صراع الأضداد في المصالح على سوريا والعراق
التاريخ: السبت 29 تشرين الاول 2016
الموضوع: اخبار



أحمـــــــد قاســـــــــم 

منذ تأسيس دولة سوريا والعراق على خلفية إنهيار الإمبراطورية العثمانية بعد سلطتها على مناطق شاسعة من العالم الإسلامي طوال ما يقارب خمسة قرون, وعلى خلفية إتفاقية ( سايكس بيكو ) الشهيرة مع نتائج الحرب العالمية الأولى, بقيت هاتان الدولتان ( أي سوريا والعراق ) محل أخذ ورد لدى الدول الإستعمارية, وفي المقدمة كانت بريطانيا وفرنسا اللتان هيمنتا على المنطقة ومن ضمنها سوريا والعراق. 
وبعد إستقلال الدولتين من الإنتداب الذي دام خمسة وعشرون عاماً, ترك خلفه العديد من المشاكل التي كانت بقصد يهدف إلى بقاء زعزعة الإستقرار, وتغييب فرصة التطور والتقدم الثقافي والعلمي, وبالتالي إبقاء البلدين عرضة لهزات داخلية. 


ومن أهم تلك المشاكل " هي المشكلة القومية والمذهبية والدينية " كون الدولتين يتكون شعبها من العديد من المكونات, التي تركت بدون حلول عندما تم تأسيس الدولتين بعكس الدولة اللبنانية التي أسست وفق دستور متوازن بين الأديان والمذاهب من قبل الحكومة الفرنسية التي كانت هي دولة الإنتداب على سوريا ولبنان. وبالتالي, كان من الممكن ـ وبكل سهولة ـ التلاعب بالخلل المتروك بين مكونات شعب الدولتين حينما أرادت الدول ذات النفوذ, لطالما أن الحكم في دولتين بيد قومية واحدة أو طائفة واحدة, أما بقية الطوائف والقوميات بقيت عرضة لأبشع أنواع الإضطهاد العرقي والمذهبي.
هذه الحالة بقيت طوال مراحل الحرب الباردة بين الإتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية محافظة على ذاتها إعتماداً على سياسة التوازن التي إعتمدتها الدولتين الكبريين اللتان قسمت العالم بين معسكريهما ( المعسكر الرأسمالي بقيادة ولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الإشتراكي برئاسة الإتحاد السوفيتي ). حيث كانت سوريا والعراق تدوران في فلك الإتحاد السوفيتي ومن ضمن منطقة النفوذ السوفيتي, محرم للولايات المتحدة وحلفائها التدخل بشأن هاتان الدولتان الداخلية, مع ترك الإتحاد السوفيتي لحكومات الدولتين حرية ممارسة سياساتها الداخلية تجاه شعوبها, لطالما أن الدولتين تقفان في وجه الأطماع الأمريكية في المنطقة, بعد سيطرة حزب البعث على الحكم في البلدين بدعم سوفيتي تحت شعار ( قومي بنظام إشتراكي ). أما في واقع الأمر, كان النظامين ينوبان الإتحاد السوفيتي في الحفاظ على مصلحة السوفيات ضد المصالح الأمريكية في المنطقة العربية, وذلك مقابل الحصول على دعم سوفياتي لإستمراريتهما على الحكم, وذلك على حساب مصلحة شعوب تلك الدولتين طوال إستمرار مراحل الصراع في زمن الحرب الباردة من أتي تغيير يذكر.
بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي, وانتهاء مراحل الحرب الباردة في نهاية الثمانينيات, وبداية التسعينيات من القرن الماضي, سيطر الخلل على التوازن الدولي, وانكشف الستار عن تلك الدول الدكتاتورية التي كانت في دائرة السوفييت, والتي كانت تحكم أنظمتها على الشعب بالحديد والنار, بدأت تنهار واحدة تلو أخرى, وذلك بدءً من الدول السوفياتية وانتهاءً بدول حلف وارسو لتهد أركان الحلقة الثالثة التي كانت ترتبط بقائها مع الإبقاء على الحلف السوفيتي ( كسوريا والعراق ), حيث كانت حرب الخليج الثانية وتحرير ( الكويت ) عام 1991 عنواناً بارزاً لبداية التغيير في الشرق الأوسط, وانهيار الدكتاتوريات لمناصرة حرية الشعوب وتقرير مصيرها أممياً. فكانت إنتفاضة الشعب الكوردي في كوردستان العراق في آذار 1991 أولى تجربة في وجه أبشع وأعتى دكتاتور في القرن العشرين, وبذلك حصلت الإنتفاضة على قرار أممي لتكون كوردستان منطقة حظر جوي لطائرات ( صدام حسين ) وكذلك منع قواته التوجه نحو كوردستان. لكن الأنظمة في كل من سوريا وتركيا وإيران, عوضاً عن الأنظمة الأخرى في المنطقة تنظر بعين الخيبة لتلك التجربة, إلا أن فرض الإرادة الدولية بقيادة الولايات المتحدة كان حافظاً لإنجاح التجربة, إلى أن تتالت الأحداث في المناطق الأخرى في القسم الشرقي من أوروبا ( كيوغوسلافيا وبوصنة... ) والقبض على ( تشاوشيسكو ) الدكتاتور وتقديمه إلى العدالة الدولية بتهمة إرتكاب جرائم ضد الإنسانية.. لتعود الحملة مرة أخرى باتجاه العراق وأفغانستان بعد تفجيري نيويورك عام 2001 ليكون بداية لإعلان الحرب ضد الإرهاب ومن يموله.
تتالت الأحداث بشكل دراماتيكي في العديد من المناطق على المستوى العالمي.. لكن كل الأحداث كانت تتجه باتجاه إستهداف الأنظمة الدكتاتورية التي خلفتها الإتحاد السوفيتي وبقيت تحافظ على كيانها كسلطة تقمع شعوبها إعتماداً على إتباع سياسة الإرهاب والتصفية الجسدية لمعارضيها أينما كانوا وحيثما كان. لكن الأنظار لم تنقطع عن الشرق الأوسط الذي يحتل مكانة إستراتيجية من المخزون العالمي للنفط والغاز, وأن الأنظمة الحاكمة إن بقيت على حالها ستشكل عائقاً أساسياً أمام إستثمار الطاقة من قبل شركات أمريكية وأوروبية, كونها تحتل مناطق العبور عوضاً عن أنها تسيطر على أهم المعابر المائية التي تسلكها ناقلات بحرية. ومن أجل تسهيل عمليات الإستثمار ونقل الطاقة إلى أوروبا وأمريكا, كان لا بد من إجراء تغيير في بنية الأنظمة التي ستحتكر الإستثمار والنقل توافقاً مع مصلحة بقائها على رأس السلطة, مستخدمة هذه المرة تلك الخامات التي تشكل عصب الحياة للصناعات العالمية, عوضاً عن استثمار وارداتها لقمع شعوبها وحرمانها من واردات تلك الطاقة الهائلة التي تضخ الآلاف من المليارات من الدولار مع بقاء شعوبها على هاوية المجاعة والحرمان.
من المؤكد, أن الأنظمة الديمقراطية هي أكثر عدالة في توزيع الثروة وإيجاد فرص عمل لشعوبها, وكذلك تعمل من أجل تحقيق أفضل عيش لأبناء بلدانها, إنطلاقاً من مبدأ ( أُخْدُمْ لِتَحْكُمْ ). أما الدكتاتوريات تحكم بدون أن تقدم أية خدمات لشعوبها. وهذا ما أثبتت التجارب في العالم.
لماذا لم تُحسم الحرب في كل من العراق وسوريا بعد كل هذه السنين؟
سؤال وجيه واستراتيجي يستوجب الإجابة عليه واقعياً وموضوعياً. لقد إستمرت الحرب في العراق أكثر من ثلاثة عشر عاماً, وكذلك سوريا, حيث تستمر منذ عام 2011 , وآفاق الحل مسدودة. لماذ؟ ما هو العائق أما إيقاف هذه الحروب المجنونة؟ والتي تعددت أهدافها المتناقضة والغايات وفقاً لتدخلات دولية متناقضة أيضاً في الأهداف والغايات, وبالتالي تقتل كل فرص تحمل معها آفاقاً للحلول.
بالنسبة لدول المنطقة أولاً, فهي من المؤكد لا ترغب بحلول سياسية على أسس ديمقراطية خوفاً من نقل التجربة إلى داخل بلدانها وتدفع بشعوبها إلى النهوض في وجه حكامها المستبدين والذين سيطروا على كامل واردات الدولة, وترك شعوبها تحت رحمة الحرمان والفساد والفقر الشديد. وأن الحروب التي تسمى" بالحروب المذهبية " إنها في حقيقة الأمر حروب على المصالح والتمسك بالسلطة تحت يافطة ( المذهبية أو القومية ). وأن المنظمات الإرهابية التي تؤجرم بحق شعوب المنطقة هي عبارة عن أدوات إخترعها الأنظمة الدكتاتورية للدفاع بها عن نفسها بعد أن فقد مسانديها مع إنهيار الإتحاد السوفيتي. واليوم تحاول روسيا أن تمليء الفراغ الذي تركها الإتحاد السوفيتي واحتضان تلك الأنظمة والدفاع عنها على أساس تحالفي, وذلك بالضد من إرادة الشعوب في تغيير الأنظمة الحاكمة.
تركياً, عوضاً عن أنها تعارض حلولاً سياسية على أساس ديمقراطي فيدرالي في كل من سوريا والعراق, وذلك لقطع الطريق أما أية تسوية قد تحقق للكورد حقوقه في المستقبل السوري بعد تجربة العراق أولاً, وكذلك الإستحقاقات التاريخية التي ستلقي بظلالها على الداخل التركي الذي يشكل ( كبرميل بارود ) قابل للإنفجار في أية لحظة إن لم تتجه الحكومة إلى حلحلة عقدها ومشاكلها العرقية والدينية, وفي مقدمة تلك المشاكل هي المشكلة الكوردية. عوضاً عن ذلك, فهي تطرح ثوابت تاريخية قد تدفعها نحو المهالك, كقضية موصل ورقة. يعني ذلك أنها ستقايض هاتين القضيتين بالحصول على ضمانات دولية لعدم قبول النظام الفيدرالي في سوريا, وهذا يتبعها أمر آخر وأكثر أهمية وهو: أولاً الحصول على الإستثمارات العقارية في سوريا, إعتماداً على تجربتها في العراق بعد سقوط الدكتاتورية. ثانياً الحصول على حصة من الطاقة ( البترول والغاز ) التي سيتم تصديرها إلى أوروبا عن طريق سوريا ( إستثماريا ) أو تحديد حصتها من العبور.. كل هذا الأمور المتداخلة حاضرة في الصراع مع متعارضيها من الجانب الإيراني وحلفائها.
إيرانياً, الأمر واضح وجلي, فهي تبحث عن طريق آمن لنقل الطاقة عن طريق العراق وسوريا, وهذا يتطلب حسب فهمها الإستراتيجي أن يكون لها موطيء قدم في كل من سوريا والعراق, ولطالما أنها موجودة فيجب التركيز والتثبيت للوصول إلى البحر المتوسط البوابة المختصر نحو أوروبا بعيداً عن النفوذ التركي. تركيا التي تشكل هاجس خوف بالنسبة لإيران والبعكس إستناداً إلى الثوابت التاريخية في الصراع بين الجارين.
خليجاً, الأمر مختلف, فهي تحاول السيطرة على الدولتين من خلال دعم مجموعات قومية ضعيفة تدور في فلكها كمأجورين لها. أولاً من أجل توقيف موجة التغيير التي عصفت بالمنطقة وتوقفت عند سوريا واليمن, وثانياً, الخوف الحقيقي من تصاعد الصراع المذهبي بين السنة والشيعة, والتي تؤججه إيران بشكل واضح. ففي هذا المجال لقد سلمت الدول الخليجية أمرها للولايات المتحدة الأمريكية لطالما أن أمريكا على خلاف منهجي واستراتيجي مع نظام الملالي في طهران. لكن أعتقد أن المصالح تتجاوز في صراعها كل الخلافات الإيديولوجية والعقائدية.
روسياً, مصلحتها في أقصى درجاتها هي الإبقاء على مصالحها على البحر الأبيض المتوسط, ومن أجل ذلك, لن تتخلى عن النظام في سوريا المتمثل ببشار الأسد أو أي علوي آخر. فهي تدير الأزمة بحكمة وتحارب على الأرض إنطلاقاً من تلك الحكمة, وهي العمل بكل الوسائل أن لا تتفق الطائفتين العلوية والسنية على العيش المشترك والقبول بحكومة مشتركة, وكذلك إبعاد الفكر الذي يطرح دستوراً توافقياً لدولة مركزية. أي أنها في نهاية المطاف ستذهب باتجاه الإعلان عن دولة فيدرالية للحفاظ على إقليم كونفيدرالي للعلويين بحجة ضمان أمنهم, وبذلك قد تكون حافظت على موطيء قدمها على البحر المتوسط, لطالما أنها تركت العراق بين صراع أمريكي ـ إيراني.
وسط هذه التداخلات المتناقضة بين دول مؤثرة على الساحتين السورية والعراقية من أجل تحقيق المصالح إقتصادياً واستراتيجياً, تتصاعد وتتعمق الخلافات القومية والدينية والمذهبية, وبالتالي تُبْعِد آفاق الحلول إن لم نقل تسد الطريق أمام أي حل سياسي يؤمن حقوق الشعوب في سوريا والعراق توافقياً ودستورياً. والمشهد يؤشر على أننا أمام حروب طاحنة, حتى وإن انتهينا من " داعشٍ ودواعش " من بعدها.

29/10/2016






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21416