ريفراندوميّات
التاريخ: الأحد 24 ايلول 2017
الموضوع: اخبار



 ابراهيم محمود

-1 – 
يتحدث الكرد وغير الكرد في الإقليم، ولكل منهم رؤيته ذات الصلة بتوجهه السياسي والاعتقادي، عما يمكن أن يجري، ويعيشون زمناً رصاصياً، الكل يتحدث، والكل في صمت مريب، والكل ترقب وتوثب وتعجب من استمرارية الجاري، كما لو أن اليوم هو الأمس، وهو الأمس البعيد، وذاك ذاك الأبعد، فقد كانت عصبة الأمم عصابة أمم، واليوم " إجماع " الأمم المتحدة على منطقة " الشر " الكبرى: إقليم كردستان ممثّلا كردستانياً، كما يظهر، يترجم أمماً متوحدة، لا متحدة، دون اختلاف عن أختها الشريرة تلك " عصابة " أمم، وتداعيات: 
قتل امرئ في غابة     جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمــــن     مسألةٌ فيها نظر


-2-
إنه يوم وقْف الريفراندوم، هنا، ليس في إقليم كُردستان العراق وحده، بالنسبة للكرد فحسب وإنما خارجه كذلك، لأن هناك حدثاً يمثّل انعطافة تاريخية على الصعد كافة، ينفتح على الاحتمالات كافة، في منطقة تدرك من خلال مسلسل اللااستقرار الذي لا ينتهي أن الهزات الأرضية " السياسية " هي القاعدة، أن الحرب التي تتوالد هي معيار الحياة، وليس استتباب الأمن. وأن تسمع غير أن ترى، وأن ترى، هو أن تذهب إلى ما هو أبعد من صلاحيات الرؤية الحسية المباشرة، يعني أن تمتلك خبرة بتجويفات السياسة الدولية وأي منطقة تكون أكثر قابلية تعرض لها، كما هو الوضع الآن، حيث أرى وأتابع في الإقليم، من نقطة تواجدي/ إقامتي الدهوكية .
-2 –
يدرك أهل الإقليم: الكرد بامتياز أكثر بكثير من غيرهم، لأنهم أكثر بكثير من غيرهم يعيشون حروب الآخرين عليهم، فيهم، ، يدركون بغريزة تاريخية خاصة، ما هم مقبلون عليه. إنهم كما هم مختبرو وقائع تاريخ، وفي كل يوم واقعة تاريخية، على بيّنة من القيمة " الدولية " التي يعرَفون فيها: أن يكونوا كما يراد لهم أن يكونوا، وهذا يعني أنهم لن يكونوا كما يريدون أن يكونوا، بقدر ما يريد أعداؤهم أن يكونوا وهم بلغات شتى، أعداؤهم الذين يقدّرون دورهم الصعب، ولصالحهم في التاريخ عموماً: أن يكونوا أكباش فداء استثنائية، حيث تتكاثر من حولهم ضوار ٍ: ذئاب، صباع، بنات آوى، وحتى ثعالب، وأوشاق، وقطط برية، وسباع الطير، فطالما أن هناك كرداً في عهدة آخرين: محتلين لبلادهم ونفوسهم ومشاعرهم وآمالهم، وأنصار محتلين، فهذا يعني وفرة في الغنائم.
ذات يوم قيل لمكسيم غوركي الكاتب الروسي الكبير: ما هو الاقتصاد، فكان الرد السريع: إنه منقوش على ظهري! لقد كان يعمل ويشقى ويعمل، وظهره يحمل آثار العمل: استغلال الآخرين له. ولعل الكرد من هذا النوع: يعرفون الاقتصاد وإن لم يعرّفوه، فأجسامهم بليغة في التعريف.
-3-
هنا، كما أرى، في يوم الوقف المهيب والرهيب، حيث الصمت مطبق على المكان، والمخاوف قائمة، والتحدي قائم، دون إخفاء اتجاه الحركة: والآن، إلى أين هم ماضون، وهم يمتلكون خبرة بخصومهم وأعدائهم بكل شعاراتهم ونبرة أصواتهم، وملامحهم، وما يمكن أن يقولوه قبل البت بأي كلام، داخلاً وخارجاً، في دول الجوار وأبعد.
ثمة من يقبل على شراء المزيد من المواد تحسباً لأي طارئ، يقول لك هذا الشخص، وسواه في النسق التحفظي والمخاوفي ذاته: أخي، هذه هي حالتنا. كما لو أن أعداءهم يعيشون " دورتهم الشهرية "، إن عدم حصولها يعني وجود طارىء، إن " طمثهم " السياسي يعني أنهم يعيشون قوة شبابية، وانقطاعه يعني عمر اليأس التاريخي وانحدار قوتهم، وهم يمثّلون ككرد، ذلك " المولود " التاريخي الذي يتهددهم في عروشهم وتاريخهم ويلغيهم، ولهذا فإن ما يقومون به ليس خوفاً وإنما تخوفاً، فهم لم يكونوا يوماً ضمان أمان.
ثمة بالمقابل من يشتري حاجياته اليومية ويعيش وضعه الاعتيادي، ويقول بنبرة تحد: هو الحال كذلك، إنما ليحص ما يحصل. ثالث يقول: هكذا هم، يهددوننا في لقمة عيشنا في كوننا كرداً، أي أن نبقى شمالهم وليس الاسم: كردستان، يهددوننا في أبسط حلم يريحنا، يريدوننا لحسابهم، أن تكون مصدر قوة لهم، عبيداً، سخرة، تابعين، دون ذلك، يرعدون ويزبدون، ألا فليأتوا الآن .
-4-
يكررون من خلال الجاري أن لا أصدقاء لهم، كما هو المرئي والمسموع، ثمة خيبة أمل تجاه مواقف الآخرين، وكل شيء تتم متابعته: التلفزيونات مفتوحة، كل القنوات تخضع للمتابعة لالتقاط المفارقات، ثمة موجة واحدة إجمالاً: الريفراندوم مصيبة المصائب، نذير حرب عالمية، لأن قائليها يدركون نوعية الجرم الذي ارتكبوه ضد الكرد، حتى الرئيس برزاني شدّد على هذه النقطة: خيبة الأمل تجاه من كانوا يمدحون في الكرد حتى الأمس القريب، وكيف أن أسطورة داعش تحطمت بأي كردية، وتوقع تأييد لهم. إنها " حليمة الإقليمة والدولية لا تفارق عادتها القديمة ، وهذا يتطلب من الكرد أن يكونوا كما هم دائماً في نطاق الجاهزية الكاملة في مواجهة أي احتمال. أإلى هذه الدرجة يمثّل الاستقلال الكردي خطراً على الأمن والسلم العالميين؟ أإلى هذه الدرجة تمثل" نقطة على السطر" تغييراً في الوضع العالمي؟ نقطة صغيرة ترعب العالم؟
ألا فليهنأ الكرد بهذا الاكتشاف إذاً !
-5-
ظهور كيان سياسي كردي: كردستاني، ليس نهاية التاريخ، إنما تبعاً للسائد وما كان يجري منذ قرن من الزمان على الأقل، يبدو أنه نهاية تاريخ الذين يقيمون " صروح " تواريخهم بآفاتها على أكتاف الكرد، وهي أقذر لعبة للأمم التي توجّه سواها، والأمم التي تعيش قذارات حروب ومصائبها، وطرق التمثيل في الآخرين، وهنا تقول القوة كلمتها: شرعة القوة، والقوة هي معيار التفاهم بين الأمم، والأمم مراتب، أمم العين وأمم الحاجب، هكذا يبدو الوضع.
-6-
لأن الكرد يعيشون تهديدات خصومهم وأعدائهم على مدار الساعة، وفي ضوء هذه الـ" لا " الكبيرة والفاتكة بطبعتها الدولية والإقليمية ضد الـ" نعم/ بلى " للريفراندوم الكردي، ولأنهم أدمنوا حروب الآخرين في عقر دارهم، وهذه المرة مقارنة بما يجري، أكثر من الحالات السابقة، فإنهم أكثر إصراراً على المضي بالريفراندوم إلى نهايته، لأنهم على بيّنة من أن كرد اليوم ليسوا كرد الأمس، وأن خبرتهم في الحياة وفي الآخرين وفي أنفسهم تعلِمهم بذلك.
لا للأعداء، بلى للريفراندوم. إن غداً لناظره قريب !
دهوك، في 24-9-2017 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=22717