جرائم الشرف وموقف الشريعة الإسلامية منها
التاريخ: الخميس 09 اب 2007
الموضوع:



الدكتور علاء الدين جنكو

صعود الخط البياني لما يسمى جرائم الشرف تعدى كل الخطوط المحرمة شرعا وقانونا وحتى عرفا ، نعم كنا نسمع في كل بضع سنين جريمة ترتكب بقتل امرأة سواء كانت متزوجة أو لا
على أن الأمر قد تغير في أيامنا ، بل وصل الحال إلى ارتكابها في الأسر غير المتدينة والتي لا صلة لها بدين لا سماوي ولا أرضي ، لا حقيقي ولا خرافي ، بل وارتكب في قلب عواصم أوروبية ولد وعاش فيها كل من المجرم القاتل والضحية المسكينة !!


استفحل الأمر حتى باتت قضية تهز مضاجع الجميع ، وتقلق كل مخلص لمجتمعه وأهله ووطنه ودينه ، ولعلي أدلو بدلوي مبينا خطورة هذه الجريمة من الناحية الشرعية ، وتوضيح بعض المغالطات التي يقع فيها الجهلة الذين يصيدون في المياه العكرة !!
بداية :
لا يمكن إقامة أية عقوبة على إنسان لأي جريمة كانت من الناحية الشرعية إلا بضوابط محددة ومشددة من أهمها:
-       إثبات الجريمة من قبل القضاء إثباتا لا يدعو إلى الشك والريبة ، سواء كان الإثبات بالإقرار أو بالشهود أو أية أدلة أخرى تكون دامغة لا مجال للشك فيها .
-       مهمة تنفيذ العقوبة من حق القضاء والسلطة الحاكمة ، وعليه لا يجوز قطعا من الناحية الشرعية إقامة أي عقوبة أو حد ( بمصطلحها الشرعي ) من قبل الأفراد مهما كانت منزلتهم .
لماذا يقتلون :
السبب الذي يدعو المجرم للإقدام على جريمة الشرف : اتهام الضحية بارتكاب جريمة أخلاقية منافية للأخلاق إن كان المجرم يدعي الأخلاق أو مخالفا للعرف إن كان غير متدين ، وربما تتفاوت درجات هذا الاتهام ، من علاقة عاطفية شخصية ، إلى خروج مع أجنبي بمفردها ، إلى مبيت معه من غير أية ممارسات ، إلى ممارسة العملية الجنسية بينها .
وسأتناول أشد الحالات وقوعا ؛ لأن ما خف عنها من حيث الجريمة كانت العقوبة بالتالي أخف أيضا .
وقعت في المحظور :
والمقصود من الناحية الشرعية والعرفية من ارتكاب الأنثى للعملية الجنسية مع الأجنبي بطريقة غير شرعية أنه ( زنا ) ، وبالتأكيد هي جريمة مرفوضة عند المسلمين وغير المسلمين أيضا من أصحاب الديانات .
وفي هذه الحالة تكون من ارتكبت الزنا إما ، عازبة أو متزوجة
أما المتزوجة فعقوبتها القتل ، وأما العازبة فعقوبتها الجلد . وحسب الضوابط السالفة الذكر لابد لإثبات هذه الجريمة من أمرين إما الشهود وإما الإقرار . كما أن تنفيذ العقوبة يكون للقضاء حتى لو ثبتت الجريمة .
من يشهد على الزنا :
وضعت الشريعة الإسلامية شروطا قاسية جدا لمسألة الشهادة على الزنا حفاظا على الأعراض وعلى شرف الإنسان وكرامته ، فقد حددت مجموعة من الصفات يجب توافرها في الشهود وأهمها على الإطلاق : البلوغ والعقل ، العدالة ، والكلام ، والحفظ والرؤية ، والإسلام .
وعليه : فلا تقبل شهادة : الطفل ، والمجنون ، والفاسق ، والأخرس ، وكثير النسيان ، والأعمى ، وغير المسلم .
كما حددت الشريعة الإسلامية عدد الشهود وهو أربعة شهود ، واشترطت إدلاؤهم بالشهادة في مجلس قضائي واحد ، وأن يتحد الوصف ، فإن كان الشهود أقل من أربعة ، أو اختلفت شهادتهم عن بعضهم نزلت بالجميع  عقوبة القذف حفاظا على كرامة المتهم من جهة ، ولقطع الطريق عن شهادة الزور من قبل غيرهم من جهة أخرى .
أعود إلى شروط الشهادة :
وأقف عند الثالث منها : العدالة ، ويقصد بها : أن لا يكون فاسقا ، والفاسق هو الخارج عن طاعة الله وحدوده ، هو الذي لا يصلي ، ولا يزكي ، ولا يحترم جاره ، ولا يبر بوالديه ، ولا ينصح أخواته بالطهر والعفاف ، وأخيرا هو الذي يبحث كالذئاب عن أعراض الناس لينتهكها.
وكل المصيبة أن الذين يقدمون على هذه الجرائم ويرتكبونها هم الذين يتربعون على مزبلة الفسق ، ويأتي من هم أفسق منهم ليتهموا المتدينين أن دينهم الحنيف وراء تلك الجرائم !!
وأي قتل لا يكون بحقه ، وترتكب في حق لا يستحقها جريمة كبيرة عظيمة في الإسلام وعلى القضاء معاقبته عليها بل وإنزال أشد العقاب لأنه يتسبب في نشر الفوضى في المجتمع ، والاستهتار بأرواح العباد
وجاءت نصوص الشريعة من القرآن الكريم والحديث الشريف لتؤكد على حرمة الدماء ، وأن التجني عليها من أكبر ما يرتكبه الإنسان من آثام ومعاصي .
قال الله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً } النساء /92 .
عن أنس رضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، وشهادة الزور " . رواه البخاري ( 2510 ) ومسلم (88).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً " . رواه البخاري ( 6469 ).
وكل الوسائل المتاحة لردع الأنثى مقبولة بدرجات متفاوته حسب فعلتها إلا القتل فلا يجوز قطعا ارتكابها من قبل الأفراد بدواعي الشرف وغيره لأن ذلك من مهام الحاكم والقضاء .
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سئل عن امرأة مزوَّجة ولها أولاد فتعلقت بشخصٍ أقامت معه على الفجور ، فلما ظهر أمرها سعَت فى مفارقة الزوج ، فهل بقيَ لها حق على أولادها بعد هذا الفعل ؟ وهل عليهم إثم في قطعها ؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرّاً ؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم ؟
فأجاب : الحمد لله الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات ، فإن لم تمتنع إلا بالحبس : حبسوها ، وإن احتاجت إلى القيد قيَّدوها ، وما ينبغي للولد أن يضرب أمََّه ، وأمَّا برُّها : فليس لهم أن يمنعوها برَّها ، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء ، بل يمنعوها بحسب قدرتهم ، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها ، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتلٍ ولا غيره، وعليهم الإثم في ذلك . مجموع الفتاوى ( 34 /177،178).
وقد حصل أن زنت بعض النسوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يقتل أحدٌ من أهلهن امرأة منهن ، ومنهن " الغامدية " رضي الله عنها .
فاقد الشرف لا يعطيه !!
إن أكثر من يرتكب هذه الجريمة إنما يقع فيها وقد لف دماغه بمجموعة من المغالطات والمفاهيم الجاهلية المرفوضة من الناحية الشرعية رفضا قاطعا لا خلاف فيه عند من له أدنى تفكير فضلا أن يكون عالما ومؤمنا وذو خلق ، ومن أهم تلك المغالطات التي يبررون من خلالها قتلهم للمرأة التي يرون أنها تستحق القتل :

1 - أنهم لا يفعلون الأمر نفسه فيما لو زنى أحد أبنائهم أو إخوانهم ، وهذا ما كان عليه أهل الجاهلية حيث أباحوا لأنفسهم الزنا دون نسائهم ، وهؤلاء يُلوَّث شرفهم وتظهر حميتهم إذا فعلت نساؤهم المنكر دون أن يكون عندهم حمية لدينهم فيما لو فعل أحد أبنائهم أو إخوانهم الأمر نفسه ، بل قد يفتخر بعض الآباء بمنكر ولده ، ويشجعه عليه ، وأقولها مع كل أسف أن هذا هو الواقع المزري الذي نعيشه من التناقضات العجيبة في مجتمعنا.

2 - أنهم فتحوا المجال أمام النساء للوقوع في الفاحشة فجعجعوا طيلة أيام شبابهم وأثناء مراهقتهم مطالبين تحرير المرأة من قيود التخلف الديني حسب ما يتصورونه ، وتحررها من قيود الأخلاق ، وقتل الحياء فيها ، والدعوة إلى تحول الأنوثة فيها إلى رجولة ، وأغفلوا عن جوانب التربية كحمايتها من الصحبة السيئة والمشاهدة المحرمة والمجالسة المنكرة ، فأدى هذا إلى تلف قلبها وتعلقه بالفاحشة ،
3 – دعوة بعض عباقرة علم الاجتماع إلى تأخير سن زواج الفتاة إلى ما بعد الخامسة والعشرين حتى تؤمن مستقبلها الغامض تحت وطأة رجل متوحش – طبعا – هكذا يقنعون الفتاة ، لتصل إلى ذلك السن ويفوتها قطار الزواج فلا يتزوجها المتدين الذي يدعو إلى الزواج المبكر ، ولا من أقنعها لتصل إلى هذا المستقبل الرائع لأنه لا يرغب إلا بحمامة طرية !!
4 – تعند الآباء بعدم تزويج بناتهم  مشترطين لذلك شروطاً تعجيزية ، فتخسر الأنثى الحلال ، لتبحث بأية وسيلة كانت عن عش زوجي تقضي فيها بقية حياتها لعلها ترزق بولد يكون عونا لها  .
5 - أنهم لا يقتلون الأنثى على فاحشة الزنا بل حتى على مجرد المحادثة أو التعارف المحرم والذي ليس له حد في الشرع بالقتل .
4 - أنهم يفتحون بجرائمهم الباب لكل من أراد قتل أخته أو ابنته بهذه الحجة الفارغة ، وقد يكون سبب القتل : الطمع بمالها ، أو أنها عرفت عنهم أشياء يرغبون إخفائها أو ما شابه ذلك من الأسباب .
وفي حقيقة الأمر أن الإنسان الذي يربي ابنته على أنه لا يوجد شيء اسمه حلال وحرام ، وأنك والرجل سواء بسواء في كل شيء !!
ويرتكب المحظور على مرأى ومسمع ابنته ، ثم يسمع بوقوع ابنته في ما رباها عليه ، يجب أن يحاسب أمام القانون قبل ابنته ، لأنه يستحق العقاب أكثر منها ، فهو الذي زرع البذر السيئ فطبيعة الحال أن لا يجني إلا السوء .
ومن أكبر المصائب أن رجلا لو تصرف مع ابنه الذكر ما يتصرف مع ابنته بدواعي الشرف – وهو مرفوض شرعا أيضا - لانتشر الخبر في الإعلام أسرع من انتشار النار في الهشيم ، لأنها ستكون مادة دسمة لأولئك الذين يرتكبون جرائم الشرف وهم ينبشون عن الحجج لاتهام المسلمين أو حتى المتدينين بالإرهاب والتشدد !!
لا أرد عليهم لأترك ذلك لسيدي الإمام الشافعي رضي الله عنه الذي يقول :
يا هاتكاً حُرَمَ الرجال وقاطعاً ---- سُبُلَ المَوَدَّةِ عِشْتَ غَيْرَ مكرمِ
لو كنتَ حرًّا من سُلالَة مَاجدٍ ---- مَـا كنتَ هتّاكًا لِحُرْمَةِ مُسْلِمِ
إن الزنا ديـن فإن أقرضته ---- كان الوفا من أهل بيتك فأعلم
مَن يَزْنِ يُزن به ولو بِجِدَارِهِ ---- إِنْ كُنْتَ يَــا هَذا لبيبًا فَافْهَمِ






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2424