كوردستان العراق... برلمان صامت... و حكومة منتفخة!
التاريخ: الثلاثاء 17 تموز 2007
الموضوع: اخبار



فوزي الاتروشي

   البرلمان كلمة فرنسية وتعني ببساطة المحادثة و التحاور و نقل أفكار و مشاعر المواطنين لغربلتها و استخراج الآراء بشأنها، و الاختلاف في الرأي و التباين في طرح الأمور من وجهات نظر متباينة هو جوهر وجود البرلمانات، و إلا انتفت الحاجة إليها، فالبرلمان هو الحاضنة التي تهيء البيئة لتبلور القرار من الأسفل و إقراره من الأعلى و ليس العكس أي تبلوره و صياغته و إقراره من الأعلى واملائه على الشارع و الجمهور المتلقي.


   واذا كان البرلمان البريطاني هو الأعرف و الأقدم و المهد الذي نشأ و تربَّى فيه الاسلوب البرلماني في الحكم، فان الثورة الفرنسية عمَّقت المفهوم و وسَّعت خطوط الاختلاف الحضاري اللاتناحري بين الكتل البرلمانية، وفي أول اجتماع للجمعية الوطنية الفرنسية بعد انبثاق الثورة في 1798 جلس الراديكاليون المجددون في يسار القاعة، و احتلَّ المحافظون يمينها و منذ ذلك الحين نشأ مصطلحا اليمين و اليسار ليشير الى قوى اجتماعية لايخلو منها اي مجتمع على وجه الارض، و لحسن الصدف فان اصطفاف الكتلتين في مكانين مختلفين من القاعة شكل اشارة فلسفية، الى معنى و مغزى ووظيفة البرلمان في كل مكان و زمان.
   فاذا اتَّحدت الآراء مثل الزي الموحَّد شكلاً و تصميماً و لوناً فالافضل غلق البرلمان او تحويله الى دائرة رسمية روتينية. و حال برلمان كوردستان مثير للشجون و مهيَّج لمرارة لا تخطوها العيون، و تقاسيم وجهه و تفاصيل عمله و آليات جلساته النقاشية تبعث على الملل و التثاؤب.
   ان برلمان كوردستان العراق اما يستنكر بالاجماع او يوافق بالاجماع، على قرار او ظاهرة او موقف، في حين يفترض ان توجد بين الـ(111) برلمانياً حزمة كبيرة و ملونة من الأفكار و الاقتراحات وان يكون لكل عضو طريقة تفكير مميزة و طبعات أصابع تختلف في الخطوط و الالتواءات و الانحناءات، و قد تلتقي مع الآخر و لكن ليس دائماً وقد تختلف عنه ولكن ليس دائماً ايضاً، فالمهم هو التنويع وعدم تسمُّر الغالبية العظمى من الاعضاء في المنطقة الرمادية فلا ميل الى الاسود، و لا جنوح الى الابيض. و التعلل هنا بعامل الخوف و الرهبة و الفزع من نشر الغسيل و بسط الحقائق الكبيرة الموجودة بجلاء في الشارع الكوردستاني، و التعتيم عليها و التغطية على روائحها بحجة صيانة سمعة التجربة الكوردية، امر غير مبرر اطلاقاً، لان ذلك يخلق –وقد خلق فعلاً- فجوة بين المواطن و حاجاته وبين مرجعيتيه وهما البرلمان و الحكومة الاقليميين.
   بالتأكيد لا أحد ينكر ضرورة وقوف البرلمانين كجدار سميك ضد التهديدات التركية و التدخلات الايرانية، و أهمية المناداة بصوت موحد لحل كل استحقاقات الاقليم تجاه الحكومة العراقية في بغداد، فهذه ثوابت وطنية و مفاصل محورية وكل انسان كوردستاني هو صوت اضافي بهذا الاتجاه. ولكن ان يصطفَّ البرلمانيون و يتلاحموا و معهم فريق الوزراء البالغ (42) وزيراً في كل شيء و دائماً و لا سيما حين يتعلق الأمر بمطالب اجتماعية و حياتية و حقوقية ملحَّة و بمرافق خدمية ينتظرها المواطن الكوردستاني على أحرّ من الجمر، فان ذلك غير مفهوم واذا فهم فهو غير مألوف لانه ببساطة غير مقبول. فهذا يفرز طلاقاً بائناً بين المواطن العادي و جهازيه التشريعي و التنفيذي، ويصبح المواطن في واد و الاجهزة في واد و يتوازيان و الخطان المتوازيان لا يلتقيان مهما امتدَّا.
   ولكي لا نصل الى هذه النقطة الحرجة، ولكي تكون جلسات البرلمان ملتهبة و ساخنة و حافلة بالمفاجآت و بأفكار عصرية تحمل نكهة الخبز الحار الخارج توَّاً من الفرن، نقول ان البرلمان و لجانه المختصة يتحتَّم ان تتحول الى مطبخ لانضاج القرارات، و القرارات بمادتها الأولية الخام ليست سوى أفكار و حاجات و متطلبات و نواقص و سلبيات و ايجابيات و أمنيات و آمال و آلام المواطنين وظاهرة اجتماعية و اقتصادية يجري بثها في الاعلام و في قنوات مختلف قوى الضغط الاجتماعية لتصل الى البرلمان كمخزون معلوماتي و خلفيات تتبلور و تصاغ على هيئة قواعد قانونية تعرض على رئاسة الاقليم، وهنا فقط تتجلى ديناميكية البرلمان و فعاليته. و لايجوز الادعاء بان التحالف الكبير بين الحزبين الكورديين الكبيرين في الاقليم هو الذي خلق هذا المشهد القاتم و الجامد في البرلمان، فالتحالفات الكبيرة موجودة في برلمانات عديدة في العالم في فترات محددة و مؤقتة لظروف معينة، ولكن ذلك لا يمنع ان تختلف كتلة كبيرة عن الكتلة الكبيرة الأخرى ليس باللون و الشعار، و إنما بآليات العمل و طرائق التفكير فيما يخص المسائل غير المصيرية و غير الكبرى، فلا يعقل ان يتوحد الجميع حول كيفية بناء مؤسسة او تبليط شارع او طريقة توزيع شقق سكنية او سلفة الزواج للشباب. واذا كان الاختلاف الحضاري الايجابي التقدمي ممكناً بين كتلتين دون ان يفسد للود قضية و دون ان يمزق عبارة التحالف، فان تعارض رأي برلماني مع زملائه في الكتلة ذاتها هو الآخر ممكن و واجب احياناً وجزء من سنة الحياة، فالاعضاء ليسوا كلهم من خلفية ثقافية و اجتماعية و وظيفية و مهنية و علمية واحدة، فان لم يختلف شيء –وذلك مستحيل- فان جغرافيا مكان الاقامة في الاقليم تختلف ولكن مدينة رغباتها و سكانها و تطلعاتها و مشاكلها و مشاغلها التي تختلف عن المدن الاخرى.
   اما النساء من اعضاء البرلمان الكوردستاني وعددهنَّ (24) فلا احد يشعر بوجودهنَّ الديكوري، وربما كانت هيمنة الرجولة و الذكورة الكوردية الطاغية في كل مكان احد الاسباب و ليس كلها فثمة علة أخرى هي ان عضوات البرلمان يتصرَّفن مثل "ربات البيوت" الصامتات صمت القبور حتى في الامور التي تخصهنَّ كأنثى، و لا تعلو أصواتهن إلا حين تتكلم منظمات دولية نسوية و حقوقية و تنتشر احصاءاتها و بياناتها حول واقع حال المرأة الكوردية في كوردستان العراق حيث بلغ العنف المنزلي و القتل لدواعي الشرف أوجَّه.
   وحال وزراء الاقليم الذين يمكن تشكيل اربع فرق لكرة القدم منهم لا يتميز عن اعضاء البرلمان الكوردستاني، فالوزراء متوزعون على الصحف و المجلات و قنوات التلفزة –و ما أكثرها في الاقليم- و احدهم يستنسخ الآخر في التكلم عن القضايا  الكبيرة ة و الاستراتيجية و الأمن القومي و قراءة سلسلة المشاريع التنموية التي سوف –لاحظ سوف- تنفذ و لا ينسون ربطة العنق الأنيقة و البدلة الداكنة كعلاقة فارقة و ماركة مسجلة تميزهم عن المواطن العادي الفقير. وكما أسلفنا فحديثهم عن مصير الوطن و القضية الكبرى، و القليل منهم يتذكر انه عضو في جهاز تنفيذي مكلف بمفصل واحد من مفاصل الحياة، اما القرارات الحاسمة و السياسة العليا فلها جهازها المكلف بها. ثم ان الوزير –وهذه صفة لا تنطبق على الكثير منهم- ينسى ان التفاصيل الصغيرة و الشؤون الدقيقة في حياة المواطن حين تكبر و تتدحرج مثل كرة الثلج تصبح تلقائياً قضايا كبيرة، فأية كمية من الماء الصالح للشرب تعني المزيد من الصحة للمواطن، واية ساعة زيادة من الطاقة الكهربائية تعني المزيد من العمل و الراحة و الانتاج في بلد حرَّه لاهب و شمسه حارقة، و اية شبكة مواصلات ولو متواضعة جداً تعني زيادة في الحركة و الحركة بركة كما يقال، و اية حملة رقابة على المطاعم في الاقليم وهي الأقذر في العالم، ناهيك عن الغلاء، سوف تعني لدى المواطن ان وزارة الصحة العتيدة بدأت تشعر ان التغذية الصحية أساس بناء الانسان السوي، فالعقل السليم في الجسم السليم. ولا أكتم سراً وانا دائم التجوال في مختلف بقاع العالم بحكم العمل، انني لم أعثر في أبعد قرية او مدينة في امريكا اللاتينية على مستشفيات و مطاعم و فنادق أكثر بعد عن الشروط الصحية كما هو الحال في كوردستان العراق، ولو قلت ان وزارة العمل و الشؤون الاجتماعية و نقابة عمال كوردستان لا يعيران اقلَّ الاهتمام للعمال و لا يعالجون وضعهم المعيشي و الحقوقي المزري وغير المحكوم بأي قانون، إلا قانون رب العمل الظالم، فان ذلك يصيب كبد الحقيقة.
   اما غلاء المعيشة فانني أعجز عن وصفه لان سنُّ القلم قد يخرج من بين اصابعي غضباً، بل ان أصابعي نفسها قد يشبُّ فيها حريق الامتعاض، فما بال المواطن القاطن في الاقليم و الذي عليه إحراق النهار و إهدار الليل في البحث عن المحروقات و المأكل و الملبس براتب يكفي بالكاد لتغطية ايجار السكن فقط. اما الكماليات فانها متوفرة في اربيل – عفواً دبي الثانية وهو اسمها لدى نخبة من الوزراء!!- ولكن بينها و بين المواطن العادي جفاء و عداء و خصام بلا وئام و فراق بلا وصال. ليت بعض المسؤولين عندنا يفهمون ان الالقاب  منها لقب الدكتور المختلف و المناصب و المواقع الوظيفية ديدنها انها مؤقتة وموسمية، و اعرف بعض المسؤولين في كوردستان أُقيلوا عن الخدمة ولم تعد سوى عائلته تتذكر انه كان مسؤولاً ذات يوم، وعلة ذلك ان هذا المسؤول سابقاً اقتنص الفرصة و افترس الغنيمة قبل حلول أوان الهزيمة ولم يدرك بمستواه العقلي و الثقافي و السياسي المتدنِّي للغاية ان العطاء و الانجاز و خدمة المواطن أولاً و أخيراً هو أعظم و أكبر و أخلد الألقاب. ان المواطنين العاديين و المثقفين و المبدعين هم وقود الثورة الكوردية وهم ابطال انتفاضة ربيع عام 1991 وهم الركن الذي لا بديل عنه للشرعية، ولولاهم لما استقر الوضع الامني و السياسي في الاقليم، فعيونهم الساهرة أكبر و أوسع و أكثر من عيون أي جهاز للشرطة و الأمن، وهذه العيون هي وزارة الداخلية الحقيقية في الاقليم، مع تقديري الفائق لكل الاجهزة العاملة على ترسيخ الأمن و الاستقرار في كوردستان العراق.
   ولذا فان هذا المواطن يستحق ان نصارحه بان ثمة فساد اداري و مال و ثمة فجوة كبيرة في العمل و شرخاً واسعاً في الاداء قبل ان تحلَّ الفاجعة و يحلُّ في كوردستان العراق ما حلَّ في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية.
   اننا اذ نسجِّل هذه الحقائق مقدماً و اليوم وليس غداً، فان منطلقنا هو إننا حشد المناضلين و السياسيين و المثقفين لم نترك فسحة من العمر إلا و كرسناها للثورة الكوردية التي هي رافد أساسي للثورة العالمية، ولم نترك شمعة واحدة من شموع أعوامنا إلا و أحرقناها في طريق دحر الظلام عن طريق هذه الثورة التي كانت خضراء و لابد ان تبقى خضراء باسقة، ان الواجب يقتضي ان نقول اليوم كل شيء فلو قلنا غداً سيكون خطاب رثاء لا معنى له و سنندم ولان ساعة الندم مندمِ.
   ان التجربة الكوردية في الادارة بلغت (15) ربيعاً و يفترض ان عودها اشتدَّ لتخرج من اطار التجريب و الاختبار الى الوقوف على القدمين، وبعد (3) سنوات تبلغ سن الرشد وهو (18) عاماً أطال الله عمرها، واذ نريدها ناضجة و راشدة و نموذجية و منتجة و جميلة التقاسيم و حائزة على رضا المواطن و العالم و قادرة على منح اكبر سلّة حقوق للانسان في اقليم كوردستان العراق، لذلك نرفع الغطاء و لا نترك شيئاً في الخفاء.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2306