الكورد والهدنة السورية والانتخابات الأمريكية
التاريخ: الأربعاء 02 اذار 2016
الموضوع: اخبار



جان كورد

قد يسأل سائل ما علاقة هذه العناصر ببعضها، فأجيب بأنها أضلاع مثلث، يمكن بناء هرم عال وواضح المعالم على مساحته السورية. فالكورد بعد أن صاروا رقما عسكريا على أرض الواقع حسب رأي بعض الخبراء، أو ورقة سياسية هامة بأيدي اللاعبين الإقليميين والدوليين في الملعب الدموي السوري، يؤثرون اليوم بفعالية في شمال البلاد، بحيث لم يعد بالإمكان تجاهلهم، وقد كانوا في مربع تجاهل وإهمال واقصاء منذ سيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي على مقاليد الحكم في البلاد في عام 1963، الحزب الذي شرع في تطبيق سياسات عنصرية حاقدة على الشعب الكوردي بهدف صهره وتذويبه في بوتقة القومية العربية بشكل تام عن طريق تنفيذ 12 نقطة من نقاط مشروع ضابط الأمن السياسي محمد طلب هلال (دراسة حول محافظة الجزيرة والحسكة (أنظر قراءتنا للدراسة تحت الرابط التالي):



وقد صار الآن للكورد "أصدقاء!" أو "حلفاء" من الدول العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا، لأنهم أبدوا ولايزالون يبدون شجاعة لا مثيل لها في مقاومة وصد ودحر قوات تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم (داعش) الذي لا يتوانى عن الذبح والتقتيل والتعذيب بأشكال وحشية للغاية على الهوية، والذي لم تتمكن القوى الجوية للعديد من الدول من القضاء عليه قضاء مبرما، في حين أن هذا التنظيم بات خارج المنطقة الشمالية التي يطلق عليها الكورد اسم (غرب كوردستان)، وسبب هذه التسمية هو أن المنطقة متاخمة لجزأين من وطنهم هما شمال كوردستان (ما يقع تحت أيدي الترك من بلاد الكورد) وجنوب كوردستان (وهو الاقليم الكوردي الذي يقع ضمن حدود العراق)، كما أن هناك شرق كوردستان الذي تحكمه ايران... إذ لا يمكن أن يكون "منطقيا" لمساحة ما (شمال وجنوب وشرق) من دون وجود (شمال)، إلا أن حزبا "كورديا!!!" واحدا من بين كل أحزاب الكورد يطلق تسمية (روزآفا – غرب) فقط على غرب كوردستان، ألا وهو حزب الاتحاد الديموقراطي الذي ينكر "كورديته" ويقول بأنه لا يناضل من أجل الكورد وكوردستان، وإنما من أجل تحقيق "كانتونات" غير قومية، ويحلم بأن يتم تطبيق سياسة الكانتونات هذه في العالم أجمع مستقبلا... والغريب أن زعماءه الكبار من حزب العمال الكوردستاني، القابعين في جبل "قنديل" على الحدود بين جنوب وشمال كوردستان عازمون على تطبيق هذه الكانتونات في سنجار وبعض أطراف محافظة السليمانية ولا يطبقونها في مدينة (آمد) أي ديار بكر في شمال كوردستان، وهم منتمون إلى ذلك الجزء وعاملون من أجله كما يزعمون. 
والكورد يتقدمون على أرض المعارك التي يخوضونها كل يوم بانتصار، كما يتقدمون – ولو على مهل – على ساحة العمل الدبلوماسي في العالم، ويخطون خطوات صوب الأمام رغما عن الاعتراض التركي الشرس على منحهم في سوريا أدنى مستوى من مستويات الحكم الذاتي وسعي الحزب الحاكم في أنقرة إلى إخماد التطلعات القومية لهذا الشعب عن طريق القصف على مراكز ومؤسسات وتجمعات مقاتليه من داخل الأراضي التركية، بعد أن فشل في ذلك من خلال دعم التنظيمات العربية والتركمانية الإرهابية في سوريا بالمال والسلاح والخبرات القتالية والمعلومات وبإفساح المجال لها للتسلل عبر الحدود خلسة لطعن القوات الكوردية من الظهر، والذريعة التي تزعمها دولة "السلطان رجب" هي أنها تحارب "إرهاب!" حزب الاتحاد الديموقراطي، وهذا ما لم يقل به أحد من دول العالم حتى الآن، وقد رد مسؤولون أمريكان وروس على هذه المزاعم عدة مرات، وإن كان لهذا الحزب تصرفات سيئة للغاية بحق المواطنين الكورد في غرب كوردستان لا يمكن أن يقبل بها أي إنسان يزعم أنه "ديموقراطي"، منها الاستيلاء على ممتلكات المواطنين وفرض اتاوات ثقيلة على الناس رغم ظروف الحرب السورية، ومنع الصحافيين غير التابعين له عن العمل في المنطقة، واعتقال قادة وأنصار الأحزاب الكوردية غير المؤيدة لسياساته...  والتنسيق مع بقايا نظام الأسد في العديد من جبهات القتال.
وهكذا، بعد أن تعاظم دور الكورد عسكريا وامتلكوا السلاح بعد أن خلت أيديهم منه طوال عقود من الزمن، فإنهم في حال اتفاقهم فيما بينهم على مطالبهم بالتحديد وعلى خريطة طريق مشتركة لتحقيق أهدافهم القومية في سوريا يشكلون بالتأكيد ضلعا من أضلاع المثلث الذي ذكرناه في بداية المقال.
أما عن الهدنة السورية:
فإن أي محاولة للبدء بالخطة (ب) في حال فشل الاستمرار في الهدنة الرخوة الهشة التي اتفق عليها الروس والأمريكان أي الخطة (آ) ووافق عليها مجلس الأمن الدولي بالإجماع، ستظهر أهمية الكورد في الانتقال إلى التمهيد لتقسيم سوريا، والتي أهميتهم العسكرية في ذلك ربما يتقدم أهمية المكونين العلوي والدرزي في البلاد، حيث يعتقد أن الأمريكان بموافقة أو من دون موافقة روسيا مضطرون للانتقال إلى خطة (ب) التي ألمحوا بوجودها وأنكرها الروس، وذلك بعد مسلسل الفشل ذي الحلقات العديدة، وهو فشل إدارة الرئيس باراك أوباما الذي ستنتهي فترة حكمه في نهاية العام الجاري والذي آمال حزبه في النجاح تتلاشى بسبب الفشل الذريع لباراك أوباما في  سوريا، بعد أن وضع العراق تحت الحماية الإيرانية، مقابل التوصل مع طهران إلى اتفاق نووي قد لا تلتزم به ملالي إيران وقد تنفذ سرا برنامجا نوويا لا يعلم عنه الأمريكان شيئا رغم التوقيع على الاتفاق المعلن. 
لذا، فإن توصل السيد جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة، مع السيد لافروف، وزير خارجية روسيا، إلى اتفاق بفرض الهدنة على نظام الأسد الذي أوصل سوريا إلى قاع أكبر مأساة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية وعلى المعارضة المشتتة الممزقة المختلفة فيما بينها على أمور أساسية، كان أمرا ضروريا لابد منه لإيجاد حل سياسي على طرفي النزاع الدموي، قبل الوصول إلى المرحلة النهائية لانتخابات الرئاسة في أمريكا. 
وعليه، فإن الضلع الثاني للمثلث هو السعي الحثيث لمنع إفشال الخطة (آ) على طريق (الهدنة السورية)، وتفادي الانتقال إلى الخطة (ب) التي ستوقع الولايات المتحدة في فخ تدخل عسكري في سوريا، مباشرة أو عن طريق الحلفاء العرب والترك من المنطقة، وستفتح الباب أمام مشاكل سياسية كبيرة، ربما تؤدي إلى هزيمة مريرة للديموقراطيين وإلى نجاح الجمهوريين الذين يهددون بفرض "عظمة الولايات المتحدة" على العالم من جديد، ويتهمون باراك أوباما بأنه أساء ويسيء إلى سمعة أمريكا وبتسليمه سوريا للسيد بوتين المجرم الروسي الأكبر الذي يسعى لاستعادة الدور العالمي الذي فقدته على أثر انهيار الاتحاد السوفييتي، وتمكن إلى الآن من التوغل في جزيرة القرم وأوكرانيا والتشيشان وجيورجيا ودول البلقان الأخرى وفي سوريا، في حين أن أمريكا في تراجع واضح. 
وعليه، يمكن القول بأن الدافع الأول وراء اتفاق كيري – لافروف بصدد الهدنة في سوريا هو دعم روسي خفي لإنجاح الديموقراطيين "الضعفاء" في واشنطن في انتخابات الرئاسة، فإن وصول الجمهوريين للحكم سيزلزل انتصارات بوتين، ليس في سوريا فحسب، وإنما في أوكرانيا ودول البلقان جميعا، وقد يؤدي إلى مصادمات غير مباشرة وحروب بالوكالة بين روسيا وأمريكا. في مناطق مختلفة من العالم. ومن ثم فإن نجاح كيري في تحقيق سلام ولو كان هشا في سوريا لن يقل تأثيرا إيجابيا على نيل الديموقراطيين لأصوات الناخبين عن عملية التخلص من رأس تنظيم القاعدة وعن تحقيق الاتفاق النووي مع إيران وعن إضعاف أو إرهاق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في كل من العراق وسوريا من دون تدخل عسكري بري أمريكي واسع النطاق، وهو الأمر الذي حاول تفاديه باراك أوباما باستمرار، فالهدنة السورية ستثبت أنه لم يفشل، والانتقال إلى الخطة (ب) سيثبت العكس وسيفتح الباب أمام اتهامات كبيرة وعديدة لسياسته الفاشلة، ليس من قبل الحزب الجمهوري فحسب، وإنما من داخل حزبه، والخاسر لن يكون أوباما الذي تنتهي ولايته، وإنما حزبه ومرشحه الأقوى الذي ربما يكون السيدة هيلاري كلينتون التي ستلقي بسبب فشلها على سياسة الرئيس أوباما الذي عملت لديه فترة كوزيرة للخارجية وسعت للتبرؤ من سياسته حيال سوريا فيما بعد.
ولذا، فإن أهمية الانتخابات الرئاسية الأمريكية بالنسبة لتحقيق أو فشل الهدنة السورية كأهمية ضلع ثالث من أضلاع المثلث الذي يمكن بناء أي مشروع مستقبلي في سوريا على مساحته، والأخسرون في حال نجاح الخطة (آ) وعدم الانتقال إلى الخطة (ب) هم أردوغان وحزبه الحاكم وحكومة تابعه أحمد داوود أوغلو، وسائر المنظمات التي يدعمها الأردوغانيون، إرهابية كانت أو غير إرهابية، وسيفشل مشروعه في السيطرة على مناطق في شمال سوريا لتحويلها إلى محمية تركمانية مدعومة من تنظيمات عربية حاقدة على الكورد، الذين سيكون لهم "إن اتفقوا  فيما بينهم الآن وتصرفوا كشعب" فيدرالية أو حكم ذاتي على الأقل، وقد يحققون لهم دولة تمتد على رقعة واسعة من وطنهم كوردستان، بالاتفاق مع إخوتهم في جنوب كوردستان، تمتد من (مندلي) بالقرب من بغداد إلى أقصى الغرب في الشمال السوري. 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20340