عاشق تاريخه: صاحب مؤلفات معروفة أفاد بها المكتبة الكردية، و" ثلاثيته " المثال الحي والبليغ، رغم أنها سحبت من المكتبات في طبعتها الثانية، إذ كان هناك إضافات، لوجود ما يمس الجانب الديني: الإسلامي، وهو ما أثار حفيظة القيمين على الدين وحتى المعرفة ذات الصلة، ومتقن ما يقارب دزينة من اللغات مشرقاً ومغرباً.

لقد تعرفت إليه، منذ سنة 1994، وذلك خلَل السطور، عندما اطلعت على كتابه " لقاء الأسلاف "، وهو من منشورات رياض الريس" لندن " وفي العام المذكور، ولم أخف فرحي به، لتناوله موضوعات دسمة في التاريخ واللغة والأدب معاً كردياً، وباعتماد مصادر تنتمي إلى ثقافات مختلفة وبلغات مختلفة، ولا أخفي أنني كنت متلهفاً لقراءة هذه الثلاثية التاريخية وأنا في " قامشلو "، إذ إن صيتها تعدَّى حدود الإقليم، وحين حللت في الإقليم مهاجراً قسرياً، قرأته فور عثوري عليه، وبدأت بإعداد نفسي للكتابة عنه في إطار كتاب كامل عن " وعي أرشيفي كردي " حيث ينتظر النشر، فازددت ثراء معلوماتياً ومعرفياً من خلال قراءته.

البروفيسور جمال رشيد أحمد، كان ذا منهج خاص به في تتبع التاريخ عموماً، والتاريخ الكردي منه خصوصاً، وهو في التنقيب الأثري واللغوي والمقارنة، وكلما مضيتَ معه إلى الأقدم تتلمس هذا الشغف بما كان بصورة لافتة، بينما مع المرحلة التالية، حيث ظهور الإسلام، فهو لم يخف تبرمه من سياسات الدين، وممن يغلّبون ما هو ديني على ما هو قومي، ومناصرة أهل المكان: الكرد. وبغضّ النظر عما يمكن الاختلاف عليه هنا، إلا أنه من ناحية تمثُّل وعي الذات الكردية متقدماً على الكثيرين ممن تلوه، ومن ناحية ثانية، عبّر عن حاجة ملحة إلى وجوب التنوع كتابةَ.

في السياق ذاته، تلمست هنا، تلك الحساسية الأكاديمية وفي معترك التاريخ  والمواقع الجغرافية " جهتها، مدينتها، النسب العائلي...الخ "، وكيف تثقِل بظلالها على الكثير من الممارسات الأكاديمية والجهود التأليفية في التاريخ قبل أي توجه بحثي آخر، كون التاريخ رهاناً لكثيرين ممن ينشغلون بكتابة التاريخ الكردي منه، ليس من جديد" إذ ماذا كتِب أو دوّن منه، ليعاد النظر فيه كتواريخ آخرين" العرب وغيرهم مثلاً ؟"، ويناقَش؟ "، وإنما بوضع لبِنات تأسيس ما، له، وربما أيقظت الحساسيةُ التاريخية هذه " فلتتَها " من هذا المنزلق الثقافي والاعتباري التنافسي الخطير على حساب التاريخ نفسه.

ذلك ما عشته، إلى جانب حالات أخرى، وهي لا تنفصل عن جملة الظواهر التي ترينا ضبابية مسئولية التاريخ بمنحاها المعرفي والقومي وعلى أعلى مستوى، عندما يتنحى الاختلاف، ويشحب العلم التاريخي بقدر ما يتسجى شبيه ميْت.

هدفتُ من كتابة هذه الكلمة التأكيد على روعة الاختلاف، وضمناً: بث سلام روحيٍّ إلى روح مؤرخنا الكبير جمال رشيد أحمد، حيث لا أدري أين تطوف هي الآن، وكيف، ومع من وبأي لغة، وفي أي اتجاه؟ ما إذا كانت تقرأ كلماتي لتزيد ضوء غرفتي رفعة إضاءة أكثر، أم  وهي تتنهد، أم تتمالك نفسها الأثيرية، أم تبكي صاحبها، وتشهق إزاء ما كتبتُ، وفي روح روحها حسرة وتألم من/ على  الكرد الذين يكونون في عِداد " خروج الكرد من التاريخ " ؟!

دهوك، في 20-12-2016