نحن وهم ؟ كورديتنا وكورديتهم (مجانية التصوف القومي)
التاريخ: الجمعة 10 اب 2007
الموضوع: اخبار



الكاتب: كورديّ ما؟

 اعتاد الكورد السوريون على نكران الذات والتضحية والإيثار, طوال تاريخهم, حينما كان الأمر يتعلق بأشقائهم الكورد في الأصقاع الأخرى من كوردستان. والكل يعلم مدى الاندفاع والحماسة الذي كان يبديه الكوردي السوري حينما يتصل الأمر بحاجة كردي آخر مثله قادم من وراء الحدود. وفي الغالب لم يكن سلوكه يخلو من الورع القومي والتقوى إزاء أبناء كوردستانه, وهو سلوك لاعقلاني في أحسن الأحوال, وقد بلغ حدّ إلغاء الذات القومية لديه سياسياً ووطنياً في أحوال كثيرة. إذ كان  يرضخ لكل أشكال القهر من جانب النظام في وقت من الأوقات متقبلاً جور الأخير وتعسفه, مثقلاً بأصفاد عبوديته, حتى لا يفسد الود العارض والانتهازي الناشئ بين طرف كوردستاني ما وهذا النظام, مبرراً لنفسه كل ذلك بشتى الذرائع القومية العقيمة.


 هكذا كان الحال مع القوى الكوردستانية, التركية منها والعراقية. الذين كرسوا هذا الموقف برضى تام ودون أدنى أسف ظاهر, ناهيكم بأطراف أخر كانت تتعمد إنكار الوجود والحقوق القوميين للكورد في سوريا, مسوغة للنظام كل أشكال القهر القومي  والاضطهاد بحق( أكراده).
 والحال أن نكران الذات لدى الكورد السوريين بلغ أشدّه مع هبة آذار الدامية(2004), وقد عمّد هؤلاء مواقفهم النبيلة تلك بدماء  العشرات من أبنائهم وبناتهم, حتى لا يلحق أدنى أشكال العار أو الإساءة بالكورد وقادتهم الأشاوس. أو تداس صور الزعيمين بأقدام حفاة العربان وأوباشهم. دونكم بالمئات من الكورد ممن اضطروا إلى الفرار خوفاً وذعراً من قمع الأجهزة الأمنية, ولاذوا بكردستانهم, كما اعتقدوا أو توهموا عن ضلال, كي لا يطالهم الموت أو يد التوحش.
 إن لهذا السلوك الثقافي والأخلاقي المعهود للكورد  السوريين تفسيره الخاص الذي لا يستقل بأي حال من الأحوال عن السياقين الاجتماعي والتاريخي الخاص لنشوء القضية الكوردية في سوريا وتطورها. ونحن لسنا في  الوضع الذي يسوغ  لنا شرحه. لكن هذا لا يعني أيضاً أنهم بذلك يتفوقون على أقرانهم أخلاقياً أو يتمايزون عنهم في وعيهم القومي والسياسي ويتسامون.
 كان بوسعنا أن ندبج قولاً في المديح العالي للزعيمين الكورديين, وفي مخاطبة ضمائرهم الطرية جداً- إزاء اللاجئين الفلسطينيين مثلاً-  واستثارتها حتى يحظى الكورد السوريين هناك بكل العطف من لدنهم بعد هذه السنوات الطوال من النكران والتشرد وسوء المعاملة في بيداء كوردستانهم, وينالوا ذات الرعاية. وقد لا نشكك في قناعة القادة الكوردستانيين وإيمانهم بأن للكورد السوريين المشردين المقدار ذاته من الكرامة الإنسانية, التي لدى الأخوة الفلسطينيين حتى ينالوا مقداراً من التعاطف  يساوي بينهم وبين الآخرين. لكنا آثرنا  هذا المدخل وهذا النمط من الخطاب لأننا ننأى بأنفسنا عن الاستجداء, وحتى نشهر ما يطغى على مشاعر الكورد السوريين من خيبة عميقة  إزاء سلوكهم ونفصح عن ذلك علانية.
 ويحق لنا في هذا السياق أن نتساءل عن حقيقة السخاء الجامح الذي يبديه السيد الطالباني وجدواه إزاء الآخرين في أوقات عديدة, فلو تعلق الأمر بشويعر( من أرض مكناس يندب حظه من الفاقة والعوز وسط الأسواق) لوجدناه يسارع إليه في محنته العظيمة, وانهال على هذا المتسكع ما تجود به سماء الطالباني على وسعها؟!!!!  والحال أن هنالك العشرات من أطفال الكورد السوريين إلى جواره ممن يعوزهم الغذاء والدواء والمسكن والملبس, وكأني برحمته الواسعة وكرمه وعطفه تضيق بهم حتى آخرها....الطالباني نسي اليوم أو تناسى, هو وغيره من كورده, أيام عوزه الطويلة في دمشق وسط إخلاص وتفاني الكورد السوريين له ولغيره, فأنّى لنا أن نذكّره بذلك؟؟؟
 اليوم, وبعد مضي  أكثر من ثلاثة أعوام, لازال الكورد اللاجئون هناك يقضون أسوأ أيامهم في المعاناة من سوء المعاملة والتجاهل والنكران والبؤس الكوردستاني  الذي حظوا به لقاء تضحياتهم, سواء من جانب القيادة السياسية الكوردية أو من جانب المجتمع الأهلي الكوردستاني, الذي عجز بكل شرائحه عن الارتقاء بحسه القومي  والأخلاقي إلى أدنى المستويات المطلوبة. إن موقف الصمت والتجاهل الذي أبداه هؤلاء إزاء معاناة الكورد السوريين حتى هذا الوقت, وبخاصة من طرف النخب المثقفة والسياسية يعكس فشلاً أخلاقياً ذريعاً في ضميرهم القومي. فلقد أثبت رعاع الكورد العراقيين وبعض أجلافهم على تخوم مخيم اللاجئين السوريين( مخيم مقبلي- 26/7/2007)  أنهم لا يقلّون صلفاً واستهتاراً من سواهم, وأظهروا من العدوانية نحو لاجئي المخيم ما عجز عن فعله دهماء العربان أو الإتيان به أثناء ربيعنا الدامي. وواقع الحال إن الطرفين أثبتا بذلك أنهم من جذر أخلاقي وثقافي وسياسي واحد. وتلكم هي المفارقة, وفي الحالين كان الكورد السوريون ضحايا عنف مزدوج من مصدر ثقافي وسياسي واحد يعدّ صدام حسين النسب الشرعي الأقرب لهما. كما برهنت أجهزة القمع الكوردستانية على أرض الواقع أنها لاتقل عن نظيراتها في التوحش والهمجية. وقد تيقن الكوردي السوري, اللاجئ عندهم, وتحقق, عن قرب, من مدى القارب والتماثل بين هؤلاء, في والأداء والأدوار والمهام, وبين أجهزة القمع السورية. فلا ذراع القمع الكوردستاني كان أكثر رأفة من سواه, ولا هراوة الأشقاء كانت أقل قسوة وغلظة. إذ أن مدرسة واحدة أهلتهم جميعاً, كما يبدو, بحيث يشتركون عميقاً في التقاليد والمهارات, وتلكم هي المفارقة الأخرى. إن الطريقة الكوردستانية في القمع والصلفة والجور كانت أشدّ إيلاماً من قمع النظام البعثي, لأنها  تجاهلت أصلاً كل التفاني القومي الذي جسّده هؤلاء, وانطوت على إهانة عميقة وصريحة وخيبة قاسية للشعور القومي لديهم.
 الأنكى من كل ذلك أن يلوذ ساستنا الأشاوس من الكورد السوريين ومؤسساتهم الحزبية بالصمت وعدم الخروج على أدب اللباقة نحو أخوتهم الكبار هناك, ومخاطبتهم عيناً بعين. إن في ذلك, برأيهم, إساءة للمنجزات القومية ومسٌّ بالعفّة القومية التي يمثلها هؤلاء برأيهم. إن النزعة الطهورية التي يبدها ساستنا في نظرتهم إلى أشقائهم الكبار على الجانب الآخر من النهر, نابعة أصلاً من نظرتهم إلى أنفسهم بالذات وحجم تقديرهم لذواتهم, فهم يتصاغرون إلى الحدّ الذي تتلاشى قاماتهم قياساً إلى هامات هؤلاء, وهذا الموقف لا يعكس تواضعاً  حقيقياً بمقدار ما يؤشر للنفاق وغياب الثقة بالذات, وفي أحسن حال  هو يمثل انتهازية رخيصة. 
 رهاننا اليوم, ورهان البؤساء الكورد الفارين من بطش النظام, هو صوتنا, صوت المثقف الكردي السوري الجريء, الذي لا يخشى في قول الحق لومة لائم. ولا يكترث بالمداهنات الرخيصة على حساب ألم شعبه وبؤسه. إن ردّاً جلياً وصارخاً هو ما ينبغي أن يصدر عن الجميع على كل هذا الغبن الذين يحاصر مشردينا هناك والجحود الذي ينال منهم في كل أوقاتهم. ولإثبات تضامننا العميق مع كوردنا اللاجئين في محنتهم الكوردستانية فإني أدعو الجميع إلى مقاطعة جميع المنابر السياسية والإعلامية والثقافية التي تدور في فلك  الحكومة الكوردستانية ورموزها وممثليها, من مدنيين وسياسيين. حتى يثبت هؤلاء إنهم حقاً وفعلاً أهل لتضحيات شعبنا, وإنهم ينتمون معنا إلى نفس الألم وذات الكرامة الإنسانية التي نتطلع إليها. إن شرف الثقافة والكلمة هو الذي يدفعنا إلى استنكار هذه الانتهازية القومية والاستهتار الطاغي على سلوك حكومة الإقليم ومجتمعه الأهلي إزاء محنة أهلنا في مخيم مقبلي ومعاناتهم اليومية, الأمر الذي يقوض لدينا, شيئاً فشيئاً, الشعور بأننا نشترك وإياهم في ذات المصير .








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2430