سوريا.. ولادة جديدة أم إعادة بنائها؟
التاريخ: الأحد 27 تشرين الثاني 2016
الموضوع: اخبار



أحمــــــد قاســـــــم

 لا يخفى على أحد " موزاييك " الشعب السوري الذي خلفته الدولة العثمانية بعد إنهيارها. وبالتالي, كان من نتائج إحتلال فرنسا وبريطانيا للمنطقة " تركة الدولة العثمانية " إنتاج دول من دون الرجوع إلى شعوبها للحصول على موافقاتها, وبالتالي تكون هذه الشعوب هي من تقرر مصيرها. إذاً, كان تأسيس دولٍ بعينها يعتمد على توافقات بين بريطانيا وفرنسا مع حصول الرضى من قبل الدولة التركية الجديدة في عهد مصطفى كمال, وذلك تلازماً في تطبيق خارطة ( سايكس ـ بيكو ) وملحقاتها " والتي تم تغيير خطوطها عدة مرات لمعارضة تركيا وكذلك إنسحاب روسيا من الإتفاق بعد نجاح الثورة البلشفية عام 1917 بقيادة لينين, وإعلانه الدولة السوفيتية " هذا هو مختصر الحالة التي تم في ظلها تأسيس العديد من الدول في المنطقة ومنها " الدولة السورية " التي تم الإعلان عنها عام 1920 تحت الوصاية الفرنسية. حيث تم ضم جزءٍ من كوردستان إلى هذه الدولة, وكان من الطبيعي أن يشمل التقسيم قسم من الشعب الكوردي المقيم على تلك الجزء من الأرض, إضافة إلى تواجد العديد من العرقيات والأديان المختلفة في بلاد الشام ومنطقة الجزيرة, وبالتالي لايمكن بالضرورة إضفاء تسمية أي مكون من مكونات الشعب " السوري " على هذه الدولة الناشئة ولأي سبب من الأسباب. 


لكن الذي حصل بعد فرض الهيمنة الفرنسية على تلك البقعة الجغرافية التي سميت " سوريا " وإعطائها لوناً وطابعاً من خلال تأسيس مؤسسات للدولة وكذلك صياغة دستور من المفترض أن يُعْمَلَ به, إلا أنه وبعد الإستقلال حاولت حركة القوميين العرب السيطرة على هذه الدولة من خلال إنقلابات عسكرية وبدعم من دولة ( مصر والعربية السعودية ) لتلوين سوريا بلون عربي ( عروبي ) وخاصة بعد الإعلان عن دولة إسرائيل عام 1948.. إلى أن تم القضاء على كل المفاهيم التي تعبر عن الحرية والديمقراطية, وكذلك التفكير على أن الشعب السوري يتكون من العديد من المكونات العرقية والدينية, وذلك في عهد الوحدة بين سوريا ومصر وما بعدها من مراحل.. التي تعود إلى حزب البعث في حكمه على سوريا, آخذاً من العروبة شعاراً, ومنطلقاته النظرية والفكرية نهجاً, ليلون سوريا " الجغرافيا " مع شعبها بلون عروبي متطرف لايعترف بأي مكون من مكونات الشعب السوري, لا بل أكثر من ذلك إتبع سياسة التطهير العرقي وصهرالمختلف في بوتقته العرقية " والفكرية " مما وصل بسوريا إلى آفاق مسدودة لا يمكن الإستمرار بها بأي شكل من الأشكال, لطالما أن البعث لم يتطور باتجاه مواكبة العصر والقبول بواقع مغاير, بقي طوال عهده يظهر على السطح في كل مناسبة.. وهو واقع أن سوريا ليست جزءاً من الوطن العربي, وأن شعبها ليس من الأمة العربية كما ادعى البعث وحاول طمث هذه الحقيقة طوال عهد حكمه.
هذه الحقيقة لطالما بقيت, ولا يمكن إخفائها بأي حال من الأحوال, ولطالما أن البعث وحركة القوميين العرب فشلت فيما كانت تهدف إليها, وأن سوريا اليوم تواجه منعطفاً خطيراً لايمكن تحديد نتائج ما أصابتها من أزمة نازفة جراء هذه الحرب المدمرة, ذات وجهين إحداها أخطر من الآخر " الواجهة الإسلامية التي نشرت الرعب والإرهاب في المنطقة والعالم, والوجهة الشوفينية والعربية التي فشلت في عهود حكمها على البلاد, وأودت بسوريا وشعبها إلى هذا المنحى الخطير ". والأخطر من كل ذلك هو غياب بقية المكونات السورية عن المشهد عدا عن المكون الكوردي الذي لم يتخلف عن المشهد يوماً إلا أنه مُحاربٌ من الواجهتين التي تطرقت إليه ( الواجهة الإسلامية والواجهة العنصرية العروبية ). أما المكونات الأخرى في حالة الإنتظار المخيف من المستقبل المجهول لسوريا في ظل فقدان الأمل في بناء سوريا التي يؤمل أن تكون لكل المكونات و تحريرها من سيطرة مكون واحد جعل منها بؤرة للفساد والإرهاب, والذي سبب لها ولشعبها كل هذه الكوارث.
من هنا يُطْرَحُ السؤال الأكبر: مع فقدان إرادة الشعب السوري في ظل كل هذا التدخل الخارجي, وتعنت نظام البعث على عدم التخلي عن السلطة, وعدم إعترافه بالثورة السورية, متحججاً بوجود إرهاب ومواجهته من منطلق المسؤولية حسب تعبيره, نافياً كل ممارساته العنصرية ضد المكونات الأخرى من الشعب السوري إلى جانب خنق البلاد وجعل من شعبه عبيداً.. أما المعارضة التي سيطرت عليها الشمولية الإسلامية والقومية العنصرية هي التالي التي تعجز عن فعل يرضي الشعب السوري ولو فكرياً أو نظرياً وسط ( الدعوة إلى دولة المواطنة والعروبة, أو دولة تستمد شرعيتها من الأصول الإسلامية ) يعني ذلك أن المكونات الأخرى في تَغَيُبٍ قسري ومتعمد. وهذين الإتجاهين تدعمهما الدول الإقليمية بفاعلية فائقة تعارض كل القيم الديمقراطية ومعاني الحرية التي إنطلقت من أجل تحقيقها الجماهير الغفيرة من الشعب السوري. بين هذا وذاك, هناك القوة الأصيلة التي تتحرك بسلمية ومن دون السباق على السلطة, وهي لا يمكن أن تقبل بإعادة بناء سوريا على أساس عرقي أو ديني, مستفيدة من تجربتها المؤلمة مع البعث من جهة, ومن جهة أنها تنبذ تلك الدولة التي يتم إختطافها بشعارات أصولية متطرفة, قومية كانت أو دينية.. وخاصة بعد تفشي التنظيمات الإرهابية على مساحة الوطن باسم الدين, وإرهابها التي حركت ضمير العالم الحر " ممثلة بداعش وجبهة النصرة " إلى جانب المئات من الكتائب المسلحة بأسماء دينية فعلها الإجرام والسلب والنهب والخطف, بعيدة كل البعد عن مشروع دولة. ليبقى السؤال المطروح على الملأ: كيف يمكن الحفاظ على سوريا, والعمل على إعادة بنائها وبأية صيغة ممكنة ؟
أعتقد أن ستة أعوام من عمر المآسي أثقلت كاهلها على الجرح النازف في جسم سوريا, ولن أخفي أبداً, بأن الجرح له علاقة بما يجري في العراق, وبالتالي المفاعيل متعددة, والتي تسبب إستمرارية النزف من أجل البحث عن مستندات المصالح الإقليمية والدولية, هذه المفاعيل تتفاعل في ظل غياب الإرادة الحرة للشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه, وبالتالي, نرى أن تصفية حسابات إقليمية تتفجر في الداخل السوري وعلى حساب الشعب السوري تحت مسميات عديدة وشعارات تغطي قباحة وإجرام المتصارعين على مقدرات سوريا. والجزء الأهم من السؤال أطرحه على أولئك الذين ينصبون أنفسهم حماة سوريا من الوطنيين والديمقراطيين والنخبة العلمانية من السوريين: هل تسعون إلى إعادة بناء سورياً ترميماً على ما تهدم من بنائها, أم ستسعون لولادة جديدة لدولة عصرية تفصل في تاريخ بنائها عن الماضي المدمِرْ؟
أعتقد أن السوريون أمام حالة تفصله عن الماضي, لطالما الماضي لم يُشَرِفُ أحداً ولطالما أدى إلى تدمير سوريا, فإن غالبية السوريين من المكونات الأخرى تبحث عن منفذ يخرجهم من هذه العتمة المرعبة, مع أنهم يملكون رؤية قد تكون هي النافذة إلى الخروج, لكنها غير مسموعة في هذه اللحظات الحرجة التي ترتفع فيها أصوات المدافع والصواريخ ضمن خيمة من الأدخنة والغبار نتيجة التدمير اليومي لما بقيت من سوريا. لكن أعتقد أنها " الرؤية " ستظهر على السطح عندما تتحرك الإرادة, مع إقرار المجتمع الدولي لوضع نهاية لهذه المأساة التي أنتجتها الشمولية والعصبية القومية والدينية. وذلك لوضعنا أمام خيارين, إما أن نجعل من سوريا ولادة جديدة بعيدة عن مقدمة تأسيسها الخاطئة والعمل بها طوال تلك العهود التي تفردت بها أنظمة الإستبداد.. بالعكس من ذلك, تكون سوريا ليست لطائفة أو قومية دون الآخر مع الحفاظ على خصوصية كل مكون ضمن خارطة تنتمي إليها كل المكونات, وبالتالي تكون شركاء في بناء الدولة تحدد الدستور حدودتلك المكونات وبتوافق, من دون إعطاء صفة الأغلبية والأقلية بين المكونات العرقية, لطالما أن الشعوب لا يحدد بمقياس العدد في تاريخها. 
ومن أجل تحقيق ذلك, يجب فتح الحوار بين كافة المكونات للبحث عن طريقة التعامل مع الوضع الراهن وتحويله إلى موضع آخر متاح بشكل أكثر للتواصل والتعاطي مع عناصر الأزمة وفكفكتها, وبالتالي نبحث عن ناتج يدفعنا نحو إيقاف النزيف بالتعاون مع المجتمع الدولي, والإشارة إلى مستندات تبنى عليها الدولة الديمقراطية الإتحادية... ولا أعتقد أننا سنرى سوريا الغد خارج هذا الممكن, وإلا ستتجزأ سوريا إلى قِطَعٍ متناثرة قد تُرْضي القومجية والإسلامويين فقط.
27/11/2016






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21541