ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان - الجزء السادس عشر
التاريخ: السبت 23 كانون الثاني 2016
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

 في المرحلة التي تنامى فيها الوعي القومي الكردي، وبروز الخلافات بين القوميين والأمميين الكرد، صعدت حكومة الوحدة وبتخطيط من جمال عبد الناصر الصراع بينهم، وركزت على دور المراكز الأمنية في المناطق الكردية أو التي فيها كثافة مميزة للقوميات غير العربية، ووجهتهم لتنمية مفهومين عنصريين، سيادة القومية العربية، والانتماء إلى الوطن العربي، فنشروهما بكل الطرق والوسائل، مستغلين الصراع المذكور آنفاً، ومن ضمن مجريات الحملة التي فرضوها على المدارس السورية عامة والشارع والمراكز الاجتماعية، والدينية كالمساجد والتكيات والمشايخ حتى في القرى، إعادة أحياء منطق السيادة والموالي،


 وتفوق العنصر العربي على القوميات الأخرى وبشكل خاص في سوريا على الكرد، وأرفقتهما سلطة جمال عبدالناصر، والتي كانت والوحدة نتاج الموجة العروبية الأولى في سوريا بعد الجلاء الفرنسي، بمفهومين آخرين متناقضين مع الموجة العروبية تلك، وهما: الوطني السوري والإخوة في الدين، وكانتا موجهتان بشكل خاص إلى الكرد، غايتها الأساسية التعتيم على مفهوم الإخوة والمساواة، والحد من تنامي الوعي القومي الكردي أو الكردستاني، وأرفقتهما بتزايد الحظر على كل المنظمات والمؤسسات والتجمعات الكردية التي تدعوا إلى ماهية القومية الكردية، ومنعت من الشارع والبيت وأماكن التجمعات كل نشاط أو حراك يتعلق بالبعد القومي الكردي وقضيتهم، فوضعت بنود في الدستور السوري لدعم هذه المفاهيم العنصرية، ودعمت بقوانين متتالية لمعاقبة الشعب الكردي تحت صيغ متنوعة، وصلت إلى حدود اتهامهم بالخيانة العظمى للوطن، والقصد منه الوطن العربي، في أبسط التحركات السياسية والثقافية أو الاجتماعية، أو حتى عند المطالبة بالعدل والمساواة، فشعار ( عاشت الإخوة العربية الكردية) كانت كافية لاعتقال صاحبها وزجه في السجن لسنوات، وأصبح من السهل اتهام كل ناشط كردي سياسي  أو ثقافي بالانفصال عن الوطن، وأي تشكيل قومي كردي، أو نشاطات أدبية تذكر فيها الكرد وحقوقهم القومية، كانت عقوباتها كعقوبة الخيانة للوطن، وبهذا المنطق ألصق مفهوم الانفصالي بالكرد، وألغي كل ما يقال عن جغرافية اسمها كردستان أو تاريخ ديمغرافي جغرافي ينتمي إليها الكرد. 
  وفي المرحلة تلك، المتنامية فيها الأحزاب العروبية الأكثر عنصرية في الواقع العملي،  والوطنية والإخوة في الدين كغطاء تلفيقي للنهج الفعلي، ومع تصاعد الفكر الأممي وانتشاره بين الكرد، ظهرت بعض التجمعات الثقافية-السياسية الكردية، وتم فيما بعد تشكيل الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا (البارتي) والتي كان ورائها جمال عبد الناصر، في الفترة التي تصاعدت فيها حدة التوتر بين سوريا وتركيا في عام 1957م، وبعد فترة قصيرة حاول بذاته وعن طريق مراكزه الأمنية المرعبة، القضاء عليه، لسببين: انتهاء دوره كقوة قومية كردية يضغط عن طريقهم على الحكومة التركية لإعادة قضية لواء اسكندرونه إلى الحياة، وهي نفس الخطة التي فعلتها فرنسا مع جمعية خويبون، التشكيلة الثانية التي كونتها بعد مؤتمرها الثاني وتحت إشرافها، للضغط على تركيا أثناء رسم الحدود السياسية بين تركيا وسوريا، ونعلم كيف تخلت عنها ولم تدعم ثورتها في آغري كما وعد، وعملت على إلغائها بعد الانتهاء من عملية رسم الحدود في المناطق الكردية والمبنية على معاهدة أنقرة عام 1921م، وقامت فيما بعد بإلهاء الكرد بمشاكل هامشية وخلقت بينهم صراعات عشائرية لتنسيهم وعودها في الجمعية. والثاني، كان، بسبب تغيير الحزب مسار نضاله من العمل داخل تركيا إلى النشاط ضمن سوريا، وعدم تقبلهم نقل النضال من سوريا إلى تركيا. هذا الموقف الكردي السياسي الصائب خلق التخوف عند المراكز الأمنية المراقبة ونبهت جمال عبد الناصر، فكلف عبد الحميد السراج بالقضاء على الحزب، وجند هذا بدوره مربعاته الأمنية بالإمكانيات والقوة وأول ما بدأوا به كانت عمليات الاعتقالات العشوائية، التي طالت ليس فقط القيادة بل العديد من أعضاء الحزب وحتى العامة من الناس، وجاهدوا لإزالة الحزب وهو لا يزال في بداياته، وأشرف عبد الحميد السراج رجل جمال عبد الناصر الأول في سوريا بنفسه على الخطة.
ركزت سلطة جمال عبد الناصر الشمولية على نشر المفهوم القومي العربي من جهة وترسيخ سلطته في (الإقليم الشمالي) سوريا من جهة أخرى، وباعتباره عروبيا شوفينيا، استهدف تعريب كل ما هو غير عربي، وفي مقدمة مخططاته القضاء على النهضة الفكرية والقومية الكردية، وطال ليشمل الوجود الكردي الديمغرافي والاجتماعي والثقافي إلى الجانب السياسي، فكثف جهوده عند ظهور بوادر خروج المجتمع الكردي والعائلات المتنفذة من العتمة الثقافية الذاتية والموضوعية الطويلة وتوسع الحركة السياسية الكردية. ففي البدايات حصر مخططاته بالأساليب الروتينية لمربعاته الأمنية، وسخرهم على تنفيذها بالطرق الاعتيادية، وفي فترة زمنية قصيرة صعد من وتيرة أعماله لتكون على سوية القضاء على ماهية الكرد كليا في غربي كردستان: 
1-   كان يمهد لتنفيذ مخطط بإجلاء الكرد من أماكنهم وتوطين مليون ونصف من العرب المصريين فيها، وأقام على بنيتها أول مستوطنتين كتجربة على نهر دجلة في المنطقة التابعة لديركا حمكو (زهيرية، والسلمية) من عرب السلمية، فمن خلال تمليك هذا العدد من المصريين في أراض خصبة سيزيد من شعبيته حتما داخل الإقليم الجنوبي(مصر) وربما كان لدى انفصال سوريا سيستغلهم بالتدخل في شؤونها كما حدث في مقاطعة ناكورنيا قرباغ، والتي هي الأن بديمغرافية أرمنية ضمن جغرافية تابعة لجمهورية أذربيجان. وفي الحقيقة كان منطق القضاء على الديمغرافية الكردية في كردستانهم هي الغاية النهائية، ورغم عدم نجاحها في فترته، لكن نهج الاستيلاء على أراضي الكرد وجعلها أملاك الدولة، استمر إلى ما بعد الانفصال وطبقتها السلطات العروبية المتتالية.
2-   اقتصادياً، وتحت مفهوم الإصلاح الزراعي، استولى على أملاك بعض المالكين الكرد، علاوة على ذلك منع سكان المنطقة الكردية من رعي مواشيهم ضمن قراهم، وحظر عليهم مراعيهم وأريافهم، وحدد لهم مكان في جبل عبد العزيز، وهي على مسافات تتجاوز مئتي كيلومتر من أماكن سكناهم، فمن الناحية العملية أن المكان بمساحته وبيئته الطبيعية ليست بكافية لتأمين الكلأ لماشيتهم لأكثر من فصل واحد، والعملية كانت ستؤدي إلى مجاعة للمواشي ومن ثم موتها، علما أن سكان المنطقة يعتمدون في معيشتهم على الزراعة والرعي. كما وكان هناك غاية أخرى منه، إخراجهم من قراهم وجغرافيتهم وبالتالي تفريغ المنطقة منهم، وجعلهم قبائل رحل. وعلى خلفيتها حصلت معاناة معيشية وتدهور اقتصادي في كلية المنطقة الكردية، وبدورها انعكست على سكنة المدن وتجارها الذين كانوا يستندون على الريف في الجزء الرئيس من تجارتهم. وقد رافق كل ذلك مخطط تكميلي، بدأها بقرار، منع تجديد أو بناء المساكن، بدون رخصة رسمية من عدة جهات ومن ضمنها عدة مراكز أمنية، وفي الواقع الفعلي كانت الرخصة شبه مستحيلة، وعليه دمرت بيوت العديد من الكرد في المدن والقرى، وتوقفت عمليات البناء بشكل شبه كلي في غربي كردستان، علما بأنه لم تكن هناك بلديات ولا تخطيطات لها إلا ضمن المدن الكبرى.
3-    لم يكتف سلطة جمال عبد الناصر بما سبق، فقد حاولت إبادة الكرد، مبتدأه بافتعال حادثة سينما عاموده، كما وانتشرت الاعتقالات العشوائية في المدن بمداهمة المقاهي والبيوت والمطاعم وحتى المارة في الشوارع، ومن كل الأماكن وبدون سبب، ومن لا يتذكر في منطقة قامشلو ما كان يقوم به رجالات أمن (حكمت ميني) في ترهيب الكرد وتعذيبهم في أقبية المكتب الثاني. فكانوا عند الاعتقال يسألونهم عن جنسيتهم، العرب كان يطلق سراحهم، والكردي كان ينال نصيبه من التعذيب وبدون أي سبب، وبشكل خاص طالت الاعتقالات كل كردي له ظهور أو نشاط اجتماعي أو ثقافي أو اقتصادي. وتنفيذاً للمخطط قامت مراكزه الأمنية بتهجير أكثر من مائتي عائلة كردية من محافظة حلب إلى تركيا، تحت حجة عدم توفر شروط المواطنة للجمهورية العربية المتحدة (الإقليم الشمالي) علماً أنه كان لمعظمهم أملاك وعقارات موروثة من أجدادهم، تعود إلى فترة ما قبل تكوين سوريا، أي قبل رسم الحدود بين سوريا وتركيا، وكانت تلك بدايات التفكير الشوفيني في سحب الجنسية السورية من الكرد لاحقاً...
يتبع...  
 
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
20/10/2015






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20168