لحمُ الأعداء المرُّ ولحم الكُرد الشهيُّ
التاريخ: الخميس 03 تشرين الثاني 2016
الموضوع: اخبار



ابراهيم محمود

يرتبط التذوق بالطعام، رغم أن الذوق له معنى أخلاقي أيضاً، سوى أن الأخير كثيراً ما يكون معطوفاً على الأول، وعلى سبيل المثال، فإن ذم الإنسان " أي إنسان " إقبال أي إنسان آخر على تناول لحم سواه، باعتباره أخيه، يذكّر بالنقيض كثيراً، إذ إن اشتهاء الآخر في لحمه لا يتوقف على مجرد " أكله/ تناوله "، إنما في النيل منه، وما العبارة المتداولة" بدّي أمضغ لحمو: علامة التشفّي والعدوانية السافرة "، و" راح أشربْ من دمّو: سأشرب من دمه "، مطبَّقة من خلال إجهاز الإنسان على نظيره، وربما يكون أخاه، من أهله، من بني جلدته، وللكرد" ولا فخر " القدْح المعلّى في هذا المضمار، لتكون عبارة " أنا لحمي مر ما بيتَّاكل: لحمي مر لا يُؤكَل "، استثناء في سوق التبادل العدائي بين الكرد" وسدنتهم " بامتياز .


ومن المؤكد، ولمن يتابع مجريات الأحداث راهناً أكثر، أنه يمكن تلمُّس مثل هذه الحقيقة " المرَّة "، وهي مفارقة تسمّي الكرد قبل غيرهم: كيف يستساغ اللحم الكردي من قبل خصومهم، أعدائهم، وفي مستويات: تأتي نساؤهم أولاً، ثم ذكورهم تالياً، ولكل نوع وعمر طريقة اشتهاء معينة، وأسلوب اشتهاء/ تذوق مختلف، ومدة مضغ وتلمظ تتناسب وخاصية اللحم هذا، وكأنّي بكردنا، بدءاً من المعرَّف بهم ساسة وأولي أمر، على دراية كاملة بعملية الاشتهاء هذه، وهم فيما هم عليه لا يخفون غبطتهم، لأنهم مشتَهون من أعدائهم، أي ثمة إقبال عليهم في سوق العرض والطلب أكثر من غيرهم، ويعني ذلك أن لهم قيمة معتبَرة، وإلا لما رؤي فيهم مثل هذا اليسر في تسليمهم لأعناقهم ومدها لسكاكينهم، أو نهش أسنانهم، أو حتى انتهاك حرماتهم على خلفية التعاطي معهم فيما بينهم، على مدار التاريخ وراهناً بجلاء.
من المؤكد بالمقابل أنهم مصابون بعدوى أعدائهم الشهوية هذه وهم يحوّلون هذه الشهوة في النهش والتشفّي وتحيّن الفرص إلى بعضهم بعضاً، موارين ظهورهم لسكاكين أو طعان أعدائهم فيهم أو من يتربصون بهم، وكل من يجد في نفسه زعيماً أو يتملكه " وحام " الزعامة، مهما كان أصله وفصله ووصله، يضغط على نواجذه، لكأني به يسنُّ أسنانه، صحبة أدواته التقليدية في النيل من نظيره: توأمه الأهلي، القومي، عملاً بالدرس المأدبي، المطبخي، أو البرّي" نيئاً هنا " والذي استوحيَ من جهة أكوليه الأعداء، وربما للتشديد على مقولة مركَّبة " اللحم المجرَّب غير خلافه "، وللكرد تاريخ عريق في هذا المدار التاريخي القائم على تبادل الأحقاد إلى درجة اشتهائهم للحم بعضهم بعضاً بنوع من الإدمان، وليكون لحم أعدائهم هو المر، كما تقول وقائع التاريخ. ولعلهم صادقون بذلك: إذ أين روعة مذاق سخونة اللحم جرّاء الاحتقان المتبادل بوازع تحزبي، قبَلي، محسوبياتي، لحم متبَّل أصلاً بالأحقاد المختلفة، من برودة لحم الأعداء العصي على الهضم.
يمتلك الكرد في مطبخ عداءاتهم المتبادلة قائمة طويلة من طرق إعداد " الطعام " المرتبط بكيفية الإيقاع ببعضهم بعضاً، كيفية رمي أحدهم للآخر أرضاً، كيفية تقطيع أوصاله وهو حي" ليؤكد نسبه إلى فصيلة الضباع لزوماً "، محاولة سحقه غفلة أو والمعتبر عدوه الطبقي، الإيديولوجي تحزبياً، أهلياً، شِللياً، يصيح ويستعطف، لتتضاعف لدى مشتهيه في لحمه ودمه وعظمه وحتى عرضه شهوة الإسراع، وليؤكد بطريقته العجائبية هذه، كيف أن حب الكردي من الإيمان، وافتداء القومية الكردية من الإيمان وأكثر، من خلال الإسراع في التهامه بالطريقة هذه.
إن ما يجري بين الذين يضربون على صدورهم بإيقاعات قومجية كردوية، ويضاعفون من وتيرة احتقانات رفاقهم، المحسوبين عليهم، مريديهم، دعاتهم، مرابيهم، أنصارهم، متحالفي أذواقهم الخاصة...الخ، والذين يحاولون رد الصاع بصاعين، إنما يظهرون عراة، في راء مشهديات ميديا الأعداء ومن يهمهم أمرهم، ليكون كل تسويغ بدعوى أن الآخر: الكردي لا يرتدع، بمثابة تأجيج النار، وانتشار رائحة الشويط، وتنامي غريزة اشتهاء اللحم بالتناوب.
هو سؤال واحد لا أكثر: لمن يتردد قول هذا السياسي الكردي، أو ولي أمر هذا النوع من الكردية أو تلك، على أن خصمه الكردي، لا يرتدع، أو لا يهتدي، ومقابله هكذا يتصرف، وفي الحالات كافة، الكل لقمة سائغة في فم الأعداء؟ !
تلك مشكلتكم يا قادة كرداً، يا ساسة كرداً، يا أولي أمر كرداً، وإلا فإنكم إذا كنتم حريصين بالفعل على الكردية، وكردكم، وأن أحدكم أبعَد من أن يكون في خانة مشتهي لحم أخيه الكردي، أن يدع هذه " المهزلة " جانباً وأمام ملأه، على الأقل، ليعلم كرديُّه البريء والذي لم يعد يتحمل ضروب النهش في لحمه، والغرْف والشفط من دمه" نجيع القلب" أن ثمة واحداً منكم، يستحق منْح براءة الذمّة الكردية؟
دون ذلك تكون جميعاً، ودون استثناء " كانيباليين ": آكلي لحم بعضكم بعضاً، أي لحومنا نحن الذين نحسَب عليكم وأنتم محسوبون على أكلة اللحوم خارجاً !
دهوك- 3تشرين الثاني 2016 








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21436