لماذا ينافق حلف الناتو؟
التاريخ: الثلاثاء 06 تشرين الثاني 2018
الموضوع: اخبار



ماجد ع  محمد

بدايةً لكي لا نكون من مُطلقي الكلام على عواهنه فيما يتعلق بالحكم الوارد في العنوان الذي لم يكن ليتبوأ مقامه إلاّ بناءً على ما ورد في محتوى المادة ككل، وقبل التدرج في المدوّن نقول: بأن من أحد تعاريف النفاق معجمياً هو إظهار المرء خلاف ما هو عليه، بالضد مما يبطن، أو عكس ما يُظهر، والمنافق حسب الثقافة الإسلامية هو كمن يُخفي الكفر في الباطن فيما تراهُ متظاهراً بالإيمان في العلن، وحقيقةً لم نقل هذا الكلام إلاّ لأن ممارسات أحد أطراف الحلف ميدانياً كانت بخلاف ما جاء في ميثاق الحلف، أي أنهم يعملون بما يتعارض مع كل ما ورد في معاهدة الحلف المتوافق كلامياً مع مبادئ وميثاق الأمم المتحدة. 


وبهذا الخصوص فلا شك في أن كل مَن قرأ واطلع على مقدمة معاهدة الحلف سيقرأ جملة أن "الدول الأعضاء تعمل للسير على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية والامتثال للقانون"، والتساؤل الجوهري فهل ما ورد أعلاه هو مجرد كلام تبجحي يتفاخر به حلف الناتو؟ أم هو من الكليشيهات التجميلية للحلف، استُخدم للزينة والبهرج كما تفعل عموم الشموليات في الشرق الأوسط عندما تتزيا بأحدث وأرفع المصطلحات؟ وإذا لم يكن الأمر مجرد كلام وصفي إنشائي تجميلي فلماذا ما يتم ممارسته ميدانياً في إحدى البقع الجغرافية التي تم اجتياحها من قبل أدوات دولة في حلف الناتو هو على العكس تماماً مما جاء في الديباجة؟ حيث الانتهاكات اليومية مستمرة منذ ما يزيد عن ستة أشهر، وقد رُفعت بهذا الصدد تقارير دورية عن الانتهاكات إلى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، كما قامت في الرابع والعشرين من الشهر الماضي أي في 24/9/2018 ثماني منظمات حقرقية كردية بتسليم رسالة إلى كل من الأمين العام لمنظمة حلف شمال الاطلسي NATO السيد ينس ستولنبرغ وكذلك إلى لجنة الامن والدفاع في البرلمان الاوربي، وهي بمجملها عن الجرائم والانتهاكات التي قامت بها الجهات العسكرية التي استخدمتها تركيا في منطقة عفرين بحق المدنيين الآمنين، وطالبت رسالة المنظمات الحلف للضغط على تركيا بغية إنهاء الوضع المزري لعفرين وإخراج كل منتهكي حقوق الإنسان والحرمات من المنطقة، مذكرين قيادة الحلف بارتكاب تلك الأدوات التي استخدمتها تركيا في عفرين أفظع الجرائم ضد المدنيين العزل، والمثبتة بعشرات الأدلة والوثائق من اعتقال وتعذيب وسطو وسلب ونهب واختطاف إلى الابتزاز وطلب الفدية إلى درجة القتل على الهوية، وتهجير سكان المنطقة الأصليين، وتغيير ديموغرافيتها السكانية، الأمر الذي يسيء لسمعة المنظمة عالمياً ويؤثر سلباً على مصداقيتها ـ هذا إذا ما كانت معنية بمصداقيتها ـ وجديتها في مكافحة الإرهاب، وذلك وفق ما جاء في الرسالة الموجهة لقيادة الحلف من قبل تلك اللجان والمنظمات الحقوقية.
ومع أن إعلام الجهات الإقليمية والدولية بما يجري في المنطقة أمر ضروري، وحق مشروع لمنظمات المجتمع المدني وأهالي المنطقة بوجهٍ عام، إلاّ أننا نعتقد بأن الدول الغربية برمتها تتجاهل عمداً كل ما يجري في المنطقة، ولا تحتكم إلى المنطق الإنساني في الجانب السياسي أو العسكري، ومن شبه المؤكد أن القصص والمواقف الإنسانية لن تدغدغ مشاعر مسؤولي تلك الدول حتى تؤثر على قراراتهم، لذا نتصور بأن الفقرة التي وردت في الرسالة المقدمة لقيادة الحلف بخصوص الكرد المخلصين في محاربة الإرهاب الداعشي مع الدول الغربية، لن تكون مفيدة ولا سيكون لها التأثير المباشر أو غير المباشر على هواجس قادة الحلف، طالما أن الكرد بالنسبة للمجتمع الغربي ليسوا إلا أدوات مؤقتة جيدة لهم في الحرب على ما يسمونه بالإرهاب، نقول ذلك لأن موضوع محاربة الإرهاب غدا شنيعاً من وسع فضفاضيته وتعدُّد وجوهه، إذ كيف يكون الكردي محارِباً الإرهابَ الداعشي مع الدول الغربية في مناطق واسعة من سورية، بينما في منطقة أخرى تستباح منطقة كردية أخرى من قبل أدوات إحدى دول حلف الناتو بذريعة الإرهاب، فكيف تكون نفس الجهة محارِبة للإرهاب ومحاربَة في نفس الوقت مِن قبل إحدى دول الناتو بتهمة الإرهاب؟!.    
على كل حال، للتعرف أكثر بهذا الحلف العسكري والسياسي العالمي، فولد حلف شمال الأطلسي المعروف اختصارا بـ"الناتو"، وتأسس في 4 نيسان سنة 1949 في العاصمة الأميركية واشنطن، بينما مقره في بروكسل البلجيكية، ويتردد اسم  الحلف في الأخبار بشكل دائم، فهو أهم حلف عسكري يضم أقوى دول العالم، نشأ أثناء الحرب الباردة بين المعسركين الاشتراكي والرأسمالي، في مواجهة حلف وارسو الذي تزعمه الاتحاد السوفييتي آنذاك، واستمر الناتو وما يزال إلى تاريخ اليوم بينما تلاشى الحلف الاشتراكي واندثر مع انهيار المعسكر الاشتراكي، ويتكون حلف الناتو من 28 بلداً ومن بين الدول الشرقية تركيا العضو الوحيد في ذلك الحلف، وحسب تعريف الناتو نفسه في موقعه أنه هو منظمة سياسية وعسكرية "يتمثل الهدف الأساسي لها في حماية حرية وأمن أعضائها من خلال الوسائل السياسية والعسكرية". 
وبناءً على ما جاء في الموقع الرسمي للحلف، فإن اتخاذ أي قرار بخوض عملية عسكرية ما للناتو في العالم يكون بعلم كل أعضاء الحلف وبموافقتهم ضمناً أو صراحةً حيث يتم على أساسه طلب قوات وتجهيزات من الحلفاء لتوضع تحت تصرف قيادة الناتو؛ أي بمعنى أن ما من دولة في الحلف تدخل منطقة أو تتصرف بها من دون علم قيادة الحلف بكل ما تفعله في تلك البقعة الجغرافية، وكتساؤل بسيط جداً فأين هذا الحلف من حرية الإعلام في البقعة الجغرافية التي دخلتها واحدة من دول الحلف؟ حيث أنه منذ الثامن عشر من شهر آذار من العام الجاري دخلت قوات عسكرية بأمرة ومعية تركيا الدولة العضوة في الناتو منطقة عفرين السورية، وإلى الآن ممنوع للإعلام الحر الدخول إلى تلك المنطقة؟ فأين الحلف من قصة الحرِّيات المذكورة في ديباجة ميثاقه والذي يدّعي فيه بأنه يعمل في ظله!.
ونعيد القول إن من بعض أبرز أدبيات حلف الناتو جملة: أن الدول الأعضاء ترغب في العيش بسلام وتريد المحافظة على حريتها وكيانها، إضافة إلى السير على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية والامتثال للقانون، وتنص المادة الأولى من المعاهدة على منع الدول الأعضاء من استخدام القوة بما يتعارض مع نصوص مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وهنا مربط الفرس، فأين يا ترى تلك القيم التي يتسم بها الحلف المذكور؟ وما هي المعايير القانونية والأخلاقية التي يعمل في ظلها، وبناءً على ما جاء في معاهدة الحلف فهل العيش بسلام هو فقط من حق دول الحلف؟ وهل يعني ذلك بأنه لا بأس في دمار كل من لم يكن منتمياً إلى الحلف الدولي المذكور؟ وبالتالي مسموح استباحته من قبل أي دولة أو جيش من جيوش الدول الأعضاء في الحلف، وإذا كان الأمر كذلك فأين الحلف من ميثاقه وما تعهد به؟ ثم نتساءل أين هي ممارسات الديمقراطية والحرية الفردية والقانون في كل ما يجري في المنطقة التي دخلتها قوات إحدى دول الحلف المذكور منذ أكثر من ستة أشهر؟
ختاماً فأيُّ قيمة فعلية وعملية للحلف؟ وأيُّ فضيلة أخلاقية لمضون معاهدة الناتو وميثاقه ونظامه الداخلي القائم على القيم الإنسانية وفق المعلن عنه؟ بينما سكان منطقة ما مهجرون من قبل أدوات إحدى الدول الأعضاء في الحلف، وهم يمكثون في الخيام على مسافة بضعة كيلومترات من بيوتهم، ويُمنعون من العودة إليها، فيما تسمح قوات الحلف بأن تُستباح منازلهم وممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة من قبل قوات أُخرى استعانت بها تلك الدولة لتحقيق مآربها الخاصة، ثم أليس للحلف الموقر مكاتب وعيون وأجهزة تراقب تصرفات قوات أعضائها في المناطق التي تدخلها؟! أم أنها تعي كل شيء، وترى كل شيء، وتصلها تقارير مفصلة عن كل مما تفعله القوات العاملة بأمرة أعضائها في مناطق العالم، ولكنها تغض البصر عن كل ما يجري بحق المدنيين العزل من قبل الجهات العسكرية التي تستخدمها دول الحلف؟ وذلك فقط كرمى تحقيق مصالح دول الحلف ولو تعارضت تلك المصالح كلياً مع كل ما جاء في نصوصها وتعهداتها، وكانت بالتالي مناهضة جملةً وتفصيلا لكل ما ورد في معاهدة الحلف وميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان؟.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24289