الأحزاب الكوردية في كوردستان سوريا توافق نسبي في البرامج واختلاف كلي في المبادىء
التاريخ: الأحد 25 كانون الأول 2016
الموضوع: اخبار



شاهين أحمد

عندما يستعرض القارىء أو المراقب مسيرة الحركة التحررية الكوردية في كوردستان سوريا ، وخاصة مرحلة مابعد الثمانينات من القرن العشرين وحتى اليوم ، ورؤية هذا الكم الهائل من الأسماء والمسميات التي تتقاطع في الكثير من المصطلحات ، سواء لجهة أسماءها المتشابهة أو حتى في برامجها المتقاربة نظريا . فأسماء أغلبها تتضمن كلمة " الديمقراطي " أو " الكوردي " أو " الكوردستاني " . وبرامج غالبيتها تشير بشكل أو بآخر إلى وجود شعب كوردي في سوريا ، يعيش على أرضه التاريخية ، وأن الشعب الكوردي وأرضه هما جزء من الأمة الكوردستانية ، التي تعرضت للتقسيم عبر مراحل تاريخية مختلفة ، كان آخره التقسيم الذي تعرض له الجزء الكوردستاني الملحق بالدولة العثمانية إلى ثلاثة أجزاء وذلك بموجب اتفاقية سايكس – بيكو خلال الحرب الكونية الأولى . 


وبموجب هذا التقسيم الأخير بقي الجزء الغربي من كوردستان التاريخية داخل الحدود السياسية والإدارية لما عرفت لاحقا بالدولة السورية . وهنا يقع المراقب في حيرة من أمره ، طالما أن غالبية هذه الأحزاب متقاربة في برامجها النظرية وأسماءها ، إذا لماذا كل هذا الكم الهائل من هذه الأسماء المتشابهة ؟ وماهي الأسباب الحقيقية التي تحول دون وحدتها واندماجها ؟ . وماالسر في الاختلاف الكبير في تحركاتها العملية وتحالفاتها المحلية والاقليمية ؟ .
هناك بكل تأكيد اسباب ذاتية واخرى موضوعية أدت بالحركة وأوصلتها إلى هذه الحالة المرضية التي تعيشها اليوم من أهمها :
1 - لم تفلح الحركة الكوردية منذ الانقسام الأول الذي تعرض له الحزب الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا في منتصف الستينات من القرن المنصرم أن تفرز قيادة سياسية مؤسساتية متماسكة وجامعة، تلملم شمل شعبنا، وتحدد أهدافها بصورة واضحة ودقيقة ،وتُضفي الشرعية السياسية والشعبيةعليها، وتفرض على الآخرين محليا واقليميا ودوليا التعامل معها باعتبارها أداة معبِّرة عن صوت شعب واحد يسعى للتحرر والانعتاق من نير الظلم والاضطهاد والاستبداد .
2 – طبيعة الأنظمة الدكتاتورية والشوفينية التي تعاقبت على الحكم في سوريا ، وفرضها للحكم المطلق والمغلق ، وغياب الحياة السياسية والبرلمانية ، وخاصة منذ انقلاب البعث في 8 / 3 / 1963 وحتى اليوم ، وتدخل الأجهزة الأمنية لنظام البعث في شؤون الحركة ، وزرعها للموالين في صفوف قياداتها ، وتشجيعهم على شق أحزابهم ، وخلق الأنانية السياسية الشخصية ، والصراعات الهامشية البينية ، ونسيان الهدف من وجود الحركة وأحزابها .
3 – تدخل بعض الأطراف الكوردية من الأجزاء الكوردستانية الأخرى في شؤون الحركة الكوردية في كوردستان سوريا بقصد إجهاضها وتقسيمها مثل تدخل بعض أوساط  الاتحاد الوطني الكوردستاني بقيادة  السيد " جلال الطالباني " في منتصف الستينات والسبعينات وحتى بداية الثمانينات ، ومن ثم دخول حزب العمال الكوردستاني PKK بقيادة السيد " عبد الله أوجلان " على خط التدخل في شؤون الحركة الكوردية في سوريا بعد هروب قيادات pkk من تركيا عقب الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال " كنعات ايفرين " في 12 سبتمبر/ أيلول 1980 ، و احتواء النظام البعثي في سوريا لقيادة pkk وبناء تحالف معها ، هذا التحالف الذي ندفع ضريبته حتى اليوم .
4 – غياب السند الدولي لهذه الحركة ، ومحاصرتها جغرافيا من قبل الأنظمة الغاصبة لأجزاء كوردستان الأخرى ، ووجود التعاون الاستخباراتي بين هذه الأنظمة عبر العديد من الاتفاقيات الأمنية الموجهة ضد الشعب الكوردي وحركته السياسية .
وبالتالي هذه الأسباب وغيرها جعلت الحركة التحررية الكوردية في كوردستان سوريا ، تعيش حالة صراع " بيني " دائم ومستمر، وذلك لأن الأسباب السالفة الذكر أنتجت نوعا من التناقض والتباين الواضح في المبادىء والتوجهات السياسية رغم التوافق الظاهري في البرامج النظرية . حيث بات واضحا اليوم وجود خطين سياسين واضحين داخل صفوف هذه الحركة . والمشهد اليوم بات جليا وواضحا لايحتاج المراقب أو المتابع إلى الكثير من العناء والتفكير كي يميز بين الخطين المتباينين في المبادىء والتوجهات .
الأول : خط المشروع القومي الكوردستاني : ويمثله الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا PDK-S وبعض الأحزاب المتوافقة في إطارالمجلس الوطني الكوردي ENKS وكذلك مؤسسات مدنية وشبابية وفعاليات علمية واقتصادية واجتماعية وفنية وشخصيات مستقلة ...الخ . والمؤمنين بهذا الخط يطرحون رؤيتهم بكل وضوح وشفافية ، من خلال برامجهم ووثائقهم وكذلك في كافة المحطات الميدانية ، وينطلقون من فكرة أساسية تتلخص بوجود أمة كوردستانية ، تعرضت للتقسيم عبر مراحل زمنية مختلفة بدأت في معركة جالديران 1514 بين الامبراطوريتين العثمانية السنية والفارسية الشيعية ، وتم تقسيم كوردستان بشكل رسمي في اتفاقية قصر شيرين في 17 مايو 1639 بين الامبراطوريتين المذكورتين إلى قسمين . والتقسيم الثاني كان بموجب اتفاقية سايكس – بيكو 1916 حيث تم تقسيم الجزء الملحق بالامبراطورية العثمانية إلى ثلاثة أجزء ألحقت بكل من تركيا والعراق وسوريا . وبقي جزء خامس " كوردستان الحمراء " والذي يمتد جغرافيا حتى بحر قزوين ، حيث قام الدكتاتور السوفيتي المقبور " جوزيف استالين " بتهجير أبناء شعبنا الكوردي من ذلك الجزء العزيز والهام ، ووزعهم على الجمهوريات السوفياتية ، وتكاد تخلو برامج الأغلبية الساحقة من الأحزاب الكوردستانية المختلفة من الإشارة إلى هذا الجزء ، حتى بات البعض مننا يرى أن مجرد ذكره نوعا من الخيال والجنون .
 وبالتالي يرى أصحاب هذا " الخط "بأن لشعبنا كل الحق في تقرير مصيره بنفسه اسوة بباقي شعوب المعمورة ، ونلاحظ أن برامج هذا التوجه ، تتضمن بشكل واضح المطالب والخصوصية القومية ، وانطلاقا من هذه القناعة شاركت أحزاب وجماهير هذا التوجه بكل صدق وفعالية في الثورة السورية التي انطلقت في 15 / 3 / 2011 أملا في التخلص من الاستبداد والدكتاتورية والاضطهاد القومي ، كما رفض ممثلوا هذا التوجه وعبر مراحل الثورة المختلفة التجاوب مع ألاعيب النظام وأزلامه وحلفائه ، ومحاولاتهم المتكررة لشق وحدة صف الثورة والثواروتحييد المكون الكوردي عن البعد الوطني ، أملا وسعيا من النظام وحلفاءه بالقضاء على " المشروع الوطني الشامل " المتضمن إسقاط نظام البعث العنصري القاتل بكل رموزه ومرتكزاته الأمنية ومنظومته الفكرية والثقافية ، وكان آخر هذه المحاولات عبر حليفه الروسي في الدعوة التي – كانت أقرب إلى الاستدعاءات الأمنية - وجهها الجنرال الروسي ” الكسندر دفور نيكوف ” قائد مجموعة القوى للقوات المسلحة الروسية والذي يشرف على عمليات الإبادة التي تجري في سوريا عامة وحلب بصورة خاصة ، حيث عبر ممثلوا هذا الخط عن رفضهم لمثل هذه المحاولات الملغومة ، وتمسكهم بالثوابت القومية والوطنية وبأسس وأخلاقيات الحوارالمنسجمة مع التوجهات والمبادىء الإنسانية والمبنية على أساس البيان الختامي الصادر عن مجموعة العمل من أجل سوريا " في جنيف في 30 حزيران 2012،والمعروف إعلاميا " ببيان جنيف 1 " والمتضمن " إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية . وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية ...الخ . ويلقى ممثلوا ومناصروا هذا الخط كل الدعم والتأييد من جانب الاخوة في قيادة اقليم كوردستان العراق وخاصة شخص سيادة الرئيس " مسعود البارزاني " .
الثاني : خط مشروع الأمة " الديمقراطية - الايكولوجية " : يمثله حزب الاتحاد الديمقراطي pyp كفرع سوري لحزب العمال الكوردستاني PKK الذي وقف منذ انطلاقة الثورة إلى جانب النظام وحارب الحراك الشبابي الثوري وحاول مرارا قمع المظاهرات في مختلف مناطق كوردستان سوريا ، وارتكب العديد من جرائم القتل ونفذ العديد من عمليات الاغتيال بحق القادة وكوادر الأحزاب الكوردية ولايزال يقوم بخطف قيادات الخط الأول وكوادره ونشطائه ومناصريه.
وتشاركه الأحزاب الموالية لأوساط معروفة في الاتحاد الوطني الكوردستاني بقيادة السيدة " هيرو إبراهيم أحمد " حرم الرئيس العراقي السابق السيد " جلال الطالباني  " ، ومجموعة من الأحزاب والمجموعات التي اختارت ظاهريا المساحة " الرمادية " خلال سنوات الثورة السورية ، ولكن كانت إلى جانب توجهات النظام وحلفاءه عمليا ، أصحاب هذا الخط يطرحون خليطا من البرامج المتناقضة لجهة الأفكار والمصطلحات ، محاولين تضليل الشارع عبر الشعارات النظرية أحيانا مثل طرحهم " الفدرالية الديمقراطية " أو " الإدارة الذاتية " و " ثورة روج آفا " دون أن يحددوا ضد من كانت وقامت هذه الثورة ؟ وماهي أهدافها ؟ وأصحاب هذا الخط نراهم يهرولون إلى كل الموائد والمسرحيات التي يدعو إليها النظام في الكثير من المحطات ، كما حصل مؤخرا في الدعوة التي – كانت بمثابة الاستدعاء الأمني - وجهها الجنرال الروسي ” الكسندر دفور نيكوف ” قائد مجموعة القوى للقوات المسلحة الروسية للحزاب الكوردية ، والتجاوب والتفاعل من قبل أصحاب هذا الخط مع هذه المحاولة وغيرها من المحاولات واللقاءات السرية التي لم تنقطع والتي قامت بها أجهزة أمن النظام البعثي القاتل عبر حليفه الروسي . وينطلق أصحاب هذا الخط من فكرة أن عصر " الدولة القومية " أنتهى ، ومجرد التفكير أو المحاولة لإقامة كيان كوردي هو ضد إرادة شعوب المنطقة ، ينسون أو يتناسون أن كل الدول التي تقتسم الشعب الكوردي هي دول " قومية " وتحاول صهر الكورد في بوتقة قومياتها ، وأن شعبنا الكوردي لم ينجز الاستحقاق القومي كي يتم القفز على هذه الحق وممارسة هذه الخصوصية المشروعة ، والتي دفع شعب كوردستان مئات الآلاف من الشهداء من أجل هذا الحق المشروع الذي تقره كافة الشرائع والقوانين والعهود الدولية .
مما سبق نلاحظ أن أصحاب الخط الأول الذين يطرحون أنفسهم " كحامل " للمشروع القومي الكوردستاني يمتازون بصدقية الطرح النظري والممارسة العملية ، وبذلك يتحقق الانسجام بين البرامج النظرية والمبادىء والتوجهات العملية . في حين نجد في المقابل أصحاب الخط الثاني يطرحون نظريا برامج قريبة من برامج الخط الأول ، ولكن هناك اختلاف كبير في توجهاتهم العملية مقارنة ببرامجهم النظرية . 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21665