تعددت الأوجه والعسف واحد (ورقة تضامن مع بير رستم)
التاريخ: السبت 28 نيسان 2007
الموضوع: اخبار



م. حج كبه

منذ فترة وفي إحدى لقاءاته المرئية تحدث فؤاد سالم عن معاناة المبدعين إبان النظام البائد في أرض السواد، مسترسلاً في الذكريات وكيف أن أزلام المقبور لم يكتفوا بالقمع والتنكيل والنسف في الداخل، إنما أمتد عسفهم للمبدعين حتى وهم في الخارج، حيث لاحقت الأحرار (أنياب الكواسر) أينما ولوا وجوههم


ولم يكتفي النظام بهتك أجساد الناس إنما جاهد ليل نهار لخنق كل المواهب والإبداعات، فكان هاجس الفاشست قتل الروح الخلاقة لكل المناوئين، فياما منعته الأجهزة القمعية من الغناء؛ يقول سعدون جابر لا لأجل شيء سوى لأنه لم يتورط في التنميق والتقريظ مع أوبة المرائين، فخنقوا نشاطاته سنوات مع عدم إعلامه حتى على ماهية التهم الموجهة إليه، هي هكذا عقلية الشموليين أينما كانوا فلا ينتشون إلا لصهيل النفاق وهزات الرداحين، ولئن بعدها بفترة تعرض الشاعر محمد حمو في دولةٍ أخرى، ومن قبل نظام آخر لنفس الوسائل النتنة من الضغوط النفسية والاقتصادية واللطم والابتزاز في الفروع المعنية بذبح الرجاء ونحر الوئام، فالمكان تغير ولكن العقلية والمنهجية كانت هي هي، وبعدها كان دور الفنان عزيز محمد حيث عومل بنفس الأساليب الدنيئة، من قبل الأجهزة المختصة بتشويه الوداعة وسحق الأمل، وظلت الأجهزة تلك تداهم حياته حتى غادر الوطن كارهاً مكرهاً، والسلسلة لم تنقطع بعد إذ منذ شهورٍ يتعرض الفنان بافى صلاح وكذلك ابنه صلاح لنفس المضايقات من قبل أفعوانات الأقبية.
فالعقلية الاستبدادية لم تتغير رغم تغيير الأوجه والثقافة التعسفية لم تختلف رغم اختلاف الزمان والمكان، عموماً فتاريخ محاربة الفكر والإبداع لم تبدأ الآن إنما بدأت منذ أن كانت الكلمة، من جاليليو، سقراط، ابن رشد، الحلاج، ناظم حكمت، جوزيف برودسكي، فرج فودة، نوال السعداوي... ولن تنتهي إلا بانتهاء القسر ودفن عقائد الطغيان، لن تنتهي إلا بانتزاع فتيل العدوان من ذات الإنسان، ولا فرق بتاتاً بين مستبدٍ وآخر، ولا مفاضلة بين قمع السلطة وقمع المعارضة، لأن الثانية سرعان ما تصير أبشع من الأولى بعدما تتسلم مقاليد الحكم، ما دامت تحمل نفس العقلية الجائرة؛ إذ ياما من مناضلين دافعوا عن القيم والحريات وهم تحت وقاموا بقمعها بشراسة عندما صاروا فوق، وياما من حركات تحرر نادت بالإخاء والمساواة وحقوق الأنام، ولكنهم عندما تبوءوا مقام السلطان اتبعوا نفس أساليب وممارسات السجان، هي مسألة سلوكية إذاً ولا شك للموقع بمكامن الإنسان، إلا أن الموقع قد يساهم في شرعنة العنف والطغيان، والسلطة ربما تساعد في تحقيق الغرائز المدفونة، فتخرج المخبوءات من جحورها لتنفذ الرغبات التي ظلت محبوسة ومؤجلة أزمان.
إذاً فالمستبد مستبد إن سكن في كوخ أم في قصور الخاقان، والجور جورٌ سواءً أكان على الغريب أم على الخلان، ولعل جميعاً يتذكر تصرفات عشاق وأنصار العائم على يم الأناضوليين الآن، وما كانوا يفعلون ويمارسون من العسف بحق باقي أطياف الحركة في كردستان، من الضغط والتهديد وحتى الضرب والقتل للذي كان يقف في وجه مخططاتهم التآمرية، أو من كان يشك في مشاريعهم التخريبية، وبعد أن أنتقل قيلهم إلى مكانه الأساسي حسب قول الكاتب منصور الأيوبي، خمدت هيصاتهم وتقلصت تجاوزاتهم وأنزاح كابوسهم الذي ظل جاثماً على صدر الشعب والحركة لعقدين من الزمن، فتنفسنا الصعداء وقلنا انتهينا من الثقافة الاستالينية إلى الأبد ولكن يبدو بأن تقافتهم النفقية ولغتهم العنفية وحلولهم العنجهية انتقلت إلى جسم الحركة الكردية، فها هو كاتب عفريني يتعرض للضغط والتهديد من قبل أنصار فصيل كردي آخر لأنه انتقد أساليبهم النضالية ودان طرائق تعاملهم مع باقي الأطياف، والوقائع تشير بأنهم سائرون على خطى أنصار القابع في إمرالي، هي نفس الوسائل ولكن في مكان آخر وزمانٍ آخر ومن قبل فصيلٍ آخر، اختلفت الأوجه أما المعزوفة فواحدة، هي نفس الرائحة لكن من مصدر آخر.
وقد كان من المفروض أن تصدر ورقة تدين التجاوزات التي حصلت في ناحية جنديرس، إلا أن الأسقام الحزبية متغلغلة بعدواها حتى في نفوس المثقفين، فعرضنا على الإخوة كتابة كلمات تضامنية مع الكاتب وتدوين مفردات تدين تصرفات المجموعة تلك، إلا أن بعضهم استخف بالفكرة برمتها باستثناء الثالوث عبدو خليل، علي عزت عبد الرحمن، دارا ئستري، أما الباقي فمنهم تهرب من مسؤولية الإمضاء، ومنهم من قزم الموقف لينسف جذور المساهمة، ومنهم من تململ لأنه يعتبر نفسه ربما منافساً لبير رستم، ومنهم من جاهد لعدم إصدارها لأنه يرى بأنها لو صدرت الورقة المشتركة فإنها ستكون بمثابة حملة دعائية للأستاذ بير وهذا طبعاً لا يسر الأنداد المنافسين، لأن من بين المثقفين من يحسدون أقرانهم حتى في المحن، إنها الأنا العليلة التي دائماً ما تتقدم على الإيثار، فالأنا وقفت في وجه النحن لإفراط اللمة الرؤيوية في قول الحق والواجب.
فمع أننا كنا من أول المنتقدين لبير رستم في يومٍ ما، ومكانٍ ما، ولسببٍ ما، ولسنا ضد أي شكل من أشكال الانتقاد الحضاري، شرط أن لا يخرج عن إطار الفكر والقلم أو السجال والكلم، فالنقد مرحبٌ به لكن بحيث أن لا يتجاوز مضمار الفكر والعقل، إذ ترانا نستنكر بشدة أي تصرف يتخطى حدود الجدال والكتابة وينزلق إلى تخوم الوعيد والتهديد، فالركون للغة الرعونة لا تليق بأنصار حزبٍ يناضل سلمياً ولا هي جائزة بحق أديبٍ يعتبر أحد أهم الوجوه الأدبية في عفرين، إنها بحق لمفارقة أن يستعن بعضهم بثقافة وعقلية الجلاوزة لتصفية الحسابات الحزبية، وإنها لازدواجية فاضحة أن يتعرض المرء للضغط والإكراه من قبل كوادر فصيل لا يزال يناضل من أجل رفع الغبن عن كاهل شعبه، إنها لإشكالية نضالية أن تحاكي جهة ما من داخل الحركة أخلاقيات وأساليب رجالات الأقبية، إنها حقاً معضلة التحزب التي كرست أفكار وأقاويل الإسلاميين ولكن بطريقة مغايرة "انصر رفيقك ظالماً أو مظلوماً وبدون أن تلجأ إلى العقل والمنطق" إذاً فهي ثقافة قرونٍ يا أخ الكتابة ومن الصعب اجتثاثها بين ليلة وضحاها، ولعل أحد أعقد مقابح الحركة برمتها كامنة في قواقع التحزب، لذا نتمنى منك قبول اعتذارنا عنهم لأنهم أيضاً ضحايا مهندسي الشروخات، ويعملون بعقلية كرستها الأسقام الحزبية، سامحهم لأنهم لا يدرون عواقب تصرفاتهم الشخصية.
ملاحظة: كان من المفروض أن تنشر هذه المقالة في بداية شهر نيسان إلا أن التخلف التكنولوجي كان السبب في عدم النشر.

حلب – 2007








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2002