ظهور الأوجه البشعة
التاريخ: الثلاثاء 01 اذار 2016
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

 تحليلاتنا للهدنة السورية، وانتقاداتنا لمسيرتها وتطبيقاتها العملية، والتدخلات الدولية، لا تعني أننا ضدها. نؤيدها ونطالب بأن تكون: هدنة متكاملة الجوانب، وتستمر خارج الخباثة السياسية والدبلوماسية، وألا تبنى على مصالح الأشرار، كسلطة بشار الأسد والقوى الإقليمية الشريرة. ونطالب بأن تطبق: لخدمة الشعب السوري وليست لمصالح الدول الكبرى، وأجندات المتصارعين على السلطة. ونؤكد بأنها لن تكتمل: مع وجود سلطة بشار الأسد المسبب الرئيس في الكوارث التي حلت بسوريا وشعوبها وأدواته من المنظمات التكفيرية الإسلامية، فبزواله ستزول داعش والنصرة وغيرهما من المنظمات الإرهابية في سوريا.


 المناوشات الكلامية الحادة الجارية على مدى اليومين الماضيين، قبل وبعد ساعة الهدنة في سوريا، بين المتحدثين الرسميين باسم وزراتي الخارجية الروسية والأمريكية، حول الهدنة، والتي أصعدتها الروسية ماريا زاخاروفا، موجهة في لقائها الصحفي كلمات نابية إلى مارك تونير، قائلة أن تصريحاته تدل على   ...أولا، إلى غياب العقل، ثانيا، إلى قلة الأدب. لكن أهم شيء هو أن الوقاحة هي دليل أساسي على انعدام أي حجج". وتهجمها هذا كان على خلفية تبيان الأخير لخطة بديلة، في حال عدم نجاح الهدنة الجارية، معلنة بأن روسيا ليس لها علم بالخطة الثانية! وفي الحقيقة، لا يمكن أن تكون هناك خطة بديلة، تخص القضية السورية، ولا تكون لروسيا علم بتفاصيلها، فعلى الأغلب، المناوشات الكلامية، رد فعل إعلامي على خلاف الطرفين حول بعض النقاط الدارجة فيها، ومن ضمنها احتمال أرسال مجموعة من القوات العسكرية الأمريكية إلى سوريا، والتي ترفضها روسيا، لأن مآلاتها متنوعة، ستؤثر على الوجود الروسي بشكل أو آخر، ولربما على خريطة سوريا السياسية والجغرافية، إلى جانب البند الذي تهلل له تركيا، المتضمن إقامة منطقة عازلة كالتي تطالب بها، ضمن المنطقة الكردية والفاصلة بين جغرافيتها الشرقية والغربية، والبند الأول سيؤثر على مجريات الحرب على منظمتي داعش والنصرة، والتي لقياداتها مصالح  مشتركة مع  سلطة بشار الأسد، فالوجود الأمريكي قد تضعهم في مواجهات مباشرة مع قوات النظام، وأغلبية الخبراء والمحللين السياسيين لا يستبعدون العلاقة المتينة بينهم، والكل يتذكر عمليات أطلاق سراح المئات منهم من سجونه، وإيصالهم بسيارات خاصة إلى أطراف الرقة قبل تخلي قوات بشار الأسد لهم عن المدينة، وترك أسلحة فرقة كاملة لهم ومن ضمنها اللواء 93 وفوج الميلبية، ومنذ بدأ روسيا بالقصف على المعارضة لم تدرج  داعش بشكل جدي حتى الأن، والاهم هنا ما قد تنتج عن دخول قوة أمريكية من بروز معدلات جديدة أمام القوى الإقليمية في المنطقة وضمن سوريا، وفي مقدمتهم التدخلات التركية، والقضية الكردية.
  محادثات جنيف القادمة ستبنى على هذه الهدنة، وما ستبلغه المحادثات المسبقة لجنيف بين روسيا وأمريكا، والتي لا تزال مستمرة، والنتائج غير واضحة حول مرحلة ما بعد الهدنة، ولم تنفذ حتى اللحظة البنود الأخرى المكملة للبيان، ومنها قضية السجناء السياسيين، والمساعدات الإنسانية، والمناطق المحاصرة، وغيرها، إلى جانب حذر الطرفين، السلطة والمعارضة، حول من سيحضر المناقشات؟ وهل ستفرض روسيا ال ب ي د كممثل عن الكرد؟ أم ممثل حزبي، لطرف كردي، لها قوة وهيئة إدارية مسيطرة على منطقة جغرافية، ومن ثم قضية الحكومة المزمعة تشكيلها في الشهور الست القادمة، والتي ستكون من ضمن النقاط المهمة. أي عمليا، هناك شكوك في نجاح المحادثات، حتى إذا جرت. خاصة وأن الهدنة لا تزال في بوتقة الصراع، بين القوى المحيطة بسوريا والمتكالبة عليها، البعض يريدها تسير كما هي ناقصة، والبعض رغم انهم ضدها لكنهم يريدون استغلالها بخباثة. فلمعظم الدول المتورطة في مستنقع سوريا أدوار أغلبها لا تخدم الشعوب السورية، ومن بينهم الدولة التركية، على الأغلب، الأكثر تضرراً، لأن تأثيراتها مباشرة على داخل تركيا، بناءً على القضية الكردية، والكردستانية المحتلة من قبلها. 
  تركيا ذات الوجهين المتناقضين في مسيرة الهدنة السورية، وجه حقيقي خبيث ضد الهدنة، وكأنها عملية بينهم وبين الكرد، وليست هدنة تخص سوريا بشكل عام. ووجه مراوغ موافق للهدنة، رغم كرهها، تحاول الاستفادة منها بطرق ملتوية، وستحاول بكل الأساليب جر الكرد إلى الحرب، لتدعي للعالم أنهم لا يلتزمون بالهدنة، ولا يلتزمون بجغرافية مناطقهم المتفقة عليها، وما حصلت في (كري سبي) تل أبيض، البارحة واليوم وفي أول يوم من أيام الهدنة، ودفعها لداعش وبهذا الحشد الكثيف على مهاجمة القوات الكردية دون سلطة بشار الأسد، تثبت هذه الحقيقة، وهي نفس الخباثة التي استخدمتها مع حزب العمال الكردستاني عندما أرادت نقض مسيرة السلام التي كانت جارية بينهم، خلقت المشاكل وجرت الحزب إلى الدفاع عن الذات ومن ثم إلى الحرب، وادعت أن ب ك ك  خرقت الاتفاقية.
عملياً تركيا وسلطة بشار الأسد، في كفتي الميزان، حول المعادلة مع داعش، أو المنظمات التكفيرية، فهما ومن معهما أو ورائهما دعما هذه المنظمة وغيرها، واستفادا منهم، والجميع يتذكر عملية تسليم داعش موظفي القنصلية التركية، الذين احتجزتهم في موصل، إلى الحكومة الأردوغانية عن طريق (كري سبي) تل أبيض، في الوقت الذي كانت داعش تذبح كل من يقع في أسرها، من هناك بدأت العمليات المشتركة والخطط المتبادلة، بطريقة أو أخرى، وهم حتى الأن يسخرونها لغاياتهم.
    وروسيا أو أمريكا وأدواتهم، بحروبهم على داعش، ودون جدية القضاء عليها أو على النصرة، لا يديرون إلى هذه المعادلة والعلاقة الواضحة بجدية تامة، يدمرون البنية التحتية السورية، والأبشع أنهم يقتلون من السوريين، أكثر بكثير مما يقتلون من المنظمات الإرهابية، دون محاولة تنشيف منابعها، وقد جعلوا من سوريا المحرقة التي يجب أن تجتمع على أرضها كل المنظمات الإرهابية، فسوريا ثارت لإسقاط نظام فاسد، استغلتها القوى الإسلامية السياسية لبلوغ مآربها، والتقطتها القوى الإقليمية لتسيير أجنداتها، ووجدتها الدول الكبرى بؤرة مناسبة لإحداث تغيير في العمق الإسلامي السياسي بشكل عام والراديكالي بشكل خاص. 
  فتركيا ستستمر على دعم داعش من جهة وستضربها من جهة أخرى، ومثلها ستفعله روسيا وسلطة بشار الأسد، الأول سيفعلها مادامت القضية الكردية مثارة في الأروقة السياسية والدبلوماسية، والثانية، مادامت هناك معارضة وطنية تطالب بإسقاط النظام أو تغيير السلطة، وبها ستتمكن هي وروسيا إدراج أية منظمة أو حركة سياسية معارضة وطنية ضمن قائمة الإرهابيين، فيما إذا حاولت الاستفادة من الهدنة وقامت بالمسيرات السلمية المناهضة لسلطته كبداية الثورة بدون محاربة المنظمات التكفيرية كداعش والنصرة، أي عمليا ستغير من وجهة الشارع الذي كان يناهضه إلى حرب ليست بحربه.
 وفي الواقع العملي الهدنة، على الأغلب، لن تبلغ مداها الكامل ليستفيد السوريون منها، ونتمنى أن نكون مخطئين في رؤيتنا، والتي نرى بأنها ستستمر ناقصة، لتبقى منافذ الولوج من خلالها مفتوحة لهم، وتصبح عملية عودة اللاجئين شبه مستحيلة، والتي ستثيرها تركيا في كل مناسبة سانحة، تحت حجة مساعدة النازحين، للدخول إلى المنطقة الكردية، متناسين الدمار والبنية التحتية الكارثية، وشحة المساعدات الإنسانية، وإن وجدت ستمر من تحت أيدي القوى المسيطرة، وسلطة بشار الأسد.
   هدنة ترقيعيه، لكنها مع ذلك، أن استمرت فهي أفضل من عدمها، وعلى الأغلب الحل السياسي القادم، والذي إذا صدر من جنيف، سيكون ترقيعياً أيضا وعلى سوية الهدنة، ويتمناه كل إنسان نبيل، لكن الحالتين لن يكتملان بوجود الأوجه البشعة، بدءً من سلطة بشار الأسد إلى المنظمات التكفيرية، وعبث تركيا وإيران والسعودية بالمنطقة، وسكوت أمريكا وروسيا المبطن.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
28/2/2016






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20337