الهاربُ من الهلاك المُعجّل إلى الهلاك المؤجّل
التاريخ: الخميس 16 اذار 2017
الموضوع: اخبار



آزاد عنز 

صفيرٌ غاضبٌ يقترب و يشتد ، صفيرٌ لا يعلوه صفير و أزيزٌ منبثق من مركبة غاضبة تسبح في الجو انتقاماً من أبنيةٍ و أرصفةٍ و أدمغةٍ و رؤوس تعانق تلك الأدمغة ، لا مفرَّ من غرابٍ ثائرٍ يعلو البسيطة بضعة فراسخ و يحمل في جوفه الموت بمقاييس مختلفة لأجساد شاء الله لها الاختلاف في الأحجام ، كل جسد يقابله مقياسٌ محددٌ من الموت لا يخطئه و لا يرتد عنه ، كل جسد سيحظى بموتٍ يليق به أو لا يليق ، كل جسد سيهب نفسه للموت حال أن تُجهضَ السابحة في الجو حمولتها في سقوطٍ حر بحركة متسارعة لترتد على ترابك بعد أن تزهق روحه أيتها الأرض العائدة إلى شرق المتوسط ، لا مفرّ.


قطعان من الغربان الوطنية يحلقون في سمائك أيها الوطن الجريح و أطفال مبتسمون يلوحون لهم و هم لا يدركون أن الغراب لا يمازحهم و سيصطاد أرواحهم الواحدة تلو الأخرى على أديمك أيها الوطن المهمل المركون على هامش هذه الكرة المستديرة التي تسمى جغرافياً ( الأرض ) . نعق الغراب فسقط الموت من جوفه مطارداً الأرواح في الأزقة و الغرف ، أما الأجساد فقد تمزقت و تشتّت أعضاؤها و تناثرت كالغبار ، أيّ قبر سيحتضنك أيها الجسد الممزق أيها النصف الآدمي ؟ و لمن تؤول ملكية هذه الأعضاء المتناثرة ؟ أيّ انتهاك لحرمة الأموات ، في الحروب لا حرمة للأشياء لا للآدميّ ولا لغير الآدمي فالحرب لا تستثني أحداً حتى ضحكات الأثرياء و بؤس المتسولين ، لا مفرّ .
المركبة الآلية الحاقدة المحلّقة بجناحيها اخترقت حاجز الصوت و كأنها اخترقت الإنسانية برمتها لا شيء يلجمها ،لا شيء يخفف من انتقامها الصاخب إنها القيامة الناقصة التي لا وجهين لها لا تشمل الفردوس ، قيامةٌ جحيمية حلت عليك أيها البلد المُنهك و ما تبقى من أطفالك يجلسون القرفصاء في ظلامك الدامس لربما تعبرهم سحابة الموت بسلام أو تخطئهم صدفة ، أو ربما يحاولون الحفاظ على الجزء المتبقي من طفولتهم المهدورة المحتلة من قِبل بشرٍ لا يجيدون تفسير آلامهم و صيحاتهم المهدورة أيضاً ، لا مفرّ .
لكثرة الموت و قلة الحياة على ترابك أيها البلد من بقي من الأسرة فروا هاربين بما تبقى من حياتهم العاجزة فاجتازوا حدودك السياسية و الطبيعية حتى بلغوا البحر المضطرب الهائج الجائع الذي لا يشبع أبداً و إن ابتلع البلد بجملته ، بكل ما فيه من خلق الله ، أيّ جرم اقترفت أيها البلد و أيّ ضريبة ستدفع ؟حربٌ لا عقل فيها و لا صواب في بلدٍ مهزوم ، لا أحد منتصر كلهم مهزومون .
الطفل الهارب من أتون الحرب الدائرة بين خصائص المعلوم وخصائص المجهول بين العدم و الوجود ، الطفل الذي حُرِمَ من نومه و جمجمتهُ تعّج بأزيز المركبات و ضجيج المحركات الثقيلة و الخفيفة غادر أشلاء الوطن في يقينٍ منه أن الوطن ليس إلا حبراً يتقيأُ على ورقةٍ ممزقة أو حلماً يضاجع خياله الممزق .
خليلو الطرف المُذعِن الذي أبرم مع الله ميثاق الموت ككل كُرديٍّ يُبرم خلسةً في الخفاء ميثاقاً مُلزماً لإجهاض الكُردي و يقرُ جهاراً بأنه من يحصّنُ فروجَ الكرديات من انتهاك قضيب غير الكردي .
خليلو ذو الواو الملحقة كقضيته الملحقة أبداً ككلِ قضيةٍ تستعصي ولادتها قسراً ، استوطن المنفى بحثاً عن تأويلٍ لاسمه العربي بمفرداتٍ كردية ليهجرَ الوطنَ هارباً من جحيمٍ معجّل إلى جحيمٍ مؤجّل فمكث أرضاً ليست بكردية و شرب نخب البحر حتى افترش الزبد وسادةً أبدية .
كاتب كُردي سوري







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21966