معركة الموصل.... ومشروع الممر الإيراني لفصل شنكال عن إقليم كوردستان
التاريخ: السبت 05 تشرين الثاني 2016
الموضوع: اخبار



عبدالرحمن كلو
 
 قبل بداية الحملة العسكرية على داعش في الموصل وسهل نينوى بأيامٍ قليلة، تناولت الأوساط السياسية والاعلامية مشروعا إيرانيا يهدف إلى ربط إيران بالبحر المتوسط، هذا ما جاء على لسان أحد المسؤولين الأوربيين لصحيفة " الأوبزيرفر " البريطانية، والمشروع بحسب المسؤول الأوروبي: يبدأ ببسط السيطرة على مناطق العرب السنة في وسط وشرق العراق بذريعة محاربة داعش وفق حملة تطهير عرقي في محافظات صلاح الدين وديالا مرورا بأجزاء من محافظة الموصل وتحديدا من منطقة تل عفر وشنكال غربا باتجاه الحسكة والرقة وحلب واللاذقية أو عن طريق حمص إلى طرطوس وذلك بالاتفاق والتنسيق مع النظام السوري والاكراد في الحسكة وبمساعدة من الحكومة العراقية.


إيران دولة طائفية بحسب الدستور.
من المفيد هنا التذكير بثوابت الاستراتيجية الايرانية التي تستند على عقائدية مذهبية شيعية بحسب الدستور الإيراني الذي تبنى المذهب الاثني عشري بعد انقلاب الخميني عام 1979، وعليه فالانتماء الطائفي الشيعي أو المتشيع بمثابة القومية أو ما فوق القومية، ومن الخطأ القاتل اعتبار إيران" دولة " لأنها تمثل مشروعاً إمبراطوريا عقائدياً تتمازج فيه العقائدية المذهبية مع طموح توسع امبراطوري على رقعة جغرافيا الدولة الفارسية القديمة، ومن هنا كان التقدير الخاطئ للدور الايراني في العراق على أنها دولة جارة بمواصفات محددة، وعليه كانت نتائج هذا التقدير وخيمة على اقليم جنوبي كوردستان وفي العراق، فمنذ الأشهر الأولى لانقلاب الخميني أعلنت إيران أن " ثورتها" عالمية ضد الطغيان في كل مكان ورفعت شعار تصدير الثورة  بدأتها باتجاه الخليج عن طريق الأغلبية الشيعية في البحرين وباتجاه العراق عن طريق الأحزاب والتنظيمات الشيعية  واستطاعت أن تجد موطئ قدم لها في الكثير من بلدان ذات التواجد الشيعي بدءاً من باكستان وأفغانستان إلى العراق وسوريا ولبنان والخليج والسعودية حتى اليمن مستفيدة من التناقضات والصراعات العرقية والقومية ( بغياب الدولة الوطنية ) من جهة ومن جهة أخرى من الاختلافات والخلافات المذهبية والطائفية التقليدية التي كانت موجودة بالأصل ومن خلال آلتها الاستخباراتية العقائدية نجحت إلى حد كبير في توظيفها سياسيا بما يخدم المشروع الشيعي العقائدي الذي يحلم بحدود الامبراطورية الفارسية المترامية الأطراف.

استثمار مناخات الحرب على الارهاب
هذا وفي السنوات الأخيرة من اشتداد حالة الصراع في الشرق الاوسط وتحديداً في الفترة التي ظهرت فيها تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق وتمدده في الشرق الأوسط و بعد أن بات إرهاب هذا التنظيم خطراً حقيقيا على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، تم تشكيل تحالف دولي بقيادة أمريكا لمحاربة هذا الارهاب وتداعياته، مما وفر لإيران فرصة ذهبية لاستثمار مناخات الحرب على الارهاب وعمدت على التدخل في الشأن العراقي بصورة أكبر وأوضح كما أنها لم تستطع أن تخف الأسباب الطائفية  لتدخلها المباشر في سوريا ( حماية المراقد والمزارات الشيعية ) ومع تركيز التحالف الدولي والولايات المتحدة الامريكية على أولوية الحسم العسكري في الحرب على داعش على كل المهام الأخرى واستثمار كل القوى في هذه المعركة تمادت إيران في تنفيذ مشروعها بتسارع أكبر إلى درجة أنها استنسخت الحرس الثوري في العراق تحت مسمى الحشد الشعبي ( الطائفي) بفصائلها المختلفة لتكون بديلاً عن الجيش العراقي حيث قاسم سليماني قائد ما يسمى " فيلق القدس " هو القائد الفعلي لهذا الحشد الطائفي ويشرف على الكثير من المعارك بنفسه وهو الآن يخيم أمام أسوار مدينة تل عفر المدينة ذات الأغلبية الشيعية والتي هي جزء من الممر الايراني إلى شنكال ومن ثم إلى الحسكة والرقة. 
وباقتراب الأحداث من نهاياتها تبدو الأمور أكثر وضوحاً حيث لم تتورع القيادات الشيعية في العراق عن الادلاء بتصريحات نارية فعلى لسان قيادات الحشد الشعبي أن المعركة التالية بعد الموصل ستكون في سوريا وقالها المالكي الذي يشغل منصباً رسميا في الدولة العراقية وهو نائب رئيس الجمهورية : قادمون يا موصل، قادمون يا رقة، قادمون يا حلب، قادمون يا يمن.....! وهكذا تختزل كل الحدود السياسية إذ لا حدود لهذا المشروع العقائدي وكل المعارك الحالية في مناطق التماس مع إقليم كوردستان هي جزء من مشروع الممر وحتى العملية الأخيرة في كركوك ما كانت إلا محاولة إيرانية لخلط الأوراق وبالتالي إدخال قوات الحشد الشعبي ومسلحي العمال الكوردستاني بذريعة حماية أمن كركوك.

المعركة الكبرى ستكون في تل عفر:
وعندما فشلت إيران في الحصول على أية نتائج في كركوك أبان تسلل مجاميع إرهابية إلى المدينة لم تستسلم بل تراجعت إلى الجنوب فالمنطلق الثابت في استراتيجية مشروع الممر الايراني هو من محافظة ديالا العراقية  ذات الأهمية الجيوسياسية بكل الأحوال التي تشكل تجويفا جغرافيا بالنسبة للخارطة العراقية حيث المسافة بين بغداد والحدود الايرانية لا تتعدى ال 115 كيلومتر وهي ستعتمد على التواجد الشيعي والتغيير الديموغرافي في بعض المدن مثل بعقوبة المختلطة وهي مركز المحافظة ومن ثم سيكون المسار باتجاه جنوب كركوك مثل قرية البشير حيث الأغلبية السكانية من الشيعة التركمان وستكمل باتجاه الحويجة ( قبائل العبيد وشمر والجبور) والشرقاط (عرب الجبور) ذات الأغلبية السنية باعتماد التغيير الديموغرافي والتهجير القسري أو الاخضاع لسلطة الأقلية وإما التشيع ترهيباً أو ترغيباً و ستكمل المسار إلى الموصل وتل عفر حيث الخلاف التركي الايراني على أشده فالأغلبية السكانية لهذه المدينة من التركمان الشيعة، وتل عفر ستكون الساحة الحقيقية للصراع التركي الإيراني لأنه يمثل صراع الهويات الديموغرافية، أو بتعبير آخر ستكون الساحة الحقيقية لتصفية الحسابات القديمة بين الامبراطورتين الصفوية والعثمانية، ولن يدخل الحشد الشعبي إلى هذه المدينة بسهولة، فقد ينجم عن ذلك حرب إقليمية من نوع آخر، ولهذا من المستبعد أن تجازف أمريكا بالسماح للحشد بالدخول إلى المدينة، كما أن إيران ستحاول إدخال الحشد بأية وسيلة، فمنها سيستكمل مسار الممر باتجاه شنكال حيث بعض مفارز العمال الكوردستاني المتحصنة في الأبنية الحكومية للمدينة وفي بعض المناطقة المحيطة في الأطراف مع الحدود السورية بالإضافة إلى ناحية سنوني وهم موجودين بأوامر إيرانية بالتنسيق مع بغداد والاتحاد الوطني الكوردستاني وتقدم لهم بغداد كل الدعم اللازم وتصرف لهم اجور شهرية من مستحقات الحشد الشعبي (الشيعي)، وتتعامل معهم كجزء من منظومة فصائل الحشد، لكن العناوين المعلنة لهذه القوات هي إنشاء كانتون يزيدي ( شنكال)  على غرار "كانتونات " كوردستان سوريا يكون مستقلا ومنفصلا عن إقليم كوردستان يتبع لبغداد مباشرة وعلى هذا الأساس يأتي رفض قادة قنديل سحب هذه القوات إلا بأمر من الحكومة المركزية.  


لكن السؤال المهم هو هل ستنجح إيران في تنفيذ مشروعها؟
  من المؤكد أن إقليم كوردستان لن يقف موقف المتفرج من هذا المشروع بعد كل التضحيات التي قدمه لتحرير شنكال من داعش والاقليم على دراية كاملة أن المشروع يهدف بالأساس إلى وأد مشروع الاستقلال وإعلان الدولة والطرف الكوردي المتمثل بمحور الرئيس بارزاني يعد من أهم مرتكزات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وليس من السهولة بمكان أن تغير أمريكا من ثوابت هذه الاستراتيجية.
 كما ومن المؤكد أن عمليات التهجير والتغيير الديموغرافي لمناطق العرب السنة لن تكون بالأمر اليسير، وحتى إذا ما استخدمت القوة من جانب الأقلية الشيعية فلن يكتب لهذا المشروع النجاح لأنه وببساطة شديدة حتى إذا استطاع العراق الشيعي توفير مناطق نفوذ بواسطة الأقلية الشيعية في طريق هذا الممر ستكون هناك عقبات حقيقية في الطريق وهي المدن ذات الأغلبية المطلقة للعرب السنة مثل الموصل وبعقوبة والشرقاط عند ذلك  ربما ستحتاج إلى حاكميات تحكمها العسكر والاستخبارات أي العودة بالحالة العراقية إلى المربع الأول وهذا ما لن تقبل به الولايات المتحدة الأمريكية إلا اللهم إذا كانت قد قررت في الاستمرار في استثمار مفاعيل الفوضى الخلاقة إلى إشعار آخر. 
 أما تركيا التي استنهضت لتوها من سطوة العسكر واستطاعت التحرر من الحالة الازدواجية للقرار ومن نفوذ الدولة العميقة التي كان تديرها المؤسسة العسكرية التقليدية، فلن تقبل بأن يكون لحزب العمال الكوردستاني أي نفوذ أو ملاذ آمن لا في شمال العراق ولا في شمال سوريا خاصة وأن هذا الحزب تربطه علاقات وطيدة مع جماعة الانقلاب وجماعة فتح كولين الأعداء اللدودين لأردوغان، ولأجل هذا الهدف تنازلت عن الكثير في ترتيباتها الاقليمية مع روسيا بخصوص الوضع السوري،  وهي عازمة على التدخل في العراق بأي ثمن، خاصة وأن العراق لم يعد دولة ذات سيادة وطنية في ظل الاستباحة الإيرانية وتغلغلها في كل مفاصلها الحيوية التي تعتمد سياسة الصهر العرقي والمذهبي في مناطق التركمان( الذين تعتبرهم تركيا أتراكاً ) لصالح الانتماء الطائفي الشيعي والعصبوية المذهبية، وأمام هذا السلوك ( الصفوي) لن يكون أردوغان إلا عثمانياً.

المشروع الايراني يبقى هو الأخطر على استقلال جنوب كوردستان.
يبقى القول أن من أخطر ما يواجه مشروع استفلال جنوبي كوردستان هو هذا المشروع الشيعي العقائدي الذي خرج من إطار التكهنات والتحليل السياسي وبات في العلن، كما أن أدوات المشروع باتت تعمل في وضح النهار وتنسق مع حكومة بغداد لإضفاء الشرعية على عملها، وعندما بدأت حركة كوران والاتحاد الوطني الكوردستاني بتفكيك الحالة الوطنية الكوردستانية وتحويلها إلى حالة حزبية في العلاقة مع بغداد كانت بمثابة الخطوة الأولى في طريق الخيانة الوطنية إذ أصبحت علاقة بغداد مع كتل برلمانية حزبية متعددة بدلاً من الكتلة الوطنية الكوردستانية، وأياً كان حجم الخلاف الحزبي فلا يمكن تبرير تحويل شكل العلاقة مع بغداد إلى علاقات حزبية وكأن العراق وطن الجميع وبغداد مركز قرارها، علماً أن بغداد ذاتها باتت في طهران، وربما البعض في الطرف الآخر لا يستسيغ هذا القول، لكن عليهم قبل كل شيء فهم وإدراك الفرق بين الوطن والدولة وأن يميزوا بين القومي والوطني والانتماء للدولة وأيضاً تاريخية علاقة الأمة بالوطن، أما أن يأتي أحدهم من داخل دكاكينه الحزبية وبثقافته الحزبية الهزيلة التي قوامها الارتزاق والارتجالية في المواقف بحسب ما يتقاضاه من أجر ويلقي مواعظ في " ترتيب البيت الكوردي" و "الظروف" و"التوافقات الوطنية " وهو الذي أخل بأهم مرتكزات الثوابت الوطنية عندما أخل بشكل العلاقة مع بغداد ومع طهران، إذ لا يمكن الحديث عن أية علاقة حزبية ( فوق وطنية ) مع أية دولة إلا في إطار التمثيل والتخويل الوطني لهذا الحزب وفيما عدا ذلك فهي الخيانة بكل معانيها السياسية والأخلاقية.
وبما أن المشروع  الايراني قد دخل حيز التنفيذ وخرج من إطار التكهنات والاجتهادات السياسية فعلى الاقليم  - وتصحيحا للمعادلة الوطنية- أن يخرج من إطار السياسات الرسمية تجاه إيران والمشروع الشيعي وأدواته المنفذة وأن يتحرر من الاتفاقات والتوافقات الحزبية التقليدية التي أربكت الحالة الوطنية الكوردستانية في اللحظة التاريخية الانتقالية، وأن يخرج للعلن بمواقف واضحة ترقى لمستوى خطورة المشروع، لتستكمل كوردستان قوة زخمها الوطني من قوة صوت الشارع والجموع الصامتة مواكبة مع الانتصارات العسكرية لقوات البيشمركة التي رسمت الحدود الفعلية لجنوبي كوردستان وفق الحقائق التاريخية للجغرافيا السياسية، لينتهي الفصل الأخير من فصول سايكس بيكو وتوضع اللبنة الأولى في مشروع بناء الشرق الأوسط الكبير وإعادة هيكلته من جديد.  
5 / 11 / 2016         







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21448