المثقف.. والحزب السياسي..!
التاريخ: السبت 02 ايلول 2017
الموضوع: اخبار



دهام حسن

  -1-
الحزب أيّ حزب كان، لا يشاد به ولا يقوّم إيجابيا بعدد أعضائه، لكن بنضاله السياسي أولا رغم أهمية العدد، كما يقوّم من خلال كفاءات كوادره، فالحزب الذي يعجز عن إيلاد كوادر قديرة، واعية، غير جدير أن يظهر على مسرح الحياة وتواصل النضال، الحزب الذي يعجز عن تقديم الكادر المثقف من بين صفوفه، ليأخذ مكانه في مواقع مسؤولة متقدمة في حلبة النضال، لن يستمر طويلا ولن يكتب له التواصل والديمومة، وسينحسر عن الواقع ولو بعد حين، الحزب الذي يمضي في تأبيد السكرتير العام، أي جعل بقائه إلى الأبد، لن يخلق هكذا حزب إلا كوادر انتهازية متملقة إمّعة دون رأي يتدثر الواحد فيهم بعباءة السكرتير وقد يفضي إلى توالي الانشقاقات..وربما جاء المخاض بتوائم منغولية كما قلت هذا في أكثر من مقال، هذا غيض من فيض مما يحضرني من الواقع الحزبي الكردي للأسف..


أما عندما نتحدث عن المثقف الكردي، وعلاقاته بواقع الأحزاب الكردية، نعني به المثقف العضوي بتعبير غرامشي، المثقف الملتحم بقضايا مجتمعه، العامل في حقول الفكر والنضال والسياسة بخلفية معرفية متخطيا بهذا ميدان تخصصه، المثقف هو المستوعب للثقافة بقدر ما، والممتلك لقدرة التفكير، واستنباط الأفكار، والخلوص للتصورات والرؤى...فغرامشي يرى أنه يمكن اعتبار كل الناس مثقفين لكن ليس كلّ واحد فيهم يمكن أن يؤدي وظيفة المثقف، فالمعلم ورجل الدين والإداري يمكن اعتبارهم مثقفين، لكنهم لا يمارسون دور المثقف العضوي أي المنخرط في قضايا شعبه ومجتمعه...
  
في السياق ذاته لا بد لنا ان نلمّح إلى أهميّة وضرورة التعاطي والتواصل بين المثقف والقيّمين على الأحزاب، إذا كانت السلطات الاستبدادية ترغم المثقف بالإكراه، فلا يعجبه سوى الثقافة الامتثالية، أما أحزابنا القومية فلديهم وسيلة أخرى فيها شيء من الإغراء، فتدجين المثقف يتم جذبه أو بهذه الوسيلة وسيلة  الإغراء، وسرعان ما يستجيب له المثقف الانتهازي، الضحل الثقافة، الرخيص البضاعة، تراه ينادم المسؤول الحزبي في موائده العارمة، متناسيا دوره النضالي والاجتماعي، وربما تلقّى منه دريهمات قليلة، ليغادر بعده ساحة الشرف والنضال فيقوم بإذلال قلمه الشريف حيث تستضيه موائد اللئام.. 
 -2-

كثيرا ما يؤخذ على المثقف أنه يتهجم على كل الناس، وفي الوقت ذاته تراه يعلن ولاءه إما للنظام، أو لتنظيم حزبي متنفذ، أو لتيار ديني طوباوي، وهذا الثالوث هو الذي يفقده المصداقية فيما يثرثر وينادي به، وأني أرى كما يرى كثيرون مثلي، أن مهمة المثقف هي المعارضة لا المجاملة، لأنه ينطلق في محاكماته من واقع تائه رتيب، فالمثقف لا سلطان له يحميه، ولا منصب يدرّ له ما يقيه من ذلّ السؤال، لهذا ترى لسان حاله غالبا ما ينطق بالحقّ والصراحة دون مراوغة، وهذا ما يبعدهم عن مراكز القرار، ويخسرون بالتالي صداقة صاحبي القرار، على المثقف دوما ألا يهادن الواقع، فلا يحصر ذاته في برجه العاجي، ولا يتخلى عن سلطته الأخلاقية، في فضحه لهذه التجاوزات، أو تلك الانتهاكات، عليه ألا يهادن السلطة، أياً كان شكلها، ولا يتحول إلى خادم للسلطان..

كثيرا ما يؤخذ على المثقف أنه يتهجم على كل الناس، وفي الوقت ذاته تراه يعلن ولاءه إما للنظام، أو لتنظيم حزبي متنفذ، أو لتيار ديني طوباوي، وهذا الثالوث هو الذي يفقده المصداقية فيما يثرثر وينادي به، وأني أرى كما يرى كثيرون مثلي...

 المثقف من مهامه الوقوف إلى جانب الحق، فالمثقف الذي يتحمس للشيوعية، عليه ألا ينسى الجانب النقدي في تجربة ثورى أكتوبر الروسية، أو حتى التجربة السوفييتية التي انتهت بالانهيار، من جانب نقدي آخر، فغالبية المثقفين وقفوا إلى جانب النازية في الحرب الكونية، واليوم تجد من يأتي بمثال ربما استمده من تحالف الشيوعية والإمبريالية ضد النازية في الحرب العالمية الثانية، فيأخذ المثال كحجة وبرهان، ليتفلسف بالتالي ويقول: إذا خُيّرنا بين النازية والإمبريالية، سنقف إلى جانب الإمبريالية ضد النازية، وهذا المثال يستمده من الواقع الراهن فكان الأولى به في هذه المعادلة لتبرير خياره للأسف، كان الأولى به في خياره القول سنرفضهما معا..!

على المثقف العضوي المشتغل بالهم الثقافي نقد الثقافة السائدة من لدن بعض القادة السياسيين المنهمكين بالحالة الحزبية، المثقف الحقيقي هو الذي يترجم خلفيته الفكرية من خلال الدور الاجتماعي الذي يلعبه بقلمه وكلامه، أعني التفاعل مع الواقع، وهو عادة وغالبا ما تعترضه حالتان، إما أن يعيش في عزلة يلازم صومعته، أو ينحاز ربما دون قناعة لجهة ما، وفي الخيار الأخير عليه أن يمتثل للأوامر والنواهي بعيدا عن قناعاته الفكرية، ونزوعه نحو الحقيقة والنضال المكلف حقا، والتخلي بالتالي عن مسؤوليته المعرفية والفكرية، ودون ما يقتضي منه الكفاح السياسي، والتغاضي بالتالي عن كثير من المستلزمات النضالية، فهذا هو الدكتور أدوارد سعيد يقول: (إذا أردت أن تراعي وليّ نعمتك، فلن تستطيع ان تفكر كمثقف، وإنما فقط كمريد أو كتابع) وبالتالي (عليك ان تعجب لا أن تغضب) فهؤلاء(كأولياء نعمة بحاجة إلى الاسترضاء والملاطفة طوال الوقت..

إن التبعية العمياء للسلطة في عالم اليوم هي أحد أفدح الأخطار التي تهدد كينونة حياة فكرية، أخلاقية نشطة..) على المثقف ان يكون ذا فعالية، ويتحرر من الحالات السلبية والعزلة، عليه مناولة الأحداث وإشباعها بالنقد والتحليل والتقويم، فالمثقف هو بالضرورة ان يكون ضد السلطة، ليس بالمعنى السلبي فحسب، أنه ضد السلطة بحكم رسالته بمعنى نقد السلبيات والسعي لتقويمها وتصحيحها لتكون أجدى وأنفع..!

من المعلوم ان المثقفين لا يشكلون طبقة، وغالبا ما ينحدرون من خلفية طبقية ومن أسر مالكة غنية، ففي الأنظمة الرأسمالية أغلب المثقفين يكون في خدمة الأسر الغنية الموسرة، على العموم المثقفون ينقسمون إلى فئتين، فئة كما قلنا تخدم المالكين الأغنياء، أما الفئة الأخرى التي نسميها الثورية تقف في الضفة الأخرى مع الطبقات الكادحة تنشد التقدم والتغيير.. ونستدرك هنا لنقول أن عديدا من المثقفين يتسنمون قيادة الأحزاب لن يلبثوا أن يبيعوا تلك الجماهير التي ينادون باسمها، وهنا على المثقف العضوي المشتغل بالهمّ الثقافي نقد الثقافة المهيمنة من لدن بعض القادة السياسيين الحزبيين دون هوادة، بحيث لا يرضى أن ينسى أو يتخلى عن رسالته النضالية الشريفة ، وعما هو مأمول منه.!






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=22612