ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان - الجزء السابع عشر
التاريخ: الأربعاء 06 نيسان 2016
الموضوع:



د. محمود عباس

   عند دراسة التاريخ السوري المعاصر، تتبين بأن الاختلافات لم تكن واسعة بين السلطات المتعاقبة على الحكم، في نهجها وتعاملها مع الكرد، باستثناء، أنه ومع مرور الزمن وتغيير الأوجه، تصاعد النهج العروبي، وطفح النزعة العنصرية، وتسلطه على السطح السياسي العملي بعد الانفصال. ومن نتيجتها:  ازدياد الضغط على الشعب الكرد، فحصرت مجالات البحث في القضايا القومية، على العربي وحده، وأغلقت أبواب التعامل الوطني بين مجتمعات النسيج السوري، وظهرت إلى العلن المخططات والقوانين الاستثنائية بحق الكرد حصراً، واستخدمت كل الأساليب الأمنية لذلك، وسخرت المراكز الثقافية والفكرية والاجتماعية للقضاء على الشعور بالانتماء إلى الكيان الجغرافي المتشكل فجأة بعد معاهدة جائرة، 


وعملت السلطات المتلاحقة على طمس رغبة الكرد بإيجاد مكان لهم ضمن سوريا السياسية ما بعد عبدالناصر، فوضع حظر على تسجيلهم في السجلات المدنية، ومراقبتها العملية بشكل مستمر، وتم توظيف أشخاص معينين من قبل المراكز الأمنية، في دوائر التسجيل ليفاقموا من الروتين، والتلكؤ  في تسجيل المكتومين، أو الذين كانوا في الأرياف ولا علم لهم بمراكز التسجيل سابقاً، وكل ذلك تحت حجة الحد من الهجرة الخارجية، وعدم امتلاك الغرباء القادمين من الخارج  للأراضي السورية.
   وضعت العراقيل أمام الكرد، لئلا يكونوا شريكا في البناء الحديث، أو الوحدة الوطنية، وتوضحت توجهاتها العروبية المنفية للأخر في البنود العنصرية التي درجت ضمن الدساتير السورية المتتالية، إلى أن استقروا على عروبة سوريا، وألغيت القوميات الأخرى، وتتبعوا وعن طريق لجان شكلت خصيصا لهذه المهمة، عمليات ألغاء الكيان الكردي من تاريخ المنطقة، وعتمت عليهم في الأدبيات الثقافية والسياسية، وعملوا بكل الإمكانيات المتوفرة على طمسهم كشعب من النسيج السوري. رسخت هذه الثقافة، تحت الاسم الجديد الذي أطلق على الجمهورية السورية الجمهورية العربية السورية) وتم تثبيته بقرار من البرلمان كصيغة نهائية، ومن حينها طمروا الوجود الفعلي لكل القوميات غير العربية وفي مقدمتهم الكردية، وبناء على الدستور ذاته، حذفت جميع الأديان والطوائف ما عدى الإسلام والمذهب السني، وتم التركيز على عروبة سوريا"1"، فبدأت سوريا تغوص وتغرق وبشكل متسارع في مستنقع العنصريتين القومية والطائفية.
  بعد عملية الانفصال، سيطر التيارين العنصريين، الإسلامي العروبي، جزئياً، من خلال الإخوان المسلمين، والعروبي الفاشي، من خلال الهيكل المتبقي من البعث العربي الاشتراكي"2"، والذي ترأسهم مجموعة من الضباط العروبيين، أمثال صلاح الجديد، ومحمد عمران، وغيرهم من جماعة (اللجنة العسكرية)"3" الخلية التي أنشأت في القاهرة عام 1959م بعد أن نفاهم عبدالناصر، وكان بينهم حافظ الأسد وضابطين من الطائفة الإسماعيلية هما عبدالكريم الجندي، قائد الحملة الموجهة لضرب الأردن في فترة الأيلول الأسود"4"، وأحمد المير قائد قوات الجبهة في حرب 6 تشرين عام 1967م مع إسرائيل والذي مني بخسارة فادحة، في الوقت الذي كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع، المتملص من الفضيحة ليضعها في ذمة المير، وأنضم اليهم فيما بعد 16 ضباطاً بينهم سليم حاطوم وأمين الحافظ. هؤلاء هم الذين فشلوا في السيطرة على السلطة بالمحاولة الانقلابية البعثية الأولى عام 1962م، لإسقاط حكومة ناظم القدسي وخالد العظم، اللذين كانا من مجموعة حزب الشعب، ذو النهج القريب من البعث في بداياته. وكان ضباط اللجنة العسكرية يحاربون الجناح السياسي في حزبهم، والمتمثل بأكرم الحوراني وميشيل عفلق وصلاح الدين بيطار، مؤسسي البعث العربي الاشتراكي، علما أنهم كانوا الوسيط بينهم وبين الحزب، وكان لهم تأثير مباشر على سلطة ناظم القدسي وجماعته، بإصدار الدفعات الأولى من القوانين العنصرية ضد الكرد، ومن جملتها، عملية الإحصاء الجائرة، الملغية لنصف الشعب الكردي من الجنسية السورية، بعملية لم تستمر أكثر من يوم، تضمنت الاستعراب والتعريب، والتهجير معا، وقد كانت تتمة لمشاريع سابقة خططت لها جماعة عبد الناصر، وقد فاقم حزب الشعب وبرئاسة ناظم القدسي من عروبته ليغطوا على عدائهم للوحدة العربية والتي ظهرت بأنها ضد العروبة، ويبرروا انفصالهم، فجدوا معاداة الشعب الكردي وقضيتهم أرضية خصبة لهذه القضية.
   كما وفرضوا على الكرد الحظر السياسي الثقافي، تماشيا مع قرار جمال عبدالناصر بحظر جميع الأحزاب في سوريا، علما أنهم كانوا بالمقابل يعيدون البعث إلى الساحة، ففي سنة الانتخابات البرلمانية، حظروا على ممثلي البارتي الديمقراطي الكردستاني، الدكتور (نورالدين ظاظا) والشيخ (محمد عيسى الشيخ محمود) الاستمرار بالانتخابات حتى النهاية، رغم نجاحهما الكاسح، وحصولهما على الأغلبية المطلقة للأصوات، وكان قد تجمع خلفهما أو بالأحرى خلف الحزب، كل الشارع الكردي من عفرين وجبل الأكراد حتى ديركا حمكو، وحجة سلطة (ناظم القدسي) أو ما كان يسمى بسلطة الانفصال، كانت صريحة وواضحة، عدم السماح للأحزاب القومية بالاشتراك في الانتخابات، والكرد الذين أدخلوا إلى البرلمان السوري، كانوا أعضاء في حزب الكتلة الوطنية، أو حزب الشعب الذي كان مؤسسه رئيس الجمهورية وعراب الإحصاء ناظم القدسي، والمحامي رشدي الكيخيا، وكان الحزبان عروبيان المنشأ والتوجه، ومثلوهما داخل قاعات البرلمان، فلم يتمكن البرلمانيون الكرد وعلى مدى السنوات التي ظلوا فيها نوابا أن يرفعوا قضية كردية واحدة، ومن خلال دراسة أرشيف البرلمان لتلك الفترة، لم تتبين بأنه قدمت عريضة تخص مشكلة من مشاكل المنطقة الكردية الثقافية أو السياسية أو الاقتصادية، باستثناء ما قدمه سابقا  النائب محمد الباشا، حول عملية تسجيل المكتومين الذين كانوا يعتبرونهم قادمون من كردستان الشمالية أي الأراضي التركية، وغيرها من القضايا البسيطة التي توزعت ما بين نواب الكرد في عفرين والجزيرة، ولم ترقى إلى سوية القضية الكردية، ولم تسمح لهم أو لم تكن ضمن اهتماماتهم عرض مطالب البارتي أو مطالب الشعب الكردي الثقافية، كالتدريس باللغة الكردية، أو الاقتصادية، كبناء مصانع، أو السياسية، كالسماح للبارتي بممارسة نشاطاته بشكل علني، والتي كانت قد أصبحت بعد الانفصال في حكم العدم خاصة بعد الانشقاق المذري، والذي حدث على خلفية تدخل أيادي خارجية. وتقلص دور الوجود الكردي كجزء رئيس من النسيج السوري، وفي هذه القضية ظهر حينها تقريرا مفصلا من إذاعة أل ب ب سي حول التمييز العنصري الذي مارسته السلطة السورية بحق النائبين الكرديين ممثلي البارتي، والشعب الكردي في سوريا، وقضية الانتخابات.
   في هذه الفترة كانت الاتصالات تجري بين ناظم القدسي وعبدالكريم قاسم على الوحدة الفيدرالية بين العراق وسوريا، فانتهجا مسيرة مشتركة لضرب الكرد، مثلما قام عبدالكريم قاسم بالحرب على كرد العراق، وبدأت الثورة المسلحة هناك، بقيادة الزعيم القادم حديثا من المهجر المرحوم ملا مصطفى البرزاني، كذلك نفذ حكومة حزب الشعب في سوريا أو بالأحرى الحكومة المشتركة من البعث والإخوان المسلمين وحزب الشعب،  بتقويض الحركة الكردية السياسية الوليدة حديثا، وكان الاجتماع الذي حصل بين ناظم القدسي وعبدالكريم قاسم في تاريخ 14 آذار عام 1962م على الحدود السورية العراقية"5"، تكريسا للنهج المعادي للكرد، إلى جانب القضايا الأخرى. 
  والوزارة التي شكلت حينها من قبل خالد العظم، في أيلول عام 1962م،"6" عكست النهج العروبي بشكل واضح، فصعدت وزارة الداخلية النهج المعادي للكرد، وقامت بتوسيع صلاحيات مراكزها الأمنية في المنطقة الكردية، للقيام بالاعتقالات السياسية وتسريح الموظفين الكرد، ومحاربة الحركة السياسية والثقافية بكل الطرق التي تجدها مناسبة للقضاء عليها. فأمرت مديريات التربية على تسريح نصف المدرسين الكرد، وتابعت عن قرب عمليات نقل عدد كبير منهم إلى المناطق النائية عن أماكن سكناهم، كما وفرضت على معظم الدوائر الحكومية تسريح العديد من الموظفين الكرد، وتدخلت في أمور وزارة الزراعة ومديرياتها في المنطقة الكردية على تقنين الدعم الحكومي للمزارعين، وفاقمت من الفوضى بين امتلاك وتوزيع الأراضي التي كانت سارية في المنطقة، وبدأت تتوسع عمليات الاستيلاء على الأراضي من قبل شرائح متنوعة من الناس، تحت حجة الإصلاح الزراعي.
   ومن جهة أخرى كانت المراكز الأمنية تقوم بدورها وبشكل مباشر وعشوائي على سجن العديد من الحزبيين، وملاحقة الجميع، وغيرها من الأعمال الترهيبية. والأغرب تقديمها تقارير عشوائية وملفقة عن عدد سكان الكرد المتزايد في غربي كردستان، كالبيانات الصادرة من قوى (الأمن الداخلي) و(مديرية الأمن العام) والمرسلة إلى وزارة الداخلية في السلطات المتعاقبة قبل الوحدة وحتى أحصاء 1962م، وهي نفسها الإحصائيات التي استند عليها (محمد جمال باروت) كمصدر رئيس في كتابه عن الجزيرة، إلى جانب استخدامه لكتابه السابق كمرجع، وتقرير قدمه (أكرم الحوراني) في تلك الفترة عن عدد سكان الجزيرة! ليبين أن الهجرة الكردية إلى غربي كردستان كانت حديثة، وأن نسبتهم تزايد بسببها، ويعرض على أسسها تاريخ المنطقة، وعليه أندفع البعض من الكتاب العرب مؤخرا ليستخدموه كمصدر أساسي للتهجم على القضية الكردستانية في غربي كردستان.
 كان بإمكان، المراكز الأمنية، تخريب البنية التحتية الديمغرافية والاقتصادية والسياسية في المنطقة بسهولة، للصلاحيات الواسعة التي أعطيت لهم، فكان باستطاعة أبسط عنصر من الأمن زج أي كردي في السجن بدون حجة أو مذكرة توقيف. أدت هذه الصلاحيات المدعومة بالقوانين الجائرة، إلى جعل المنطقة تعيش حالة الاستعمار العروبي، وترسيخ مرحلة التمايز بين المنطقة الكردية والمناطق الأخرى من سوريا، اقتصاديا وثقافيا، والتي كانت قد بدأت بها الحكومات العروبية السابقة للوحدة والتي نظمتها حكومة عبد الناصر.
   وبعد أقل من سنة من عملية الإحصاء قامت اللجنة العسكرية البعثية بانقلابهم الثاني واستلموا السلطة، وتم نفي الرئيس ناظم القدسي، الذي مات في المهجر"7"...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
  mamokurda@gmail.com
25/3/2016

الهوامش:
1-نظامي حزب البعث والناصري، يؤكد الأول في مؤتمره التأسيسي المنعقد في 7 نيسان عام 1947م بانه حركة قومية انقلابية، وفي الفقرة الثالثة من البند الأول، يركز على أنه للعرب. وفي المادة العاشرة يلغون عمليا القوميات غير العربية من المنطقة. فعلى هذا النهج وضع دستور سوريا، ففي البند الثالث، يحدد الإسلام والمذهب السني دين الدولة ورئيس الجمهورية.
2-من ضمن بنود اتفاقية الوحدة، حل الأحزاب، التزم بها حزب البعث العربي الاشتراكي، وحل ذاته، وخلال فترة الوحدة لم يبقى منه إلا الاسم، باستثناء مجموعة من الضباط.
3-خلال الوحدة تم تسريح العديد من ضباط الجيش السوري، وأرسل عدد من البعثيين إلى مصر، وهناك وبمبادرة من العقيد محمد عمران تم تشكيل اللجنة العسكرية والتي ضمت في البداية (محمد عمران، صلاح جديد، عبد الكريم الجندي، حافظ الأسد وأحمد المير) وبعد العودة إلى سوريا تم توسيع اللجنة إلى 16 ضابطاً، هؤلاء هم الذين قاموا بالانقلاب البعثي وعمليا أحيوا الحزب من جديد وأعادوه إلى الساحة. 
4-أيلول الأسود هو الاسم الذي يشار به إلى حرب بدأت في شهر (أيلول) من عام 1970م، بين الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية المتواجدة في الأردن. راحت ضحيتها عشرات الألاف من الطرف الفلسطيني وأكثر من 110 جندي أردني و1300 من المدنيين.
5-اجتمع الرئيس ناظم القدسي بالرئيس العراقي عبد الكريم قاسم في شتاء 1961م-1962م في (الرطبة) على الحدود السورية العراقية من أجل التقارب السوري العراقي والتمهيد لتشكيل كيان فيدرالي بين الدولتين.
6-تضمنت التشكيلة 3 وزراء بعثيين، ووزيرين من الإخوان المسلمين، ووزير من الجمعيات الإسلامية و3 وزراء من حزب الشعب الذي أسسه كل من ناظم القدسي ورشيد الكيخيا، ومركزه مدينة حلب.
7-سبق الرئيس ناظم القدسي من حزب الشعب، إلى دار الآخرة في المهجر الرئيس شكري القوتلي حزب وطني، ورشدي الكيخيا عميد حزب الشعب، ود. عدنان هاشم الأتاسي حزب الشعب، وعبد الفتاح أبو غدة، إخوان مسلمون، وخالد العظم، ديمقراطي، وميشيل عفلق حزب البعث، وأكرم حوراني البعث العربي الاشتراكي، د. نور الدين الأتاسي حزب البعث، غسان جديد حزب قومي سوري، قتل، أديب الشيشكلي، حزب التحرير قتل، محمد عمران حزب البعث قتل، صلاح البيطار حزب البعث قتل. نزار صباغ، الإخوان المسلمون قتل، بنان على الطنطاوي (زوجة عصام العطار) قتلت طبقاً لعنوان سكن زوجها. إلخ لأن القائمة طويلة وطويلة جداً خاصة بعد استيلاء البعث والأسدين على السلطة.

المراجع:
1-موقع "هؤلاء حكموا سوريا"
2-الصراع على السلطة في سوريا: الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة. نيقولاس فان دام
3-تاريخ سوريا المعاصر، من الانتداب الفرنسي إلى صيف 2011، لكمال الديب
4-من تاريخ سوريا المعاصر 1946م-1966م، لغسان محمد رشاد
5-التكوين التاريخي الحديث للجزيرة السورية، لمحمد جمال باروت






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20505