الشيطان والكُرد، أم الكرد والشيطان ؟
التاريخ: الأحد 04 شباط 2018
الموضوع: اخبار



 ابراهيم محمود

رغم كل ما يشار فيه إلى الكرد جهة حرْصهم على الإسلام، لأن نسبتهم الغالبة مسلمة، في الأدبيات العربية والتركية والفارسية تحديداً، إلا أن العلامة الفارقة التي تسِمهم هي أنهم تابعو الشيطان، أنهم كفرة، كما هو حال الشيطان الذي يعتبَر في الأساس كبير الملائكة، لكنه سيق كافراً لأنه، تبعاً للأدبيات الدينية، لم يسجد الشيطان لآدم رافضاً، كما تردَّد، الأمر الإلهي، وعرِف في الجانب الآخر الموحَّد الأكبر كونياً، كما تؤكّد هذه الحقيقة الأدبيات الصوفية المثلى" الحلاج- أحمد خاني...الخ ".
أن يكون الكرد من نسْل شيطاني، أو يكون الشيطان ممثّلاً للكرد، حقيقة معاشة في أذهان الذين يعتبرون كل تفكير كردي في الاستقلالية الذاتية والدعوة إلى مساواتهم بغيرهم من " أخوة الدين والإيمان: الإسلام بامتياز " !


علينا ألا نستغرب من تبيُّن رابطة كهذه، وإن نفى الكرد عن أنفسهم أي صلة لهم بالشيطان، وإن أبرز الكرد بأنفسهم وعبر آلاف مؤلفة من الوثائق والوقائع التي تؤكد إخلاصهم للإسلام ربما أكثر بكثير من " أولي أمره " تاريخياً.
إن نظرة موجزة إلى تاريخ الشيطان، وكما رسِم شيطاناً، تفصح عن الأدوار الكبرى التي يقوم بها:
فهو الحاضر في كل ما يقوم به المسلم في القول والفعل، جهة التعوذ منه، وهو المحفّز على فعل الخير في الجانب الآخر، وهو الدافع لأن يلتقي من يعتبرون أنفسهم معادين/ مخاصمين له إلى التوحد، وهو سرعان ما يتم تجسيده في أي شخص أو طرف أو حتى شعب من قبل آخر: إسلامي، خصوصاً، عندما يراد النيل منه، وربما كانت النسخة الكبرى فيما تفقَّه فيه " شيخ " المتشدقين بالإسلام: أردوغان، وهو ينبّه أتباعه ، وكما لجأ هو نفسه إلى ذلك بقراءة سورة " الفتح " القرآنية تمهيداً للحرب على عفرين بلد الكفرة، والإرهابيين، ولا بد أن هؤلاء كبار الكفرة وهم كرد، وقبله كان هناك الدواعش، ومن مع الدواعش، أي إن رصيد الكرد من النسَب الشيطاني لا يوازيه رصيد آخر في العالم بالمفهوم الحسابي تاريخياً.
الشيطان الحاضر أبداً في الذهنية المسلمة وفي الذين يتحكمون بالكرد تحديداً، يستدعي عنف المأثور السياسي الموجه إلى خصوم السلطة الحاكمة بالدين، ولأن هذا التفعيل الذرائعي يغذي العواطف " التدينية " سريعاً، ويجيّشها، ولعل الكرد هم أكثر عرضة لهذا التوجه، وربما لم ينفع الكرد تاريخياً، وإلى اللحظة، كل ما قدَّموه باسم الإسلام وللإسلام، ولن تنفعهم مئات الجوامع المشيَّدة كما الحال في إقليم كردستان العراق، وغيره لتغيير الصورة، ولا كل الأسماء الحسنى لله التي يشتهَر بها الكرد في أجدادهم وآبائهم وأبنائهم وأحفادهم، أو تحميهم من التنسيب إلى الشيطان، وفي بعض الجرعات المضافة يكون الشيطان ذاته كردي الأصل كما يظهر.
إذ حتى لو طلب الكرد المغفرة من أولي أمرهم في الدول التي تتقاسمهم، فإن الشبهة الشيطانية لن تفارقهم، لأنها تطالهم فور تصرف أي منهم بما هو مخالف لما هو قائم، وهم بذلك يؤكدون تلك الصفة" القدرية " التي يعتبرها " أخوتهم " في الدين من عرب وفرس وترك ملازمة لهم، ولا فكاك منها، ولعلها تفصح عن حقيقة أخرى، ربما وجب توضيحها وإنارتها وهي أنه فيما لو أنصِف الكرد وأعطِوا براءة الذمة، وأصبحوا كغيرهم من عباد " الرحمن " فإن ناموس الكون نفسه سيتغير كلياً، أن ما بني عليه الإسلام نفسه سيتغير كلياً، أن المسلمين أنفسهم لن يظلوا في إيمانهم المعهود كما هم، رغم كل الاعتراف هنا وهناك أن الكرد هم خلْق الله أيضاً، كما هو المعرَّف به في الشيطان.
بالتالي، يظهر أن ما نشهد في عفرين وسواها، وفي مواجهة الكرد ليس أكثر من تصعيد من نوع آخر ضد شيطان يطالب بحقه في البقاء وعن أنه ليس كما ينظَر إليه، أي بوصفه موحّد الله الأزلي، وهذا ما يغيظ لاعنيه، راجميه، والمتعوذين منه، ويخيفهم في آن، لأن مجرد الاعتراف به/ بهم، يعني انهيار الوهم المضخَّم في نفوسهم وهو أنهم تاريخياً كانوا من كبار المساهمين في الإخلال بمفهوم التوحيد الإلهي .

هنا أذكر بقصة الكاتب المصري الكبير توفيق الحكيم 1898-1987 " إني شهيد "، وهي التي ذاع صيتها عند كتابتها وفحواها 
"أن الشيطان ذهب إلى أحد مشايخ الأزهر الشريف كي يتوب على يديه من أفعاله الشريرة فدار بينهما الحوار التالي:
شيخ الأزهر: إيمان الشيطان عمل طيب ولكن...
إبليس: ماذا؟ أليس من حق الناس أن يدخلوا في دين الله أفواجا؟.... أريد أن أدخل في دينه خالصا مخلصا، وأن أسلم ويحسن إسلامي.
وتأمل شيخ الأزهر العواقب لو أسلم الشيطان، فكيف يتلى القرآن؟ هل يمضى الناس في قولهم "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ ولو تقرر إلغاء ذلك ذلك لأستتبع الأمر إلغاء أكثر آيات القرآن.. فكيف يستطيع شيخ الأزهر أن يقبل إسلام الشيطان دون أن يمس بذلك كيان الإسلام كله.
رفع شيخ الأزهر رأسه ونظر إلى إبليس قائلا:
أنك جئتني في أمر لا قبل لى به... هذا شيء فوق سلطتي، وأعلى من قدري ولست بالجهة التي تتجه إليها في هذا الشأن.
إبليس: إلى من أتجه إذن؟ ألستم رؤساء الدين؟ كيف أصل إلى الله إذن؟ أليس يفعل ذلك كل من أراد الدنو من الله؟
ولكن إبليس لم يستسلم لرفض شيخ الأزهر توبته، فصعد إلى السماء وطلب منجبريل عليه السلام التوسط عند ربه لقبول توبته فيقول له جبريل:
نعم. ولكن زوالك من الأرض يزيل الأركان ويزلزل الجدران، فلا معنى للفضيلة بغير وجود الرذيلة.. ولا للطيب بغير الخبيث.. ولا للنور بغير ظلام.. بل أن الناس لا يرون نور الله إلا من خلال ظلامك.
فقال إبليس: وجودي ضروري لوجود الخير ذاته، نفسي المعتمة يجب أن تظل كذلك لتعكس نور الله، سأرضى بنصيبي الممقوت من أجل بقاء الخير ومن أجل صفاء الله.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ولكن هل النقمة لاحقة بي واللعنة لاصقة بأسمى على الرغم مما يسكن قلبي من حسن النية ونبيل الطوية؟
جبريل: نعم يجب أن تظل ملعونا إلى آخر الزمان... إذا زالت اللعنة عنك زال كل شيء وبكى إبليس وترك السماء مذعنًا وهبط الأرض مستسلمًا، ولكن زفرة مكتومة انطلقت من صدره، وهو يخترق الفضاء رددت صداها النجوم والأجرام في عين الوقت، كأنها اجتمعت كلها لتلفظ تلك الصرخة الدامية. أنى شهيد... أنى شهيد" .
دهوك- 4-2/ 2018 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=23327