البحث في معرفة الإنسان
التاريخ: الثلاثاء 13 ايلول 2016
الموضوع: اخبار



محمد قاسم " ابن الجزيرة"
ديرك في 20/8/2016

قضية قديمة ولا تزال مستمرة، لكنها تتراجع أمام زخم التطور التقني ونتائجه، هذا التطور التقني الذي دفعت اليه رغبة الرفاهية، وهو بدوره ينتج الرغبة في زيادة الرفاهية. أي السعي الحثيث –وأحيانا المجنون-لحيازة المال بوسائل مختلفة، لا تراعي معايير ذات طبيعة إنسانية، بقدر ما تنساق مع رغبات محصورة في الذين يملكون التقنية، وفي تجليات مختلفة؛ مصانع، معامل، شركات، ومختلف وسائل الإنتاج السلعي.


لفت هذا الأمر انتباه (ماركس) وبنى عليه فلسفته التي تمخضت عن المنظومة الفلسفية التي عرفت بـ "الماركسية"، وانتهت إلى مفهوم "الاشتراكية" التي كان المفترض أن تصل إلى مرحلة " الشيوعية".  لكن "الحتمية التاريخية" تعثرت، لم تجرِ وفق تصوّرات هذه المنظومة الفلسفية "الأيديولوجية". فتظهر منظومات فلسفية أخرى كصراع الحضارات مثلا.
 كانت الجاذبية "التصورية" في هذه المنظومة قد أغرت ملايين البشر ممن كانوا يعانون-ولا يزالون-من استغلال جهودهم وطاقاتهم العضلية والفكرية معا لتحقيق طموحات خاصة تصب في روح الهيمنة، والمزيد من الرفاهية الخاصة لطبقة اشتهرت بـ "الرأسمالية" تعبيرا عن ملكيتها لوسائل الإنتاج السلعي واحتكارها لقوى وطاقات وجهود الطبقات الكادحة.
تثير النتيجة التي انتهت اليها الماركسية واقعيا، تساؤلات، حول ما ادّعته من أنها بنيت على حقائق علمية، تشدد عليها باستمرار. فأسمت الاشتراكية التي دعت اليها –وطبقت بعضها في مراحل وأماكن معينة-بـ "الاشتراكية العلمية". وهو ادّعاء تصوري (تخيّلي) ينبئ عن تمتع أصحابها بقوّة تخيّل ملفتة، وربما تثير الإعجاب بمعنى ما، لكنها –للأسف تتضمن عناصر خيالية انتهت لتكون أشبه بالخرافية، ربما لسببين على الأقل:
1- تجاهل وجود الروح كحقيقة في الوجود البشري، وحصر الوجود كله في الوجود المادي فحسب، ومحاولة فلسفة ذلك –بتفسيرات ذات طبيعة متعسفة، فتجاهلت الروح، وافترضت أنها مجرد وظيفة لأعضاء مادية تنتهي بتلف هذه الأعضاء.
2-  بناء منظومة تصورية ذات طبيعة سياسية، بعنوان الفلسفة، وما أفرزته-أو أنتجته-من مفاهيم ملائمة تخدم هذا التوجه التصوري (التخيّلي) مستعيرة مفاهيم من فلسفة مثالية كفلسفة هيجل، وجدليته التي قلبها ماركس رأسا على عقب، إذ استخدمها –خلافا لمبتكرها على أساس مثالي(روحي) أو لنقل فكري. مثل مفاهيم الديالكتيك المادي، والديالكتيك التاريخي، والحتمية التاريخية ... ومفاهيم أخرى انهارت واقعيا مع موجة "البيريسترويكا" في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي(العشرين). أو أنهار البعد الفلسفي/ السياسي (الأيديولوجي) فيها.
ومن المؤسف أن هذا المنهج –على الرغم مما فيه من عناصر لها أهمية في فهم وتفسير الحياة الاجتماعية – قد غلّب النهج التصوّري (التخيّلي) والذي تناسبه تسمية "الأيديولوجيا" باعتبارها مذهب دائري مغلق تحكمها "حتمية تاريخية" تؤدي إلى نتائج حتمية تتمخض عن سيرورة التاريخ. ويبدو أن أصحابها قد عرفوا طبيعتها، لكنهم آثروا استخدامها في صيغتها المطروحة لغايات سياسية.
ولا يستبعد (وهذه مجرد فرضية) أن الذين خلف هذه المنظومة الفكرية الأيديولوجية، هم أنفسهم خلف انهيارها لتعين على رؤية سياسية جديدة تحت عنوان فكري جديد، أو منظومة ميدانية جديدة، تسير نحو غايات –ربما متصوّرة.
ربما كانت أسباب نجاح هذه المنظومة الفكرية "الأيديولوجية" في الغرب لأنها اهتمت بالجانب العملي في الحياة الاجتماعية، خلافا للدور الايماني والتعبدي للمسيحية فيها وصراعها مع الحقاق العلمية (غاليليو مثلا).
ويعود نجاحها النسبي في الشرق إلى وجود احتكار القائمين على الدين الإسلامي لهيمنة ثقافية ساعدت في نجاحها، لأنهم فشلوا في ترجمة المنظومة الثقافية الإسلامية المتكاملة (نظريا على الأقل) حيث تجمع بين العقائد والعبادات والمعاملات.
هذه التجربة الغنية جدا بالمعاني والنتائج تستحق أن تُبحث من قبل مختلف الباحثين، وبروح متحررة من هيمنة مفاهيم ينهج قدسي على التفكير
لكن الكورد أوْلى أن يبحثوا فيها وفي غيرها من التجارب البشرية عبر توفير ظروف مشجعة للباحثين الكورد موفرين ظروفا –أو شروطا-، ربما أهمها:
أ‌-        توفير الحرية للباحثين واجتهاداتهم ومساعيهم...
ب‌-  وتوفير ظروف طباعة ونشر نتائج بحوثهم بغض النظر عن طبيعتها واتجاهاتها.
ت‌-   توفير ظروف وشروط حركة ثقافية نشيطة تعززها القوى السياسية باعتبارها جزء من منظومة النضال من أجل الحقوق وتشخيص طبيعة الشعب وتاريخه ومنظومته الثقافية التاريخية (تراث) -(حضارة)...
باختصار، إعادة الاعتبار للنشاط الثقافي (الفلسفي-العلمي) بإيمان أكيد بضرورتها القومية/الوطنية وجدواها. ووضع برنامج في الأداء الحزبي يفترض (بل يؤمن) أهمية دور مستوى ثقافي ملائم، لممارسة أدوار قيادية، فضلا عن التحرر من روح التشبث بالمركز من جهة، وروح الخوف من دور الثقافة والمثقفين على المركز السياسي للحزبي. وهذا ما حققه الغربيون ومجمل الديموقراطيات في العالم. وان وجد صراع فهو في مستوى تنافسي لا صراعي ينتهي بمآس وأزمات ومشكلات.
 فالمثقفون الذين اختاروا ليكونوا مثقفين /باحثين لا تغريهم المراكز الحزبية والسياسية غالبا. ويشهد التاريخ ذلك في أمثلة كثيرة.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21199