبْ في طائفته في ظل حكم ولاية الفقيه أو في معتقده كما حصل للكورد الأيزيديين في ظل الدولة الداعشية و من استلاب اسمه العضوي كما هو في دولة أتاتورك الكمالية و من حق النسل قانوناً من خلال حرمانه من الجنسية و عدم تثبيت حالات الزواج و واقعات الولادة في سجلات الأحوال  الشخصية في ظل الجمهوريةالعربية السووراثية و هو مهدد في ماله من خلال منع تملكه وفق القوانيين الجائرة لتلك الدول , ومن التمتع بثروات وطنه كوردستان كما حصل ويحصل لوضع كركوك  على سبيل المثال , فهو مهدد في أمنه ببعده الاقتصادي وهذا ما انعكس على حرمان جميع أقاليم كوردستان من التنمية على مدى قرن كامل . ويحصل هذا في ظل دساتير تلك الدول التي تدعي بأن دين الدولة هو الإسلام وأن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات . و أن الثروات ملك الشعب ومن حق الجميع التمتع بمنافعها .
التحديات الداخلية :
 تاريخياً تعتبر تحديات و مخاطر البيئة السياسية المحلية العائق الأكبر في قضية الأمن القومي الكوردستاني يعود أسبابه المباشرة إلى تقسيم كوردستان وإلحاقه بدول إقليمية متعددة من حيث النظم السياسية , تَشَكَّل لدى كل منها مفهوم أمن قومي مغاير للأخرى حسب كينونة الدولة و تشكلها الزمني ولكنها مُجْمَعة في التوصيف وفق مفهوم الأمن القومي للدولة الحديثة والتي تعتبر السيادة  من ابرز مقومات الاستقلال لديها  , المعززة بالقانون الدولي على اعتبارها جزء من منظومة الأمم المتحدة التي تحفظ للدول القائمة هذا الحق في مواجهة التحديات والمخاطر والتهديدات التي تطال أمنها الوطني سواء كانت داخلية أو خارجية . لهذا فإن معظم الجرائم التي اُرتكِبتْ بحق شعب كوردستان في أجزائه الأربع , جاءت تحت ذريعة  تهديد الأمن القومي للدول الغاصبة . كأن شعب كوردستان في بيئته الاقليمية لا يحق له حفظ أمنه القومي على اعتبار ليس كيان سياسي كما حال الدولة القومية الحديثة في هذا العالم .
 بدأت المخاطر الداخلية خلال ثورة أيلول وبعد انتكاستها  وأعقبتها حوادث الاقتتال خلال الحرب العراقية الإيرانية على طرفي الحدود بين كوردستان الجنوبية والشرقية وفق ولاءات ودعم الدولتين المتحاربتين وما حدث من اقتتال داخلي بين الحزبيين الرئيسيين في إقليم كوردستان الفيدرالي في منتصف تسعينات القرن الماضي كان له أكبر الأثر في عرقلة جهود قيام كيان سياسي بمعزل عن بغداد واستمرت تداعيات تلك الحالة بعد الاستفتاء على حق تقرير المصير في 25 أيلول 2017 إلى ما حصل في 16 اكتوبر 2017 وتسليم كركوك بموجب صفقة غدر وخيانة داخلية و إقليمية , وكان لإعلان حزب العمال الكوردستاني (ب.ك.ك) الكفاح المسلح انطلاقاً من سوريا صيف 1984 والتضحية بالمقدرات البشرية في الجزء الكوردستاني الملحق بالدولة السورية بداية تآمر نظام الأسد على مجمل القضية القومية وخاصة في ساحتها الكبرى كوردستان الشمالية و ما خلفه الحرب الهمجية للدولة التركية من تدمير الريف الكوردستاني وحواضره المدينية ,لدفع سكانه إلى التهجير نحو مدن الأناضول يعد من أكبر ( الفرامانات ) التي طالت الشعب الكوردي في وجوده الحضاري وأمنه القومي, في حين تستمر منظومة حزب العمال الكوردستاني بالمغامرة وفق نظرياته المُحدَثة بعد شعار استقلال وتوحيد كوردستان إلى محاربة المشروع القومي الكوردستاني و التدخل المباشر لعرقلة هذا التوجه في معظم أجزائه وما يحدث في جنوب غرب كوردستان خلال ثمانية أعوام من عمر الثورة السورية يأتي في هذا السياق الكارثي .
التحدي الإقليمي :
لا يخفى على أحد ما يدور في كواليس و اجتماعات الدول المقتسمة لكوردستان ( تركيا.إيران.سوريا.العراق) عسكرياً وأمنياً , سراً وعلناً , من تنسيق وتَوجُّه لمحاربة المشروع القومي الكوردستاني , بغض النظر عن شكله السياسي ( استقلال.فيدرالية.حكم محلي. إدارة ذاتية ) وما حدث خلال وبعد استفتاء إقليم كوردستان وكذلك الاحتلال التركي لـ عفرين و التهديد باجتياح شرق الفرات , لا يقبل الحجج والتأويلات التي يَدفع به الطرف الكوردي المغامر وكذلك المساوم في التنكُّر والخذلان لتضحيات شعب كوردستان في سبيل الحرية وتقرير المصير .
المخاطر الدولية :
لا شك المخاطر الدولية المتمثلة بـ روسيا و أمريكا وحلفائهما الدوليين لا تقل عن المخاطر الإقليمية لأسباب كثيرة تاريخية ومعاصرة , خاصة عندما تتقاطع مصالحهم معاً و إستراتيجية التكيُّف التي تتبعها أمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط قد تصبح خطة ثابتة بعد إعلانها البقاء في المنطقة لأجل غير معلوم  لمواجهة الوجود الإيراني و سياساته في موازاة العمل على اشتداد الحصار الاقتصادي في ظل تصاعد الضغط و الاحتجاجات الشعبية تمهيداَ لتغيير النظام من الداخل  . و أصبحت اعتماد أمريكا على القوى المحلية و معارضات الداخل العسكرية والسياسية جزء من جهدها في محاربة الإرهاب سواء كانت تنظيمات أو دول بعد تعثر تجربتها في التدخل المباشر في كل من أفغانستان و العراق .
لهذا يجب النظر إلى الأمن القومي الكوردستاني بكليته و تكامله مقياساً ما يخطط له من قبل الأعداء وكذلك ما يسعى إليه الدول الكبرى من كسب في المصالح السياسية والاقتصادية , ونحن على أعتاب زلزال  قد يكون مدمراً في حال تصاعدت المواجهة مع إيران و الخلاف مع تركيا إلى جعل كوردستان على امتدادها ساحة حرب , مع تبلور حلف إقليمي إسرائيلي خليجي مصري , وأن لا تذهب تضحيات الشهداء الأبرار سٌداً بل أمناً وسلاماً لشعب كوردستان .
في 20 نوفمبر 2018
نشر في جريدة يكيــــتي العدد 257 ت1/ نوفمبر/ 2018







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24387