آفة الصحراء والبداوة - الجزء الأول
التاريخ: السبت 17 تشرين الاول 2015
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

  أربعة عشرَ قرناً من الزمن، ولم يتمكن الإسلام من تغيير الثقافة الجاهلية، ولم تهذب القبائل التي آمنت بالغزو مبدأً للعيش، والسبي دافعا للقتل. فإما الإسلام وقرآنه تحافظ على تلك الثقافة بطريقة ما، وتعزز هيمنتها، رغم آيات السلم في بعض سورها، أو أن الثقافة الجاهلية كانت أصلب من أن تتمكن مفاهيم الإسلام على تشذيبها، وفي الحالتين، تظهر أن الطفرات الإرهابية المتتالية والحروب الدامية لم تخمد يوماً، منذ وفاة الرسول وحتى يومنا هذا، إلى جانب النسبة العالية من الاغتيالات والقتل بين المسلمين وخلفائهم والمطالة 70% منهم منذ الخلفاء الراشدين وحتى يومنا هذا. فهل هذه تعكس أن في الإسلام ضعف في السلام وهيمنة في رفع شأن العنف والقتل، وما يقال من الرحمن والسلام ليست سوى مفاهيم عابرة لا تؤخذ بها ولم تكن قابلة للتطبيق، وظلت الثقافة الجاهلية مسيطرة ولم تخسر عناصر ديمومتها، ومنها حب القتل والسبي واستخدام العنف كمبدأ للتعامل مع الأخر المخالف، ومن آمن وطبق الإسلام كدين سلام لم يتمكنوا من الظهور على الساحة العملية منذ ظهور الإسلام وحتى يومنا هذا؟ 


   ليست البداوة بناقصة، ولا طرق المعيشة في الصحراء، فهي مرحلة تسبق الحضر، والمدنية، بحث فيها العديد من المفكرين وبينهم أبن خلدون، وتعمق فيها. وقساوة الحياة محل فخر واعتزاز المجتمعات، حتى الحضارية منها، وأغلب القبائل الصحراوية خرجت من جغرافيتها، مدمرة للحضارات، وخالقة للكوارث في الأطراف، بسبب نوعية الحياة التي تعلمتها، وتربت عليها، وهي الغزو والعيش من ورائها إلى جانب الرعي، بل الرعي كطريقة وحيدة للعيش فرضت عليهم منطق الغزو ذاته. وقد اشتركت في هذه العادات القبائل العربية الجاهلية مع القبائل التركية والتركمانية والمغولية، رغم البعد المكاني بينهم، فظروف الحياة لقنتهم أساليب التعامل اللاإنساني، وتفاقمت عند اجتياحاتهم للشعوب الغنية المجاورة.
   اختلفت القبائل الجاهلية عن الأخرين، لحملهم كتاب فرض عليهم تقديسه قبل الخروج من صحرائهم، والآفة المعنية ليست هي نوعية الحياة وجلافة الإنسان بسبب الظروف البيئية والمعيشية والمعتمدة على الرعي وحده للعيش، فالبيئة تلك فرضت عليهم العديد من الخصال المنفرة كالغزو ومنطق السبي وعدم الثقة بالآخر، والقيمة، كإكرام الضيف وتحمل قساوة الحياة. 
 نوعية الثقافة، وطرق فرضها على الشعوب المجاورة، عن طريق الغزوات تحت غطاء الدين المراد منه إسلامهم وتهذيبهم، وتفضيل السيف على القلم والمعرفة، والغزو على الزراعة، هي الآفة التي نبحث فيها. ففي المراحل التي تلاقت فيها هذه القبائل بالمعالم الحضارية، لم يستفيدوا منها، بل غيروا من ماهيتها وفرضوا على شعوبها ثقافتهم وطرق تعاملهم مع المرأة ورؤيتهم لها، سادت بينهم قبل الإسلام تفضيل السيف على العلم، وكانت رائجة بشاعة العلاقات الاجتماعية والتعامل الفج بين بعضهم، واستمرت بعدها، وسادوا على الشعوب ومعهم تلك الثقافة، فانتشرت الآفة، وأخمدت الروح الحضارية في البقع الجغرافية المحتلة، والتي كانت منبعا للحضارات على مدى الألاف التي سبقت اجتياح القبائل العربية والتركية لها.
   خرجت القبائل الجاهلية الإسلامية من عمق المجاعة، حاملين ثقافة الغزو قبل الإسلام، يتقدمهم منطق الغنائم والقتل والسبي، مستندين على تضاربات فكرية، بين ثقافتهم الجاهلية ونصوص قرآنية تحرض على قتل الآخر بحجج تسبقها، وهي كانت قد ظهرت في الأصل لتليين جلفهم وأساليب معيشتهم، تلقفتها القيادات الحاكمة بعد محمد وشرائح من حولهم، للسيادة على القبائل المحاطة بالمدينة والمكة، وبعد حروب الردة توسعت مطامعهم لتشمل أطراف الجزيرة العربية، فكلما كانت تزداد غنائمهم وتكثر سباياهم كانت تتوسع طموحاتهم، ومن حينها فتحت أعين القبائل الجاهلية، على غنى الأمصار، حتى تلك التي لم تكن قد أعلنت إسلامها بعد، كما حدثت أثناء هدمهم لعاصمة الإمبراطورية الفارسية، المدائن.
 الفروقات بين صحرائهم ورفاهية الشعوب المجاورة، انتشرت بين القبائل، وحرضتهم على الغزو بدون تلكؤ، أراد قادة الإسلام تحميلهم الإلهامات الفكرية ونقلها إلى جغرافيات العالم، كتجارة، مقابلها الغنائم والسبايا والعبيد، أو الإمات، فحملوهم تعاليم القرآن العربي إلى خارج الصحراء، والتي نادرا ما كانت الشعوب المحتلة تفهم أو تعرف معانيها كلغة أولا وكثقافة ثانية، ولم تتلاءم قوانينها ومفاهيمها وثقافة الحضارات، والقرآن كان للعرب قبل أن يكون لشعب آخر (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) مع ذلك سادوا تحت فيئها، وطبقوا عوضا عنها الثقافة الجاهلية وعاداتهم السائدة، أو المفاهيم الإسلامية التي تحرض على العنف والسبي، والمكرسة للعادات الجاهلية  بعد أن نسخت بقوانين وتحت إطار مقدس، متخليين عن الجانب الإنساني والسلمي فيه، ومعظم المنظمات الإسلامية التكفيرية وهيأتها والسلطات الشمولية العروبية لا تزال تكرس وتعمل على نفس الأبعاد الجاهلية وتتعامل مع الشعوب المتواجدة في الجغرافية المسماة جدلاً بالوطن العربي على منطق  الصحراء البدائي ذاته، وكانوا سببا في خلق الحقد والكراهية بين العرب وشعوب المنطقة، رغم ما يقوم به بعض الأنقياء والمثقفين الوطنيين من العرب والشعوب الأخرى في تغيير وتشذيب تلك الثقافة...
يتبع...
    
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
10-16-2015






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19799