في ظل الجغرافيا المكتومة
التاريخ: السبت 14 تموز 2007
الموضوع: اخبار



 ابراهيم محمود

ما يجري راهناً من أحاديث وتعليقات وكذلك ردود أفعال، بصدد سعي الدولة في سوريا إلى إسكان عائلات عربية، مستقدمة من جنوب الحسكة، وإسكانها في ديريك، ليس بالأمر الجديد، إن إجراء كهذا،كان يترافق مع اللحظة الأولى، التي تم فيها التفكيرعلى أن سوريا عربية: قحطانية وليس حتى عدنانية، نظراً للفارق النسبي، كما هي تسميات ( القحطانية، الجوادية، المالكية، اليعربية ....تباعاً)


، وأن كل من يقيم فيها عربي عربي ، مع فارق التفرقة اليومية والقانونية الخاصة، بين الذي يكون حاملاً للجنسية باعتباره عربياً، بحكم الانتماء الحدودي الشكلي، والذي يحمل الجنسية، حيث يكون عربياً، بحكم الانتماء الإثني المدروس، وأن كل ما فيها عربي، على طريقة ( الأرض تتكلم عربي)، وكل خارج، محكوم بما يبقيه رهين الداخل، المتصرَّف به.
لا أظن أن السجالات تنفع، وحالات الطوارىء، والأحكام العرفية، تلغي أي اعتبار لحوار يمكن إشعار أي طرف أنه، محل اعتبار قيمي، إنساني، أن ثمة مرجعية أخلاقية احتكامية للتفريق.
إن الحجة الجغرافية لا تنفع، ففي الوقت الذي يقول ممثل النظام، أو من يمثله، على أن الكردي قادم من ( الخارج)، من تركيا، تكون الجغرافيا كشاهد عيان تاريخي، وفي عراء التاريخ المسيَّس، ضده، عند النظر في مفهوم الحدود وكيف تتشكل بسياسات القوة، كيف أن العربي ذاته، ومن خلال المقارنة،هو قادم، أو مستقدم، بدقة، من مسافة أبعد، وحيث يقول ممثل النظام، أو لسان حاله، على أن الدولة لها تقديراتها الخاصة، في التصرف بأراضيها، لا يعود للقانون الموسوم أي قيمة، لأنها تكون في الحالة هذه، دولة من نوع خاص، دولة بشر على آخرين، دولة تهدد مقيمين في أرضيهم، وتعتبرهم في حكم الهوام، لصالح من تصنفهم بشرها الاعتباريين.
وحين ينبري ممثل النظام، أو من ينوب منابه، على أنها ترعى المتضررين، بسبب إنشاء سد مائي ( كما الحال مع الطبقة سابقاً، وفي إثره : الشدادي، ولا ندري أي سد قادم سيكون، يعدم الجغرافيا لصالح تاريخ معدَم في أساسه القيمي، حيث السدود تتنوع هنا)، يكون منطقه سديداً، ولكن الحجة القيمية، تسقطها حجة المكان المأهول بالسكان، حين يتم تجاهلهم، وهم كرد في المجمل، كما كان الحال مع السابقين ممن يعرفون بـ( المغمورين) من العرب المستقدمين، رغم التعويضات المادية المقدمة لهم سلفاً، ضداً على المطمورين من الكرد.
هكذا التاريخ يتحرك من الجنوب إلى الشمال ضادياً، كما لو أن الشمال الكردي حمى بشر، يمكن تصريفهم، دون أي منغص، الشمال الكولونيالي حصيلةً، كما هو الشمال الآخر سياسياً!!!
إنها سياسة التعامل مع الجغرافيا المكتومة، كما يجري تكتيم أهليها الكرد بالدرجة الأولى، ليكون المستقدمَم بكامل الحفاوة، في بيته النموذجي المجهَّز، ومقداره الاستثنائي، ليكون ذلك الصاعقَ الإضافي لجعل المنطقة أكثر عرضة للتشطية والانفجار، كما لو أن السلطة القائمة، بكل طاقمها الأمني المستحدث، في أهلَّته العروبوية، وردائه البعثي، لا تبصر صورتها التاريخية، كما هو تاريخ أسلافها الضاديين، إلا بخلط الحابل بالنابل، أي من خلال المزيد من المشاكل، كما لو أنها تدرك تمام الإدراك، ومن خلال المعنيين بها، أن لا مجال لبقائها قوية، إلا بوضع حدود دولة غير مستقرة، حدود منهوبة بالقوة الخارجية، ومنكوبة داخلاً، على فوهة بركان من صنعها، حيث لا يكون وجود لشعب يمكن لعربيّه ذاته، أن يشعر براحة في المكان، مع مثيله، كونه المعرَّف به قبائلياً، طائفياً، مذهبياً، وجاهياً، فكيف به، وهو الموجَّه ضد الآخر، أو يصوَّر له الآخر: الكردي بداية، وقبل أي كان، على أنه الغريب عليه، غير المؤمَّن له، حتى لو أثبت التاريخ، أنه أكثر إخلاصاً لعموم الدولة، رغم تبغددها السلطوي الافتئاتي ، من خلال الإنتاج المادي والمعنوي، حتى في أكثر الجهات بعداً عن جغرافية الكردي، كما تقول الوقائع، أو إحداثيات الراهن بالذات مشرقاً ومغرباً، رغم كل الضيم الملحق به هنا وهناك.
ماذا يعني الحديث راهناً، عن جلب المزيد من العرب، وإسكانهم في أرض، هي في الأصل مقتطعة من آخرين، كرد في المجمل، وتفادي الاقتراب من ذوي الضاد، وثمة من يملكون المساحات الواسعة؟ هل لأن الدولة حقاً، تعتبر الكرد المجردين من القيمة الاعتبارية، البشرَ الذين يمكن ترقيمهم، أو تلغيمهم، أو تعديمهم، أو تهويمهم، أو تقويمهم، أو تعويمهم ( وبالإذن من أصحاب السجع السلطوي الضادي)، مثلما تجردهم بيسرٍ من الجنسية، مثلما تقصيهم على طريقتها القنصية من التاريخ، كما لو أن المكان والزمان ممنوحين إلهياً لها ضادياً، إلى أجل غير مسمى، وأنها تمتلك كل اللازم شرعياً، في تصريف أحوال هؤلاء البشر الأرضيين، إلى أكثر من مجهول، يمتع المعنيين بها، أم لأنها هكذا عوَّدت نفسها، ووفق منطق القوة أولاً وأخيراً؟
لكن متى القوة كانت مجردة من منطقها، ومحكومة برغبات موجهة فقط ؟
لا أظن أن المعنيين بما يجري، وكونهم أولي أمر سلطويين، ينهمّون بما يجري، وعلى أيديهم، كما تشهد أيديهم، وكما تشهد أرجلهم، وتقديراتهم السرية المعلنة، قبل العلنية الخجول، ومذ بُعثِنت السلطة، والدولة، والحكومة، والغابات، والصحارى، والجمادات، وكل الكائنات الحية، وعرّبت هذه بدورها، لجعل الأليف والمألوف علامة دولة ما بعد الأمنية، رغم أننا نعيش، ومنذ عقود زمنية، وراهناً أكثر، حالة اللا ألفة لما يجري، حتى داخل مقطورة السلطة العليا، ومن يمثلونها، وتفخيخاً للحدود، وبتراً لقوى، يؤسَف عليها قيمياً، وتوجهاً مضطرداً نحو هاوية تاريخ مرعبة، حيث الانتقال من كارثة لأخرى في كل مجال، يمكن التفكير فيه، أو التوقف عنده، وليس اللعب بالديموغرافيا إلا المدماك الأكثر خطورة، على أن الذي يجري، يحيل المعنيين بالدولة، وعلى أعلى المستويات،  إلى مجتمع ينبذ بعضه بعضاً، مجتمع انتحاري تاريخياً، ويكون الضحايا هم الأكثر تمثيلاً للدولة، بمعناها القيمي الاعتباري.
ثمة استهتار بالتاريخ والجغرافيا معاً، وهما وجهان لعملة واحدة، هي منطق الدولة القائمة:
استهتار بالتاريخ، من خلال تجاهل نكباته، والاتعاظ به، وهذا ليس تهديداً، وإنما بنيَّة الحفاظ على الدولة بالذات، ولكنها الدولة التي تتمثل بشعب موحَّد وجدانياً رغم تعدد ألسنه وثقافاته.
ثمة استهتار بالجغرافيا، وكما يجري الآن، ومنذ مدة، حيث لا يُنظَر في من عليها، وإنما في من يمكنه أن يكون عليها، لتكون هي عليه، وهو على من يكون عليها، ليكون هذا في نهاية الأمر اللغم الأرضي الذي يفجر من صار عليها، وإليها، ومن صار وصاية عليها، كما تقول وقائع التاريخ، والفتن السلطوية القريبة العهد، وهذا أيضاً، ليس تهديداً، لمن يبعثر ثرواتها ويشرذم من عليها ، وهم أهلوها، وإنما هو تذكير، بالجغرافيا بالذات، الجغرافيا الأرض التي ( لا تتكلم عربي)، وعلى طول خط التماس التاريخي، بقدر ما تتكلم ( كردي) أكثر بكثير بالمقارنة، كما تقول ذكريات المكان، وقبل مجيء " عياض بن غنم" على الأقل، إلى هذا المكان.
يمكن للمعنيين بالسلطة القائمة، وهي في مواجهة أكثر من تحد متعدد الأبعاد، أن ينبشوا في هذه المقالة، أن يهدروا كل قيمة فيها، أو يوجهوها صوب الأكثر عقلانية واعتباراً، في هذا الظرف الشديد الخطورة، ولا أظن السلطة مجردة من اللحم والدم، لتعتبر أنها المعنية فقط بما يجري، وإنما عموم السوريين، وما عدا ذلك، لا أظن أن اللحم الفاسد، وما أكثره، سيترك اللحم الحي المتبقي، وما أقله، في جسد السلطة المعتبرة، دون تفسيخه.
أما عن نفسي، فأنا لا أريد ذلك، ولكن منطق التاريخ مختلف، والنظر في الجغرافيا، واعتبارها عليمة، وليس كتيمة، بأهلها، وبما يجري، هو وجه من أوجه خلاص السلطة. هل هذا ممكن في ظل التردي السلطوي، الأمني، الدولتي، الحكومي...؟









أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2297