خليل مصطفى المفجوع بولدين معاً :حسين ورامان
التاريخ: الخميس 17 ايلول 2015
الموضوع: اخبار



ابراهيم محمود

بالأمس القريب جداً، كتبتُ عن رحيل الصديق والكاتب الكردي خليل خالو، وقد فوجئتُ برحيله الأبدي، لكن فجيعة الصديق والكاتب والفنان الكردي  خليل مصطفى من الصعب تقبّلها نفسياً في حادث هو حدث تاريخي كغيره من الأحداث التاريخية التي نفجع بها عائلياً واجتماعياً، ربما في " مجزرة " محمولة ضمن الشاحنة السيئة الصيت وفي الحاضنة الجغرافية النمساوية أواخر شهر آب، وكان من ضحاياها أكثر من سبعين روحاً، ومن بين الضحايا ولداه: حسين ورامان.
ولدان، شابان، متعلمان، جامعيان في أول طلعتهما الحياتية، في أول إقبالهما على حياة لا تعنيهما وحدهما، إنما الأهل وحتى المجتمع الذي ينتميان إليه كغيرهما، لكن طريق الهجرة الاضطرارية إلى أوربا لم يستجب لرغبتهما، ليكونا من بين ضحايا هذا الطريق الذي يتشعب ويتقطع بنا كرداً وغير كرد: برياً ومائياً، وفي كل رقعة أو اتجاه ثمة ضحايا " أضاحي تترى ".


مفاجأتي بهذه الفاجعة الاثنينية كبيرة، وهي شديدة الخصوصية، لأنها أكبر من مفهوم الرحيل الذي يرتبط بوفاة طبيعية أو جرّاء مرض يودي بالمرء، أكبر من مجرد " وفاة "،فما قبْلها مأساة، وما بعدها مأساة، وهي مأساة مؤلمة آلمة بذاتها، وما أكبر مفاجآتنا نحن شعب الهجرات التي تتقطع بنا السبل داخلاً وخارجاً وفي ندرة يشاركنا بها قلة من شعوب الأرض، شعب له في مآسي الهجرات تاريخ لم يدوَّن حتى في قليله القليل وهو مستمر في مباغتاته لنا.
باسم من تُقيَّد الجريمة تلو الأخرى ؟ وهذه الجريمة " الشاحناتية " الملغومة بأرواح ملؤها الطموح والرغبة في حياة لا تستهدف سوى عمرانها، تبعاً لأي صنف من الجرائم ضد الإنسانية، أي إنسانية؟ حيث المسئولون عنها متعددو الجنسيات من منطلق حسين ورامان حتى إلى الأبعد من فاجعة حسين ورامان مع أخوة وأخوات إنسانيين لهما ؟ هل ستقيَّد شأنها شأن جرائم كبرى ضد مجهول؟ أهذا ما تفتقت وتتفتق عنه قريحة القوانين المدنية الجزائية : الحقوقية وشرعاتها دولياً ؟
كرد لنا سيقولون ولو بتأسف: من قال لهما أن يذهبا إلى أوربا، معنيون بوقائع من هذا النوع سيقولون ربما بتذمر وتأسف: التاريخ لم يتوقف عن سرد قوائم بأسماء من هذا القبيل وأكثر، حقوقيون سيقيدون تاريخ وقوع المأساة ببرود، ويعدّون تقريراً عن ذلك كما لو أنهم أمام عملية حسابية وإجراء روتيني.. شعراء، ربما ، سيتناولون الفاجعة إلى جانب غيرها في منظومة أبيات باسم شعر تأكيداً على تفجعهم بما جرى يصفعون بها قلوب المفجوعين بحركات مسرحية....الخ.
أخي، صديقي المفجوع خليل مصطفى، وأنا أقرأ هذا " النعي " خبر الفاجعة التي شملت فلذتيْ كبدك وعائلتك وأهلك ومحبيك ومن لهم صلة بما هو إنساني، لا أدري كيف أواسيك، أعزّيك، أشد على روحك أيها الأب المأهول بحب الزوجية وثمارها الروحية، وأعلم أي قلب مأهول بالإيمان بما يحصل هو قلبك، ربما أعلم أن فجيعتك برهانك الروحي ليستقيم قلبك أكثر بنجاح أولادك ودخولهم معترك الحياة فالحين فيها، وتستعيد أنت وأهلك بعضاً مما كنت تحلم به ومن حقك أن تحلم بحياة لا تتمنى منها إلا ما يبقيك محصّن الروح واليد في بيتك وبين أهلك، سوى أن الحلم نفسه كما يظهر عمَّق هذه الفجيعة، كان متآمراً على مضمونه.
أقدّر فيك نبل حزنك المشروع، نبل تعاطيك مع الفاجعة وهي ليست نبيلة بملابساتها، وأنت ذاهل عما يجري" أو هكذا أقدّر "، نبل تمالكك للمتبقي من طاقتك الروحية بما فيه من مكابدة وضع صحي واجتماعي مزلزلَ البلد وما ولد، أقدّر فيك قابليتك للانفتاح على كل ما هو مباغت ولم يعُد بمباغت في ضوء الجاري وهو رهيب ويفوق التوقع، وإذ أسمّي نبلك هذا وأعظّم هذا الحزن العائلي والأهلي والاجتماعي فيك يا أخي خليل، فلشعوري أنك مستوعب ما جرى ويجري مأساوياً، شعوري أن ما أنت فيه وعليه من وضع فواجعي " إن جاز التعبير " لا يرفع عن روحك حصار الألم المكين وحكْم الواقعة النافذ في عموم جسدك وأهلك ومحبّيك، ربما، أقول ربما، يخفّف من وقْع الجاري: الصدمة، حيث العزاء: التصبير، وأنت أعلم مني بذلك، والصدمة كبيرة، مزدوجة، لا بل أكثر من ذلك وفي أرض لا يعرَف عنها إلا باعتبارها نمساوية، وفي موقع لا يعرَف عنه شيء إلا عن طريق الصورة والخبر المرافق، وكيف هو مآلهما الجسمي كغيرهما من عائلتهما الإنسانية التي لقت حتفها في جريمة لا أعتقدها تستثني أحداً من سماسرة الحروب والتلاعب بالعواطف.
هذا الصباح الباكر كانت قراءتي لنبأ الفاجعة، وجاءت كتابتي السريعة كما هو تسارع نبضات القلب، ولا أدري فيما إذا كنت تتقبل من أخيك البعيد عنك القريب منك، تعازيَّ الروحية، مؤاساتي القلبية، هذا الوسيط الضوئي الذي يحمل هذه الكلمات التي تتشح بالسواد وترسيمة الحِدَاد، وكلّي يقين أنك خلل السواد تعيش بياض روحك، بياض رؤيتك لما يجري، ثبات بياضك، وضوح تفكيرك للمصيبة التي تسمّي مجتمعاً، إنسانياً، كلّي يقين أنك العزيز خليل مصطفى كما عهدته بالأمس وأعهده اليوم وسأعهده هكذا غداً،أنا صديقك، أخوك ابراهيم محمود معزّي أخيه في فاجعة ولديْ أخيه الكبير خليل مصطفى !
دهوك الصباح الباكر من 17 أيلول 2015 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19675