وفي ضيافة الشيخ الراحل خاشع حقي أيضاً
التاريخ: الثلاثاء 15 اذار 2016
الموضوع: اخبار



 ابراهيم محمود

هأنتذا أيها الشيخ الجليل الآخر، أي: خاشع حقي تختم عمرك الدنيوي، وعين لك تدمع أسىً على الجاري، وعين لك يرف جفنها ألماً على فراق أحبة البيت المشيخي الحقي- العلواني، وتناثر أحبة أحياء بدَّد شملهم رعب الدائر، وبالتناوب، كما لو أن القلب الذي خفق على مدار سبعة وسبعين عاماً " وبلغ نهايته صباح يوم الاثنين، في 14 آذار 2016 " لم يعد قادراً على تحمُّل كل هذا الوجع الروحي باضطراد، والمكابدة الروحية، والجهاد الروحي الخاص: جهادٌ حباً بالأهل الأهل، وجهاد حباً بالأهل المعارف المحيطين بالقلب المعنَّى، وجهاد حباً ببشر فقدوا قابلية التواصل مع بعضهم بعضاً حباً، وليس على جامعه " الحلواني: حلوى "، أو القامشلوكي، ليس على مصلاه إلا أن يسلّم أمره في إثره لصاحب الأمر. لكم جهدتَ وجاهدت أيها الشيخ وقد أعياه قلبه، فكان القرار الإلهي بإعلان نهايته المتوقعة.


سبعة وسبعون عاماً هي مدادك العمري، ملأت به صفحات تترى من حياة من كانوا يحيطون بك حباً، ومن يصغون إليك خشوعاً، ومن كانوا يتابعون أثرك المنثور توقيراً لروحك التي لم تترجل حتى النفَس الأخير.
أستاذاً لنا كنت، وحينها كنت بهي الطلعة بشبوبية طافحة بالبِشْر، تنتقل بين آية وحديث ومثال حي من الواقع، كما اعتدتَ سلوك طريق أسلافك المأخوذين بتربية الروح، والنظر إلى السماء ورحابتها واتصالها بما لا يحاط به علماً، وليس الأرض وتقسيماتها، وما عاشته وتعيشه من ضيق أبعاد، وبث خصومات، وكما اعتادك طريقك الموزع بين قرى قامشلو ونواحيها وحتى شقيقات لها من المدن الأخرى وأبعد، كما اعتادتك منازل أهلين لك، وبيوت وبيوت مختلفة مرحّبة بك، وأنت تصل الليل بالنهار شعوراً منك أن ثمة ما يجب قوله، لتكون الأرض أكثر دفء تربة، والهواء أكثر صفاء سريرة.
كم موعظة حسنة سردتها ونثرتها في جهاتك الأربع، كم ميتاً رافقته إلى مثواه الأخير، كم عزاء حضرت، كم ألماً عايشت وأنت موزّع جسدك الذي كان ينحل من هنا وينحل من هناك، وأنت ماض في طريقك الذي سالمته، تاركاً قرار النهاية لجسد لا راد له لما يرِدُ مما يدخل في طواعيته كما هو المحكوم به.
دروب ودروب ستشهد على أنك أيها الجليل يا الشيخ خاشع حقي، ما ادخرت جهداً وأنت تحاول إنارتها ما استطاعته روحك السمحاء، لمن يريد تجنب وحشة الظلام، ألسنة ألسنة ستشهد على أنك أيها الاسم الطاهر ملء جسدك، وحَّدت وصافيت بين أصغريك وألبست لسانك ما يشتهي سماعه كل محب لما هو دائم ومشع محبة وكرم أخلاق .
أهلك الأهل سيشهدون على أنك أيها الآهل بعبق الأهلية أخليت مكانك لمن لا يستطيع الحلول محلك، ليشهد المكان آناء الليل وأطراف النهار أنه هنا وهنا، كان يتنفس شيخ مكلل الهامة بنور فضيلة خاص من لدن خالقه، وهو الذّكْر المفضَّل.
أهلك الجوار: المعارف، الأصحاب من جهة الحياة الموصولة بما بعدها حباً بالأمثل والأسمى، سيشهدون كما شهدوا ويشهدون على أحبة مشايخ أجلاء سبقوك في عبور البرزخ الفاصل بين حياة وحياة، على نبل ورعك وطيبتك.
رحلت سريعاً أيها الجليل كما هي رحلة قبس من نور، لكنك اتبعت مقياس موجّه النور الخاص بين جنبيك، وأنت- ربما- كنت عالماً بنوعية السرعة هذه، سوى أنك، كما يبدو، لم تكن تريد إعلام أحد من أحبتك الأهل الأهل برحيلك الأخير، كما لو أن الإعلام به وصلة دنيوية. لقد كنت المخلص لروحك، وروحك مخلصة لباريها.
طريقك النور بداية ونهاية، ومقام الأخير النور الفردوسي الرباني أيها الشيخ الجليل مراراً وتكراراً.
وأنتم أيها الأحبة من بعده، أهل الفقيد الكبير، أصدقاء، وأنتم في ألم البعد، وحسرة التنائي، وكمد الغربة ونكدها، حيث عزيزكم الشيخ فارق الدنيا وما فيها، لعلمه أنكم لا تحتاجون إلى وصية من لدنه، لأنكم في ذات الطريق وبذات الهمة، وبين جنبي كل منكم روح منذورة لحياتها، بما يضفي على الحياة سموَّاً، وتلك هي الشجاعة المثلى إزاء حياة تعدُ بما بعدها .
دهوك- في 14 آذار 2016 .







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20390