متى يُنفِّذ السلطان وعده؟
التاريخ: الأحد 15 تموز 2018
الموضوع: اخبار



ماجد ع  محمد

ليس من باب رفض الغيبيات لم نؤمن يوماً بأعراس التكهنات، إنما لعل الخشية من التعويل الكلي على التخيلات كانت وراء ذلك النفور، وعلى كل حال فهذا لا يعني بأن نمنع الآخرين من التمتع بسرد توقعاتهم أو كتابتها ومن ثم على أمثالنا قراءتها، ومن التكهنات السياسية بخصوص مجريات الأوضاع في تركيا، كانت مجلة نيوزويك الأميركية قد تنبأت في الشهر السادس من عام 2011 باحتمال نشوء إمبراطورية إسلامية في المنطقة عبر إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية في نهاية المطاف.


ولا شك بأن الكلام أعلاه كان قد قِيل ودوّن قبل أن تدخل تركيا، يوم الإثنين 9 حزيران 2018، النظام الرئاسي الجديد بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية، التي أجريت في 24 حزيران الماضي، وحيث تم بموجبها التمتع بصلاحيات تنفيذية كبيرة مُنحت للرئيس بموجب التعديلات الدستورية التي يؤكد أردوغان بأنها ستفرز نظاماً يشبه النظامين في كل من فرنسا والولايات المتحدة، حيث سيصبح رئيس السلطة التنفيذية، وسيحتفظ بارتباطاته بحزبه السياسي، وسيحظى الرئيس بسلطة إصدار مرسوم رئاسي بشأن كل المسائل المتعلقة بسلطاته التنفيذية، ويتولى الرئيس تعيين كبار مسؤولي الدولة بمن فيهم الوزراء، ويملك صلاحية إقالتهم، ويملك صلاحية تعيين نائب أو نواب الرئيس، ويتولى إعداد قوانين الموازنة العامة بموافقة البرلمان، ويقوم بعرض القوانين المتعلقة بتغيير الدستور على استفتاء شعبي، ويتولى الرئيس إعلان حالة الطوارئ في البلاد، ويكون ذلك فقط في حال حصول "انتفاضة ضد الوطن" أو "أعمال عنيفة تعرض الأمة لخطر الانقسام" على أن يصدّق البرلمان على القرار، كما سيلغي الرئيس بموجب التعديلات الدستورية منصب رئيس الوزراء.
ولا يُخفى على الناظر في أحوال الأمة الإسلامية ملاحظة أن حلم الخلافة العثمانية التي بلغ عدد سلاطينها 36 سلطاناً، لا يزال يراود مخيال الكثير من المسلمين الذين يعبّرون عن الحلم بأكثر من طريقة، وحيث كان لكل سلطانٍ خصائصه ومميزاته وأطباعه الشخصية التي يختلف بها عن غيره من السلاطين، ولكل واحدٍ منهم صفاته التي تميَّز بها عن سواه؛ ولعل الحلم المتجدِّد للعودة إلى أمجاد دولة الخلافة يقودنا إلى مقاربة ذلك التشابه بين الرئيس التركي الحالي الذي يراه الكثير من المسلمين جديراً بأن يكون السلطان العثماني في العصر الراهن، وبين سمات بعض السلاطين العثمانيين.
إذ ثمة مشتركات بين السلطان العثماني ياووز سليم الذي كان أوّل من حمل لقب "أمير المؤمنين" من آل عثمان، والذي حكم الدولة العثمانية من سنة 1512 حتى سنة 1520؛* وكذلك السلطان محمد الأول الذي أعاد حسب المرويات الأمن والاستقرار للدولة العثمانية بعد أن دمرها تيمور لنك، وفي عهده تم إعادة بناء الدولة، وتوطيد أركانها، حتى اعتبره بعض المؤرخين المؤسس الثاني للدولة العثمانية؛ وبين رجب طيب أردوغان الذي يتشوّق محبوه لرؤيته سلطاناً ومن ثم تتوّج أمانيهم بعدئذٍ في الخلاص من تبعات اتفاقية لوزان واستعادة ورثة الدولة العثمانية للحقوق التي اغتصبتها دول الحلفاء.
حيث ترى تركيا بأن نصوص الاتفاقية كانت مجحفة بحقوقها؟ لأنه بناءً على معاهدة لوزان 1923، والتي تم إبرامها مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، (بريطانيا، وإيرلندا، وفرنسا، وروسيا، وايطاليا) وقد وضعت بريطانيا حينها عدة شروط مجحفة ومؤلمة بحق الدولة العثمانية، إذ تم بموجبها إلغاء الخلافة، ونفي الخليفة وأسرته خارج تركيا، ومصادرة جميع أمواله، وإعلان علمانية الدولة، ومنع تركيا من التنقيب عن البترول واعتبار مضيق البسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ثم إلى البحر المتوسط ممراً دولياً لا يحق لتركيا تحصيل الرسوم من السفن المارة فيه؛ ولكن وفق الشائعات التي يتداولها قطاع لا بأس به من محبي الرئيس التركي الحالي أنه بحلول 2023 ستنتهي مدة المعاهدة التي يكون قد مر عليها مائة عام، علماً أن أهل الاختصاص يرون ذلك أشبه بالمعجزة التي لن تحدث إلاَّ إذا استطاعت تركيا تحدي المجتمع الغربي والدخول مجدداً في حالة الحرب مع الدول الغربية، حتى تنتهي عندئذٍ مفعول الاتفاقيات الخانقة لتركيا منها لوزان وكذلك اتفاقية مونترو.
وبعد عرض بعض المعلومات عن الاتفاقيات التي من الصعب التخلص من تبعاتها ما لم تظهر أسباب عظيمة أخرى تنهي مفعولها، نعود الى التشابه بين الرئيس الحالي وبين السلطان ياووز سليم الذي عُرف بولائه لعادات وتقاليد جنود الإنكشارية، لذلك لم يطلق لحيته بخلاف باقي السلاطين العثمانيين، ولم يكن محباً للنوم، حيث قيل أنه كان ينام من 3-4 ساعات فقط يومياً، ويقضي معظم وقت فراغه في قراءة الكتب، وبين سمات الرئيس الحالي التي تحدث عنها جاهد طوز مستشار رئاسة الوزراء التركية، ومنسق الشؤون الخارجية  لحزب العدالة والتنمية في محاضرة له في أكاديمية العلاقات الدولية (إيرا) بتاريخ 30 حزيران 2018 في مدينة استنبول، قائلاً:  بأن الرئيس أردوغان  ينام أقل من 4 ساعات في اليوم؛ كما أنه لا يطلق لحيته مثلما كان عليه حال السلطان ياووز سليم، ويميل كالسلطان إلى الجنود وحيث تتكرر زياراته إلى الجبهات ويبدو في كامل انشراحه حين ارتدائه البزة العسكرية؛ وكذلك إلى تمتع تركيا بالاستقرار والازدهار الاقتصادي واستتباب الأمن في عهده كما كان الحال عليه أوان حكم السلطان محمد الأوّل.
 أما بخصوص هواية القراءة والمواظبة عليها كما كان يفعل السلطان ياووز، فقد أكد أردوغان بنفسه في مقابلة أجراها معه تركي الدخيل، في قناة العربية السعودية، بما معناه أنه لا يمكن أن يكف عن القراءة في السياسة، مشيراً إلى أن لديه فريق عمل متكامل يقدم له ملخصات عن بعض الكتب، وهو  يواصل القراءة فيها.
عموماً فالذي دعانا إلى المقارنة بين الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان وبين بعض السلاطين العثمانيين، هو أولاً للتقاطع الكبير بينه وبين السلطانين الذين جئنا على ذكرهم أعلاه، وثانياً ووفق المرويات أن السلاطين العثمانيين كانوا يوفون بوعودهم ولا ينقضون العهود التي كانوا يقطعوها على أنفسهم أمام الملأ، لذا نتساءل فهل سيكون الرئيس الحالي فعلاً سليل السلاطين من تلك الناحية؟ وحيث كان طيب أردوغان قد ذكر في أكثر من مناسبة كما جدَّد قوله في كلمة له في العاشر من شهر آذار من العام الجاري في مدينة ماردين أمام أنصار حزبه، قائلاً: بأن هدفنا من عملية غصن الزيتون ليس الاستيلاء على الأراضي في عفرين، بل القضاء على الذين يعتدون علينا منها، وأضاف أردوغان: "سنسلم عفرين إلى أهلها الأصليين عند اكتمال سيطرتنا عليها".
ولكن إلى اليوم وقد مر على إزاحة سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي ووحداته العسكرية أكثر من ثلاثة أشهر، بينما الكثير من أبناء المنطقة محرومون من العودة إليها، وفوقها فإن الذين لم يغادروها مبعدون عن المناصب فيها وعن استلام زمام الأمور في عموم المنطقة، وحتى عملية اختيار المجالس المحلية التي تشكلت في تركيا، وكانت فعلاً تمثل أهل المنطقة باعتبار أنه لم يتم اختيار أي عضو فيها من خارج المنطقة، ولكن لا يزال حالهم كحال مقاتلٍ في الجبهة ولكنه منزوع السلاح، أو كحال جراحٍ بين مئات المرضى ولكن من دون وضع أصغر أدوات العمل بين يديه، بما أن المجالس منزوعة الصلاحيات تماماً في وقتٍ يسيطر فيه جهلة العسكر على كل المنطقة من أقصاها إلى أقصاها.
كما أن رئيس الجمهورية إلى الآن لم يفي بوعده الذي قطعه على نفسه في أكثر من مناسبة بخصوص تسليم المنطقة لأبنائها، والدليل أن من بين حوالي 600 شخص من حملة الإجازة في كلية الحقوق من أهالي منطقة عفرين، تم إلى تاريخ كتابة المقالة تعيين فقط 3 قضاة من أبناء المنطقة من أصل 20 قاضياً وهم المحامي عبد القادر عبد الرحمن والمحامي محمد عبد الرحمن، والمحامي أدهم شيخو، بينما جيء بالقضاة من محافظات أخرى كـ: دير الزور وإدلب وريف حلب وحماة!! وقبل أن يقول أحدهم بأن أبناء المنطقة لم يسجلوا أنفسهم أؤكد بأن أحد الاخوة المحامين في عفرين وهو عضو بالمجالس المحلية في المنطقة ومقيم في تركيا قد سلّم بنفسه للجهات المعنية بتركيا أسماء ما يقارب 40 محامياً من  أبناء عفرين، ولكن يبدو أن من نهلوا من مدرسة الفساد البعثي في سورية هم من عملوا عبر علاقاتهم الخاصة مع المخابرات التركية على إبعاد أبناء المنطقة والاتيان بأناس لا علاقة لهم بالمنطقة لا من قريب ولا من بعيد حتى يصبحوا مسؤولين فيها بدلاً عن أبنائها، وهو بصراحة ما لم تفعله دولة الخلافة العثمانية طوال حكمها، باعتبار أنها كانت حريصة على أن تكون المناطق مدارة من قبل أبنائها حصراً، وهنا نتساءل أليس لمن يريد إعادة ارث الدولة العثمانية أن يتقيد على الأقل ببعض أبرز قيم الحكم التي امتازت بها الدولة العثمانية طوال فترة حكمها؟.
 كما أن الجهات المسؤولة في تركيا كانت قد قالت للمشرفين على مؤتمر إنقاذ عفرين بأن الشرطة المحلية ستكون من أبناء المنطقة، بينما عملياً تم الخناق على شباب المنطقة، ولم يسمحوا إلاّ للقليل منهم بتسجيل أنفسهم في مدينة اعزاز وحتى داخل عفرين نفسها رغم الاعلان الصوري عن التسجيل لأكثر من مرة، فيما أرسلت الفصائل أسماء عناصرها ليصبحوا من الشرطة في عفرين بدلاً من أبناء المنطقة، وهو ما كان محط سخط عام في عموم المنطقة حيث قالوا كيف لمن ثبت بأنه نهب وسلب ممتلكات المئات من أبناء المنطقة ممن ينتمون إلى الفصائل المسلحة بأن يصبحوا من الشرطة المدنية والعسكرية فيها، قائلين كيف سيتم تطبيق القانون من قبل من كانوا من أبرز منتهكي القانون والخارجين عليه؟! علماً أن نسبة الكرد في منطقة عفرين هي أكثر من 90% ولا تحتاج عفرين في كل الاختصاصات العلمية والكوادر البشرية الفعالة لجلب الآخرين إليها، فأين هي إذن وعود الرئيس التركي في تسليم المنطقة الى أبنائها؟ 
وختاماً نقول فإذا كان ثمة من لم يكن ينفذ أوامر وتوصيات رئاسة الجمهورية في الفترة السابقة أي قبل أن يصبح نظام البلد رئاسياً، بسبب وجود كيانات وتيارات تناهض أوامر وتوجهات الحكومة في الفترة الماضية، فها هي الصلاحيات كلها بيد رئيس الدولة، فهل سيوفي الرئيس أردوغان بوعده فيما يتعلق بتسليم عفرين(كرداغ) لأصحابها؟ خصوصاً وأنه أوان الخلافة العثمانية التي يشبّهون الرئيس الحالي بأبرز سلاطينها، لم تكن الولايات تدار داخلياً إلاّ من قبل أناسها لا غير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع: 
*بدايةً أوجه شكري الخاص للاستاذ اسماعيل جوكتان، الذي أولاً يدفعني كل فترة إلى قراءة الجانب المضيء في الدولة العثمانية، وثانياً لأنه لفت نظري في اليومين الأخيرين إلى اتفاقية مونترو التي وقعت عام 1936 بمشاركة عدة دول من بينها الاتحاد السوفياتي وتركيا وبريطانيا وفرنسا واليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا واليابان وأستراليا.
*العثمانيون/ رجالهم العظام ومؤسساتهم الشامخة/ عثمان نوري طوباش/ دار الأرقم إستانبول 2013 م.
*ويكيبيديا.
*صفات غريبة قد لا تعرفها عن بعض سلاطين الدولة العثمانية (الجزء الثاني).
 https://goo.gl/pLUk9p 
*هل تستعيد تركيا امبراطوريتها بانتهاء معاهدة لوزان 2023.
http://rawabetcenter.com/archives/48046 
*أبرز صلاحيات الرئيس التركي بالدستور المعدّل.
https://goo.gl/H6Wwvd
*المقابلة الكاملة لأردوغان مع قناة العربية .
https://goo.gl/f6Zx7L
*السلطان "محمد الأول" خامس سلاطين الدولة العثمانية.
https://goo.gl/DLGsC3 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=23930