في يوبــيـلها الـذهــبي الحركة الكردية في سوريا ما لها و ما عليها
التاريخ: السبت 16 حزيران 2007
الموضوع:


بقلم :سوزدار- ج
 
 لست هنا بصدد التذكير بمبررات تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا فما فيه الكرد حالياً في جميع مناحي حياتهم هو الجواب الكافي لدوافع ظهور البارتي على الساحة السياسية في سوريا كحزب سياسي يمثل طموحات الشعب الكردي في سوريا في الحياة الحرة و الكريمة متساوين في الحقوق و الواجبات مع بقية مكونات المجتمع السوري ، الحق الطبيعي الذي لم يتحقق لتاريخه .


حيث كل ما أبغيه في مقالي هذا هو تقييم المرحلة الماضية من عمر الحراك السياسي الكردي في سوريا و ذلك في حدود إدراكي المتواضع و  تجربتي في هذا الحراك و التي زادت عن ربع قرن أسردها ضمن محاور عدة  , مراعياً التسلسل الزمني قدر الإمكان , و التطرق إلى معظم القضايا بإيجاز , متجنباً سرد التفاصيل التي تدخر بحق ذاكرتي و بعض تدويناتي المستقاة من مصادر عدة , كماً لابأس به من تلك التفاصيل ،منوهاً بأن الهدف من هذا التدوين ليس أن أقر حقاً أو أن أمحو باطلاً , أو أن أدافع عن أحد أو أن أدين أحد , لأن ذلك مطلب تأخر وقته سياسياً و إن لم ينته تاريخياً , حيث أن الحقيقة عليها الانتظار حتى تنجلي الغمة عن ذاكرة الأمة , فالقوى التي تهيمن على الأرض و موارده , و على القرار و سلطته , و تلجم الكلمة إلا التي تخدم أجندتها , و تقفل على الرأي إلاّ الذي يترنم تراتيلها , كان لا بد لها من أن تمد سطوتها إلى الذاكرة , لأنها مجمع الحكمة ومستودع الضمير , و هناك تكمن إرادة الشعوب . كما أن الغاية في الخوض في كثير من التفاصيل التي قد تسبب لي متاعب , بل و توجه إلى صدري سهام و رماح , كم جهدت على تفادي الكثير منها في الماضي , و دافعي بحق ليست الشفافية على ما لها من ايجابيات و ما فيها من سلبيات فحسب بقدر ما كانت رغبتي أن أفتح باباً على المراجعة , قد يحرك شيئاً من ركام الماضي , فتُري  الكثيرين ممن لم يروا أو يسمعوا أو نقلت إليهم الأمور مشوهةً _ أدعوا الله ألا أكون منهم _ من حيثيات هذا الكم من ماضينا النضالي فتكون لنا عظةًًً و ذكرى , لعل الذكرى تنفع الحريصين , فكان لي هذا السرد التاريخي لعمر حراكنا السياسي , ضمن محاور ارتأيت أن يكون  ترتيبها كالآتي : 


أولاً :  ايجابيات تواجد البارتي كحزب و فصيل سياسي :

 1- تنظيم الحالة السياسية الكردية من حالة تبديد قوى لا حصر لها إلى حالة توحيد هذه القوى و تأطير مجالات نضالها في خدمة قضية الشعب الكردي في سوريا
2- الحفاظ على القيم القومية للشعب الكردي ووجوده كشعب على أرضه التاريخية , له خصوصياته و قضيته التي تستوجب النضال من أجل نصرتها و إحقاقها , و صونه من شرور ما حيك و خطط له بالانصهار و الذوبان في بوتقة القومية العربية من جهة, و من مساوئ استثمار حالات الغبن الاجتماعي و الفقر و التدين  السائدة في المجتمع الكردي من قبل قوى كالشيوعية و الدينية و تغلغلها في كيانه و الانتعاش فيه من جهة أخرى
3- انحسار الحالة العشائرية , و التزمت الديني في المجتمع الكردي و سيادة الحالة القومية .
4-توجيه الشعب الكردي  باتجاه التوعية  السياسية  و الثقافية و الاجتماعية مما ميّزه عن محيطه الاجتماعي من باقي الاثنيات و الأعراق بمزيدٍ من الانفتاح على القيم الإنسانية و الحضارية  و التحرر من إفرازات الفكر القبلي و التزمت الديني و ازدهار التعليم في وسطه بكسره طبقات الجليد التي أحيطت بكيانه بعملية سياسية شوفينية ممنهجة فكان عشق الكرد للنور و عمق جذوره  في التاريخ , ركائُزه في تجاوز و تحطيم كل ما حيك له و بني حوله من أسوار بناه الفكر الظلامي المعتوه و الغارق في القبلية القائمة على إلغاء الآخر ونهبه .
5- الإبقاء على البعد القومي للشعب الكردي في سوريا و انتعاش أواصر الربط و التواصل المميزة و المشهودة له بحق مع أقرانه في بقية أجزاء كردستان  متحملاً تبعات ذلك التواصل بمزيدٍ من التضحيات و القرابين و السلبيات .

ثانياً : مسيرة البارتي النضالية و انشطاره و انحساره : 
 
تأسس البارتي عام 1957 على يد نخبة من المثقفين الكورد (عثمان صبري ,حمزة نويران, محمد علي خوجة , عبد الحميد درويش ....)  برز بينهم الأستاذ الكبير الدكتور نور الدين ظاظا الذي كان سكرتيراً للحزب و قد ساهمت الاعتقالات المتتالية له و الضغوطات المادية و المعنوية عليه و التقاء مصالح بعض رفاقه مع توجهات السلطات في تلك الأحايين باستبعاده  مفكراً نيّراً و قيادياً شجاعاً و حكيماً في تدبيره و تسييره لدفة القيادة في الحزب على الرغم مما قيل عن موقفه في عدم الدفاع عن شعار الحزب في حينه القائم على توحيد وتحرير كردستان و إقراره بأن هذا في الوقت الحالي حلم على خلاف موقف المناضل المرحوم عثمان صبري الذي التزم بالشعار لأنه إقرار و مادة في  وثائق الحزب و ذلك أثناء اعتقالهما . حيث بدأت الاختراقات و بالتالي الخلافات تدب كيان البارتي الذي التف حوله الغالبية العظمى من الشعب الكردي في سوريا سيّما بعد انطلاقة ثورة أيلول الكبيرة بقيادة البارزاني الخالد و كانت تلك الخلافات و الانشقاقات كالآتي :

أولاً -انشقاق عام 1965 :


 الذي كان موازياً لانشقاق 1964 في قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بكل حيثياته على الرغم مما قيل و ما زال تردده قيادات الطرف اليساري في حينه بأن الانشقاق كان خلافاً فكرياً ذو طابع طبقي إلاّ أن الحالة الاجتماعية للكرد  لم تكن بحق مهيأة لهكذا صراع في تلك الحقبة من التاريخ من جهة , كما أن إطلاعي على الكثير من الحقائق و الأمور المتعلقة بمجريات الأحداث في الحزب في تلك الفترة و من مصادر كانت ذات فاعلية وقتها و حالياً هي خارج العمل التنظيمي و كثير من تلك الوقائع لا تصلح للنشر حالياً فنحن أحوج ما نكون إلى ترتيب البيت الكردي  و الكردستاني فإن زبدة الحديث كان الانقسام في  البارتي و قد بدأ ببروز حالة غير صحية في قيادة الحزب كان رد القواعد عليها  هو الامتناع عن دفع الاشتراكات الحزبية في معظم المناطق إلى حين تحديد الموقف مما جرى في الثورة (كردستان العراق) , تطور إلى ظهور تنسيق بين معظم فروع الحزب و اجتماع ممثليها في قرية حلاق و الاتفاق على إرسال وفد إلى قيادة الثورة) و ممارسة العمل الحزبي كالمعتاد مع قطع التواصل مع القيادة  , و توزيع نشرات دورية بخط اليد بين الرفاق حيث برز مصطلح المعارضة في تلك الفترة و بقي الوضع بين شد و مد إلى حين انعقاد كونفراسين حزبيين متزامنين أحدهما لتيار عثمان صبري و الآخر لتيار عبد الحميد حضره السيد نعمان عيسى مسؤول الفرع الأول في الديمقراطي الكردستاني – العراق, و كان انقسام البارتي إلى تيارين :
أ- تيار سمي باليسار و يقوده المرحوم  عثمان صبري ( أحد مؤسسي البارتي) و كان يمثل الغالبية العظمى من الحزب
ب - تيار سمي باليمين و يقوده السيد عبد الحميد حاج درويش ( أيضاً من مؤسسي البارتي)

 و قد استمرت المنافسة و الادعاء بين الطرفين على موالاتهما لقيادة الثورة لفترة طويلة ,و في صراع الطرفين على الشرعية و كسب تأييد قيادة الثورة قصص و حكايات هي طُرف و نكت لا سيما في ريف ديريك .
- بقي اليسار على اتصال و دعم من قيادة الثورة حيث نال الشرعية الجماهيرية من مواقفه و توجهاته التي جانبت المساومة و المهادنة مع السلطة و من دعم ومساندة قيادة الثورة له و نظراً لتوجهات سكرتير الحزب المناضل عثمان صبري  الراديكالية المتسمة بالمزيد من الصرامة و التشدد في اتخاذ القرارات و تبني المواقف , و الطموحة إلى المزيد من الاستقلالية مما أُخذ عليه من قبل بعض رفاقه و منافسيه ,بسوء تدبيره للأمور و عدم قدرته على التوفيق بين الظروف الموضوعية و الذاتية السائدة في حينه و قراءته السياسية غير المنطقية للوقائع و المستجدات و ما رافق تلك الترويجات و الأقاويل في الوسط الكردي من تضخيم و تهويل ساهم فيها الرفاق و الخصوم و الأعداء على حدٍ سواء توجت بتنحيه جانباً من الحزب, بلعبة محكمة و كالوا له من التهم التي ما أنزل الله بها من سلطان  لا سيما في موقفه في التصدي لمشروع الحزام العربي  و مزارع الدولة , محرفين تصريحاته في هذا الصدد .

ثانياً- عام 1970 و المؤتمر الوطني و الانشطارالثلاثي :

 حيث بمباركة من قيادة الثورة انعقد المؤتمر في ناوبردان في كردستان العراق للوحدة بين الشقين ( اليسار و اليمين ) و تم فيه اختيار قيادة مرحلية ( مؤقتة) تضم في عضويتها شخصيات وطنية و اختير السيد دهام ميرو سكرتيراً للحزب و كان ذلك أيضاً رغبة وتكتيك من السيدين حميد وصلاح معاً و كلأ بمفرده ظانين استغلال عدم إلمام السيد دهام بالسياسة و عدم معرفته بالأمور التنظيمية و لكن شاءت الأقدار أن ينقلب السحر على الساحر و كان للقيادي بهجت ملا طاهر دوراً كبيراً في مساعدة السيد دهام على إدارة الأمور , فلم تدم الوحدة سوى أسابيع قليلة  , حتى بدأت الخلايا المحسوبة على السيدين الآنفي الذكر تتنشط في المناطق فانقسم الحزب إلى التيارات الثلاث :
أ- اليسار بقيادة السيد صلاح بدر الدين و كان قليل النفوذ
ب- اليمين بقيادة السيد عبدالحميد حاج درويش و تقلص أكثر بعد مؤتمر الوحدة
ج- الحياد بقيادة السيد دهام ميرو حيث عقد مؤتمره الحزبي الأول في عام 1972 في الداوودية في كردستان العراق  و جدد لدهام سكرتارية الحزب و كان مدعوماً من قيادة الثورة ,و قد اعتقل غالبية قيادته عام  1973 بالتزامن مع بيان موقف الحزب من جلب العرب الغمر إلى مناطق الكرد الذي قُررَ في العام نفسه , و بقي هؤلاء القياديين  في المعتقل لمدد تتراوح بين تسع سنوات إلى أحد عشر عاماً , تم إطلاق سراحهم على دفعات , مارست الكوادر المتقدمة دوراً و جهداً مميزين صانا به حزبهم و رفاقهم من التشتت و اليأس .


ثالثاً :  اتفاقية آذار الخيانية و  نكسة الثورة و انعكاساتها على الحركة الكردية في سوريا:


بعد نكسة الثورة و اتفاقية آذار السيئة الصيت و ما رافق ذلك من هجرة قيادة الثورة و على رأسهم البارزاني الخالد و الكثير من كوادر الحزب و بيشمركتها إلى إيران و آخرون إلى سوريا و تركيا و استسلام البعض منهم للنظام الفاشي في العراق فقد رافقت الحالة تلك مثيلتها على الساحة السياسية الكردية في سوريا بكل تفصيلاتها و إفرازاتها حيث حالة الإحباط و الأسى التي انتابت الشارع الكردي  كانت لها صداها و انعكاساتها على العملية السياسية للكرد في سوريا و تجلى ذلك في ما تلي تلك النكبة من وقائع و أحداث حيث كان منها:
أ‌- انشقاق البارتي ( الحياد) بقيادة شيخ باقي و معه معظم القياديين ممن نجا من الاعتقال و بقي خارج السجن حيث رافقت الانشقاق توجهات و أطروحات تفوح منها  رائحة الاختراقات و المساومات فانقسم الحزب إلى فصيلين أحدهما بقيادة المحامي مصطفى إبراهيم بعد أن أعتقل سكرتير الحزب الأستاذ حميد سينو الذي أطلق سراحه من السجن بسبب مرضه الذي أودى بحياته و هو في ريعان شبابه و الآخر بقيادة شيخ باقي الحسيني الذي بدأ هيكله التنظيمي بالتآكل حتى لم يعد له وجود إلا في مناطق محدودة و بحجم محدود و قد سمي بــ (( الحزب الديمقراطي الكردي السوري )) و الآن يتزعم الحزب نجله السيد جمال عبد الباقي و أنصاره معدودون جداً .
ب‌-  انشقاق اليسار  الكردي في عام 1976  و انقسامه إلى فصيلين أحدهما بقيادة رئيس الحزب السابق الموجود في لبنان في تلك الفترة ( حالياً في كردستان العراق ) السيد صلاح بدر الدين و الآخر بقيادة المرحوم الأستاذ عصمت سيدا , و قد كان لتأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني في سوريا في نفس الفترة صداه في هذا الانشقاق , حيث كانت العلاقة بين اليسار ( بقيادة عصمت ) و الاتحاد الوطني الكردستاني حميمة لتاريخ 1996 حيث انقسم اليسار بعد وفاة المرحوم عصمت سيدا ,و مازال طرف منه يحافظ على تلك العلاقة.
ت‌- تأسيس الحزب الاشتراكي الكردي السوري في عام /....1976./  و علاقته مع الاتحاد الوطني الكردستاني كانت جيدة حيث دفع السيد عزيز جركس من قيادييه حياته ثمناً لهذه العلاقة في معارك عام 1977 بين قوات القيادة المؤقتة للبارتي و قوات الاتحاد و قد انضم إليه فيما بعد مجموعة انفصلت عن اتحاد الشعب  بقيادة السيد محمد خليل إبراهيم و شكلوا ((الحزب الديمقراطي الاشتراكي الكردي الموحد) ثم أعيد إليه اسمه الأول في مؤتمر تالي لتاريخ الوحدة و كان سكرتيره السيد صالح كدو, و ذلك بعد انسحاب سكرتير الحزب المحامي صادق مع مجموعة أخرى من رفاقه ومنهم السيد صالح أسود وانضمامهم إلى البارتي في بداية الثمانينات
ث‌- تأسيس حزب بروسك بقيادة رشيد ملا عبد الله ( مراسل فضائية كردستان حاليًا ) حيث كان على صدر جريدته صورة المرحوم البارزاني الخالد و كان الحزب موضع شبهة من عامة الكرد .
  بعد تأزم العلاقات بين قيادتي البعث في دمشق و بغداد و فشل مشروع التقارب أو الوحدة بين البلدين و انقلاب صدام على البكر انتعشت أطراف المعارضة العراقية في سوريا و مارست نشاطاتها بشكل علني و ما أفرزته هذه الحالة من تحالفات و اصطفافات و تشكيل محاور فكان ميلاد جبهة / جوقد / العراقية في سوريا و قابلها ميلاد جبهة / /جود /  في كردستان و تأرجحت القوة العسكرية للجبهتين في الساحة العملية بين قوات البارتي و قوات الاتحاد و أنصار الحزب الشيوعي العراقي و الاشتراكي الكردستاني العراقي و كانت لتلك الاصطفافات انعكاساتها على الساحة السياسية الكردية في سوريا إذ ظهرت على مستوى التقاربات و المحاور بتقارب غير موفق بين حزب اتحاد الشعب و البارتي في سوريا المعروف بعلاقته مع الديمقراطي الكردستاني العراقي حيث لم يكلل بالنجاح و تلا ذلك تشكيل  الميثاق الذي ضم في عضويته أحزاب / اليسار الكردي– الديمقراطي التقدمي الكردي – الديمقراطي الكردي السوري / المتفقة في علاقاتها مع الاتحاد الوطني الكردستاني كما تكللت هذه الانعكاسات  بـمزيد من الانشقاقات و قليل من الوحدات غير الموفقة وهي كانت كالتالي  : 
  أ- انشقاق البارتي في سوريا عام 1982 بقيادة شيخ آلي الذي أخذ طابعاً مناطقياً حيث انحصر ثقل تأثيره في منطقة كرداغ ( عفرين ) مسقط رأس السيد محي الدين شيخ آلي الذي  كانت تربطه علاقات بالمرحوم سامي عبدا لرحمن حيث كان الانشقاق  صدىً لخلاف هذا الأخير مع قيادته بعد المؤتمر التاسع للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي /1979/ و تأسيسه حزب  الشعب الديمقراطي و قد بدأ ببيان مقاطعة انتخابات مجلس الشعب من قبل المنشقين و التظاهر بالتحلي بمزيد من الثورية و اليسارية كما هو الحال في كل الانشقاقات الكردية ألا وهو التظاهر بالمزيد من المزايا تميزه عن الأصل الذي تفرع منه وقد حذا بهم هذا التوجه , إلى تسمية حزبهم بحزب العمل الديمقراطي الكردي  .
ب- انشقاق اليسار الكردي في / 1982/ بقيادة السيد صبغت الله  فتح الله سيدا و تأسيسه لحزب الشغيلة تحت يافطة خلافات فكرية ذات طابع ماركسي حيث كانت الحركة الكردية تعاني وقتها اجتياح موجة الماركسية – اللينينية و كان هذه الأيديولوجية , غطاءً آخر لمزيدٍ من الانشقاقات في جسم الحركة إضافةً إلى عدم رضا السيد صبغت الله عن العلاقة بين اليسار و بين الاتحاد الوطني الكردستاني و قد استغل هذا الأخير ما حدث في منظمة دمشق للحزب و ظهور شريحة من الشباب المتأثر بأفكار و نمطية عمل الحزب العمال الكردستاني الذي كان على علاقة جيدة مع حزبهم و كان عددهم بحدود /180/ عضو حزبي حسب زعمهم   و من جملة مطا ليبهم تفرغ كوادر حزبية و رفع سوية الخطاب السياسي للحزب فكانت هذه المجموعة اللبنة الأولى التي استثمرها السيد صبغت الله  في التأسيس لانشقاقه وقد انضم  قسم لابأس به من هؤلاء الشباب إلى صفوف الحزب العمال الكردستاني .
ت- ظهور خلاف في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا / 1982/ في منطقة الجزيرة  قدروا بـ /312/  ( وفق تقديراتهم )عضو حزبي معظمهم من المثقفين كان على رأس مطا ليبهم بيان موقف الحزب من حقيقة وجود الكرد في سوريا كونهم شعب و ليسوا أقلية كما هو وارد في منهاج الحزب و قد كانت هذه المجموعة من أوائل ممن انخرطوا في صفوف حزب العمال الكردستاني و أسسوا له في سوريا و تلاهم ظهور حركة مماثلة في منطقة عفرين و حلب سميت   بالحركة التصحيحية في الحزب  بقيادة السيد رجب محو بدأت ببيان تحت الاسم المذكور و تابعت نشاطها لفترة لابأس بها ثم اختفت عن الأنظار
ث - خلاف عام / 1984 / في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ((البارتي )) بعد المؤتمر الرابع للحزب قام به جمعٌ من المثقفين الداعين إلى التزام الحزب بالماركسية – اللينينية و قد التزموا بيوتهم في الظاهر إلى انشقاق عام / 1988 / حيث انضموا إليه إذ لم تنقطع العلاقة بينهم و بين قيادة الانشقاق المذكور خلال فترة استبعادهم عن الحزب و كانوا يصرحون بذلك علناً .
- بعد تأسيس التحالف الديمقراطي بين الأحزاب / البارتي – اتحاد الشعب – اليساري الكردي / عام / 1986  /  كإطار لغالبية التنظيمات الكردية في سوريا تمخض عن هذا التقارب اتفاقات جانبية بين عدد من قيادات هذه الأحزاب لتشكيل حزب توحيدي شامل و أكثر ثورية و يسارية من أحزابها الأم بحسب ادعاءاتها.  فكانت الانشقاقات نحو التوحيد التالية:
    أ- انشقاق عام / 1988/ في ((البارتي)) بقيادة السيد إسماعيل عمر و كان مميزاً بالكم و النوع و لولا وقوف  الديمقراطي الكردستاني  العراقي إلى جانب المرحوم كمال أحمد لكان انقسام الحزب إلى قسمين شبه متساويين, و لكن حسم الموقف من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني –العراق كان له أثره البالغ على رصيد هذا الأخير في القواعد و  قلل من أنصار الانشقاق إلى دون نصف المتعاطفين معه و انحسار نفوذه في مناطق معينة.
ب- انشقاق الحزب اليساري الكردي في سوريا الموازي لانشقاق البارتي عام / 1989 / بقيادة صديق شرنخي و كان تأثيره قليل في الحزب نظراً لكون الحزب نفسه كان محدود الحجم.
 ت – انشقاق اتحاد الشعبي الكردي في سوريا , المرادف و المتفق مع الانشقاقين السابقين في العام نفسه بقيادة السيد حسن صالح ( تنورية)  و معه السيد فؤاد عليكو و أيضاً كان قليل التأثير في الحزب , ينسجم و حجم حزبهم الأم أيضاً.
ث - خلاف داخل حزب الشغيلة الكردي و انقسام في صفوفه تكلل بإنجاز عملية وحدة بين البعض من أعضائه  و الحزب اليساري الكردي عام/ 1992/  و انضمام الآخرين منهم إلى مشروع حزب الوحدة .
توجت هذه الجملة من الانشقاقات و كما كان متفقاً عليه بين أقطابها بوحدة اندماجية, بين المجموعات الآنفة الذكر و بين حزب العمل الديمقراطي , سبقتها تشكيل هيئة قيادية بينها توحدت على مشروع الملصقات الذي كان بتصوري مطية لتلك القيادات في تسويق نفسها إلى الشارع الكردي على متن أساليب جديدة في النضال مضحية ً ببعض رفاقها في غياهب سجون النظام , و إن كانت بروز أساليب جديدة في النضال لها ايجابياتها لاحقاً ,فكانت هذه الملصقات دفعاً و ضغطاً على القيادة المشتركة للاستعجال بعملية الوحدة التي تمت عام / 1993/ بتأسيس حزب الوحدة الديمقراطي الكردي العضو في التحالف الديمقراطي الكردي حالياً و دامت هذه الوحدة إلى عام /1996/ حيث انشق عن الحزب معظم الأعضاء الذين انشقوا عن اليسار و اتحاد الشعب و الشغيلة كما التزم الكثير منهم بيوتهم كما هو الحال في كل انشقاقات الحركة الكردية في سوريا .
د- انشقاق الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا /1992/ بقيادة كل من السيدين طاهر صفوك الذي أسس فيما بعد الحزب الديمقراطي الوطني و عزيز داوي الذي أبقى على الاسم الأول للحزب الديمقراطي التقدمي العضوان في الجبهة الديمقراطية الكردية  حاليًا  وكلاهما محدودا الحجم و في مناطق كثيرة أنصارهما لا يُذكرون  إنما وجودهما هو من تكتيكات الحالة المحاوراتية    .
ذ- انشقاق اليسار الكردي  بعد وفاة السيد عصمت الشخص الأول في الحزب ,إلى تيارين أحدهما بقيادة السيد خير الدين مراد و الآخر بقيادة السيد يوسف ديبو الذي استقال العمل السياسي فيما بعد و خلفه السيد محمد موسى في قيادة طرفه و قد بذلت جهود لإعادة اللحمة بينهما لا سيما من قبل قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني لم تكلل بالنجاح بل تناهت إلى القطيعة لا سيما بعد الحادث الأليم الذي أودى بحياة الشهيدين الأستاذ كمال أحمد الأمين العام للبارتي و السيد شيخموس موسى القيادي في اليسار الكردي /3/11/1996/  حيث بقي الطرف الذي سكرتيره الحالي السيد محمد موسى على علاقة جيدة مع الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي أي نال الشرعية من طرفه حسب العرف السياسي الكردي في سوريا على الرغم من محدودية أنصاره .

ر- انشقاق البارتي عام /1998/ :

بعد استشهاد المرحوم كمال أحمد الأمين العام للحزب في حادث سير أليم تحركت النيران و تنشطت من تحت الرماد و رأى البعض من قيادة البارتي مع البعض الآخر خارج الحزب ممن كانوا يريدون إضعاف البارتي أو فرض أجندتهم على توجهاته  سيما بعد زيارة الأخ مسعود البارزاني إلى القامشلي و ما قوبل به من حفاوة و حشد جماهيري ,  فكان افتعال الخلاف على منصب سكرتير الحزب و بالتالي التحارب من أجل جلب السيد محمد نذير مصطفى من خارج الحزب و تنصيبه سكرتيراً للحزب حسب شرطه للعودة إلى صفوف الحزب ,من خلال عرض الأمر على المؤتمر الثامن للحزب الذي تم فيه نكص العهود و استفزاز سكرتير الحزب في وقته السيد نصر الدين إبراهيم  و معظم القياديين السابقين و انسحابهم من المؤتمر الثامن . فكان فتح المجال لإعادة اصطفاف القوى من جديد في الساحة الكردية في سوريا و إعادة تشكيل المحاور  و بالتالي ميلاد إطار كردي آخر انضم في عضويته / البارتي طرف محمد نذير مصطفى – اليسار الكردي طرف خيرالدين مراد (انضم بعد تركه التحالف لاحقاً) – الديمقراطي التقدمي الكردي طرف عزيز داوي – الديمقراطي الوطني الكردي ( طاهر صفوك )/ و بالمقابل بقي في التحالف / البارتي طرف نصر الدين إبراهيم ( حيث اعتبر التحالف طرفه العضو الأساس فيه ) – الوحدة الديمقراطي الكردي- الديمقراطي التقدمي الكردي طرف عبد الحميد درويش الذي انضم إلى التحالف في بداية التسعينات – اليسار الكردي طرف محمد موسى – الديمقراطي الكردي السوري ( انسحب فيما بعد ) – اتحاد الشعب الكردي ( انسحب فيما بعد ) / و بقي الشارع الكردي مشتتاً بين الإطارين السابقين و حزب العمال الكردستاني و بين المشمئزين من الوضع العام و المتحججين به للتوجه باتجاه مصالحهم الخاصة و هذا جزءُ كبير مما أريد لمصير الحراك السياسي الكردي في سوريا .
ز-الوحدة بين الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي  ( عبدالحميد درويش ) و الاشتراكي الكردي ( صالح كدو ) المحدود الحجم كثيراً عام / 2002/  في حفل كبير بيوم /14/6/2002/ حيث يصادف يوم ميلاد أول حزب كردي في سوريا ( البارتي ) دعي إليه أحزاب كردية و عربية بما فيه أعضاء من حزب البعث و فعاليات ثقافية و اجتماعية حيث تناقلته بعض  الصحافة مثل  جريدة الحياة اللندنية وموقع إيلاف  و بتصوري كان الأمر له مدلولات كثيرة تتعلق بالتطورات على الصعيد العالمي و الإقليمي , و نشاطات الجالية الكردية في تلك الفترة في أوروبا , فكان المطلوب ترتيبات تشوش على  هذه النشاطات و تحجم دورها .

ق- خلاف البارتي طرف محمد نذير عام 2003 :

بعد تنصيب السيد محمد نذير مصطفى سكرتيراً للحزب و إظهاره على أنه المنقذ لأزمة البارتي و أن أسباب الخلاف الحقيقي في الحزب قد أزيل بعد المؤتمر الثامن و مع من خرج من صفوف الحزب في حينه جاءت الأيام لتثبت بأن ما حصل لم يكن سوى غيض من فيض , و أن ما في الحال غير الذي كان في البال , تخللت حياة الحزب خلافات حادة و اتهامات في القيادة وصلت حتى القواعد ظهر صداها خلال  انعقاد المؤتمر التاسع للحزب في أجواء مليئة بالمشاحنات   , حيث كان مشروع التأسيس للقوائم قائماً ,لذا فقد ظهرت قائمتان في الحزب  فازت الأولى في المؤتمر  بالحصول على غالبية اللجنة المركزية و فازت الثانية  في الحصول على غالبية الهيئات دون القيادة لذلك ألغت القيادة نتائج الانتخابات بعد شهرين من إجرائها و  تجميدها , ثم تراجعت  عن   قرارها بتصديق جزئي للنتائج  عندما اصطدم قرار الإلغاء بمعارضة عامة وحادة , و أدركت بأن الإلغاء يتطلب إعادة الانتخابات و تلك لن تغير من صورة النتائج  , ثم تلي ذلك بعد أشهر عديدة القرار الصادر عن السيد السكرتير العام للحزب السيد محمد نذير في /9/5/2003/ المتضمن إلغاء نتائج الانتخابات و تشكيل لجان منطقية جديدة أعاد إليها الراسبين  في الانتخابات و جمد بعض الناجحين . فكانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير , حيث  كان للمعارضين للقرار بقيادة السيد عبد الرحمن آلوجي صداه و أثره في جميع مناطق تواجد الحزب و بزخم كبير , لاقى استحساناً من لدن مؤيدي البارتي , و لكن كان لموقف الديمقراطي الكردستاني – العراق الساند للسيد محمد نذير  أيضاً أثره البالغ في أضعاف هذه المعارضة , و ما ميز هذه المعارضة التي بقيت خارج الحزب تحت اسم قيادة التنظيم في البارتي , هو عدم انجرارها إلى تأسيس حزب كما هو الحال في جميع خلافات الحركة الكردية في سوريا السابقة , مما أبقى لهم قبولاً و احتراماً من لدن الشارع الكردي بشقيه المنظم و غير المنظم , إلى أن كان جهود الوحدة بين أطراف البارتي بعد زيارة المناضل مسعود البارزاني  إلى سوريا في خريف 2003  و رغبته رؤية البارتي موحداً فكانت حوارات الوحدة التي تكللت بالوحدة  بين طرفين من البارتي هما ( طرف    نصر الدين – و طرف القواعد  )  حيث تمت الوحدة بينهما في /7/3/2004/  تاركةً الباب مفتوحاً   موقفاً و جهوداً مستمرة لاستكمال وحدة البارتي  ,إلا أن الوحدة تلك لم  توفق أيضاً حيث انهارت بعد /31/ شهراً من عمرها , تم خلالها نكص العهود و  التحايل على وثيقة الوحدة و عدم  الالتزام بمضمونها  , من قبل السيد نصر الدين إبراهيم سكرتير الحزب , حيث افترق الشركاء في المؤتمر العاشر  لطرف السيد نصر الدين إبراهيم على جملة مبادئ كان    في المقدمة الالتزام بنهج البارزاني كمدرسة نضالية كردستانية, حيث عادت القواعد لتعقد كونفرانساً حزبياً تبرئ فيه نفسها من مؤتمر الافتراق و تشكل لنفسها لجنة قيادية مهمتها السعي من أجل الوحدة مع رفاق الدرب القدامى في البارتي طرف السيد نذير مصطفى , و تكللت تلك الجهود بحق بحوارات خجولة في البداية  , ثم تطورت إلى تدخل شخصيات وطنية في مشروع الوحدة , و إنجاز عملية الوحدة التي أعلن عنها عبر بيان في /28/4/2007/  فكان عودة اللحمة بين رفاق الدرب .  و التي بدورها انتكست حيث انسحب البعض من هذه القواعد بقيادة السيد عبد الرحمن آلوجي عن الحزب من خلال بيان بين فيه الإجحاف الذي لحق به و برفاقه في المؤتمر العاشر للحزب و تحديد موقفه بالانسحاب كرد على ذلك , و قد تم بالفعل ما لم يرضي كل حريص على البارتي يريد الخير له في هذا المؤتمر حيث لم يراعى المستجدات التنظيمية في الحزب , بدمج عدة كتل تنظيمية في البارتي , كان من الواجب أخذ استحقاقات تلك التطورات بالحسبان , على أقل تقدير  .

  ثالثاً  :  أحداث 12  آذار و بناء المجموع :
       
 لقد كانت انتفاضة /12/ آذار انعطافه في تاريخ الحركة الكردية في سوريا أفرزت واقعاً جديداً فرض أجندته على الحراك السياسي الكردي في سوريا , أفاقت الكثيرين من سباتها و فرضت على الآخرين إعادة حساباتهم و مراجعة أجندتهم حيال القضية الكردية في سوريا سواءً على الصعيد الكردي أو على الصعيد الوطني السوري في مستوى المعارضة و السلطة على حدٍ سواء كما و قد جمعت المتباعدين في الساحة السياسية الكردية الذين أدركوا حجم الهوة بينهم و بين الشارع الكردي و مدى رقة القشرة التي تشكلها الحركة الكردية حول الكرة السياسية الكردية و سهولة تصدعها و اختراقها بأوهن الخطط و أصغر الهزات فكان الاجتماع  في منتصف المسافة ليشكلوا ما سمي بـ( مجموع الأحزاب الكردية في سوريا ) ضم في عضويته  اثنا عشر فصيلاً كردياً من ضمنهم الاتحاد الديمقراطي المؤلف من أنصار حزب العمال الكردستاني . التأم المجموع بين فكي الكماشة فك فرضه الشارع الكردي  كنتيجة داهمة من نتائج  الانتفاضة بتضحياتها و شهداءها و معتقليها و  استحقاقات ذلك على صعيد الحراك السياسي الكردي في سوريا و فك ألزمه حجم الحدث و أعباء حمله أمام أنظار السلطات و ما يترتب على ذلك من مسؤوليات ,لا يمكن لأي طرف بمفرده تحمل أعباءه و تلبية استحقاقاته ، مجموع أصدر باسمه تسع عشر بياناً لكنه لم يدم سوى أقل من عام واحد انفرط عقده بوضوح , و تساقطت أوراقه دون خريف يُذكر , حيث إطلاق سراح المعتقلين الكرد على خلفية الانتفاضة, كان النسيم العليل , الذي قطع خيط معاوية الرابط بين مكونات المجموع , كشّفته و أزالت الستار الهش عن عورته , المسيرة التي دعا إليها حزبا ( تكيتي و آزادي ) بعد استشهاد الشيخ معشوق الخزنوي  في مدينة  القامشلي و إفرازاتها و حرب البيانات بين الحزبين المذكورين و بقية الأحزاب و كأن أمراً آخر بدأ يفرض نفسه و يخطط له للإبقاء على تشتيت القرار السياسي الكردي بل و التحارب الكردي – الكردي لإعادة اليأس إلى الشارع الكردي و إجهاض ما تحقق من مكاسب و لو على حجمه الذي هو  دون الطموحات و لا يذكر أمام التضحيات و في هذه اللحظة الحرجة و الدقيقة ليس على صعيد الحركة و الوطن السوري فحسب بل على صعيد المنطقة برمتها و في ضوء المتغيرات المتلاحقة و المتسارعة و مشروع التحول الديمقراطي المطروح عالمياً كأحد استحقاقات النظام العالمي الجديد و العولمة و نظام المواطنة الكونية.
بتصوري بدأت الأحداث بمخطط  غير نظيف , يرتكز على إرهاصات الحالة العراقية بعد سقوط نظام صدام , و ما أفرزه السقوط من اصطفا فات عرقية و مذهبية , و ما رافقه  من حملة للطابور الخامس الإقليمي , البارع في استثمار الأزمات و هو يدرك خصوبة تربة سـوية وعي مجتمعاتنا , وقابليتها لاحتضان كل خبر , و كل طرح ,بل و كل خرافة , و بسرعة النار في الهشيم , فكان السعي , كما هو الحال دائماً , توافق دول الجوار على الحالة الكردستانية , و الحيلولة دون رؤية عدالة قضيتها بصيصاً من النور و الأمل , فكان التخطيط لصراع كردي – عربي يوقع الكرد في مستنقع الصراع , فيتخلف عن قطار مكاسب التغيير في العراق .  بدأت بوادره في العراق بقطع الرؤوس , و عبرت الحدود لتكون انتفاضة /12/ من آذار  , و آمال مخططيها - حسب تقديري -  كانت:
1- خلق صراع كردي - عربي  يضيع الحقوق و يخلط الأوراق لصالح أنظمة و جهات محددة .
2- تحويل المنطقة إلى ساحة حروب أهلية , تتحول إلى مستنقع يغرق فيه مشروع المد الديمقراطي , أو تخور قواه عل أقل تقدير .
3- تصالح قوى  متناحرة و بينها جدران دم , تحت يافطات شتى , وعلى حساب الدم الكردي .
4- الإيحاء لأصحاب مشروع التغيير بأن أي مكسب للكرد في كردستان العراق , سيكون حافزاً لأكراد بقية أجزاء كردستان  لرفع سوية نضالهم , و بالتالي خلق حالة فوضى و عدم استقرار في المنطقة .
5-    كبح جماح الحراك السياسي الكردي في سوريا بعد فترة لابأس بها من الحيوية , زاد في أواره حالة العراق الجديد , و الرغبة في إعادة القبضة الأمنية التي انتابها الارتخاء , نظراً للمتغيرات الإقليمية و الدولية .
6- تحويل المنطقة الكردية إلى منطقة عسكرية , بكل ما لها من سلبيات اجتماعية و ثقافية و اقتصادية , و هذا يتطلب خلق ذرائع , لاعتبارات داخلية و خارجية .
7- إيجاد مبرر لفرض حالة حصار اقتصادي على الشعب الكردي الذي استفاد من هامش بسيط أتيح له في هذا المنحى , فقفز قفزات ملفتة وملفتة  في حياته الاقتصادية , كادت أن تنعش الحياة الاقتصادية المحاصرة بإجراءات استثنائية مختلفة, بعد نجاحاته في الحالة  الثقافية و العلمية حيث إقبال أبناء الكرد على العلم و الثقافة على الرغم من العراقيل التي وضعت في طريقه .

رابعاً :  مسيرة الأطر الحزبية في الحراك السياسي الكردي في سوريا

  شهدت الحركة السياسية الكردية في سوريا حراكاً لا بأس به من أجل التقارب بين فصائله بدأ بمشروع التقارب بين اتحاد الشعب و البارتي  في /1982/ كما ذكرنا سابقاً ثم تأسيس الميثاق بين الأحزاب ( التقدمي – اليساري – الكردي السوري ) عام/ 1983 /  ثم التحالف الديمقراطي الكردي في عام /1986/ بين الأحزاب ( البارتي – اتحاد الشعب – اليساري )  بدأ شكلاً آخر من أشكال التشرذم يخطط له في الحراك السياسي الكردي في سوريا , و بدأ التشرذم يطال الأطر , فكان التشرذم المركب , الذي يزيد من تعقيدات التقارب , و يسهل السبل أمام ضعاف النفوس لتجد لها ملاذاً آمناً دون عناء يذكر مستثمرةً التناحر التحزبي في ساحة الحركة (خصم الخصم رفيق إن لم نقل عدو العدو صديق), و هنا تعيدني الذاكرة إلى عام / 1998 / حيث الانشقاق في (( البارتي) العضو المؤسس و الرئيسي في التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا الذي كان يضم معظم الأحزاب الكردية في حينه , و اتفاق معظم الأطراف فيه على دعم توجه السيد نصر الدين إبراهيم الذي انسحب من المؤتمر الثامن , و اعتبار طرفه يمثل البارتي العضو في التحالف و بالتالي تهميش و محاربة الحجم الحقيقي للبارتي الذي استكمل مؤتمره الثامن و أراد إشغال مقعده في التحالف , و لما اصطدم بمخطط حلفاء الأمس , و بدلاً من السعي  إلى فرض نفسه في الساحة مستنداً على قاعدته الجماهيرية العريضة و دعم حليفه الديمقراطي الكردستاني العراق له , و يلزم بذلك في فترة زمنية قصيرة هؤلاء الحلفاء , على مراجعة حساباتهم , لأنهم سيرغمون على الحوار مع البارتي الحقيقي إن عاجلاً أم آجلاً , لجأت قيادته و تحت تأثير ردات الأفعال إلى تشكيل إطار موازي للتحالف ضم في عضويته المنشقين عن السيد عبد الحميد درويش ( الديمقراطي الوطني – طاهر صفوك - و الديمقراطي التقدمي – عزيز داوي -) كما انضم إليهم فيما بعد اليساري الكردي طرف السيد خيرا لدين مراد , باسم الجبهة الديمقراطية الكردية في سوريا و به طفت على السطح ظاهرة أخرى بل و حجة أخرى أضيفت إلى جملة الحجج و التبريرات التي يتذرع بها قادة الأحزاب الكردية لممانعة التقارب بين الأحزاب و الأطر معاً ألا و هي موضوع تشابه الأسماء بين أطراف كل إطار , و عليه الانتقال من حالة التشرذم البسيط الحزبي إلى حالة التشرذم المركب الحزبي- الإطاري, كما لجأ حزب آزادي الكردي إلى نفس الأسلوب في خلافه مع رفاقه في الجبهة الديمقراطية الكردية في سوريا بعد الثاني عشر من آذار 2004 و انفراط عقد مجموع الأحزاب الكردية , لتؤسس لجنة التنسيق الكردية مع حزب يكيتي الكردي ( فؤاد عليكو ) و تيار المستقبل ( مشعل تمو ) حيث تجمعهم ممارسات حزبية و مواقف سياسية تتسم بالراديكالية و الثورية الاستثمارية حسب رأي . و عليه فإن الخريطة السياسية الكردية  و لتاريخ كتابة هذا المقال هي كالتالي :
1- أحزاب التحالف : - الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا - الديمقراطي الكردي في سوريا(( البارتي )) – الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا – اليساري الكردي في سوريا
2- أحزاب الجبهة : - الديمقراطي الكردي في سوري (( البارتي )) - – الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا - الديمقراطي الوطني الكردي في سوريا
 3- لجنة التنسيق الكردية : - حزب يكيتي الكردي في سوريا – تيار المستقبل الكردي –  حزب آزادي الكردي
 4-أحزاب خارج الأطر السابقة :  – الوفاق الكردي  -– الديمقراطي الكردي السوري - الاتحاد الديمقراطي  – اتحاد الشعب الكردي ( ما تبقى منه بعد الوحدة في آزادي )
  
رابعاًتقييم و وجهة نظر :


إن الانتشارين الأفقي و الشاقولي في الحركة الكردية في سوريا كان في أوجه منذ انطلاقة ثورة أيلول الوطنية عام 1961 و لغاية عام 1975 حيث اتفاقية آذار الخيانية و نكسة الثورة و نظراً لكون هذه الثورة العظيمة محط أنظار و آمال الكرد في كل أجزاء كردستان و كانت بحق ثورة كردستانية ساهم فيها الكردستانيون مادياً و معنوياً بقدر ما ساهمت هي في عودة الثقة بالنفس إلى الوعي القومي للإنسان الكردي  بعد الانتكاسات و الويلات التي لحقت به من مغتصبيه في ما سبق من ثوراته و انتفاضاته و آثار الحربين العالميتين عليه من جميع النواحي ، وقد كان لهذا الارتباط العضوي بين الثورة و الشعب الكردي و بشكل خاص الكرد في سوريا استحقاقاته و نتائجه تجلت فيما أفرزته هذه التربية الكردستانية من ظواهر الاستغلال و الاستثمار على صعيدي الذات الأهل و الآخر الخصم مستفيدين من الظروف الذاتية الغارقة في القمع بنتائجه و الوافرة بالعطاء في أجواء   الكبت و الاحتقان   و الظروف الموضوعية الغنية عن التعريف في ظل الحرب الباردة و إشكالياتها التي كانت في مجملها بالضد من طموحات الشعوب و حقوقها.
و بالأخذ بعين الاعتبار ما جلبته الارتباطات و الاختراقات و الخلافات و الانشقاقات المتتالية و المترادفة في الحركة ليس تآكلاً فحسب بل انهيارات في هيكلها التنظيمي أفقدها خيرة كوادرها و مناضليها و خيرة مثقفيها و بالتالي باتت الحركة تفتقر إلى الاستقرار لتتفرغ في تدبير أمورها بروية من جهة و من جهةٍ أخرى افتقارها إلى الكادر القيادي المؤهل و الكفوء في رسم الخطوط العريضة لسياسة أحزابها على كل الصعد و القادر على التوفيق بين البعدين القومي و الوطني في ممارسته العمل النضالي المناط به , إضافة إلى تسنم أشخاص  مناصب قيادية في معظم الأحزاب الكردية نتيجة الخلافات و الانشقاقات و تبعاتها و هي غير مؤهلة لهكذا مناصب و ما يترتب على ذلك من سلبيات و إفرازات غير محمودة. لذا فإن قراءتي للحالة السياسية الكردية في سوريا هي كالتالي :
      
- إعطاء الأولوية للبعد القومي الكردستاني على حساب البعد القومي -الوطني كان سلاحاً ذو حدين ، حدُّ هو الواجب بحد ذاته يجب تكريسه و تعميقه في مواجهة التجزئة و مشاريع العزل العنصرية (أحزمة الفصل  الحدودية بين أجزاء كردستان  المقترحة في برامج الغاصبين) و أن نجيد فنه بمزيدٍ من الحرص و العقلنة و الروية في تسيير دفته إلى بر الأمان و حدُّ أسس له الخصوم و ساهم فيه الأشقاء بالإفراط فيه بغية تحويل الأنظار عن القضية الكردية في سوريا و استحقاقاتها لتفريغ شحنات الشباب الكرد في سوريا النضالية المتولدة عن حالة الاحتقان و الاختناق المفروضة عليه و هدر طاقاته في غير ساحته الحقيقية حيث الآلاف منهم استشهدوا في كردستان العراق و كردستان تركيا خاصةً , مع ما أفرزته هذه الحالة إضافةً إلى خسارة الكرد هنا أجيال من شبابه لا سيما الكادر الثقافي منهم كان الانخراط الأمني عبرها يلقى له طريقاً آمناً إلى جسد المجتمع الكردي بكل سلبياته و ما رافق الحالة من مشاحنات و صراعات داخلية وصلت إلى تصفية كوادر و مناضلين و أبرياء في فترة من الفترات و قد ألهتهم هذه عن قضيتهم الحقيقية حتى وصل الأمر بنا في فترة لابأس بها إلى التشكيك بوجود الكرد في سوريا كشعبٍ له قضيته لدى تيارٍ لا يستهان به من شعبنا و التشكيك بل و التخوين و الحرب على الأحزاب الكردية في  سوريا، و في الوقت الذي نقدر فيه للأشقاء ظروفهم الموضوعية الإقليمية و الدولية و علمنا بأنّ العلاقات في السياسة هي في مجملها صفقات و توافقات و خيارات تفرض و ليست صدقات و مبادئ فإن دافعنا للتذكير هو نقل الصورة كما هو عليه  بكل نتائجه الإيجابية و السلبية و هنا أريد أن أشير إلى ناحية هي في غاية الأهمية بتصوري ألا وهو أن تواجد مقرات و مكاتب و موضع قدم الأطراف الكردستانية في سوريا ما هي إلاّ ثمار سياسة المهادنة و المرونة التي اتبعتها الأحزاب الكردية في سوريا في علاقتها مع النظام السياسي في البلاد و كانت من أجلهم , و تلك خصلةُ نعتز بها و مسرورون بنتائجها على الرغم مما أفرزته هذه السياسة من سلبيات على الحركة الكردية في سوريا و منها :
 1- فقدان السرية في العمل الحزبي بالتدريج  و ما اتبع ذلك من اختراقات أمنية في صفوف الأحزاب و التآكل التدريجي لاستقلالية القرار السياسي الكردي في ظل  قبضة جهاز الأمن السوري القمعي و المستثمر لكل ثغرة و المبدع في كل الأساليب .
2- حالة الركود و التآكل و التراجع في مجمل نشاطات الحركة الكردية في سوريا كان عاملاً مضافاً إلى عامل الدعاية السلطوية المنظمة في التشكيك بجدية و وجود هذه الأحزاب ليكون المجتمع الكردي مرتعاً و تربةً خصبة ً لانتعاش الشعارات الكبيرة و الأفكار المتطرفة كتعبير عن حالة الاحتقان التي يعيشها كما شجع بالمقابل ظاهرة الانتهازية و الارتزاق في الوسط الكردي كخصال للمجتمعات الاستهلاكية التي أجهدت السلطات في تكريسها في عموم المجتمع السوري بكل أطيافه .
3- الانشقاقات المتكررة و المتتالية في جميع الأحزاب الكردية و دور العامل الكردستاني في تشتيت الأذهان و تضييع الحقيقة بمنح الشرعيات لبعض الأطراف في الخلافات من خلال تعاملها معها ودعمها لها بأساليب تثير الشكوك و التساؤلات دون أن تعير للرأي الآخر و مشاعر أهل الخلاف أي اعتبار و دون أن تترك الحكم على الخلاف لأهله حيث أهل مكة أدرى بشعابها .
 4- إهمال البعد الوطني للحركة الكردية في سوريا و فقدان العمق الشريك من المعارضة الوطنية الديمقراطية في سوريا لفترة طويلة جداً بل لم يكن هناك حراك سياسي في هذا الاتجاه إلاّ لفترة قريبة جداً  وما كان لهذا الإهمال من إفرازات سلبية على صورة  الحركة الكردية و الكرد أنفسهم المشوهة بتدبير و توجيه من السلطات و الجهات الشوفينية الأخرى معاً لدى تلك القوى الديمقراطية لم تصحح لتاريخه بالشكل المطلوب و ما لذلك من آثار و تبعات على خطابهم السياسي حيال القضية الكردية في سوريا خاصة و في كردستان عامة .
  ب- إنّ حالة  التشرذم خلقت ذهنية تحزبية  قاتلة في الحركة أفقدتها التوازن و بعد النظر و أدخلت أطرافها في سباق و تنافس غير موضوعيين في لمّ الكم من الرفاق و الأنصار و على حساب النوع طبعاً و ما رافق و يرافق ذلك من حرب كلامية تفتقر إلى المبررات و الدقة و الصوابية في غالب الأحيان سالكةً في هذا كل السبل  حيث أصبح استثمار المواقف و المناسبات و الأحداث بحلوها و مرّها لغايات حزبية ضيقة أو شخصية بحتة تبقي لهم مواقعهم و مناصبهم بمزاياها و منافعها حيث تماهت الكيانات الحزبية في أشخاصهم و هي عوامل شقاق تفقد الشعب الكردي الوحدة كما تحرمه من نتائج مكاسب آنية أو مستقبلية دفع ثمنها الكرد بالغالي من التضحيات و القرابين ، بارتكاب تلك الأطراف صغائر التصرفات و ضعيفة المواقف لمكاسب حزبية محدودة واقعياً ,و بعقلية تحزبية  تثير التساؤلات و الشكوك لدى العامة و تخلق الإحباط و اليأس  لدى بعضهم  و تضيع الحقيقة في تلاطم الأمواج و صفير الأعاصير و دائماً القضية و أصحابها هما الثمن و الضحية .  
ج-  حالة الاستقرار السلطوي لمدة تزيد عن عقود أربعة منحتها الفرصة الكافية  في إضعاف خصومها على صعيد الداخل و بشتى الطرق و الوسائل و بجميع أشكال الإضعاف كما أعطتها الظروف الدولية و الإقليمية المجال و الفرص الكافيين في استثمار عدة أوراق إقليمية لصالح توجهاتها و خططها و كانت الورقة الكردستانية إحدى هذه الأوراق , كما كانت الحركة الكردية في سوريا إحدى هذه الضحايا.

 د- هدم البنيات العميقة في المجتمع السوري و التي هي الدستور غير  المدون للمجتمعات ألا و هي القيم و العادات و الأعراف الاجتماعية و التي عليها تقام كل نظم الحياة الاجتماعية , حيث الإفساد حتى النخاع للإنسان من  خلال الإفقار و القهر و سطوة أجهزة السلطة و سماسرتها على كل مناحي الحياة , و تبعات ذلك على المنظومة الفكرية   و القيمية للمجتمع السوري  و ما سادها من حالة فوضى , اختلت موازين الأولويات لدى العامة , و أفقدت النخب الثقافية بوصلتها الحقيقة , و تمادى الحراك السياسي في التعارض بين ما يدعيه و بين الممارسات اليومية لأقطابه , فكانت النتيجة ضياع الأبرياء , و انسحاب الكثير من الغيورين من ساحات النضال , و طفو المتسلقين , و اختلال موازيين التقييم , و صرخات الحقيقة في جعجعة الطواحين , و سيادة هذه الحالة بتبعاتها في الوسط الكردي كجزء من النسيج الاجتماعي السوري  .
5- بعد الثاني عشر من آذار 2004 و ما أبداه الشعب الكردي في سوريا من بسالة  و روح عالية في التضحية كانت رسالة جلية عكست حالة الاحتقان التي فيه هذا الشعب من جهة و الطاقة الوافرة في العطاء لديه من جهة أخرى  كان حري بالحركة الكردية ليس إدراك الحالة  فحسب بل التوقف أمامها بكل إجلال كما تستحق و دراسة الحالة دراسة معمقة مستعينة بالمثقفين و ذوي الخبرات  و الرضوخ لاستحقاقاتها على كل الصعد ( سوية الخطاب السياسي – الفاعلية في الساحة الكردية و الوطنية بما يملك من طاقات وافرة في العطاء في حاضنته – الانسجام مع روح العصر و سمته الديمقراطية و دور مؤسسات المجتمع المدني و مبدأ قبول الآخر ...- آليات عمل في ممارسة العمل الحزبي و النضالي تنسجم و تطورات المرحلة .....) و لكن الذي حصل كان العكس بكل حيثياته و تداعياته تجلى فيما يلي :

أ- شروط التهدئة التي كانت تتضمنها بيانات المجموع للأحزاب و لكل حزب على حدة , تبين لاحقاً بأنها لم تكن سوى زوبعة في فنجان , و من قبيل ذر الرماد في العيون , فلا الجناة حوكموا , و لا الأضرار عوضت , و لا ذووا الشهداء و الجرحى أنصفوا ، بكل على النقيض , مازال البعض من معتقلي الكرد يحاكمون على خلفية تلك الانتفاضة بعد إطلاق سرحهم , و قد حكم على بعضهم بغرامات مالية باهظة عن الأضرار  التي لحقت بمؤسسات الدولة و التي أكثرها كان الكرد منهم براء , على الرغم من أن لجان شعبية  قد شكلتهم سلطات المنطقة , و تم صيانة و ترميم كل دوائر الدولة على نفقة أبناء المنطقة و بسبل  شتى .
 ب – انحسار الهامش المبتور من الديمقراطية في حياة الأحزاب الكردية و تجلى ذلك واضحاً في جميع المؤتمرات التي عقدتها تلك الأحزاب , و التي صادف انعقادها بعد الانتفاضة , من خلالها سير العمليات الانتخابية لمندوبي المؤتمرات , و انتخاب الهياكل التنظيمية لها , و أنظمتها الداخلية .
ج – إجهاد قيادات  معظم الأحزاب الكردية على منظمات أحزابها في أوروبا , و تفتيتها و شلها , رضوخاً لإملاءات سلطوية على ما يبدو و يقرأ خفاياها  , نظراً لما كانت تسببه هذه المنظمات من احراجات لتلك السلطات نتيجة نشاطاتها في أوروبا و التي هي أيضاً دون المطلوب كانت بسبب تبعيتها للداخل و ضعف التنظيم فيها , وضعف التضامن فيما بينها  .

خامساً : الحلول و المقترحات
:
 
إنّ الحركة الكردية في سوريا مدعوةٌ و أكثر من أي وقتٍ مضى أن تدرك  حجم المسؤوليات المناط بها ، وأن تستوعب المرحلة و تنسجم مع متغيراتها و تستجيب لاستحقاقاتها ، و تتفاعل و تتعامل مع واقعها بموضوعية فتنظر إلى الواقع كما هو عليه و ليس كما تتمناه هي و بتجرّدٍ من الذاتية الشخصية  و التحزبية الاستثمارية الخاسرة و المُخسِرة بآنٍ واحد و أن يحتسب القائمون على رؤوس الأهرامات و المسيطرون على مراكز القرار في بنيانها , لحكم التاريخ و الأجيال القادمة علماً أن أيام  تنصيب أقواس هذه المحاكم باتت تتقرب بحكم التحولات التقنية و الجيوسياسية و الهزات المفاجئة و المفتعلة و الرمال المتحركة بفعل الأعاصير .
و إني أرى في حدود وعي المتواضع أنّ استحقاقات ذلك جملة  متطلبات قد يكون منها :
1- أن تعيش الحركة هنيهةً التساؤلية الديكارتية فتعود لذاتها قليلاً لتدرك حجم ما آلت إليه كماً و نوعاً و مكانةً في حاضنتها ( الشعب الكردي ) و أن تتفحص سجلاتها و تقارن بين الماضي و الحاضر لتدرك حجم الخسائر التي لحقت بها في كل الصُعد الآنفة الذكر . في الوقت الذي أصبح للكرد صوتاً و صورةً و عنواناً يُسمع و يُرى و يُعرف في أنحاء العالم  ,و ذلك كي تدرك الأجوبة الحقيقية لتلك التساؤلات  فتتمكن من صياغة مقدمات سليمة لمستقبلٍ أسلم .
2- العودة إلى شارعها (حاضنتها) و استطلاع آراءها و احترام إرادتها و تجاوز عُقدة الإملاءات و النخبة المختارة و التمثيل القسري. و قد أصبح الاستطلاع و الاسترشاد أمراً مستطاعاً و لا يتطلب الكثير من العناء و الحيطة و أن الشارع الكردي بات فاعلاً و متفاعلاً في الأحداث بل مقوداً لها متجاوزاً الحركة منذ انتفاضة الثاني عشر من آذار التي فرضت واقعاً , على الحركة استيعابه , و التعامل مع شارعها و واقعها و مطاليبها بذهنية ما بعد تلك الأحداث و استحقاقاتها حيث أن هذه الأحداث بحد ذاتها مخاض حالة ذاتية ضاغطة و حالة موضوعية داهمة و واعدة .
3- الانسجام مع روح العصر الذي عنوانه الديمقراطية و حماية حقوق الإنسان و السلم الاجتماعي و الحوار و نبذ العنف تحت سقف المواطنة الكونية التي أملتها قفزات التقنية و تداخل الثقافات و تشابك المصالح و ذلك باحترام السبل الديمقراطية داخل الحزب الواحد أولاً و على مستوى تعامل الأحزاب الكردية مع بعضها البعض ثانياً . لأننا في الوقت الذي نطالب فيه الآخرين بالديمقراطية علينا أن نتحلى بروحها و نفهم و نتفهم ثقافتها .
4- ترتيب البيت الداخلي الكردي من خلال حوار كردي – كردي يعلو على السائد الفكري التحزبي القائم على تخوين الآخر و إلغائه و كذلك تجاوز الموروث الفكري القبلي بسقفه العائلي و الزعامي و الجاهي الذي لا يتجاوز ارتفاعه أنوف أصحابها في زمن ناطحات السحاب و ذلك بوقف الحرب الكلامية غير المجدية شفاهاً و كتابةً و بناء أطرٍ تفي ساحةً للنقد و الحوار و منبراً لوحدة الخطاب السياسي الكردي  فقد كانت هيئة العمل المشترك لأحزاب كردية في سوريا المؤسس في أوائل تموز عام 2005 خطوةً جيدة و إن لم تكن بحجم الطموح و نتمنى لها الفاعلية و الازدهار نحو بناء خيمة جامعة للكرد تمثلهم و توحد شملهم و خطابهم   .
5- فتح و احترام قنوات التواصل مع الشريحة المثقفة سيّما النخبة منها و إشراكها في صياغة القرار السياسي الكردي و الاستفادة من مجهوداتها و إمكاناتها في خدمة القضية الكردية بدلاً من اللجوء إلى الرموز العشائرية التقليدية التي أثبتت الأحداث و الأيام الازدواجية لدى الكثيرين منهم .
6- تأسيس مرجعية كردية من ذوي الخبرات (مثقفين – كوادر حزبيين سابقاً _ رموز اجتماعية ذات رصيد) تمتلك صلاحيات و تتخذ قرارات تُحترم على الصعيدين الجماهيري و الرسمي الكرديين و المجلس العام للتحالف نموذجاً مع المزيد من التطوير و الصلاحيات و أن تكون هذه المرجعية هي صاحبة الحق و القرار في تحديد سقف المطاليب و الحقوق الكردية في سوريا و ليس غيرها و إن التأسيس لهذه المرجعية قد يتطلب مؤتمراً أو اجتماعاً موسعاً للفعاليات السياسية و الثقافية و الاجتماعية الكردية في سوريا يجب العمل من أجله مهما كان الثمن .
7-  إعادة هيكلة جميع الأحزاب الكردية التي تعاني من ضعف هيكليتها  الداخلية و تخلف نمطيتها عن ركب العصر حيث معظمها مازالت على النمط الستاليني في البناء الهرمي الحزبي بمركزيتها و شموليتها و قابليتها للإصابة بأمراض البيروقراطية السياسية بعواقبها و سلبياتها. و التأسيس لهيكلية حزبية تتفق و توجهات المرحلة الديمقراطية و العولمية و تزيد من مساحة التعبير و المساهمة في اتخاذ القرارات المصيرية و بعامل زمني ينسجم و تسارع الأحداث و تلاحقها على الصعيدين المحلي و العالمي و بتصوري فإن التأسيس لهكذا نمطية حزبية يساهم في التقريب و الوحدة بين الأحزاب المتقاربة فكرياً و بنيوياً  .
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2148