السادية والحزبية في شوارع عفرين
التاريخ: الأثنين 02 ايار 2016
الموضوع: اخبار



عنايت ديكو
 
في المجتمعات الراقية وخاصة في أوروبا الغربية والتي تهتم بالإنسان والحيوان معاً، نرى الدول هناك تعمل على فصل حياة الأطفال البريئة والوديعة عن حياة السُرّاق والشُذاذ والمدمنين والراديكاليين والمنحرفين. وتأخذ القيم الإنسانية والأخلاق العالية والاحترام المتبادل نبراساً لفلسفتها في الحياة، وتحاول هذه الدول أيضاً تعليم الأطفال ومجتمعهم البريء ، القيم السامية وحب الإنسان ، والعمل لأجل الإنسان ، ولأجل قيَمهِ الفكرية والحضارية النبيلة، وتُحارب العنف بكل ألوانه وأشكاله وأحجامه، وتَسلك هذه الدول خطاً إعلامياً ناضجاً وخاصة في الخط التلفزيوني، حيث لا يبث هذا الخط الإعلامي مطلقاً أفلام الرعب والكاوبوي والخيال والقتل والدّم والجنس، إلا بعد الساعة العاشرة ليلاً، ولأعمار محددة، ويتم الإعلان عن ذلك قبل البدء بالنشر لأن عالم الطفولة يكون غارقاً في أحلامه السعيدة .


لكن هل لهذه الفلسفة نصيب عندنا ... وهل نستطيع أن نعكس هذه الحالة كوردياً يا ترى؟ 
أولاً: فما شاهدَهُ الطفل والمراهق الكوردي في عفرين، وما زُرِعَ في مخيلته البريئة من مشاهدٍ وارتدادات نفسية وأخلاقية، تفوقان الحروب والمآسي التي شاهدناها في الكتب والافلام والوثائقيات، فهل تيقنت وفهمت حكمداريتنا العتيدة بأن نتائج هذه المشاهد المروعة ستكون  كارثية ومدمرة على الإنسان والمجتمع الكورديين.
ثانياً: هذا " الفلم الديمقراطي " الفظيع والذي عُرِضَت مشاهدٌ منه على ظهر البارجة الآيكولوجية والتي عَبَرَتْ ومرَّت  في شوارع عفرين، محملة بالجثث والجماجم، قد وضع الإنسان الكوردي أمام خيار واحد، ألا وهو المساهمة الفعلية لإسقاط نظام بشار الأسد المجرم .
ثالثاً: إهانة الإنسانية الكوردية بوضع تلك الجثث على ظهر حاملة الدبابات وكأنها طاولة عشاء عثماني، حيث الجثث متراصة ومنتظمة بجانب بعضها البعض، مثل اليبرق واليالنجي. فيا للصمت والضمير معاً!.
رابعاً: لقد فاقَ عرضُ هذا الفلم كل التوقعات والاستنتاجات وأطروحات "سيغموند فرويد " ومدارسهِ في التحليل النفسي والشخصاني، في التناول والطرح والتوقيت والسيناريو.
خامساً: مقاطع وصور هذا الفلم المرعب، تؤسس لمنطقٍ عنفي صارخ وقاتل، يقضي على كل القيم الإنسانية المختبئة في دواخل مخيلة الطفل الكوردي، ومَواطِنَ الأنسنة في عوالم تفكيره المرئية واللامرئية، ويُؤسس أيضاً لثقافة ورغبة حبُّ الإنسان الكوردي للانتقام من الآخر المختلف معه، سواءً أكانَ ذاك قريباً أو غريباً، ومهما كلفَهُ هذا الانتقام من خساراتٍ إنسانية وحضارية وفكرية وغيرها.  
سادساً: هناك رسائل كثيرة خرجت مع عرض هذا الفلم العنفوي، وهذا السلوك البشع والشنيع . فالرسالة الحقيقية هي موجهة للداخل الكوردي أي ( المعارضة الكوردية ) أكثر منه الى الخارج، والهدف منها هو تخويف هذه المعارضة والتيارات الثقافية والمستقلة التي لم ولن تُسلِمَ أرواقها بعد للمربع الأمني. والرسالة الأخرى هي للشعب الكوردي بشكلٍ عام ومفادها هو أن كل مَنْ لا يتعامل مع النظام ... سيكون مصيرُه ومصير أحشائه وجمجمته ودماغهِ معروضاً أم الشعب في " سوق الفرجة ". والرسالة الأخيرة هي دفع القضية الكوردية في سوريا الى غياهب التطرف والارهاب والقضاء على تلك الفضاءات والعلاقات التي تربط القضية الكوردية بمسألة الديمقراطية وحقوق الانسان. 
فإذا سقطَ الجانب الإنساني والأخلاقي والحضاري من الثورة ... سَقَطَتْ الثورة كلياً، وهذا ما يسعىٰ اليه النظام البعثي المجرم بدفع البعض الكوردي الى ممارسة هذه الافعال الشنيعة، وتطوير عقدة النقص والمازوشية لدى هؤلاء الشذّاذ الذين لا يمتون الى الأصالة الكوردية مطلقاً . فعندما قامت الانتفاضة الكوردستانية في كوردستان العراق مثلاً، وقع عدد كبير وبعشرات الآلاف من الأسرى العراقيين العروبويين بأيدي البيشمركة الكوردستانية، فماذا فعل السيد مسعود البارزاني بهم آنذاك؟ فلم يقتلهم ولم يعرض جثثهم أمام الكاميرات وشاشات التلفزة، وكانت كل عيون العالم على كوردستان، نعم ... فلم يقتلهم السيد البارزاني! بل هيأ لهم الظروف للعودة الى ذويهم وبيوتهم وأطفالهم، والتاريخ شاهدٌ لهذا العمل والفعل الانساني الراقي، لأن الثورة الكوردستانية هي بالأساس ثورة إنسانية قبل أن تكون ثورة عسكرية وانتقامية.  
وعلى إثر هذا، حاول البعض من مسؤولي الأمة الآيكولوجية امتصاص نقمة الكورد قبل غيرهم، بالخروج الى الإعلام والتكلم من شرفة أخرى على أساس أن هناك عدم رضا من قبلهم لهذا الفعل والعرض المسرحي لهذه الجثث، وبأنهم كحكمدارية ديمقراطية، هم ضد هذه الأفعال المشينة، متناسين بأن الشعب الكوردي يعرف تماماً كل هذه المقاصد، وأن كل هذه الحركات والبهلوانيات الاعلامية لا تمر عليه، وهذه السياسة هي عبارة عن توزيعٍ للادوار المرسومة لهم فقط لا أكثر ولا أقل. 
- وهنا ومن حق الانسان الكوردي أن يسأل " PYD " : هل ازداد عدد أصدقاء الكورد والدعم اللوجستي العسكري والانساني في العالم للقضية الكوردية بعد هذا الاستعراض للجماجم والجثث .؟  
هل ازدادت نسبة التعاطف والدعم الدولي للكورد في العالم وللقضيةالكوردية بشكلٍ عام ، أمَ نقصت بعد عرضكم هذا .؟
هل أكسبت القضية الكوردية أصدقاء  جدداً... أمْ خسرت كثيراً من جرّاء عرضكم لهذه الجثث والجماجم  في شوارع عفرين؟
ألمْ تُحاسب العدالة ذاك الجندي الأمريكي إبان حرب العراق والذي أجبَرَ السجناء العراقيين على خلع ملابسهم والدفع بالكلاب الضالة الى نهش أجساد أولئك العراقيين؟ فحتى وإن كان أولئك السجناء صداميين وارهابيين وقتلة وووو الخ..؟  لكن العدالة قد حاسبته لذاك الجندي الأمريكي ووضعته في السجون وخلف القضبان؟
وما يحز بالنفس أيضاً هو ... كيف لمثقفٍ او كاتبٍ كوردي وقد شاهد الظلم والقتل والتشرد والهجرة بأم عينيه ، وغنّى للحب والإنسانية وللأخوة بين الشعوب ،فيأتي ويفتخر لهذا المنظر الفظيع وكأن هذا المثقف يملك في دواخله سادية جديدة ومن نوعٍ آخر ، لم نتعرف عليها بعد.
والنقطة الأخيرة، إن الذي كتب هذا السيناريو والذي أخرج هذا الفلم والذي قام بتمثيلة على المسرح وسلٌطَ الأضواء لهذا الرعبُ الحيّ، هو النظام البعثي المجرم بامتياز وبدون تردد، لأنه رأىٰ في الآونة الآخيرة، بوادر دولية لدعم قوات الحماية الشعبية، بعد أن رسمت هذه القوات لنفسها صورة إيجابية  في الاعلام العالمي وخاصة بعد طرد داعش من كوباني وأن هناك تعاطف دولي تجاه المرأة الكوردية ودورها في محاربة الإرهاب وأن قوات الحماية الشعبية يجب أن تكون قوات ضامنة لحماية الدستور السوري المستقبلي وحماية السلم الاهلي على الأقل في الشمال السوري.
فالبعث يريد ضرب هذه الصورة وفي العمق ... وتمزيق هذه الصورة ... وتشويه هذه الصورة الكوردية أمام العالم، والبعث يريد أن يقول للعالم : نعم أنتم تقولون بأن الكوردي يحارب الإرهاب بقوة وبصلابة وتريدون دعمه بالمال والسلاح والعتاد ، لكن هيهات ، فهذا لن يدوم ما دمتُ أنا حيّاً، فشاهدوا ها هو الكوردي يذبح ويقتل مثله مثل الدواعشة والآخرين ، ها هو الكوردي الهمج والقاتل والسفاح ومصاص دماء الآخرين. فإما " بشار الأسد ... أو حرق البلد ".!







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20599