هل الإسلام دينٌ للعرب - الجزء الأخير
التاريخ: الأربعاء 06 كانون الثاني 2016
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

الخطابين المتناقضين في القرآن، صعبت على العرب فهم الإسلام، وحيرت الشعوب الأخرى، وهي التي أدت إلى ظهور التأويل المعتزلي، ليتمكنوا من أخذ القرآن كوحدة متكاملة، والذي في عمقه الفكري والعملي شبه مستحيل. مع ذلك ومن خلال الصراع بين التأويل والتفسير، حاول قادة المسلمين الذين كان يهمهم سلطانهم، فرض الإسلام كدين شمولي أزلي، أخرجوه من جغرافية شبه الجزيرة العربية، ونقلوا مفاهيم القرآن التي خاطبت القبائل العربية إلى مفاهيم اجتماعية تشمل العدالة الاجتماعية عند كل الشعوب، وعليه ظهرت الخلافات الكبرى في الإسلام.


 ولا تختلف هذه الجدلية عن منطق الناسخ والمنسوخ، والتدرج الحاصل لتهيئة القبائل العربية لمطلق الأحكام، والتي لم تتلاءم والشعوب الأخرى، فلو كانت الأحكام لكل البشرية لما احتاجت إلى التدرج في الفرض المطلق، كتحريم الخمر على سبيل المثال، فعلى هذا المنطق ستظهر الآيات المدنية التصاعدية في العنف والقتل كأحكام ملغية لمفاهيم الآيات المكية في الرحمة والسلام. فمن المعروف أن القرآن بلغت الشعوب الأخرى بدون تدرج بل فرضت عليهم الآيات الملغية قبل الممهدة، وهذه تبين أن النص كان للعرب وقريش حصراً، وخرجت من جغرافيتها بعد تصاعد قدرات الاجتياح والغزو.
 لا يمكن فصل الإسلام عن اللغة وعادات وتقاليد القبائل العربية، والعديد من معتقداتهم الدينية الجاهلية، لهذا يفرض على كل مجلس إسلامي أو فقيه ديني أن يكون عالما بتقاليد العرب ولغتهم وثقافاتهم القديمة وتاريخهم وعباداتهم السابقة، أي أن يتعرب، لغة ومن ثم فكراً، ليحق له شرح الدين، وليس فهمه، أو استيعاب الغاية من الإسلام، لهذا فالإسلام بعمقه وبعده العام دين عربي أو لمن يتقمص العربية، أو يفهم عادات شبه الجزيرة العربية، ولا علاقة لعادات وتقاليد الشعوب الأخرى من العالم به، ولم يتعرض القرآن إلى مفاهيم وعادات شعوب أخرى من خارج الجزيرة العربية أو التي وردت في التورات.
  في البعد الإنساني يعتبر الإسلام ثورة، أو أنه وحي إلهي تتجاوز أبعاد الثورات، لكنه لم يتجاوز مفاهيم القبائل العربية، فلم يتطرق إلى طقوس دينية من خارج نطاق قريش، ومفاهيم خارج مفاهيم القبائل العربية، ونحن هنا نتحدث عن العبادات وليست الروحانيات التي غيبت بعد الهجرة، كمنطق الناسخ والمنسوخ، أي الآيات المدينية ألغت الآيات المكية، فقد كرس الإسلام معظم الطقوس العربية الجاهلية الدينية وخاصة طقوس قريش، حول الكعبة، بعد إدخال تحويلات ثورية عليها، وشذبت عميقا في بعض عادتهم، وبالمقابل مجدت بعضها، مع تغيير في الأسماء والأوصاف، فطقوس الحج تكريس لما كان يقوم به قريش سابقاً، وعدل الغزو إلى الجهاد، ومن العبودية إلى الموالي والإمة، ومن النهب والسلب إلى الغنائم، ومن القتل لغنيمة إلى القتل من أجل إعلاء كلمة الله،  وجميع هذه العادات والمفاهيم والتقاليد مرفوضه ومنافية لثقافة الشعوب الأخرى، والتي لم يتطرق إليها القرآن. 
  ورغم مرور قرون، وتراكمات معرفية، واطلاعهم على الفلسفات المتعددة، والتعرف على حضارات الشعوب الأخرى، لا يزال المفهوم التجسيدي العنفي مسيطرا، والذي يمثله اليوم المذهب الوهابي، ومن يتبعهم من المنظمات والحركات السياسية الإسلامية، بدعم من السلطات المدنية، وحيث السطوة المادية المساعدة على نشر الفكر العنفي، ودعم الأئمة الذين يرون الجهاد والقتل الطريقة المثلى لنشر الإسلام. وفي الواقع تبرير القتل، والعنف، والمعاناة، ناتجة من تدخل الدول الكبرى في مصير الشعوب الإسلامية حجج ملغية، فالنزعة مبنية على النهج المديني في الإسلام، والتي تحرض المسلمين على الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله إلى أن يسلم أخر إنسان على الأرض، وكلمة (أعدوا) الموجودة على شعار الإخوان المسلمين، التيار الإسلامي الأكثر ليبرالية، تبين على قناعتهم المطلقة بالعنف كطريق أوحد للجهاد، وهي الكلمة الأولى من الآيات المدينية التي تحرض على استخدام العنف والقتل بحق الآخر غير المؤمن، وهي ثقافة القبائل العربية الجاهلية التي خرجت من شبه الجزيرة العربية في بدايات الإسلام، والمبنية على الغزو.
 الإسلام تعارضت والعالم المحاط، ويجدها أغلب الشعوب الأخرى رغم إسلامهم غريبة عنهم، ويلاحظ أن أغلب المذاهب المتشددة حتى اليوم يتخوفون من أن تظهر عبادة الأصنام ثانية كما كانت قبل الإسلام، لأن طقوس مذاهب فيها الكثير من هذه الأبعاد، فأغلبها على حافة الرجحان بين الروحانية، والأصنام التي كان العرب يعبدونها، ولهذا يظهر أقسى أنواع العنف ضد المزارات، والتكيات الدينية، ومقابر الأجداد، والتماثيل التاريخية، علما أنهم وبالمقابل يمجدون في الله، عن طريق الإجرام، وهم بذلك يفرزونه كإله القتلة والمجرمين، وباسمه يكفرون البشر، فالله في عرفهم لم يخرج من منطق الحاكم الذي يفصل بين عباده، يحلل قتل البعض وتكفير آخرين، وكأن الله عاجز بدونهم عن حكم عباده. فالإسلام بأجزائه المدينية من قرآنه ولغته دين هذه الشريحة من البشر، ومعظمهم ينتمون إلى القبائل العربية الجاهلية، أكثر من أن يكون دين الشعوب الحضارية، أو التي كانت تعيش الحضارات، والذين ظهر بينهم الألهة أو الله بروح السلام ونشر الدين بالحوار والإيمان عن قناعة ذاتية، وهذه المفاهيم مستسقاة من أديانهم القديمة، والذين اختلفت لغتهم وتقاليدهم ومفاهيمهم عن عادات وتقاليد القبائل العربية أو ما وضعه الإسلام من مبادئ.
 بين الشعوب خلاف، حول الإسلام، ومفاهيمه، وطرق العبادة، والتقرب من الله، أو ما يجب أن يكون عليه إلّههم، ومفهومهم لله، وكيفية نشر الإسلام، فالبشرية أمام خيارين، خيار العنف، والذين يؤمنون به كطريقة لترسيخ سيادة الله على الأرض، وهؤلاء يجعلون من ذاتهم حماة الله، ويجاهدون لمساعدته، وينصبون ذاتهم وكلاءه على الأرض، وهي رؤية قاصرة، فيه الكفر واضح، تبين ضعف قدرات الله. وآخرين الذين يكفرون هؤلاء أو يبرؤون الإسلام منهم. وهي جدلية سفسطائية بين الطرفين. 
   فلا خيار أمام المسلمين من الشعوب الأخرى، بكل طوائفهم ومذاهبهم المتضاربة، إلا أن يفرزوا ذاتهم ويفصلوا إسلامهم عن إسلام التكفيريين والأصوليين أو الإسلام العنفي، ورغم أنها حقيقة موجودة، وحجج الإسناد عليها متشعبة وعديدة، ويمثلون جزء واسع من الدين المخالف لإسلام شبه الجزيرة العربية، ولهم مؤيدون بالملايين، ولديهم فروقات هائلة عن الإسلام الذي استندت عليه القبائل العربية الجاهلية في غزو الأخرين وسبي نسائهم، ليتمكنوا من تبرأة ذاتهم من جرائم تبعة المذاهب العنفية، فإسلامهم يختلف عن دين الشعوب التي كانت تعيش الحضارات.
جدلاً تنشر أن الطرفين ينتميان إلى الدين ذاته، علما أن الإسلام ومنذ بدايات الهجرة ركزت على العنف وصاعدت فيه وتلاءمت وعادات قريش والقبائل العربية الجاهلية، والإسلام الروحي المكي والذي الغي بمنطق الناسخ والمنسوخ، انتشر كدين للشعوب التي تبنت الإسلام خارج مجازيات اللغة العربية وعادات وتقاليد القبائل الجاهلية وطقوس قريش، وتطورت بعد تراكمات معرفية لتتلاءم قليلا مع العصر، وتنتشي مع التغييرات الحضارية، ولا علاقة له في عمقه بإسلام شبه الجزيرة العربية.
 
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
12-7-2015






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20117