الكُرد السوريين بين العدوانين؛ الداخلي والخارجي
التاريخ: الخميس 01 شباط 2018
الموضوع: اخبار



حسين جلبي

الحرب شئ سئ. لا يمكن للكلمات والصور أن تحيط بكل تفاصيل ذلك الوحش الأزلي الذي يلتهم الحياة، وتعبر عن كل سيئاته. والحروب متشابهة، المعتدون من نسل واحد وكذلك الضحايا؛ عابرون مثلهم للزمان والمكان؛ رغم إختلاف تفاصيل الهويات وربما تناقضها. بهذا الخصوص، لا تختلف صور الكُرد الذين أُصيبوا خلال الهجوم التركي الحالي على مدينة عفرين الكُردية، عن صور الكُرد الذين سقطوا بسلاح حزب العمال الكُردستاني خلال السنوات الماضية في المدينة نفسها، و في غيرها من المناطق الكُردية السورية. فالصور "الحقيقة" للضحايا التي خرجت من عفرين مؤخراً، على الدرجة ذاتها من الألم؛ مقارنةً مع صورة كبير عائلة شيخ حنان وإبنه، اللذين كانا من بين ضحايا مجزرة نفذها حزب العمال الكُردستاني في مدينة عفرين قبل أكثر من خمس سنوات، من بين عدد من المجازر التي نفذها الحزب، حيث ظهرت جثتي الرجلين المشوهتين؛ ملقيتان في ساحة مشفى ديرسم وسط المدينة؛ بشكلٍ لا يخفي مقدار "إبداع الحزب الكُردستاني وتفننه" في الإساءة لضحاياه، والإنتقام منهم من خلال التمثيل بجثثهم.


ولعل الفارق بين الواقعتين المذكورتين أعلاه؛ هو في كون الرصاص المستخدم خلال الهجوم الحالي على عفرين تركي خالص، في حين أن ذاك الذي استخدمه العمال الكردستاني ضد ضحاياه من المدينة نفسها كان رصاصاً كُردياً، أو هكذا يُفترض. لكن العدوان التركي يعطي ضحاياه اليوم حق الصراخ، وقد وجدوا من يروج صورهم، ويتضامن معهم وإن عن بعد. أما "الحزب الكُردي"، فلم يمنح ضحاياه الكُرد يومها مثل هذه "الرفاهية"، فقد منع المواطنين من الإقتراب من الجثث، ومنع ذويهم من دفنهم إلا بعد مدة طويلة من عرضها؛ إمعاناً في الدرس الملقى على أسماع الكُرد وأبصارهم، وعاقب كل من تعاطف معهم، حيث شمل التنكيل الذي لحق بالعائلة؛ والنهب والدمار والحرائق التي لحقت بممتلكاتها؛ كل من شك الحزب بوجود صلة له بها أو بتعاطفه معها، هذا قبل أن تُقتلع عائلة الشيخ حنان من جذورها، وينفيها الكُردستاني إلى خارج البلاد، وهو ما يبدو بأن أردوغان بصدد القيام به بحق أهل عفرين على نطاق واسع، بحيث يشمل ذلك الجلادين أيضاً، الذين ربما لم يُدركوا بعد؛ بأنهم "أُكلوا يوم أَكلوا الثور الأبيض".
أصبح الكُرد السوريون حالياً بين مطرقة العدو الخارجي وسندان العدو الداخلي. أصبحت مناطقهم ساحة لتصفية الحسابات بين الطرفين اللدودين، اللذين يشبهان بعضهما كثيراً؛ لدرجة اتفاقهما على العداء للقومية الكُردية، ومحاربة كل محاولة لإقامة كيان كُردي في أي مكان من العالم، حسب تصريحات منقولة عنهما. الحقيقة هي أن العقلية التركية هي التي تحارب الكُرد في سوريا منذ سبع سنوات وأكثر، فحزب العمال الكُردستاني حزب تركي؛ ولد من رحم العمل العنفي وعدم الاستقرار في تركيا وتطبع بشروطه، وقد نقل تجربة العنف التي شهدتها البلاد خلال تاريخها القريب بشكل خاص، وطبقها على الكُرد المسالمين في سوريا، حتى كانت نتيجة سبع سنوات من القمع الذي مارسه؛ ومن عمليات القتل والإغتيال، ومن الخطف والإخفاء، ومن التجنيد القسري والنهب المنظم، وكذلك الإعتداء المستمر على الحركة الحزبية الكُردية؛ مقتل واختفاء الآلاف، إن لم يكن عشرات الآلاف من الكُرد السوريين، وهجرة ما لا يقل عن مليون كُردي سوري من منطقتهم فراراً من اعتداءاته، لتأتي تركيا بنفسها وتلحق بحزبها، وتبدأ من جهتها محاولة لإنهاء ما بدأه، بعد أن هيأ لها الساحة، التي أصبحت بالنتيجة بين خيارات قسرية مرة.
مرت عشرة أيام على الحرب التركية على عفرين، استخدم خلالها حزب العمال الكُردستاني الذي فوجئ بالهجوم؛ سياسة التعالي على الجراح، وإنكار وقوع خسائر كبيرة في صفوف مسلحيه، في محاولة منه للقول بأن: تخلي "حلفائه" عنه؛ لم يغير كثيراً في ميزان القوة على الأرض، وبأن الكلمة الأخيرة في الميدان بقيت له وحده. أما الأتراك؛ فقد اختاروا من جهتهم اللجوء إلى القصف الجوي؛ الذي طالما قلب المعادلات في سوريا عقباً على رأس، واتبعوا تكتيك خوض المعارك في الأطراف، مع التقدم البطئ تجاه المناطق المأهولة، في محاولة لإظهار أنفسهم بمظهر الحريص على المدنيين، وذلك في سعي لإمتصاص ردود الأفعال الدولية وضبطها، وعندما تصبح المعركة منسية، وتصبح بذلك فصلاً من فصول الحرب "ألروتينية" السورية؛ التي يكاد العالم يتذكرها رغم فاتورتها اليومية الثقيلة، لن يتورعوا عن تسريع وتيرة القتال؛ مع الإشارة هنا إلى أن تركيا تستخدم فصائل سورية موالية في العمليات البرية، والتقدم بعد كل قصف جوي ينفذه طيرانها، مثلما كان التحالف الدولي وروسيا يستخدمان وحدات حماية الشعب وقسد؛ التابعتين لحزب العمال الكُردستاني في وضع اليد على الأرض، بعد القصف الجوي الذي ينفذانه في غير مكان في سوريا.
يحاول حزب العمال الكُردستاني الإستفادة من الهجوم التركي لحشد جميع الكُرد خلفه، وذلك من خلال تفسيرٍ الانتصار الكُردي لمدينة عفرين وكأنه انخراطٌ في صفوفه، وكان من مظاهر ذلك خوض الاحتجاجات في أوربا بصور زعيمه أوجلان وشعاراته، إلا أنه تم منع أكبر تجمع في مدينة كولن الألمانية بسبب ذلك؛ الأمر الذي أضر بمقاومة المدينة ولم يفد الحزب بالنتيجة. كما يتعكز الحزب من جهة أُخرى على صور الضحايا المدنيين، من خلال إظهار الهجوم التركي مستهدفاً لهم لوحدهم، الأمر الذي يثير السؤال عن قدرته على حماية المدينة والمدنيين، خاصة بعد المبالغة في إنكار وقوع خسائر في صفوف مسلحيه، وهو إدعاء لا يقلل من الخسارة الثقيلة، لكنه يظهره بمظهر من يلجأ إلى التخفي، في الوقت الذي يترك فيه المدنيين يواجهون قدرهم لوحدهم. لقد بدأ الهجوم التركي على عفرين، واستمر بذريعة وجود حزب العمال الكُردستاني في المنطقة، الأمر الذي لا ينكره الحزب، إلا أن للهجوم التركي أهداف أبعد من ذلك بالتأكيد، لعل منها منع كُرد سوريا من التعبير عن هويتهم القومية، لكن الأمر بمجمله يجعل الطرفين بالمحصلة في موقع من يتبادل الحجج لاستمرار القتال في المنطقة، الذي سيكلف مثل كل الحروب؛ أهلها قتلاً ودماراً.  
قصارى القول، يتساوى حزب العمال الكُردستاني مع الجيش التركي في المسؤولية عن كل ما يلحق بالكُرد السوريين ومدنهم. في هذا السياق؛ يتساوى الطرفين في المسؤولية الجنائية والأخلاقية؛ الناجمة عن جريمة التنكيل بجثة مقاتلة كُردية قُتلت في معركة عفرين، لا بل أن مسؤولية الحزب الكُردستاني سابقة على مسؤولية الأتراك وأكبر منها، ذلك أنه خبِر وحشيتهم ويعرف عنها الكثير كما يقول، ومع ذلك لا يتورع عن تجنيد الفتيات الكُرديات البريئات ويرسلهن لمواجهتهم، الأمر الذي يتوقع معه حصول ما حصل اليوم وأكثر، أم أن الحروب التي خاضها معهم حتى الآن كانت مجرد صور دعائية وقطف ورود وابتسامات فحسب، حسبما أراد أن يوحي من خلال الصور التي نشرها دوماً. 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=23320