هل نشهد مهاباد أخرى ؟ إنما...
التاريخ: الأربعاء 20 ايلول 2017
الموضوع: اخبار



ابراهيم محمود

وما نيـــــــل المطالب بالتمنّي    ولكن تُؤخَذ الدنيـا غلابا
وما استعصى على قوم ٍ منالٌ   إذا الإقدام كان لهم رِكابا
أحمد شوقي

عاشت جمهورية مهاباد الكردية بين كانونين " كانون الثاني- كانون الأول 1946 "، حيث شهد " برد " الأول حرارة الإرادة الكردية في كيان سياسي لدولة ترأسها قاضي محمد الشهيد الكردستاني، بقدر ما شهد الثاني تزايد الصقيع السياسي وتلاشي حرارة الإرادة الكردية بالإكراه، وما ترتَّب على السقوط المدوّي السريع من ضحايا، كما هو العمران السريع لدولة كان عمرها أقل من عام، سوى أنها استمرت ولما تزل تستمر رمز إرادة كردية سياسية وشعبية مقاومة، رغم مآسيها.


هل نشهد مهاباد أخرى مع الرئيس مسعود برزاني بتكرار تجربة قاضي محمد؟ الناظر فيما يجري هذه الأيام يلاحظ أن الأخ الرئيس برزاني يعدّل في مقولة غرامشي: تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة، بجعلها تفاؤل الاثنين. هل يعقَل ذلك؟
أعتقد، ومن خلال متابعتي لما هو جار الآن تحضيراً للاستفتاء بعد عدة أيام " 25 أيلول 2017 "، أن الجهد المبذول برزانياً في العقل والإرادة يربك أحياناً حتى أقرب المقربين إليه. ربما لا يوجد نظير لمثل هذه الحالة من الإقدام والإصرار والتأكيد على لزوم إجراء الاستفتاء في موعده المحدد، ورفض كل المحاولات المحلية والإقليمية والدولية بالإرجاء أو الإلغاء، ليكون مصير، ليس الإقليم وحده إنما عالمياً، وفي هذا الوضع الصعب، في كف عفريت. إنما يحق لمتحرّي الموضوع أن يدقق في هوية هذا " العفريت " وطبيعة كفه.
سياسيون قلقون، مراقبو أوضاع قلقون ومن خلال معايير معينة في المتابعة، وفي " لعبة " غير مسبوقة في زمانها ومكانها، تعرض ليس منطقة كاملة للتغيير أو لزلزلة كردية الطابع فحسب، وإنما عالماً بكامله، على مستوى السياسات الدولية، فكما كانت كردستان ذات يوم هي كعكة شهية تم الصراع حولها دولياً قبل قرن ونيّف، يظهر أن هذه الكعكة ومنذ ذلك الوقت مسمّمة للذين تقاسموها وتناولوها واستعصت على الهضم، كما يقول أطلس البيانات السياسية كردستانياً، حيث إن كردستان المجزأة سياسياً جرى وما زل يجري تداولها موحدة في نفوس أهليها ومن لهم صلة بها، ومثقفون ربما يكونون أكثر قلقاً جرّاء تعلقهم بأهواء خاصة، وتصورات خاصة، وما هو عائد إلى طبيعتهم في التشكيك بما يجري، وحرارة أفكارهم ورطوبتها المزعجة أحياناً، قلقون إزاء إقدام برزاني، حزمه وعزمه، كما لو أنه يتحرك في بيت مفتوح ومرئي بظاهره وباطنه، وملؤه ثقة، وهذا التوحد في العقل والإرادة البرزانيين غير معهود ى لا بنبرته، ولا بوضوح دلالته، ولا بثبات فكرته.
جرّاء هذا التوأم: العقلي والإرادي تمكن برزاني الساعي إلى بناء مهاباد، ومن نوع آخر إلى الاستقطاب الجماهيري الكردي وأبعد واقعاً، وهو سعي لا بد أنه صدم ويصدم خبراء السياسة والمراقبين الدوليين، وربما أولئك المعنيين بعلم السياسة وقواعده تجاه هذه الحالة، وإخافة دول الجوار قبل غيرها من خلال ديمومة هذا التحدي، وفي كيان محاصر عملياً من الجهات كافة، إخافة ساستها، رغم استرسالهم في التهديدات، ومصدر الخوف والتخوف" أي ما لم يعلَم به ": علام يستند ابن شاهد مهاباد الأولى الراحل مصطفى برزاني الذي رحل وكان يعيش حسرة بناء دولة كردية: كردستانية؟ أي رصيد قوة سياسية، اقتصادية، عسكرية وجهوية لديه ليظهر في كل رقعة جغرافية في الإقليمية وهو بعزم يتنامى؟ عزم شكّك هؤلاء في قوتهم الفعلية، حتى وهم في تهديدهم ووعيدهم وما في ذلك من مفرقعات إعلامية وصلتها بالاستهلاك المحلي، شككهم فيما هو جارٍ، وخوفهم الأكبر مما سيجري، لأن كلاً منهم يتذكر سمّية الكعكة الكردية المغتصبة والمنهوبة، وحساب الصادر والوارد السياسيين وبتفعيل كردي لا يهدأ" أن يشير أردوغان التركي إلى أن الجاري سيشعل حرباً عالمية، كما يفهَم من كلامه، فهو صائب في كلامه، رغم أنه كلمة حق يراد بها باطل! إنما يدرك هو نفسه على أي لغم تاريخي يمارس لعبة الاستئثار بالجزء الأكبر من كردستان، وبجواره إيرانيّه، بجوارهما عربيهما... وهكذا ".
هل نشهد مهاباد أخرى؟ ربما هو سؤال مشروع، حين نتذكر أجواء مهاباد " قياماً وحطاماً "، جهة المكوّن الكردي الداخلي، والوضع الدولي حينذاك. فما نشهده نسخة ما، مما جرى في تلك الفترة: اضطراب المحيط الإقليمي، وتصدع البيت العراقي، وهشاشة السلطة، وحتى البيت الكردي نفسه لا يسلم من حالة عدم ثبات ومخاوف داخلية، إنما ما يذكّر أيضاً، هو عدم وجود سند دولي فعلي بداية" كما كان موقف السوفييت في مبتدأ علاقتهم بجمهورية مهاباد ". وراهناً ليس من سند رسمي يمكن تسميته، وهذا يضاعف في حيرة المتابعين لما يجري ولما سيحصل بعد أيام " الاثنين القادم " ساسة بمختلف مراتبهم، وإعلاميين ومثقفين، حتى بالنسبة للذين انخرطوا في الجاري حماسياً، لا بد أنهم في بعض الأحيان يتساءلون عن حقيقة ما هم عليه.
تلك هي لعبة السياسي غير المرئية من جوانبها كافة، لعبة تضاف إلى لُعَب كثيرة، وبصيغ مغايرة لما كان يتم قبل سنوات في ضوء متغيرات العصر وقواعد كل لعبة، وتعدّيها على كل ضبط حدودي.
يدخل مسعود برزاني الرئيس لعبة استثنائية تاريخياً، ولا بد أنه في لعبته سيغيّر في قواعد اللُّعب السياسية كثيراً على مستويات مختلفة، عبر ما هو مخفي، لأن ما يسمّيه ويتحرك نحوه يتجاوز حدود الإقليم الكردي بالتأكيد كما هو ظاهر. فهل نشهد مهاباد أخرى، مهاباد يصعب التكهن بعمرها، مهاباد تمهّد لمهابادت تالية يتخوف منها أعداء الكرد وخصومهم التقليديون، أم فجيعة لا يحاط بكِلَفها وتداعياتها النفسية والاجتماعية كردياً؟
في منتهى الأحوال، نشهد تجربة سياسية غير مسبوقة بلونها وشكلها ومحتواها وبدعتها، تجربة تستحق تقديراً، بقدر ما تتطلب التفاعل معها كردياً، كونها تجربة عزيزة لمطلب عزيز لكيان سياسي عزيز، ولمن يريد أن يكون عزيزاً، وليس أسير من يراه دون كل ذلك!
دهوك، في 20-9/ 2017 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=22697