انتخبتُ هيلاري
التاريخ: السبت 12 تشرين الثاني 2016
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

  ونجحت بالحصول على الأغلبية من أصوات الأمريكيين، متجاوزة ترمب ب 400 ألف صوت تقريبا، بنسبة 47.7 إلى 47.4 لكنها خسرت لأن قوانين الانتخابات في أمريكا تستند على عدد (مندوبي الناخبين) وليس الناخبين، فترمب حصد 290 مقابل 232 لهيلاري. حدثت مثل هذه الحالة مع المرشح الديمقراطي آل غور منافس جورج بوش الأبن عام 2000م، وبزيادة 500 ألف لصالح الديمقراطيين لكن نسبة المندوبين كانت قريبة 271 إلى266 لأل غور، فنجح بوش الأبن. وهذه لم تثير خبراء الحملات الانتخابية، مثلما أثارتهم توقعاتهم الخاطئة، لكنها أرعبت شريحة من الشباب ضمن الأقليات، وتدفعهم هذه الأيام للتظاهر في الشارع الأمريكي، متحججين بأن وراء نجاحه قوى عنصرية متخفية، ولا تزال تسيطر على مخارج ومداخل السياسية الأمريكية.


وثورة الخبراء والمحللين ومتتبعي الحملات الانتخابية من المراكز الاستراتيجية إلى الإعلام، أعمق من مسيرات الشباب في عدة مدن، تبحث عن ظاهرة الخطأ الفاضح، الذي وقع فيه معظم الإعلام ومن الجهتين، والتي كانت تبين تفوق هيلاري على ترمب بنقاط تجاوزت الثلاث حتى يوم السبت السابق ليوم الانتخابات، وحسب قناة فوكس نيوز كانت النسبة 48 إلى 44 لصالح هيلاري. وستدرس كحدث علمي غريب، وستصبح من أحد مجريات الأبحاث المهمة في المراكز الاستراتيجية المختصة، من الإعلام إلى الإحصاء، على مستوى أمريكا والعالم، وليس فقط في مجال الانتخابات، بل في العديد من العلوم. ويستثنى هنا القلة التي توقعت العكس، وبنوا رؤيتهم أو توقعاتهم على التحليلات الشخصية أو العاطفة، أو المصلحة. علماً أن هذه الانتخابات سجلت أدنى نسبة مشاركة في التاريخ الأمريكي القريب، وكانت أقل من المرات السابقة لها بعدة ملايين، رغم تزايد أعداد الناخبين، ففي سنة المنافسة بين أوباما وميت رامني عام 2012م تجاوزت نسبة المنتخبين 130 مليون من أصل 200 مليون، وفي هذه لم يتجاوزوا 120 مليون مشترك. 
 لربما إنها النزعة الإنسانية، الطامحة، فأغلبية البشر، يمجدون صاحب المال، حتى ولو كانوا يكرهون أفعاله أو صفاته، ويرغبون في السلطة القوية، حتى ولو كانوا ضد الاستبداد، والمجتمعات تمل الروتين في الحياة، وتدعم الثورات، وهي إحدى الأسباب المؤدية إلى التطور. فهذه الخواص تجلت في الانتخابات الأمريكية، وكانت صارخة في شخصية المرشح ترمب، لذلك فالذين كانوا ضد ترمب كشخصية، وكصفات، من التصريحات العنصرية، إلى عنجهيته وتعامله مع الأخرين كثري متعجرف لم يتحدث يوما مع فقير، وهذه الخاصية أثارتها مرة منافسته، هيلاري، فقالت إنه لم يتحدث يوما مع فقير، باستثناء الخادمة التي تنظف بيته.
 والأن الناس، وحتى أن معظم الذي صوتوا ضده، يفرحون أو صامتون لنجاحه، باستثناء السياسيين الذين هم ضد سياسته واستراتيجية حزبه الجمهوري، والأغلبية المتظاهرة في الشوارع الأمريكية، تخرج ليس تأييدا لهيلاري بقدر ما هي رهبة من ترمب أو كرها في تعجرفه وصفاته الشخصية، وخاصة أن النزعة العنصرية بدأت ترفع رأسها، حتى ولو كانت صغيرة ومتفرقة، لكنها ترعب شريحة من المجتمع، وفعلاً برزت بعض الطفرات، فقد ذكر، دون أن تتحدث عنها الإعلام، أن مجموعة، تلبس طاقية ترامب الانتخابية، تعرضت لبعض ساحات المساجد، وبعض النساء المحجبات. ولكن ما تركز عليه الإعلام الأن، حوادث تقلق الساحة الأمريكية، وأدت حتى الأن إلى زج أكثر من 200 شخص في السجن. ففي داخل مدرسة إعدادية قام بعض الأطفال بمسيرة، رافعين شعارات ترمب، وينادون بهيمنة (العنصر الأبيض) وليس تفوقه، وفي أخرى يطالبون ببناء الجدار على حدود المكسيك.
   فأغلبية المجتمع الأمريكي أبناء الستينات ويتذكرون التمييز العنصري بحذافيره، أيام كانت حنفيات شرب مياه البيض ممنوعة على السود، وباب الباص الخلفي مخصص للسود والأمامي للبيض، وكانت حتى مراحيض البيض ممنوعة للسود استخدامها، ومثلها المطاعم. في مجريات حديث بيني وبين أحد السود وكان محاميا، قال بأنه يتذكر كيف كان مفروضا، وهو طفل، مع والده الأمي، صاحب شركة صغيرة، الخروج من مدينة هيوستن قبل حلول الظلام، وكان ممنوعا وتحت طائلة السجن بقاء الأسود داخل المدينة بعد انتهاء العمل. هذه النزعة إن لم تلجم، وهي في مهدها، ستؤدي إلى توسيع هوة الخلاف بين المجتمع الأمريكي، والذي بدأ معظم السياسيين والإعلاميين يلاحظون وجوده، وعلى الأغلب للحزبين والإعلام دور كبير في توسيع الشق، لذلك وللتغطية أو لرأب الصدع نجد أن الأقطاب السياسة تركز وبدون تغطية على أمريكا كوطن، يخدمونها قبل الحزب والانتماءات العرقية، وهذا ما شدد عليه كل من أوباما وترمب عند لقائهما في البيت الأبيض، في بداية مرحلة نقل الوظائف، أو الاستلام والتسليم. 
   هذه الظاهرة، تنتشر في الخارج أيضاً، فمعظم سلطات دول العالم تنتظر مجريات الأحداث، ومثلهم بعض الشعوب والمنظمات، والتبدلات التي ستحصل على السياسة الخارجية الأمريكية، منهم برهبة والبعض بتلهف وأمل، والمرشحة الخاسرة بدأت تضيع من ذاكرتهم، والأنظار تتجه إلى السلطة الأمريكية القوية، وما ستقدمها لهم، أو ستسحبها منهم، أو ما ستعوضها من الخسائر، النفسية على الأقل، والتي هدرتها المرحلة الديمقراطية الأوبامية السابقة، وإلى أية درجة سيعيد دونالد ترمب الإمبراطورية الأمريكية إلى مكانتها، وسيحد من الطغيان الروسي والهيمنة البوتينية.
 والجميع على أحر من الجمر، ينتظرون مدى تطبيقه لوعوده في أول 100 يوم، خاصة وأن مجلسي الشيوخ والنواب معه، وبأغلبية مطلقه من الحزب الجمهوري، وهذا التوافق لم يحدث في تاريخ أمريكا منذ عام 1928م، وهي ستسهل له نقل ما سيعرضه إلى الواقع العملي.
  وتبقى جدلية الخلاف قائمة، بين أقطاب الجمهوريين المحافظين، أصحاب الأرستقراطية في السياستين الخارجية والداخلية، وبين مرشحهم دونالد ترمب وتصريحاته وتعامله وأخلاقياته، والذي عرف بلسانه السليط، والتصريحات الفجة، ومواقفه العنصرية، والتهديدات المباشرة للدول الإسلامية والناتو، وسياسته الخارجية، والتي يتوقعونها أن تلتقي ومصالحهم الاقتصادية من جهة، وتتعارض واستراتيجيتهم، منتبهين أن هذا الملياردير يبحث عن مصلحة أمريكا دون العالم، وأناني كأي ثري، وسياسته الخارجية تخدم أمريكا دون غيرها من العالم، لكنه مع ذلك لا يقدم استراتيجية على مبدأ إعادة الإمبراطورية الأمريكية، التي يجب أن تدعم الأخرين لهيبة، وهنا تكمن نقطة الرجحان بين الجمهوريين كحزب واستراتيجية وكشخص ترمب الرأسمالي الباحث عن الأرباح. 
  والشرق الأوسط، ومن ضمنها الكرد، تقع في محرقة هذه الاستراتيجية، بسبب تمركز المنظمات الإرهابية الإسلامية الراديكالية فيها، والتي تسلط عليها ترمب من بدايات حملته الانتخابية. ولا شك، في هذا المجال يلتقي وتكتيك بوتين، ومن المرجح ألا يتعارض معه في اعتبار الـ 170 منظمة معارضة سورية إرهابيين. وتعامله مع دول المنطقة الغنية قد يبنيها على العلاقات الاقتصادية، من جهة، والعسكرية من جهة أخرى، ومع تركيا كأحد أكبر دول حلف الناتو، وهذه قد تحرف ترمب عن نزعاته التكتيكية أو لنقل مفاهيمه الشخصية، والتي تتجه إلى تصعيد تسليح الكرد، القائم حتى الأن، وفي الإقليمين الجنوبي والغربي. مع ذلك وخارج احتمالية هذا التأرجح، يقيم الخبراء الأمريكيين العسكريين والسياسيين القوات الكردية كأفضل القوات، وأصدقها في محاربة داعش، وغيرها من المنظمات الإرهابية، وعليه تتقاطع مصالح أمريكا في المنطقة مع دعمهم، ومخطط ترامب وتكتيكه، في محاربة الإرهاب، خارج الحيز الاقتصادي، تتطلب تسليح الكرد، ويؤمل أن يستمر هذا الدعم، وترفع من سوية تسليحهم إلى سوية الدعم السياسي والاعتراف أو تأييد مطالبهم السياسية والقومية، كالفيدرالية أو لربما أبعد. مع ذلك، وكما ذكرنا سابقاً، تظل احتمالية ترجيحه لمصالح أمريكا الاقتصادية والعسكرية والسياسية، على استراتيجيته الشخصية، أو تصريحات حملته الانتخابية، وتؤدي إلى استخدامه للكرد في حروب الوكالة، وبالتالي يتخلى عنهم، وتجارب التاريخ عديدة في هذا المجال. وهنا تبقى للقوى الكردستانية دورها، في مدى القدرة على التحرر من الإملاءات الإقليمية، والتقارب والتلاحم وتوحيد المواقف، سياسيا وعسكريا، لمواجهة القوى الإقليمية، وبأن وجودها كقوة عسكرية وسياسية وديمغرافية وعلى جغرافية واسعة، لا يمكن تهميشها في المنطقة، ووجودها كهيئة سياسية تتقاطع ومصالح أمريكا وروسيا في المنطقة، مثلها مثل الدول الإقليمية الأخرى.
 مع ذلك قد تأتي الأيام وتتبدل الاستراتيجيات، مثلما حدثت في التوقعات، وقد يؤثر أقطاب استراتيجي الحزب في مرشحهم، ومعهم أو معه أكثر من 4000 موظف جمهوري سيحلون مكان الديمقراطيين في البيت الأبيض والمراكز الإدارية الأخرى، والتأثير ضمن جملة من التوقعات غير المضمونة لقادم الأيام، كالسؤال الذي أثارته بعض مراكز الإعلام الكبرى في أمريكا: هل سيؤثر دونالد ترمب، في نظام البيت الأبيض وروتينه أم ستؤثر فيه وستشذبه؟ وأي نوع من المفروشات ستختاره زوجته السيدة الأولى، عارضة الأزياء المشهورة، والاختيار هو من ضمن تشكيلة تحددها إدارة البيت الأبيض، لاعتبارات أرستقراطية وسرية البيت؟

الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
10/11/2016م







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21482